أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايمان صالح - حزن المرجان














المزيد.....

حزن المرجان


ايمان صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


كان يتربصُ بها منذ أعوام..
يتوَشحُ رداءَهُ الأسود...
يقفُ خلفَ الجدران التي تفصلنا عن العالم الآخر...
كانت تجسيدا حزينا لابتزازه ولطالما ساومَها على الحياة...
أستذكرُ ذلك وكأنه حَدثَ بالأمس...

المكان، بغداد ، العام 1994
طرقَ الباب ولم يكن سواها في البيت...
كان ذلك اللقاء الاول بينهما ...
دخلَ دون إستئذان وجلسَ بهدوء وكأنهُ يعرفها منذ قرون...
تلاشتْ رباطة ُ جأشِها وسكنَ الفزعُ عينيها بعد أن دققـَتْ في تقاسيم وجههِ المتحجر...
تساءلتْ وعيناها تدمعان وتطرحان سؤالا صامتاً ، هل آن الأوان ؟
أجابها: نعم
ألا يمكنكَ التأجيل لوقتٍ آخر، هناك الكثير لم أنجزه بعد ؟
يتنقلُ بعينيه في أركان البيت بينما يفكرُ مليا ً ثم يردفُ وقد توهجتْ نظرتهُ ببريقٍ مرعب: ربما
بَدَتْ عليها بعض ملامح الاستغراب والأمل : سأقدمُ لكَ ما تريد ، لكن اتركني اليوم فأولادي بحاجة إلي...
ساد الصمتُ في أرجاء الغرفة وجَسدها ينتفضُ ترقباً...
هو : أريدُ عيناكِ ، فبهما سأرى كيف يأفلُ جبروت البشر وهو يطغي ويتجاهل وجودي..
تفتحُ عيناها الواسعتان الجميلتان دهشة ً ،هل أنتَ جادٌ فيما تقول ؟ هل جننتْ ؟
هو : إذن تعالي معي اليوم...
تبكي وتنتحب وتجثو على ركبتيها توسلا ً...
بقيَ هادئا ولم يكترثْ لدموعها واستمرَ في التحديق في زوايا الغرفة وقد إزدادَ بريقُ عينيهِ توهجا ً!
استسلمتْ وقـَبـِلتْ بتلك الصفقة...
كان هذا المشهد الأخير الذي أُسدلَ فيه الستار على ضوء حياتـِها...

بعد خمسة أعوام ،عادَ من جديد..
لم تتعرفْ إليه ، فقد وهبتهُ بَصَرَها منذ ُ أعوام...
مَنْ ؟
أطلقَ ضحكة ً خافتة سَرَتْ في إذنيها كفحيح الأفاعي...
هي : ألمْ تقلْ بأنكَ ستتركني وشأني في المرة الماضية ؟
هو : لكنني لم أقل بأنني سأتركك ِ الى الأبد !
هي : كلي أذانٌ صاغية ، ماذا تريد هذه المرة ؟
هو : أُريدُ تلك الآذان الصاغية ، كي أنصتَ بهما لتوسلات البشر لي لحظة الرحيل ...
هي : بالأمس ساومتني على بصري واليوم على سمعي !
كيف أُبصرُ وأسمعُ أولادي ، ألا يكفيكَ أنني لم أرَهُمْ وهم يكبرون ؟

لا تفاوض ...

انه العام2007
الساعة العاشرة والنصف ليلا ً، الأربعاء
اليوم الثامن والعشرون من أيام شهر رمضان المبارك...
المكان: منفى خارج الوطن...
في هذه المرة لم يقل شيئاً ، لم يساومْ ، لم ينبس بكلمة واحدة...
دخلَ من نافذة غرفتِها الصغيرة...
بقيَّ يمتصُ رحيقَ جسدها في عذاباتِ عالم ٍ مجهول حتى عادتْ الى الوطن محمولة ً على الأكتاف...
لم يتبقَ منها غيرَ أنفاس ٍ منهكة متهدجة رَبَطتها بالحياة بخيط عنكبوت...

