|
الفصل 4 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 11:26
المحور:
الادب والفن
4
عدت ذلك المساء إلى البيت ، وكان الإنهاك قد طحن آخر ما تبقى من حواسي ، فحولها إلى ذرات تتطاير في مهب الريح .ولم يكن أمامي أية إمكانية للتراجع عن القرار الذي اتخذته ، حتى لو رغبت في ذلك ،لأنه ببساطة ، بات واضحاً دفع الثمن الغالي في حال التراجع بنفس المقدار في حال الاستمرار، ولهذا قررت أن أمارس حقي مهما كانت النتائج . وحين أوشك كل شيء على التمام، أخذتِ يا " لينا " تصرخين حيناً، وتتوسلين حيناً آخر .. أتذكرين ماذا كنت تقولين ؟ - إن لم تعدل عن قرارك لن أبقى في البيت دقيقة واحدة ! أرجوك لا تفعلها ! أين الحب الكبير الذي كنت دوماً تحدثني عنه ؟ ! دارت كلماتك يا " لينا "في رأسي، فأصابني الدوار والرجفة معاً ، كما لو أنني أنظر في عينيك لأول مرة ،في وقت كنت فيه كلما اقتربت إليك بعد كل لقاء معها أكتشف فيك شيئاً جديداً .. شيئاً يزيدني التهاباً، ويجدد في عروقي التمسك بك حتى النهاية . وكنت أسأل نفسي باستمرار : ماذا حدث لي حتى أضحى هكذا ؟ وفجأة ، تسلقت الإجابة لساني : إن ما حدث أعادني إلى الأيام الأولى التي عرفتك فيها .. لم أكن بعد قد دخلت عالم المرأة بالطريقة التي تكسب التجربة مع التكرار ، وحين دخلتها اكتشفت إثارة جسدك الذي لا يوقف اللهاث وراء المستحيل ! ولما دفنت رأسي بين ضلوعك ، وسمعت دقات قلبك المتسارعة ، كنت قد تحولتِ إلى عشيقة حقيقية ، لا إلى زوجة تـعنى بشؤون البيت و الأطفال، وكانت " غادة " هي التي أوقدت فيّ وفيك إحساسنا اللامتناهي بحاجة كل منا للآخر . فهل بعد كل هذا ، تعتقدين أنني خنتك ؟ هذا السؤال حيرني كثيراً ،لأنني لم أتعامل مع هذا الحيز من العلاقة بمنطق الخيانة .. وأنت التي لم أشك يوماً بذكائك ، كيف تسمحين لنفسك بالانجرار وراء منطق الخيانة الذي يعاقب المحبين الذين يسعون إلى إعادة إنتاج أيامهم الأولى بعد مضى خمسة عشر عاماً على رتابتها ، بما يتلاءم مع التجديد ومحاولات الاكتشاف للعوالم الأخرى، التي من شأنها تأكيد الحب ونمائه .. لا يا " لينا " العزيزة .. أنا لم أخنك ! كل ما هنالك أنني سبحت فوق أمواج المغامرة ، أنا الذي لم أغامر يوماً في مستقبلي ومكانتي الاجتماعية ، لأنني مستعد لخسارة الدنيا وما عليها في سبيل الاحتفاظ بك ، وما كان لهذا أن يحدث بمعزل عن التعرف عليها ، وتعليق الخطاف في السماء كي يعلق قدري في سّنه الحاد الذي يشبه رأس رمح ، والذي جدلت حبله من خيوط شعرها الليلي ، وسقيته بالدم والعرق والركض وراء المنتفضين ، ووضع المتارييس وإشعال الإطارات المطاطيه، ومواجهة جنود الاحتلال ، كتفي يلاصق كتفها ، ومن بعيد يبارك "الباهر " خطواتنا .. ولأنني أحبك وأخشى عليك من الشك أن يجلس في عينيك و يتربع ، قررت أن اكتم سر حبي " لغادة " عن التسرب إليك حتى أحافظ على مشاعرك التي يهمني كثيراً بقاؤها في حالة تلهف إليّ . فأنا لست على استعداد أن أخسر أيا منكما . فإذا كنت أنت الحقيقة التي أغمس نفسي معها في الفراش الليل كله ، فهي كذلك ، الحقيقة التي تسطع في النهار و تدفعني نحو إتمام أعمالي بأسرع ما يكون . وإذا كنت أنت الآخرة التي أخلد فيها بالنعيم ، وأقدم كشف الحساب ، كي أحصل على الجزاء أو العطاء ، فهي الدنيا التي أمارس فيها أهوائي، شطحاتي، وربما بعض المتع الزائلة قبل أن انتقل إلى العالم الآخر ، إليك أنت ! .. أصدقك القول يا " لينا " : عندما كانت تسألني عن البيت و عنك، لم أكذب عليها مرة ،كنت دائماً أقول لها الصدق، أصف لها مقدار حبي لك، وكبر قلبي الذي يتسع لكما أنتما الاثنتين معاً . بـهذه الطريقة غرست روحي في رأسها ، فباتت تسعى إلى امتلاكي .. أقنعتها أن حبي لها لا يشكل خيانة لك ، ومن الإجحاف محاصرة مشاعر الزوج في حدود الزوجة .. لم أقل لها ، كما يفعل الدجالون ، لست على وفاق مع زوجتي ولا أطيق رؤيتها ، لا، لم أقل هذا، الأمر الذي جعلني أقرب إلى عقلها