حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:25
المحور:
الادب والفن
من المشكوك فيه أن أحدا قادر على فهم شخص آخر مهما عايشه وكان قريبا منه, توجد تفاهمات بالخطوط العريضة لا شك بذلك,لكن طبقة المشاعر الكثيفة أعمق من الفكر والكلام,مساحات الصمت و كذلك التكرار, تشكل حلقات مفقودة في التواصل البشري, حتى الحميمي والمباشر منه. الكلام يقرب المعنى ويبعده بنفس الدرجة, المفردات والجمل هي ألغاز مثيرة للقلق أكثر مما هي إشارات واضحة للسلوك والخبرات, بحيث يمكن الاطمئنان إلى دلالاتها المكتملة, الممنوع والمجهول مصدر القلق.
رجل يشبهني
وضع قدمه في المكان المناسب
ومشى خلف الخطوة الأولى
دار حول نفسه
ولم يجد الأعداء
لم يجد الأصدقاء أيضا
شاركت في عذابه كغيري
وكان الطواف رتيبا معادا
مضت الأيام الأولى ببطء
لكن الشهور ثم السنين, مرت بسرعة
لو أن الزمن يستعاد
كنت سأكلمه وأصغي إليه
وكان سيفعل بجدية أكبر
لو وضع نفسه مكاني
وكنت أنا الرجل الذي يشبهه
نشأت على الفكر الصبياني الذي يعتبر أسطورة عباس بن فرناس, ومحاولته الطيران بواسطة الريش, هي بداية عصر الطيران. هذا الولع في إنكار الحاضر, بل في إنكار أسس الواقع بمجملها,أصطدم به باستمرار في حياتي الشخصية والعامة.أجد في التعامل مع, ما حدث وانتهى الأمر,ومع المعطيات الواقعية مشقة, وتلك بداية الميول ألذها نية.التشبث بحكاية الماضي المنتهية, وتدويرها بشتى الصياغات عبر الاجترار والندم, أقصر الطرق لفقدان الحاضر.سنة ال81 عرفت أن كلمة فقر تشملني,وحتى اليوم أجد صعوبة بالغة في الإقرار بالفوارق المتعددة بين البشر واعتبارها حقائق اجتماعية.أدركت بعد جهد بالغ أن الواقع النفسي أكثر رسوخا مما نظنه, ربما ذلك يفسر شيوع نظريات التآمر في الثقافة العربية, فما زال الكثيرون بمن فيهم القادة والساسة وأساتذة الجامعات, غير مدركين أن العالم تغير بعد تفجيرات نيويورك, وأن احتلال أفغانستان والعراق نتيجة مباشرة لذلك. يستمر إنتاج الوعي الزائف عبر تزييف الواقع وتمويهه وحجبه في سياق مصدرين يتحكمان بعالمي الفرد: الداخلي والخارجي, الظلم الاجتماعي(الاستغلال)بالتعبير الماركسي الشهير, وتعارض الدوافع مع مقتضيات الواقع(الكبت)بالتعبير الفرو يدي.
كنا عائلة مجانين نفتقد لكل شئ:
الأب غائب, لا يقوى على التسامح.
لأول مرة أخرج من البيت في الظلام دون خوف,جاء عمي برفقتي, صلوات الجد وتعاويذه, لن تعيد الروح إلى ملكي, ماتت أختي ولم تكمل العام تحت سمع الله وبصره.
