أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 21:37
المحور:
الادب والفن
قبل أن تجف الدماء التي أريقت على أرض الغابة ، اندلعت معارك أخرى أكثر شراسة من سابقاتها خلفـّت المزيد من الدماء والجثث الملقاة هنا وهناك وسط زغاريد الإناث وهتاف الصغار لشحذ العزائم واستنهاض الهمم ، والدعاء من كلّ جناح لإلحاق الهزيمة النكراء بالجناح الآخر .
لم يبق في الغابة غير مجاميع صغيرة من الفتيان والشيوخ التي سلمت من الموت ، وخرجت بجلودها مشحونة بالغضب النازف من جوارحها ، وبالأمل الذي ظلّ يراودها للظفر بسفينة الخلاص التي تنقلهم إلى حياة الهناء والاستقرار .
انسلخت الليلة الأولى من جسد الزمن بين عويل الأرامل وبكاء الأطفال وثقل الوحشة والخوف والترقب ممّا يحدث عند انبلاج النور .
ومع إطلالة الفجر ، بدأ كلّ طرف يُمسكُ بالبوصلة ومستعينا بالخارطة التي تشير إلى مكان السفينة ، ومع حلول المساء تحرك الجميع إلى الموقع الذي تشير إليه البوصلة للاستحواذ على سفينة الخلاص وحرمان الآخرين من الإبحار صوب المستقبل المشرق ، وقد سلك كلّ فريق طريقا لا يلتقي معه بالفريق الآخر ومع اقترابهم من الهدف ، تخندق الطرفان بالقرب من موقع السفينة في صحراء لا يسمع فيها غير حركة الرمال الجافة ، وبدأ الهجوم يلتهم المسافة عند التقاط الصباح أنفاسه الأولى ، ومع التقاء الجمع عند الهدف المنشود ، كانت الدهشة تكتسح كل الآمال وتبتلع كل الأحلام ، فلا سفينة هناك ولا أثر لوجودها ، كان الوجوم سيد الوقف ، ثمّ بدأ تراشق النظرات الحبلى بالغضب وبالخيبة ، وبدأت نيران الثأر والانتقام تستعر في النفوس فتمخضت عن اشتباك مجنون بين الطرفين لم يبقي خلفه أحدا على قيد الحياة.
عند مرور سرب النوارس على الغابة الكبيرة شاهد النورس الشيخ صغار الغابة وهم يتدربون على فنون القتال لإعدادهم إعدادا جيدا لخوض معارك المستقبل للظفر بسفينة الخلاص ، وعند وصول سرب النوارس إلى مكان تناثر الجثث ، كانت الدهشة تعقد لسان النورس الصغير الذي سأل أباه عمّا شاهده ، التفت النورس الشيخ إلى الصغير قائلا :
لا شيء يثير الدهشة !! إنهم يبحثون عن سفينة وهمية بين دهاليز مخيلاتهم السوداء.
بصق النورس الصغير ، وأسرع للالتحاق بالسرب المتجّه صوب البحر .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