محسن ظافرغريب
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 22:42
المحور:
الادب والفن
بوح تفاح وادي ثقيف وطائف الجزيرة، طيف طائفي وشذا تفاح يشدو؛ فالتفاحة: إمرأة، الأديبة الجزيرية (السعودية) "رجاء عبدالله الصانع"، صدرت روايتها "بنات الرياض" سنة 2005، وهتكت المسكوت عنه في مجتمع سعودي يعيش بدايات القرن، لكن الماضي، قبل قرن خلى، مهد طبيعيا لصدور رواية الصحافي الجزيري (السعودي) "هاني نقشبندي" بعنوان "اختلاس"، والرواية تشابه "بنات الرياض" في بوحها عالم إمرأة القهر السعودي، ولاتطابق تقنيتها الفنية ".
صدرت رواية "اختلاس" عن دار الساقي اللبنانية سنة 2007، وتقع في 389 صفحة من قطع متوسط وطبعت منذ ذلك التاريخ ستة طبعات متوالية رغم انها ممنوعة في السوق السعودية واللبنانية أيضا.
"هاني نقشبندي" كاتب روائي سعودي في العقد الرابع من عمره آثر في مستهل نضجه التفرع للابداع يتحرر من ضغوط الرقابة الذاتية والمهنية يطلق عنان جسارته لاعادة تخيل الواقع الذي يعرفه يمثله للابداع مترسما أثر روائع الروائي الراحل "إحسان عبد القدوس" في مصر الناصرية منتصف القرن الماضي بهذيان القمع في ضمير النسوة والرجال ما لم يجرؤ بصراحة.
أثناء توقيع الرواية في موسكو، ان "اختلاس" ستصدر قريبا باللغة الاسبانية ثم الفرنسية. قال "النقشبندي" عن اللطبعة الروسية، قال: ابدى الناشر الروسي حماسته لنشر اختلاس باللغة الروسية, وتم الاتفاق مع "دار الساقي" المالكة لحقوق الرواية, على ان تحتفظ الدار الروسية بالحقوق لمدة خمسة اعوام.
وأضاف (النقشبندي): ان الناشر الروسي ابدى تحفظا على نشر روايته الثانية "سلاُم", والتي ستصدر هي الاخرى قريبا ببعض اللغات الاجنبية.
عقدت وكالة الأنباء الروسية "نوفوستي" ندوة ناقش فيها عدد من المختصين رواية "بوح أنثى عربية", ابدوا خلالها الكثير من الحماسة خاصة وانها تتعلق بالمجتمع السعودي, وهو المجتمع الذي كان موصد الابواب حتى عهد قريب في علاقاته مع روسيا.
واشار النقشبندي الى مفارقة غريبة عندما تحدث عن تجربة سابقة له مع مقال كتبها في جريدة الشرق الأوسط منذ عقد ونصف العقد من الزمن السعودي تتحدث عن أهمية التواصل مع الجامعات الروسية, هذه المقالة دفعته لاستجواب أمني, واليوم يوقع روايته باللغة الروسية في عقر دار الدب الأبيض.
صدرت في موسكو النسخة الروسية من رواية "اختلاس" كأول رواية سعودية تطبع كاملة باللغة الروسية.
قال فلاديمير بونامريوف مدير دار نشر "بيبلوس كونسلتنج" التي اصدرت الرواية: ان "اختلاس" تستحق ان تقرأ من القارئ الروسي نظرا لجودة حبكتها الروائية وجرئتها, وهي تصدر في طبعتها الروسية تحت اسم مختلف هو "اعترافات امرأة عربية". واضاف فلاديمير ان الرواية لقت ردود افعال جيدة في معرض موسكو للكتاب الذي كانت فعالياته قد انطلقت مطلع الشهر الحالي, ويتوقع ان تلاقي الرواية نجاحا سريعا خاصة مع رغبة الشعب الروسي في معرفة الكثير مما يجهله عن المجتمعات العربية والخليجية منها على وجه الخصوص. وتوقع فلاديمير ان تنفذ الطبعة الأولى خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
كما أضاف ان رواية "اختلاس" أو "بوح أنثى عربية" ربما تتحول الى عمل مسرحي قريب, يعرض على مسارح موسكو. واضاف ان منتجي العروض المسرحية يحرصون على ان تستضيف خشبات مسارحهم روايات اجتماعية تكشف جانبا عن شعوب وحضارات اخرى يهتم بها الشعب الروسي.
