أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاكر شبلي - المقامة القماشية















المزيد.....

المقامة القماشية


محمود شاكر شبلي

الحوار المتمدن-العدد: 2779 - 2009 / 9 / 24 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


حدثني محمد العطوان , قال ..
عدت الى أهلي في كرخ بغداد , بعد سفر تجارة وطول ابتعاد ..
وكنت مزهوا بما أنجزت من أعمال , ومفتخرا بما كسبت من أرباح وأموال ..
و احببت ان أدخل بيتي كعادتي مملوء اليدين , وخاصة بعد أقتراب العيدين ..
فعرجت على سوق البزّازين (القمّاشين ) وأخذت أفتش في دكاكينهم بحثا عن حاجتي , حتى وجدت لدى أحدهم ضالتي ..
حيث اعجبني نوع من قماش القطيفة الفاخر, والذي يدعو عند خياطته ولبسه للزهو والتفاخر ..
فأشتريت من هذا القماش الغالي , مايكفي لأمي وزوجتي وأطفالي ..
وجعلها القمّاش رزمة في الحال , فأخذتها ونقدته المال ..
وقفلت لبيتي راجعا , ولأنفي بين الناس رافعا ..
فصادفني شيخ فقير, بملبس حقير ..
مد يده المعروقة مستجديا بذلّ وصغار..
فرشقته بنظرة استصغار , وخاطبته بكبر وأحتقار ..
وقلت ..أليس لك أولاد يعينونك , و على ما تفعل يلومونك ؟ ..
أجابني بحزن ومرارة .. أتمنى من كل قلبي لو يلوموني , وأفرح لو من لحيتي يجروني ..
ثم أستغفر الله وقال ..ياسيدي كانوا ثلاثة , ولكن أصحاب الزرقاوي قتلوا منهم أثنين , وفقؤا لثالثهم العينين..

بهت لأجابته , وأفحمتني مقالته ..
ولم يدع لي فرصة للأعتذار , عن ما أبديته من تحقير واستصغار..
فقد مال عني وأسرع بالأختفاء , فندمت على ما أظهرت من تكبّر وجفاء ..

وما ان دخلت محلتنا التي كانت وديعة , حتى تناهت لسمعي تراتيل لأيات قران كريم , بصوت عذب رخيم ...
وبان لي من بعيد , سرادق عزاء ينصب , وأناس من كل حدب اليه ترغب ..
فسالت أحد المارة ممن أعرف ..
.. لمن ذاك العزاء ؟ قال ..لأحد الأعزاء .. قلت , ومن المنكود .. أجاب هو أبو عبد الله بن محمود .. قلت اتقصد المختار ؟ قال , هو بعينه .. فقد ارسله لحتفه الأرهاب , ولا تخفى على أحد الأسباب ..
فاسترجعت اسم الله مرارا .. و دخلت سرادق العزاء , وأنا أجهش بالبكاء , بعد أن تذكرت مقتل اخي ضياء ..
و جلست , ولسورة الفاتحة قرأت ..

وأذا بصديقنا القديم (ناطق بن أمّونة ) يجلس قربي , ويخفف عني ويذكرني رحمة ربي ..
وبعد أن هدأت , سألته عن الأمور والأحوال .. فتبين ان العسر معه قد طال , وأنه في أحوج ألأوقات للمال ..
ولمح رزمة القماش في يديّ , فسألني عمّا لديّ ؟ قلت هو قماش أحمله , ولعيالي قبل العيد أثواب أعمله ..
فقال بلطف , وهل لي فيه نصيب ؟ فأجبته بجفاء.. وهل انت لي ولد أو نسيب ؟!
فأمتعض قليلا من اجابتي الحادة .. ونظر ألي نظرة جادة ..
ثم غادر وهو يقول شكرا وما زاد , ولكنه مع أكبر ولد المختار قد عاد ..وابتدأ الكلام بعد السلام .. قائلا له ..
ان هذا السيد المهموم , قد كان صديقا لوالدك المرحوم , وهو لموته مهظوم , ولفراقه مكلوم , ولمصابكم مغموم , و قد أحضر قطع قماش لأخوتك الصغار , و أحسن في أنواعها وألوانها الأختيار ..
وهو يرجو أن تتقبلها منه ولا تعيد .. وتخيطها لهم ثيابا في العيد ..
ثم أخذ مني كيس القماش المرزوم , وسلمه لأبن المرحوم ..
وانا مذهول , لا أعرف ما أقول , .. فأخذ الولد الرزمة , بهمّه , وهو يقول ولماذا تكلف نفسك يا عم , و شكرا على مشاركتنا الحزن والهم ..
ومال ابن أمّونة عليّ , وهمس في أذنيّ ..