وقلبها من كل الذين حاولوا بكل الطرق الاقتراب منها . لقد خسرت كل شيء، خسرت عمري كله، ولكن أن أخسر هذه المعركة يعني ببساطة ، لم يعد هناك ما هو جدير بالعيش من أجله .. على الأقل يجب أن أربح المعركة التي أنا الطرف الوحيد الذي يحارب من أجلها ، لأن خسارتها تعني، تلقائياً ، فقدان القدرة على خوض أية معركة والانتصار . إنها يا " لينا " ، بالنسبة لي ، أهم شيء بعد غياب الوطن ! . أعترف ، إن التفكير بها أشقاني كثيراً ، و الاشتياق إلى حميمية اللقاء كان دوماً يعكر صفو حياتي .. وحين كنت أبحث عن شيء في تقاسيم وجهها أقل روعة ونعومة ، لا أجد .. الأنف دقيق، العينان لامعتان واسعتان، يقفز البريق منهما إلى الشارع فيعم المكان ضوءاً يبهر المشاة .. الشفتان ناعمتان منفرجتان أقل اكتنازاً مما هو معقول ، و أكثر مناداة للنظر كي يظل ساقطاً عليهما ، ومن خلفهما تصطف الأسنان بانتظام يستحيل تصوره ، كجيش يستعد لدخول معركة حاسمة . أما باقي الأجزاء فيصعب وصفها ، الأمر الذي يجعله غير عادي ، ويميزه عما سواه من وجوه الأخريات ، فيمتعه بجاذبية حادة ملفتة للنظر ، و يستبقيكِ مشدوداً إليه في آن معاً . والأمران ، معاً ، جعلاه أكثر تناغماً مما يؤدي إلى العجز في الوصف ، مهما بلغت القدرة على تطابق الشكل بالمحتوى في مخيلة فنان ، أمضى معظم سنوات عمره في تأمل جماليات الطبيعة ، وتجانسها مع ما يحيط بها، وكنت دائماً عندما تستيقظ في مخيلتي هذه الملامح أتحول إلى إنسان آخر ، إنسان متمرد يسعى إلى انتهاك العادة والقفز عما هو مألوف .. ومر عليّ كثير من لحظات الصمت الممتلئة بالاشتياق وهموم الوجع ولوعة الآهات ، تكسر فيها الحلم بالحضور ، كما تتكسر الحقيقة في الغياب .ولم يخرج الوضع من حاله سوى قطع الصمت بالسؤال وتداعي الأفكار .. أتذكرين يا " لينا " يوم دعوتها إلى بيتنا ؟ ! كنت خائفاً من هذه اللحظة التي أجلتها منذ تعرفت عليها وبت أعشقها .. دفعت صورتكما هي وأنت من مخيلتي دفعاً قبل أن تتقابلا وتقفا وجهاً لوجه لأول مرة .. قلت في سرى : كيف يمكن أن تتعاطي مع الأمر يا " لينا " ؟ هل ستستسلمين له ؟ هل ستجرؤ عيناي على اللقاء بأعينكما ، فتجمح الروح طموحة في اللقاء الأبدي ؟ .. عاشقة تفتح باب الحياة متوهجاً أمام زوجة اعتقدت منذ الليلة الأولى ، أن كل أبواب الدنيا أغلقت مزاليجها عليهما وحدهما دون منافس .. تمر بكفيها على جسدي فينهار من فوره ، وتلوح على الشفتين ابتسامة آسرة تجعل من السفلى ترتجف، كما لو أنها تتحرك تبعاً للشهيق و الزفير .. آه ..كم كنت أتمنى أن تبقى هذه الصورة في ذهني إلى أبد الآبدين! لا تذهب بك الظنون بعيداً يا " لينا " فتعتقدي أنني امتصصت آخر قطرات الشهد من كأس الحب المترع بفراق العشاق في آخر لحظات المتعة .. لا تعتقدي أنني بكيت و قلت لنفسي : ماذا أصابك كي تبكي كالأطفال ؟ أ لأن " غادة " ذهبت ؟ لأنك رأيت ملامح وجهها تتبخر قطعة وراء قطعة بعد أن انتقلت إلى حضن رجل آخر ؟ فهززت رأسي كمن يجيب على التساؤلات بالنفي .. من أين داهمني الحنين إليك يا " غادة " وجئت كالعذاب و أنا لم أرك منذ زمن ؟ ! روحي تصلبت في الشرايين وصاهرت ديكاً ذبيحاً استمر ينتفض حتى الرمق الأخير ، فلم أعد كما كنت، ولم تعودي أنت كما عهدتك على مر السنين ، ذكريات تنتصب في وجه أيامي فتحيلها إلى شهد يقطر من شفتيك، ويجلو صدري ترياقاً مع كل صباح، انفض فيه عن عضلاتي خمول النوم، وبقايا من لقاء كان بيننا وتأزر معنا في سرير.. لا تسوّدي الصورة يا " لينا " و تضيقي مساحة التحرك وتقولي : إن ظفرت بها عليك التخلي عني ! فأنا لا أقوى على فقدان إحداكما ! أنا لم أقل : آه .. " يا إلهي كم كانت بشرتها طرية وصافية ، أذكر أنني وضعت كفي فوق نهديها فأخذت تنتفض وأغمضت عيني وأنا امتص ، حتى الأعماق، ذلك التيار الغريب الذي أخذ ينضح في عروق راحتي من داخل صدرها ويطوف في جسدي مثل شحنة اللذة " .. أنا لم أقل هذا، وليس بوسعي فعله، ولا أقدر إلاّ أن