بطلة الرواية "سارة" وزوجها "خالد"، والصحافي السعودي المقيم في لندن "هشام وصديقته الأسبانية إيزابيل.
خالد امتلك إنسانة: زوجته، مقابل إمكانات مادية، تشعر بحريتها عندما يغادر المنزل ويسافر ، ولا تشعر تشبع عاطفيا في وجوده لدرجة أنها أو يسافر بعيدا، ويضيق عالمها بعوده. وأزواجهن. صديقات سارة مع أزواجهن على شاكلتها، في ظل ذات المنظومة السعودية المتخلفة عن سماحة الإسلام الأصل في جوار شبه جزيرة العرب، مهد مضارب العصبية والبداوة الجاهلية الجافية.
هشام رئيس تحرير يعيش في الغرب منذ سنوات، يدعي التحرر والدفاع عن المرأة في مقالاته في مجلته النسوية، لم يتزوج كي لا تقيِّده امرأة واحدة، المرأة فقط شيئا ومتاعا .
"كيف يمكن لعام أو عشرة أعوام يعيشها الإنسان في الغرب أن تغير إرثا يسبح في دمائنا بكل أخطائه ووثنيته؟ نعم.. وثنيته التي تجعل من العرف والتقليد إلها يدفع كل يوم برأس جديد إلى المقصلة!" (ص55.(
سارة تنتمي لعائلة سعودية محافظة تزوجت مبكرا لها توأمان بشرتها تميل للسمرة قليلا عيناها كبيرتان شديدتا البياض والسواد وشعر ليلي طويل ينسدل متموجا أسفلها.
سارة تكتب مذكراتها خطابات ترسلها لمجلة هشام لتبوح لزوجها، و إيزابيل تعلم أن هشاما الذي أقنعها بصدقه يقيم علاقة مع فتاة إيطالية، فتذهب إليه، وتواجهه، وتنهي الإرتباط به.
المرأة (سارة) لا تثور لكرامتها الإنسانة كأنثى، عذرها أن المجتمع لا يسمح لها بفرصة التمرد. فالمتمردة متدينة تحافظ على صلواتها وعلاقتها بربها و بزوجها الذي تتمرد عليه، وبأهلها وأهله، وبمجتمعها، علاقة سطحية بالدين، في تفاصيل ممارسة الحياة اليومية؛ عرف وتقاليد.
مجتمع خطأه نكران خطاياه!. "هشام" نشر في مجلته تحقيقا صحافيا عن الخيانة الزوجية "الرقيب غاضب من نشر موضوع عن الخيانة الزوجية؛ لأنه يرفض الاعتراف بوجودها في مجتمع إسلامي، وسارة غاضبة من نشر موضوع سطحي، وتعمده إخفاء الحقائق في هذا المجتمع الإسلامي".
ازدواجية تفكير وتعامل تجعل "المطوعة" -الذين يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر في الشوارع، ولو بالقوة- في مجملهم غلاظ القلوب، غير متعلمين، بل إن بعضهم من المجرمين السابقين، الرقيب المطوع في الشارع رقيب يحاسب "هشام" على كل كلمة تنشر في مجلته، فعقل هشام مسكون بالرقيب، رقيب زرعه المجتمع في عقول أفراده، وجعله لا يناقش، لا يراجع أية فكرة، عرف، تقليد، قيمة إسلامية.
دين غطاء لتقاليد يمارسها المجتمع "إنهم جميعا يتحدثون باسم الدين، لكن ما يقوله الدين شيء، وما نفعله نحن شيء آخر، الإسلام يأمرنا بالتقوى، فهل كلنا أتقياء؟ يأمرنا بعدم الكذب، فهل كلنا صادقون؟" (ص250.(
سارة وخالد، هشام وإيزابيل، مقارن بين نوعين من النسوة والمجتمعات، مجتمع غربي ورقي تعامل مع المرأة، علاقة جيوفاني صاحب المطعم (إيطالي يهودي صديق لهشام) وصديقته.
إيزابيل باحثة تسعى لنيل درجة الماجستير في موضوع أسباب تلاشي أثر الثقافة العربية في الأندلس، و هشام كتشف خيانته لها "تقولون: إن الغرب ضدكم وضد ثقافتكم، أنتم في الواقع ضد أنفسكم، أنتم بلا هوية، أنت بلا هوية يا هشام، أنت النموذج الذي كنت أبحث عنه في دراستي، فمن لا يملك هوية لا يملك ثقافة، من أجل ذلك ماتت ثقافتكم في كل العالم؛ لأنكم لم تصنعوا ثقافة في الأساس، بل مجد من الهوى والوهم وأجساد النساء، وتلك ليست ثقافة ولا هوية أمة عليها أن تترك أثرا بعدها" (ص381.(
إختزال أسباب تلاشي ثقافة العرب في الأندلس، لمحاكم التفتيش، للقتل، ولحرق الكتب، وتدمير الهوية، والتنصير، بخيانة هشام لصديقته، !.
