جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 14:22
المحور:
كتابات ساخرة
وداعاً يا كُتب...وداعاً يا حُبْ...و بالرغم من أن حبيبتي عزيزة على نفسي وفراقها أصعب من فراق الكتب بس أنا آسف جداً مضطر لوداع الجميع فوداعاً يا قلب وداعاً يا حُبْ..وداعاً يا كُتب, بس مش وداعاً يا أوراق سأكتب كما عودتُ نفسي أحياناً من ذاتي بدون مرجعية تسيطر على عقليتي وتجعلني واحد مشطوب بلا اجتهاد.
أنا رسول الكُتب بعثني الرب إلى العالم والدنيا كافة وبعثني ليس للأحياء بل للجمادات أيضاً ولكنه لم يرسلني للحيوانات ليس لأن الحيوانات لا يكتبون بل لأنهم لا يملكون مكتبات يستمدون منها شرائعهم وتعاليمهم , ماهي الشرائع إلا محاولة لإرضاخ النفس البشرية وإذلالها كما يفعل الحب بقلوبنا , ويجب على الجميع أن يلقوا بأسلحتهم المكونة من الكتب والشرائع القديمة والحديثة والألواح , الكل يجب أن يتخلى عن الكتب ويجب على دور العبادة أيضاً أن تقوم بحرق المكتبات القديمة وأن تستمد روح التشريع من (الخوف والسرور والبكاء واللذة) هذه المواد هي التي يجب أن نستمد منها شرائعنا الجديدة من أجل إسعاد الإنسان وتحقيق ذاته وإشباع نزواته ورغباته , بعبارة أجرأ من كل هذا (اتركوا الكتب وفارقوا الذاكرة).
غريب أن تقرؤوا لمثقف يعشق الكتب و(الحب) ويدعي أنه مثقف وبنفس الوقت يدعو لهجر الكتب والمكتبات , ربما أنني كاتبٌ (دَعيٌ) في قومي وأهلي أي ليس منهم !ولكنني لمستُ أرض الواقع فوجدتها أصلب من خيالات الكتب , الكتب أفسدتْ عليّ عقلي وأبعدت لقمة الخبز والعيش عني , ولو كنت بلا كتب لكانت حياتي أفضل , ولو كنت بلا معشوقة لكان نومي أهدىء بكثير من نوم الفراشات والغزلان الجميلة , الكتب وباء حلّ بأرضي والحب لعنة من الله أرسلها إليّ.
ْقررتُ هذا اليوم أن أضحي بشيئين هما (الحب والكتب) وقد كنتُ قبل ذلك مناضلاً غبياً ورجلاً أحمق أضحي براحة نومي وراحتي بالي ولقمة خبزي من أجلهما واليوم قررتُ التضحية بهما لأنهما أفسدا عليّ حياتي فنستطيع أن نعيش بلا كتب وقد عاشت البشرية ردحاً طويلاً بلا كتب , وقد نستطيع أن نعيش بلا حب فما الحب إلا هم وسهر وتعب وهلاك للنفس وإهانة للذات وجنون ويجدُ المرءُ مصرعه حين يكونُ عاشقاً صادقاً في حبه , ولكن لا نستطيع العيش بدون عشاء أو طعام أو ماء , الكتب والحب والأشياء الثمينة التي تدفعنا لأن نضحي من أجلها بنومنا وراحة بالنا وعشاءنا ليست مهمة , الماء والخبز والهواء أهم بكثير من الكتب والأوراق وحتى الحب نفسه , فلتذهب كتبنا للجحيم ,ماذا نتعلم من الكتب ؟
ربما هنالك رجلٌ ليس مؤلفاً ولا مفكراً وقد تعلمنا منه أكثر من هيغل ومن ماركس ومن أمنوائيل كانت ومن سيبرين كيركجرد , إنه كما يقول جان جاك روسو:
"هنالك كتاب يقدم في تذوقي مقالة عن التعليم الطبيعي, ما هو هذا الكتاب العجيب جدا؟ هل هو أرسطو ؟لا, هل هو بليني؟ لا, هل هو بوفون ؟لا, إنه روبنسون كروزو... "
وروبنسون كروزو طبيب عام جرفته العاصفة وهو في السفينة إلى جزيرة مهجورة ليس فيها أحد فبنى فيها بيتاً واستخرج المطاط بنفسه وصنع أواني مطبخية وأشعل النار وأقام مع ابنته (فلونا) حضارة مستقلة , من يقرأ رواية روبنسون كروزو يشعر بأن هذا الشخص مهم جداً أكثر من كل الفلاسفة , ولم تكن في حضارته (جزيرته ) امرأة يعشقها , كانت لديه زوجة صالحه تهتم بزوجها وببيتها الذي يقع فوق الشجرة , وليس من المهم أن نسكن الفلل والقصور , كان روبنسون كروزو يسكن فوق شجرة , وكان (ديوجين اللايرسي) يسكنُ في برميل فسأله الإسكندر المقدوني :أطلب وتمنى يا ديوجين , فقال له أرجو أن لا تحجب عني نور الشمس , فقال الإسكندر : لو لم أكن الإسكندر المقدوني لوددتُ أن أكون ديوجين اللايرسي .
