|
الحروفي) محاولة في نمذجة أنثولوجيا الشاعر
صباح الأنباري
الحوار المتمدن-العدد: 2777 - 2009 / 9 / 22 - 00:56
المحور:
الادب والفن
يحظى بعض الأدباء والفنانين باهتمام نقدي، غيرمحدود، لغنى تجاربهم وتميّزأساليبهم، وسعة أمدائهم، وحداثوية مشاريعهم. وقد تناول النقد تجاربهم تلك بالتحليل والتأويل والتفسير والتركيب والتفكيك والاستقراء والاستبطان والاستكناه والاستنتاج والبحث والدراسة والحفر في آثار تلك التجارب ومرجعياتها في فصول أو كتب جعلت وقفا على خصوصياتها وتفردها أو تميّزها من بين عشرات وربما مئات التجارب الأخرى. ويعد كتاب (الحروفي)(1)، الذي أعده وقدم له د. مقداد رحيم، واحداً من تلك الكتب التي سعت إلى أن تتضمن على أغلب إن لم نقل كل ما كتب عن التجربة الإبداعية لهذا المبدع، وفيه تضافرت جهود ثلاث وثلاثين ناقداً (2) تناول بعضهم ارتكاز تجربة الشاعرأديب كمال الدين على الحروفية التي صار يعرف بها ويتميز بتويعاته عليها، فضلاً عن تناول بعضهم الآخر لموضوعات أساسية في تجربته أتاحت المزيد لمن يريد التعرف على الموجهات الفنية والفكرية في منجز أديب كمال الدين الشعري. إن كتاب الحروفي لم يكن الأول في مضمار جمع وتدوين وتوثيق ما كتب أو يكتب عن المبدع ومنجزه الابداعي بطريقة توثيقية فلقد سبقته تجارب أخرى وستلحق به تجارب أخرى. ويظل المهم في هذا كله هو البحث عن كيفيات نمذجة هذه الطريقة لتصبح أكثر تكاملاً وغنى عما قدم لنا في النماذج السابقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل استطاع كتاب الحروفي أن ينمذج طريقته باضافات جديدة؟ لنبدأ بمقدمة د. مقداد رحيم وما قدمته لنا كمتلقين ومتابعين لتجربة الشاعرالإبداعية. لقد اختصرت المقدمة تناولها لتلك التجربة اختصاراً شديداً معتمدة على الإشارات السريعة التي ألقت من خلالها أضواء خاطفة على بعض تجلياتها.ففي الفقرة الأولى يقول د. مقداد رحيم ما يأتي: "هذه باقة من الجهود النقدية المهمة التي تضافرت لتشكّل خلاصة نقدية مثمرة طيبة الأكل، ولتكون أنموذجاً نقدياً يمكن أن يحتذى، فيصارإلى افتراع اتجاهات نقدية جديدة تأخذ على عاتقها بلورة الرؤى حول التجارب الابداعية المائزة، ليس في مجال الشعر وحده، بل يمكن أن تعمم لتشمل الفنون الإبداعية كلها، كتابة ورسماً ونحتاً وسماعاً." وفي هذا إشارة واضحة إلى كون (الحروفي) أنموذجا يمكن أن يحتذى مع أنه مسبوق بنماذج من هذا القبيل لها من الأهمية، فنياً وتوثيقياً، ما للـ (الحروفي) بالضبط. إن جمع المقالات والدراسات في كتاب لا يشكل أنموذجاً يحتذى ما لم يضاف اليه ما يجعله متميزاً فعلاً. لقد وجدت، على صعيد الإعداد، في (الحروفي) أن المعد ابتدأ من المقالات التي كتبت عن آخر أعمال الشاعر معتمداً الترتيب التنازلي لمطبوعاته من الدواوين فجاء الفصل الثاني متضما على كل ما كتب عن ديوانه الأخير(ما قبل الحرف..ما بعد النقطة) الصادر عام 2006 وجاء بعده الفصل الثالث ليتناول فيه المعد ديوان (حاء) الصادر عام 2002 ثم ينتقل منه إلى الفصل الرابع والذي تناول فيه ديوان(النقطة) الصادر بطبعته الأولى عام 1999 وبهذه الطريقة التنازلية جاء ترتيب الفصول اللاحقة ترتيباً فوّت، على المتلقي، فرصة الاطلاع على تجربة الشاعر خطوة إثر خطوة ابتداء من أول الدواوين(4). في الفقرة الثانية من المقدمة يشير المعد إلى أن تجربة أديب كمال الدين "تتجلّى عبرها أصناف لا عد لها من المحن والكوارث التي