في بدء الرواية كان الإضمار وختامها الإظهار: فصل لسارة، وفصل لهشام، وتبدأ رسائل سارة لهشام في جل الفصول تنقل سلس.
الراوي، يحل محله السارد؛ سارة ضمير متكلم عليم، تسرد عن صديقاتها .
لا وسيلة وصل مع العالم الخارجي غير خطابات، موسيقى وفن تشكيلي، "تراسل فنون".
أن الكاتب -لا السارد- يفشي مع تذكير بكتم السر "فما لم تكن سارة تدركه أو حتى تتصوره أن شريط الحبوب الذي اكتشفته لدى خادمتها لا علاقة له بالسائق، ولا بزوج الخادمة، بل بزوجها هي، خالد" (ص141.(
وبعلم مشهد هشام وإيزابيل: لعل "هشام" ما كان يعلم حتى تلك اللحظة أن رسائل سارة لا تزال في بدايتها (ص185.(
وحوار هشام وإيزابيل حول التقارب بين الأديان (ص289)، هشام "أخذ طريقه تجاه منزل جيوفاني، محاولا أن يتذكر أين رأى كلوديا هذه"، هكذا يقول الكاتب (ص313)، أن كلوديا لم تكن ظهرت في الرواية بعد، ولم يذكر جيوفاني اسمها لهشام بعد!.
لغة شعرية في جل الرواية "ذاك المساء كتبت لهشام ما يأتي" (ص223)، ولغة تقارير رجال الأمن "دار حديث تلك الليلة على النحو التالي" (ص314) .
الموضوع الخارج، السطح، لا غوص عمق في أسبابه، لغة تقارير رجال الأمنلغة تقارير رجال الأمنلغة تقارير رجال الأمنلغة تقارير رجال الأمن: كلمات "ليست سوى انعكاس لسطحية معظم ما حولنا".
أحداث الرواية تجربة شخصية للكاتب، صحافي سعودي رأس تحرير مجلة "سيدتي"، يعترف في حواره مع "محمود تراوري" لصحيفة "الوطن": أن "القصة حقيقية، وقد حدثت عوالمها في أجواء صحفية عشت فيها أنا"، وهو ما جعل الأحداث الواقعية تتحكم في الكاتب بصرف النظر عن أهميتها للرواية من عدمها، لدرجة أن موت سارة بطلة الرواية جاء مجانيا لا علاقة له بموضوع الرواية.
سارة. كتبت إليه تقول تعقيبا علي تحقيق هزيل: ولعل قمة ما جسدتموه من تزييف كان تحقيقكم الذي أشرتم إليه عن الخيانة الزوجية في أحد المجتمعات الخليجية وما ذكرتموه من أنه جريء ويقدم حقائق وأرقاما تكشف للمرة الأولي, أين هي الحقيقة فيما نشرتم؟ وما هي المعلومات الجديدة.. خفتم من الاعتراف بالخطأ وأنكرتم وجود الخطيئة في مجتمعنا المحافظ.. حسنا اذهبوا إلي المحاكم واسألوا المراكز الاجتماعية, اسألوا أهل الاختصاص العارفين بالأسرار بدلا من الكذب علي القراء!. لم تلفت نظر رئيس التحرير تخيل سارة نفسها وجمالها, كهدف شبقي يتماهي مع بطل لم يستطع في البدء نشر رسائل سارة التي إنهمرت عليه كالمطر تعري المجتمع, وتكشف غواياته ونفاقه, بيد أنه ينشر بعض تلك الرسائل ويترك عمله ليلتقي للمرة الأخيرة فتاته الإسبانية ويسمع منها الكلمة القاضية تقولون إن الغرب ضدكم! وضد ثقافتكم!!, أنتم في الواقع ضد أنفسكم, أنتم بلا هوية, أنت بلا هوية يا هشام أنت النموذج الذي كنت أبحث عنه في دراستي فمن لا يملك هوية لا يملك ثقافة هذه هي المقولة المحورية التي تعززها الأحداث والرسائل والتأملات في هذا العمل الدرامي الشائق المقطر.
#محسن_ظافرغريب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