جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2776 - 2009 / 9 / 21 - 15:59
المحور:
كتابات ساخرة
باللغة الصينيه الفصحى:"مِنْ شانْ شو ما مِنْ شان شيشي-يلعن هالعيشه"
يلعن زمنّا ويلعن أجواءنا ويلعن حكاياتنا ويلعن نفاقنا ويلعن كل واحد ما بلعنّا , يلعن عُمرنا ويلعن مستقبلنا ويلعن الأفكار الملعونه التي تسيطر على ذهني حين أخلو في منزلي لوحدي فأشعر أنني أعيش في رعب وفي حزن شديد , وصدقوني هذه المرة حين خرج أهل ُ الدار من الدار وبقيتُ فيها لوحدي خفتُ كثيراً وشعرتُ أني سأبكي من شدة الخوف والحزن والرُعب الذي انتشر في كل مكان , وأقسمتُ بآلام الحب أنني سأشترط على أهل الدار عدم تركي في المنزل لوحدي حين يخرجون منه , لن أقبل في المرة القادمة أن أبقى في الدار لوحدي بدون أنيس يؤنس وحدتي ووحشتي وتذكرتُ الأغنيه المصرية الفلكلوريه:
لمّا يقوم من نومه
مين يناوله هدومه؟
يواسيه بهمومه
مين يا ناس يقلّي
آه يا لللي يا عيني يا للللي
على إللي إتغرّب راح ولا قلّي."
وبعد ذلك شعرتُ وكأنني فعلاً طفلٌ صغير تركوه أبويه في الدار, أبكي وأنظرُ حولي في الباب وفي النافذة وفي الأثاث ولا شيء يؤنس وحدتي وخائفٌ من اللصوص والسرسرية وخائفٌ من العصابة التي تظهرُ في الأفلام البوليسية وخائف من الصمت الذي أطبق على المكان الذي ينذر كما في الروايات وأفلام الرعب بأن أمراً جللاً سيحدث.
أنا في منزلي جالس ْوكل الأشياء حولي جالسه, مثلي مثلها انتهى العيد وكانت آخر كلمه قلتها "من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه"
وأول كلمه أيضاً حكيتها كانت بنفس المعنى كان معناها "من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه"
حكيتها بالعربي الفصيح وبالعامية وبالعبرية الفصحى وبالصينية الفصحى وقلت بالصيني "من شان شو ما من شان شيشي" والتلفزيون جالس مابدي إياه يحكي أقفلت فمه وآذانه على الخالص , والمكتبه جالسه أمامي أيضاً ساكته مابدياها تحكي لا في الفلسفه ولا في النحو ولافي علم التاريخ الكلاسيكي أخرستها على الخالص وكتمتُ صوتها فما عاد يرتفع في أذني . وكل العظماء الذين يرقدون فيها أعطيتهم في نهاية يوم العيد إجازة مفتوحه , كارل ماركس الآن مجاز ذهب لمشاهدة إنكلز وتشارليز داروين مجاز تعب جداً من كثرة التدخين فوضع علبة السجائر في الحديقة بعيداً عن متناول يديه وسلامه موسى أرسلته في رحله شتويه لأوروبا من أجل أن يحضر لنا المصانع والآلات ويغير حياتنا , والعقاد أعدته للتاريخ الكلاسيكي وتركته لوحده في رجعة أبي العلاء المعري ,والشاعر عرار ذهب إلى فرنسا من أجل أن يحضر للشعب الأردني البسكويت بدل الخبز , فالخبز غير متوفر للأردنيين فذهب عرار من أجل أن يحضر لنا البسكويت من فرنسا الله يعطيه العافيته ويرجع لينا بالسلامه وبالبسكويت كل الأخوة والأخوات في إجازة والذي لم أعطه إجازه أرسلته في بعثة علمية مع رافع رفاعة الطهطاوي .
"من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه".