ليس للبشر قبل بتحملها"، وهي إشارة دقيقة إلى تضمن التجربة على كل ما هو إنساني وبشري وعلى تفرّد أديب بوضعها ضمن تشخيصاته الحروفية المؤنسنة، وهذه وحدها تحتاج إلى دراسة واسعة لا يمكن أن يغامر بها المعد ضمن مساحة مختزلة جداً ولهذا نراه اكتفى بهذه الإشارة حسب. وفي الفقرة الثالثة يقول المعد عن تجليات التجربة أنها تجربة "فريدة ذات خصوصية تدل على الشاعر وحده، وتختص به دون سواه، وقد بدا وكأنه يعمل من أجلها بإخلاص وحب شديدين، منذ زمن ليس باليسير". وهذه أيضاً إشارة دقيقة كسابقتها وكلاحقتها التي اختصت بالقول أن خصوصيتها هي التي ولدت (التجربة الحروفية)"حتى أصبح لصفة(الحروفي) وقعها الخاص الذي يدل على الشاعر أديب كمال الدين وحده وحتى صار مناسباً أن تكون هذه الصفة عنواناً لهذا الكتاب" . بهذه الإشارات فقط جاءت المقدمة مقتضبة ومختصرة لتجربة تناولها النقاد، والداراسون، والباحثون بما يزيد على 350 صفحة(3) من (الحروفي). وانصافاً لكل ناقد من الذين ساهموا بتشكل هذا الكتاب التقط المعدُّ بعض ما جاء في مقالاتهم بجهد يدل على قراءته العميقة لكل مقالة منها واختياره لما يمثل جوهرها وفي الوقت الذي نثمن فيه هذا الجهد الرائع في القراءة والاختيار نشير إلى أنه لم يكن الا جهداً انتقائياً حسب، وعملاً يمكن القيام به بسهولة لا تترك مجالاً لجعله من الكتب التي يحتذى بها في هذا المضمار. إن أهمية (الحروفي) تكمن في أنه استطاع أن يوفر لمتابعي شعر أديب كمال الدين فرصة الاطلاع على التنويعات النقدية التي تناولت حروفية الشاعر على وفق رؤى نقدية مختلفة وإن تقاربت حيثيات المنهج النقدي بين هذا الناقد أو ذاك. وهنا أشير إلى تضافر جهود عدد من النقاد والشعراء والادباء والكتاب الذين استهوتهم تجربة الشاعر محفزة في دخائلهم الرغبة في سبر اغواره أو الجنوح إلى تفسير حروفه أو الكشف عن المديات الإنسانية فيه فراداً، كل على وفق منهجه الخاص، بعيداً عن الموجهات المؤسساتية(الجمعيات والروابط) التي توجه العملية النقدية برمتها ليكون الجهد مثمراً عبر دراسات لا شك في أنها ستوفر للقارئ مساحات معرفية هو في أشد الحاجة اليها. وقد رأيت من باب الاستزادة أن أضع بين يدي القارئ بعض الاستنتاجات النقدية المستخلصة من تجربة أديب كمال الدين الحروفية والتي تضمنها الكتاب بشكل عام ، ومنها: 1. قدرة الحرف على التحول إلى أكثر من مسمى في نص واحد. 2. عدم التزامه بخاصية التوحد الرمزية. 3. اشتقاقه من كلمة يكون جزءا منها. 4. طلسمته بحيث يكون تابعا لحرف أومتبوعاً لآخرمثل طاء اللام ولام السين وسين الميم..الخ. 5. قدرته على خلق الايهام. 6. صوفيته الشعرية 7. تشكيله مع النقطة لوحدة واحدة قوامها (الحرفنقطة) التي منها تتشكل القصيدة. فالـ(حرفنقطة) هي عالم القصيدة، والقصيدة هي عالم الـ(الحرفنقطة). 8. ذكوريته غير المتوازنة ،كدال مخصي، مع نقطة (أُنثذكرية) مهيمنة. 9. جدليته في الجيم والحاء فالنقطة هي الموت وبازالتها من الجيم يتحول الحرف إلى حاء الحياة والحرية والحب، والحاء هنا استحالة رجعية عن فكرة الجيم التي واطنت الشاعر في فترة حرب الثمانينات. 10. تضمنه على معطى ايدلوجي يجعل العملية الشعرية مبطنة، شاعر يكتب حرفاً، وحرفاً يكشف معنى، وهذا بحد ذاته يعد إثراء شعرياً مؤطراً بالعديد من آليات الاشتغال الشعري الحديث. 