وقال..هذا جزاء كل متكبر ويده الى عنقه مغلولة ..وعن مساعدة الفقير والمحتاج مشلولة ..

وتركني فاغرا فمي , وعليه من شدة الغيض أكاد ارتمي ..
و ترجى الناس كعادته , وسألهم أن يصغوا الى مقالته , وما أن بدأ خطبته .. حتى تركت السرادق , .. وانا أسف لما سبب لأموالي من ضياع.. وافكر كيف ارد له الصاع ..
وعدت لسوق القمّاشين وتوجهت لنفس القمّاش فسألته عن نفس القماش ..
فرحب بي وسألني واين مابعتك قبل ساعة ؟ .. قلت , تصدقت به على جماعة ..
فقال باركك الله .. وسكت.. ثم نظر اليّ وقال , سأجاريك في الأفضال , فتهللت وسألت .. وكيف ؟ هل ستهبني بعض القماش مجانا , أم ستسامحني في القيمة أحيانا .. ؟
فقال لا هذا ولا ذاك , وانما سوف لن أبيعك اليوم شيا .. فأستغربت ! وسألته .. ولم ؟ فقال هو مالي وانا حر , ابيع ما أشاء , لمن أشاء , ومتى أشاء.. فسالت ولكنه باب رزق أليك الله قد ساقه , فلم تريد أغلاقه .. ؟
فأجاب ..
ومايغلق الناس باب الرزق عن أحد ....الّا سيفتح الله بعد الباب ابوابا ..

فبقيت مشوشا لاني مازلت اعاني من الصدمة , بعد ضياع الرزمة ..فلما راني حائرا ..
قال.. أنظر نحو جاري ذاك النائم , فأ قماشه لأ قماشي توائم...
فأذهب وأشتري منه ماتريد, وسيبيعك بنفس الثمن ولايزيد ( وأشار الى دكان مقابل دكانه ,وصاحبه متكيء وغاف على خوانه ) ..
فقلت بصوت عال , والله سوف لن اتزحزح عن هذا المكان , حتى أفهم لماذا ترفض بيعي ولماذا أهان ؟
فتوسل اليّ أن لا ارفع صوتي وأوقظ جاره
فقلت , ان لم تخبرني فسارفع عقيرتي بالصياح , واوقض حتى من فارقتهم الأرواح ..

فقال أرجو أن تفهم ياسيدي انها ليست اهانه ..بل هى مساعدة و اعانه ..
قلت وكيف ؟
قال أحببت أن أعين جاري ذاك الذي تراه نائم , فأنه من قلّة الناس , قد مال مع النعاس , و لم يستفتح البيع هذا اليوم , حتى غلبه النوم , وهو صاحب حمل ثقيل , فله من البنات خمس .. ورزقه الله السادسة أمس ..
و كما تعلم ياسيدي فقد رزقني الرزاق اليوم مايكفيني .. وساق لي من الأرباح ما يرضيني .. ( وسكت ) ..
فاعجبتني مرؤته وبهرتني شهامته..
وسالته .. وما أسم الكريم ..أجاب .. (حجي فالح ) ..
فتذكرت صاحبنا (حجي صالح ) وكنت قد سمعت أن له أخا يعمل قمّاشا ..
فقلت وهل تكون شقيقا ل(حجي صالح ) ..؟ أجاب نعم أنا أخوه فالح ..
قلت وكيف تجري معه الأمور ؟ ..قال بنعم الله راض ومسرور...

فغادرت باتجاه دكان القمّاش النائم, وأنا متحير بين فصاحة ومرؤة ( حجي فالح ) و لؤم وصفاقة ( أ بن أمّونة ) وأنشدت ..

ماأحسن الدين والدنيا أذا اجتمعا .....وما أقبح الخبث والأفلاس بالرجل .....

وبعد أن اشتريت ما أردت ووعيت الفكرة, وأخذت العبرة ..
بحثت عن الشيخ الفقير الذي احتقرته .. حتى وجدته .. فنقدته مالا واكرمته ..
وسألته السماح حتى سامحني , وأعتذرت منه حتى عذرني ..
وعدت لمنزلي افكر بما مر بي اليوم معتبرا , ولرب العزة عن الكبر والزهو وتحقير الناس مستغفرا ..



#محمود_شاكر_شبلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستكشف( فاليه ) يقع في غرام ( معاني ) البغدادية
- الوسطية ضرورة العصر
- نخلة لها تاريخ تربط بين جامعة أريزونا وكلية زراعة أبوغريب في ...
- قائد النعماني ..
- المقامة الحزينة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاكر شبلي - المقامة القماشية