ماذا تعلمن الكتب غير التعب والاختلاف مع الأصحاب والأصدقاء , الكتب جعلت كثيراً من أحبابي يبتعدون عني وجعلتني أعيش في ضنك وضيق من العيش كنتُ وما زلتُ وسانقطع اليوم عن هذه العاداة أضحي بأجمل أوقات حياتي من أجل الكتب رغم أنني كنتُ وما زلتُ أنشدُ بهما الحياة الكريمة ولكنني مثل المرأة المدافعة عن المساواة تعيش طوال حياتها وهي تفتقر لأبسط مظاهر الإحساس بالأنوثة وغير المدافعات واللواتي ضد قضايا التحرير يعشن عيشة أكثر وأشمل من المساواة بل إنهم يعدمن وجود الرجل وسلطته ويحكمن العائلة والزوج بحزم علماً أنهن غير مطالبات بالتحرر وضد قضايا التحرير والمساواة , وأنا كذلك أكتب من أجل الحرية ولا أتمتع منها بشيء وغير ضد قضايا التحرر وبنفس الوقت يمارس حريته أكثر مني .
وأنا مثلي مثل العامل الشيوعي الذي ثار واستلم السلطة من أجل قضايا العمل علماً أن العامل في الدولة الرأسمالية لم يثر على النظام ولم يستلم السلطة ونال من حقوقه المدنية ما لم ينله العامل الذي ثار واستلم السُلطة.
ويقول كارل بيرتراند "ترجمات الكتب تشبه النساء إن كن مخلصات فلا يكن جميلات وإن كن جميلات فلا يكن مخلصات... ".
كان كُتاب القرن الثامن عشروالسابع عشر الفرنسيين ينشرون كُتبهم في هولندا خشية مراقبة الرقيب الفرنسي عليها , لذلك كانت الحياة الأدبية في فرنسا أشبه بالأرض التي أتى عليها الجراد فأكل الأخضر واليابس دون أن يترك للقوم شيئاً يستمتعون بجماله من أخضر وأبيض وأصفر .
وكذلك مرت فترة على مصر , كان الكاتب المصري يهربُ إلى بيروت بكتاباته وكانت تخلوا المكتبات المصرية في شوارع القاهرة من من أنفاس القراء المصريين وهم يقرؤون ويكتبون.
وجاءت فترة كنا نعتبر فيها أن قلّة الكتب والكُتّاب هما المعيقان لحركة التقدم الثقافي والاجتماعي أما اليوم وبفضل النت فإن كثرة الكُتب والمقالات العلمية هما اللذان يشوشان على البشرية عمليات الإبداع والتفكير : "في وقتِ من الأوقات كانت ندرة الكتب وقلتها هما العائق أمام التقدم العلمي أما اليوم فإن وفرتها وكثرتها هما اللذان يشوشان على التفكير الذاتي ويعرقلان تقدمه..فيبر ديموقريطس".
الابداع الذاتي ليس بحاجة إلى كثرة القراءة كثرة القراءة تضرُ بالإبداع الذاتي وتشوش على ذهن المبدع تماماً كما تشوش موجات الراديو والبث التلفزيوني على بعضهما البعض , بعض الكتب تشوش التفكير أو كثرتها تشوش على المبدع الذاتي طريقته في الكتابة , إن لدى المبدع الحقيقي مادة أصلية يجب أن يستخرج منها مادته الإبداعية ألا وهي الأشياء التي تمارسها الناس كل يوم وهذه الأشياء تنحصر في : الخوف والبكاء والسرور , وهؤلاء الثلاثة يجب أن يستخلص منهما المبدع مادته الحقيقية فنتألم لتألمه , إننا في غالبية الأوقات نبحث عن الكتب والقصص والروايات والأشعار والمقالات التي تجعلنا نبكي لأننا نشعر بحق أن مشاعرنا بحاجة للبكاء وللحزن كما نحتاج للسرور , وكذلك نحتاج للسرور وللخوف , وعلى الكاتب أن يستمد مادته الإبداعية من تلك المواد.
وما زلتُ أحفظُ عبارة على إحدى الكتب التي كانت في مكتبة أبي وهي "الذوق الرفيع شيءٌ ليس في الكُتبْ" الذوق الرفيع في سلوكنا وسلوكنا في المستقبل هو الذي سيصبح كتاباً يقرأه الناس .
وكان يقول سير ارثر هلبس"إن القراءة هي أحيانا حيلة بارعة لتجنب التفكير"
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