لن أسامحك يا إلهي, العجز أو الامتناع عن المساعدة, لا تغتفران في ليل بيت ياشوط البهيم
بيت ياشوط جرح الجبال النازف أبدا
مع الصنوبر البري والماعز والسنديان
نحلم بمغادرتك قبل أن نتعلم النطق
ونعود بالأكواع والركب
بعدما نيئس الكلام
بين صخورك رقد أحبابنا
ومن ملئوا تلك الأودية بالدموع والدم
في بيت ياشوط رأيت الله حافيا
والجبال تنهش روحه
بصقت على صدري وعلى طريقي
عضضت على الجرح ولا أقوى على الصراخ
ليست المشكلة في محبتنا الزائدة لأنفسنا, هذا خطأ شائع. المشكلة أننا لا نحب أنفسنا إلا في حالات خاصة, وفق الصورة التي ترسمها الأعراف والتقاليد,نكره أنفسنا في المرض والضعف والفشل, تلك الثقافة تختصر وجودنا الواسع بغناه وتعدده إلى عادات فقيرة, حددها الأسلاف وفق شروطهم. لكن كيف نحب أنفسنا في الفقر والموت وما لايمكن فهمه, وإن حدث فهو يفوق طاقتنا
كثيرا ما نقول سامحنا
ونحن نعني أننا لن نستطع ذلك أبدا
يسعى المرء لنيل الإعجاب, فإن تعذر ذلك يسعى لنيل الاهتمام, فإن تعذر ذلك يسعى للسيطرة, وهنا تحل الكارثة.في ثقافتنا استقر الطريق المعاكس واكتسب قداسة الماضي,السلطة والثروة والنفوذ في مركز واحد يزداد تركيزه,على العكس من ثقافة وفكر التعدد,مميزات الحضارة الحديثة. بعد خسارة الإعجاب والاهتمام من الآخر تنكشف منطقة احترام الذات,ويبدأ استخدام الأسلحة العشوائية:الكذب والخداع والحيل النفسية المختلفة, وهي تستنزف أرصدة الفرد النرجسية, الغريزية وحتى البيولوجية, من يفقد احترامه لنفسه لا يقدر على احترام أحد.الرضى الذاتي والثقة بالآخر وجهان لعملة واحدة , توازن وانسجام العالم الداخلي للفرد. القلق مؤشر خطر على اضطراب الشخصية وعلى مستو عال من التوتر النفسي. يسعى البشر للوصول إلى الدرجة صفر من التوتر, ذلك ما أدركه بوذا منذ زمن بعيد واختبر إخماد الرغبة, بعد فشله في الزهد وفي كفاية الملذات.لا يمكن إطفاء الرغبة إلا بالموت, قد تتخفف أو تتحول أو تتسامى, لكنها بقسمها الأكبر غير إرادية , بل وغير شخصية, هي وديعة الآلهة والطبيعة في فرد له اسم وجنس وعنوان, عندما تنحرف تنزلق إلى العدوان, وعندما تتسامى ترتقي إلى الإبداع.نكذب بسبب الخوف وبسبب الغباء وبسبب الفقر العاطفي. نكذب بسبب الحاجة فقط.كل سلوك خلفه حاجة أعمق والحاجة خارج ثنائيات الصح والخطأ,لا توجد أخلاق تحت الحاجة, ذلك ما علمتني إياه فتاة في بداية العشرينات, وأحفظه ككنز.
لي أكثر من ليل أستند عليه كلما عصتني الذكرى
الليل يصل العذوبة بالعذاب, يحمي ويمزق
هشا شتي تشبهه ومخاوفي أيضا
أتجه صوب الباب,
وأعرف أكثر من أي وقت مضى
من يعرف لا يتكلم
مضحك أمرنا لو نظرنا إلى أحداث حياتنا من موقع مختلف. القسوة والجمود والتعصب,مخلفات الآخرين,بل زبالتهم في أدمغتنا,و كم نحرص للحفاظ عليها!! بسهولة يمكن إدراك أخطاء الماضي, وضعف وأخطاء الآخر, وتبقى المشكلة في التقدير الذاتي بموضوعية, ضبط السلوك والأفكار عمل شاق دوما. أعرف أنني لست بخير وبالكاد أتدبر شؤون يومي, ليست حال أصدقائي ومعارفي بأفضل, الاكتئاب المضمر يتجلى في تبخيس حياتنا المستمر, غياب المبادرة وتحول العيش إلى واجبات ثقيلة. أكتب لأصدقائي خارج البلد عبارة كل شئ على حاله, باستثناء الموت والمرض والزواج والولادات, واجد مشقة في إشباع فضولهم, كما أستغرب حنينهم غير المفهوم. كلمة نييالو تتبع أي مسافر بغض النظر عن وجهته, جميع التعليقات على طرد أحمد جان عثمان كانت ,من حظه, يضحك بعبو, عمر جديد الخ. "لكي تعيش عليك أن تعاني, ولكي تبقى عليك أن تجد معنى للمعاناة" أضحك من عبارة الدكتور فرا نكل في لحظات ضيقي,وأعرف كم هي عميقة وتختزن خبرة محبة ما أحوجنا إليها.