الثامن عشر من فبراير، الأربعاء، أيضاً
السنة 2009
منفى خارج الوطن...
يرن جرس الهاتف...
انها بغداد...
توفيت امي...
انتهت المكالمة...
إختطفها وهي نائمة وأختفى مع ظلام الليل...
جَفـَتْ الدموع ، تمزقتْ الصورة وتناثرت أشلاءً...
لاشيء سوى لون العذاب...
ماذا أفعلْ ؟ هل هذا هو الجحيم ؟
حملتني قدماي المرتعشتان الى لحظات اختطافها الأخيرة...
الغرفة هادئة إلا من جدران ٍ وذكريات ...
بقيتُ أحدقُ في وجهها الملائكي الذي أصبحَ حبيس صورة ٍ...
أخذتُ أتلمسُ خصلات شعرها الثلجي ، عَلني أشمُ عطرها...
انظرُ الى المرآة...
أرى وجه الانهيار لأول مرة...

فتحتُ بوابة ذكريات الطفولة...
قرأتُ كلماتكِ وبقيتُ أتأملها وأمطار آذار قد سكنتْ العين...
كانت حروفكِ تتراقص على صفحةٍ في دفتر مذكراتي ...
( ابنتي الحبيبة أمونة ، أتمنى لك مستقبلا زاهرا ، إنتبهي لدروسك ، سأبقى أُحبكِ دوماً وأبدا..والدتك...)
كل صفحات مذكراتي أصابها الإصفرار إلا صفحة قلبك...
لقد أوقـَـدَتْ بحروفها الأنيقة شموعا ً أضاءت تلك الصفحة القديمة رغم مرور أعوامٍ وأعوام..
ما عساي أن أكتبَ لكِ ؟
لقد لخصتِ تاريخ التفاني بعذوبتك ِ ...
مهما كتبتُ لكِ سأكون قطرة ً صغيرة ً في بحر حبكِ...
لقد رَسَمت ِ لي كل لوحات الحب والتضحية بريشة غريزية...
حبكِ الذي احتضنني كموج البحر الهادئ...
ها أنا اليوم أقفُ عند ذلك الشاطيء وحيدة بدونكْ...
أراكِ تبتعدين بهدوء...
إذن ،
ما عساي أن أكتبَ ؟
أيتها الفنانة ...
بَنـَيتِ هرما ً من الحنان في ذاكرتي المجهدة بكوارث وأهوال وطن ٍ ضائع...
في الأحلام ،
أراك وانتِ تبتسمين بحزن...
أطبعُ قبلة على جبينكِ...
أتحدثُ معكِ...
أشكو لكِ...
أسمع صوتكِ...
ليتني أُلقي بذكرياتي الحزينة الى موج البحر...
ليت أحزاننا تتلاشى و لحظاتنا السعيدة تسكنُ مع المرجان...

أسمعُ صدى نبضاتِ قلبكِ التي إعتدتُ الإنصاتَ لها...
هل لازلتِ تشعرينَ بي ؟
أراكِ سراباً جميلا في لهيب حياتي المتصّحرة...

ها انتِ ترحلينْ مع قطرات بحر ٍ ماض ٍ...
معك ِكنتُ احلقُ مع طيور الجنانْ...
اليوم ، أنا وطن ٌ مهجور...
احدقُ مرة اخرى في المرآة، يا الهي ، كم أصبحتْ ملامحي تشبهُ حروفَ وطني..
آهٍ يا امي...
اختلفتْ الصورة وأصبحَ الانهيار سيد الألوان...
فلتنعمْ روحكِ بالسكينة الغائبة عن وطننا المتفجر...
ارقدي بسلام في ارض ِ وطن ٍ لم ينطق غير أبجدية الدمار...
نامي في أحضان وطن ٍ لم يمنحكِ سوى شهادة وفاة مع حفنة تراب...
طال الغياب ، وسيطول ...حتى نلتقي
اشتقتُ اليكِ ...
احبكِ...



#ايمان_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضفة ُ الفجر ِ
- على حراب اسوار الوطن
- أحلام في قلعة النسيان
- من ايمان الى كمال سبتي
- تصريح للحياة
- ورقصنا معا
- نوارس دجلة
- مواعيد عرقوب


المزيد.....




- افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
- “مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايمان صالح - حزن المرجان