أكون بينكما . فلا تدمري ما تبقى من جسور قادرة على تحمل وطأة أقدامنا ، ما تبقى لنا من أيام قرضتها أسنان فأر حادة ، فأوشكت على الإجهاز عليها قبل أن تشيخ ، أو يصيبها تلف الأمراض، التي غدت تصيب كل عابر سبيل .. صعدت إلى سطح الحاضر يا " لينا "، وأخذت أنظر إلى السماء .. كانت صافية تملؤها النجوم بما لا حصر له ، هذه السماء خطفت عقلي و أقعدتني عاجزاً عن قراءة ما تخبؤه الأيام من مفاجآت .. أودعت في قلبي عشقاً لا أقوى على العيش بدونه .. فتحت عليّ نيران أسئلة يصعب الإجابة عنها، ونكأت جراحاً أشفته ابتسامات عذبة ودودة تطالعني كل صباح ، فشهد صدري براءة ذمة ، حددت خواص المرحلة ومعنى العفوية والارتجال، فصار للمتناقضات مضمون أيقظ الذاكرة وحفزها للتصالح مع الذات والسعي نحو بلوغ المستقبل ! وكان " المتوكل" في انتظاري .. دفع الأمر بعيداً فأدخله متاهات يصعب الخروج منها .. علق السؤال في الهواء أعواماً طويلة … ولعبنا الورق "الحازم " و " المتوكل " وأنا وشخص آخر لا أعرفه ، وفجعت عندما طلب " المتوكل" اللعب عن المستقبل ، كي يصبح لنا أو علينا ، فتركتهم ونهضت ماضياً إلى طريق كان يجب منذ البدء المضي فيه دون التعويل عليهم ، وقبلها كانت قد مرت لحظة وقحة ، اعتقدت فيها أنني الوحيد الخارج عن سياق القطيع الذي انحرف وراء كومة قمامة تتنصف الطريق، فإذا بالعديد أمامي وخلفي وعلى جانبي يرددون : اتركوا أيدينا فنحن لا ننوي الغوص في المستنقع ! مضيت وزناد عقلي يقدح ما كان يردده " الباهر " دوماً: الوحدة الوطنية شعار يرفعه الفقراء ويستشهدون ثمناً له ثم يدفنون على هامش تراب المرحلة ! . وانتظرت " غادة " عند " الباهر " يا " لينا " .. لم تكن تخلف موعداً قبلئذ ، ولكن هذه المرة ، كان المكان خالياً، فلا "الباهر " كان موجوداً ، ولا هي جاءت ، ولا أنا انتظرت طويلاً .. عندها، كاد كل شيء يتقوض لولا تدخل الصدفة : طفل تعرف عليّ في الطريق يحمل قطعة قماش بيضاء مطرزة بالدم ، قدمها إليّ ومضى .. وعندما لحقته بالسؤال : - لماذا اخترتني أنا بالذات كي تقدمها لي ؟! توقف ونظر إليّ ثم قال : - تركتها "غادة " عند الضريح الذي دفنت فيه آخر شهداء أحلامها. طفلاً بعمر الورد! - ولكن لماذا اخترتني أنا بالذات ؟ - رأيتكما مرة تتأبطا في أذرع بعضكما بين القبور .. تركني ومضى فيما أخذت أتساءل : هل للأحلام شهداء ؟!! وكان الصمت قد خيم ، فأخذت أنظر إلى نهاية الشارع الذي أقف في منتصفه لعلّي أرى شخصاً أقول له ما كان ينبغي قوله منذ أعوام ، ولكن لم أجد .. فقلت لنفسي : تعبر السنوات بطفولة الأطفال عبور العواصف بين القبور ! .
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصل 3 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
-
الفصل 2 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...
-
الإنتفاضة العشيقة الزوجة ...رواية
-
مازال المسيح مصلوبا فصل :9_10
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 16
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 15
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 14
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 13
-
فصل من رواية : صفر خمسة تسعة 12
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 11
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 9
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 8
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 7
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 6
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 5
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة4
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 3
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة2
-
فصل من رواية :صفر خمسة تسعة
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|