نفسي أرتاح من كلام الناس , في ناس بحكوا عني فاعل وتارك (فاعل تارك داشر) وفي ناس بحكوا عني (مسكين الله) راسي صار يوجعني من كثرة الكلام والحكي الفاضي , نفسي أرتاح , في ساعات وأوقات بحس نفسي بدي أنفجر وأملأ المكان إللي أنا فيه أحزان أو عطور , وساعات بحس نفسي إني مرتاح على الآخر وأحيانا بفكر إني لازم أنام نوم هادىء وأحياناً بشعر أنني بحاجة لأشرب الخمرة ولكن مع من سأشربها ؟ الخمرة تريد نديماً (أدرها أيها الساقي) الخمرة بالنسبة لي تريد معها نفساً زكية أو روحاً مثل روح حبيبتي , الخمرة لوحدها تبقى في نظري جسماً أو جماداً لا يحركني ولا يثيرني , الخمرة لا تثيرني إلا إذا كانت معها امرأة جميلة تضع فيها روحها الزكية في الخمرة وفي المكان الذي أتواجد فيه , ولكن هيهات هيهات هيهات في راسي أشياء تلعب ,راسي مفتول جداً , أنا مدووش والصمت في كل مكان وهذا وقت جيد للنوم بس مش عارف أنام , وسادتي خالية من الروح , يجب أن يكون لوسادة النوم روح كروح الإنسان ونفساً طيبة وزكية كنفس الإنسان الوسادة الآن التي تحت رأسي خالية من الروح , أين الروح ؟ بل أين أنا ؟
كان منزلي صامتاً الكل غادر وأنا بقيت لوحدي في غرفة النوم أنظرُ في الوسادة الخالية وأبحثُ في ذكرياتي عن الأشياء الجميلة , ومازال كل شيء صامتا الأثاث صامتٌ لا يتكلم مثله مثل أهل حارتنا كل شيء ثابت على حاله وفي خلف منزلي غرفة قديمة للأثاث القديم وللخردوات القديمة أدوات جدي العشائرية القديمة وصندوق جهاز العرس الخاص بجدتي كلها أشياء قديمة جاءني مرة سمسار للأشياء القديمة ودفع بهن مبلغاً مغرياً وما قبلتُ بيعهن رغم أن المبلغ كان محرزاً ولكنني فضلت الإبقاء عليهن والنظر إليهن لكي أستنتج منهن طبيعة الأنظمة الإجتماعية القديمة ,فأنا أعتبر تلك الخردوات مثلها مثل خردوات سيبويه والكسائي والفراء والزجّاج والسرّاج..إلخ.
"من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه"
كل الأشياء صامته حتى النوافذ أقفلتهن بإحكام منعت دخول أو خروج أي شيء منهن , ثم جلستُ في غرفة نومي لوحدي ونظرتُ في كل الأشياء الصامتة ومن ثم فضحنني المُري , المرآة تنتشر في كافة أرجاء الغرفة نظرت فيهن ورأيتُ الدمعة وهي تكاد ُ أن تسقط علبى الأرض , شو هاذا؟! عيوني ملتهبات ولونهن أحمر أحمر لو رآني أحد لقال أنني من الصباح أبكي ترى ما السبب؟ رغم أن الماء منهن لم ينجرف جرفاً كنتُ أشعر بالحرارة فيهن منذ أقفلتُ كل شيء ومنذ أن نظرتُ في الوسادة الخالية , تكاد عيوني أن تنفجر يا لفضيحتي ترى لماذا أنا حزين .
"من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه".
الغازالمراوح الأجهزة الكهربائية بكافة فصائلها وسلالاتها كلها صامتة يكاد الصمت أن يطبق على الروح أيضاً قبل أن يطبق على اللسان
"من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه"
كل شيء هادىء جداً تماما كما دخل مكبث في مسرحية شكسبير على العسكر, الأشياء صامتة وكأن رجلاً قاسياً قد نشر الرعب في غرفة نومي , ترى من الجلاد في نهاية يوم العيد؟ أو من القاضي أوألقاضي علينا ؟ ترى من المسؤول عن صمت الأثاث المنزلي من الذي نشر الرعب في صدري ؟.
كل شيء جعلته صامتا نصحتُ نفسي بالصمت سكتُ كثيراً لأنني تكلمت في أول اليوم كثيراً وأعطيت نفسي إجازة طويلة طويلة طويلة.
"من شان شو ما من شان شيشي-يلعن هالعيشه".
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