في الجنس يكتمل وجودنا الفردي وعبر الإنجاز يتحقق وجودنا الاجتماعي,هذا ما أعتقده, وبتقديري يفسر البؤس العربي بمختلف جوانبه,أمام الرضى الجنسي عائق أساسي,هو وضع المرأة وبالتوازي وضع الرجل الموتور,لتنطلق عجلة التطور يجب إعادة الاعتبار للمرأة بالمساواة التامة مع الرجل,الواجبات تترتب على الحقوق وليس العكس,عبارة حقوق الإنسان تثير الهلع في المؤسسات الدينية والسياسية, ومبعثه الجهل والكبت ليس إلا. العادة السرية وعقدة الاضطهاد مفتاح سحري للدخول إلى الأدمغة المغلقة حيث تنتج القيم والسلوكيات المكررة, تلك المنطقة المعتمة تختصر بكلمتين قاتل أو مقتول, وبدورهما تختصران حياة شرق المتوسط وجنوبه بثنائية الظاهر والباطن,افعل ما تشاء بالسرو أحذر الكلام الصريح.
عودة ميت واحد
تكفي
لصحوة الجميع
القتل والانتحار أسهل الطرق لتجنب المعاناة,هو الطريق المباشر لليأس. الحب والعمل والإنجاز منابع الحياة الأساسية.يتعطل الحب في النمط الذكوري للمجتمع,ويستبدل بالعادة السرية وصياغاتها المختلفة لدى الجنسين.يكون الجنس الآخر أدوات ميكانيكية لتفريغ التوتر والشحن الزائدة, وما ينجم عنها من تبكيت وندم أو وحشية بلا حدود. وفي العالم الخارجي تتعطل المبادرات الإبداعية, تختصر الحياة إلى محرمات وممنوعات, ويتحول العيش إلى انتظار طويل للموت.تنحسر اللغة إلى أدوات الزجر والنهر والجمل المعلبة أو بالعكس إلى تهويمات منفصلة بالكامل عن الفكر والعيش والدلالة. ثقافة الاستبداد المديد تتحول إلى ثقافة موت,يتحول ضارب السيف ورامي القنبلة إلى نماذج وقدوة.العمل والإنجاز يختزلان إلى أفعال غريزية يتحدد مدى جدارتها بمقدار ابتعادها عن المبادرة والإبداع.ذلك هو العالم الذي تنغلق عليه العادة السرية وعقدة الاضطهاد .تتحول النساء إلى أشباح تتوارى في الظلال والعتمة , ويتحول الرجال إلى أشباح أشد بؤسا, يكتفون بتشمم الروائح المتبقية من الأنوثة. في ليالينا الطويلة كلنا يعرف ذلك وهو يعصر تلك الأعضاء البائسة, التي هي بالتأكيد حبل السرة المتبقي في اتصالنا الحقيقي بالحياة. اللوحة سوداء أجل, ليتني أقدر على رؤيتها أكثر نضارة بالفعل لا بالتهويمات والخداع.
رأيت كيف قطع رأس إنسان مقيد, بسلاسة واعتزاز,و أظن أن ما يفعله رجل واحد, بمقدور جميع الرجال فعله!؟وداعا للعادة السرية, "المخيلة في خدمة قبضة اليد "
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