11. الحرف دلالة مفتوحة والنقطة علامة مكملة له. 12. الحرف هوية الشاعر والنقطة ذاته القلقة المانحة لحياته معنى، وهي عند أديب نقطتان: نقطة الحرف، ونقطة الدم، وكلتاهما تتسعان أحياناً وتتحدان أحياناً أخرى لتشكلا معادلاً موضوعياً للشاعر نفسه. هذا فيما يخص الحروفية كتجربة شعرية وكمنجز ابداعي، أما ما يخص مقالات الكتاب، بشكل عام، فقد وضعت،ب عد التدقيق فيها، الملاحظات الآتية: 1. سعت بعض مقالات الكتاب إلى التأكيد على موضوعة واحدة من الموضوعات الكثيرة التي تضمنها منجز الشاعر، وضغطها في عدد محدد من الصفحات مما يدل على نزوع أغلب النقاد إلى التكثيف والاختزال، وعزوفهم، في الوقت ذاته، عن الاطالة والاستفاضة والاستزادة مما جعلنا نقول بعدم وجود دراسات كبيرة للشعر اذا استثنينا الجانب التنظيري البحت. 2. ركزت بعض المقالات جهدها على تحليل قصيدة واحدة منتخبة من دواوين الشاعر فأعطتنا تفسيراً دقيقاً وتحليلاً وافياً، ولكنها في المقابل جعلتنا نخسر التعرف على الخواص العامة والعوامل المشتركة بين القصيدة، موضع الدراسة، وبين القصائد الأخرى. 3 .بعضها تناول ظاهرة ما في منجز أديب كمال الدين ولكنها لم تتوسع، بالقدر المطلوب في بيان تلك الظاهرة مكتفية ببضع امثلة أشارت اليها ولم تتعمق في إثرائها. 4. بعض المقالات حاولت البحث في سايكولوجية الحرف ولكنها انعطفت إلى المظاهر العامة، والإشادة والاحتفاء بالشعر والشاعرعلى حساب موضوعتها الأساسية. 5. حرص المعد على إدراج كل ما كتب عن تجربة الشاعر، ربما بدافع الترضية مما أدى إلى تقييد موجهاته لعملية الانتقاء المدروس باتجاه جعل الكتاب بالغ الأهمية من الناحية التقييمية، ومسؤولية هذا لا تقع على المعد وحده حسب، بل على خلو الساحة من الموجهات الجمعية للنقد العربي. كتاب (الحروفي) إذن يستمد أهميته من تناوله لتجربة رائدة في مجالها، ومتميزة في أدائها، وفريدة بين قريناتها، ويعدُّ من الناحية الفنية موجهاً ضرورياً لعمليات الاعداد التي يراد لها أن تكون بمستوى أفضل(أنثولوجياً)، وبشكل يلقى قبول ورضى جمهرة القراء والمتابعين والنقاد على اختلاف مشاربهم الثقافية والمعرفية. ................................................. (1) الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية – إعداد وتقديم: د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- لبنان . (2) النقاد هم: أ.د. عبد العزيز المقالح، أ.د. عبد الإله الصائغ، أ. د. حاتم الصكر، د. ناظم عودة، د. حسن ناظم، أ.د مصطفى الكيلاني، أ.د عبد الواحد محمد، د. عدنان الظاهر، عبد الرزاق الربيعي، صباح الأنباري، علي الفواز، وديع العبيدي، عيسى حسن الياسري، خليل إبراهيم المشايخي، زهير الجبوري، د. محمود جابر عباس، صالح زامل حسين، هادي الربيعي، فيصل عبد الحسن، د. إسماعيل نوري الربيعي، نجاة العدواني، د. حسين سرمك حسن، رياض عبد الواحد، واثق الدايني، ريسان الخزعلي، د. محمد صابرعبيد، د. بشرى موسى صالح، عيسى الصباغ، عدنان الصائغ، يوسف الحيدري، ركن الدين يونس، معين جعفر محمد، ود. مقداد رحيم. (3) الكتاب صدر ب368 صفحة من القطع الكبير. (4) دواوين الشاعر حسب ترتيبها الزمني: تفاصيل 1976، ديوان1981، جيم1989، نون1993، أخبار المعنى1996، النقطة1999، حاء2002، ما قبل الحرف..ما بعد النقطة 2006. شجرة الحروف 2007 وقد صدر أخيراً: أربعون قصيدة عن الحرف 2009 ************************ أستراليا / أديلايد
#صباح_الأنباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|