جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 17:41
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقدمة الموضوع :
لو قُمنا بانتداب إنسان من سوريا وواحد من الأردن وآخر من مصر وآخر من الخليج العربي أو الفارسي وقلنا لهم سنكتبُ ديواناً من الشعر أو كتاباً باللهجة العامية , لكتب كل واحدٍ الكلمات كما يتصورها هو , لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد تقعيد سابق للغة العامية وهذه ليست فوضه بل مرحلة تطورية للخط , ونحن نلاحظ اليوم أن الكلمات العامية تكتب على حسب طبيعة فهم كل شخص لها فمثلاً هنالك من يكب (إللي ) وهنالك من يكتبها (اللي) وهنالك من يكتب (على دلعونا ) ومن يكتبها أيضاً (ع الدلعونا) وهنالك من يكتب (بتفهمش ) و(إبتفهمش) و (ما إبتفهمش) و(مبتفهمش)...إلخ.., أي أن اللغة ليست وقفاً على شخص معين بل هي تراكمات اجتماعية تنتهي أخيراً بإختيار الأفضل والثبات عليه وهذا ما حصل مع اللغة العربية في بداية ظهور القرآن وتدوين آداب العرب .
هل تعلم عزيزي ألقاري: أن الفقهاء العرب اللغويون وغير اللغويين كانوا يكرهون وضع النقاط على حروف القرآن , حتى أن عبد الله بن عباس قال جملة مشهورة بأسلوب يتحسر فيها على القرآن قبل تنقيطه إذ قال (لقد جردوه ).
وروى الإمام الأوزاعي عن قتادة أنه قال ( وددتُ لو قُطعت أيديهم ) ويقصد بذلك أي الذين نقطوا القرآن ورقشوه,
وقال الإمام الصولي المعروف بأبي بكر الصولي ( كره تعجيم القرآن إلا من مواقع اللبس ) أي أن هنالك من كان يؤيد ترقيم القرآن وتعجيمه في المواقع التي يقع فيها اللبس والاختلاف في كيفية اللفظ .
ولربما أن كلمة عبد الله بن عباس فيها شيء من تحميل النص أمور أخرى واحتمالات غير لغوية مثل أنه من الممكن أن التصحيف قد وقع لغوياً ومن ثم تطور إلى مسائل فقهية .
لنتصور جميعاً كيف كان شكل القبائل العربية إبان ظهور القرآن .
كانوا يتكلمون كثيراً ويكتبون قليلاً ولم تكن هنالك مدونات مكتوبة وكان قوة الحفظ هي أساس التدوين ولم يكن أحد يهتم بالكتابة إلا القليل القليل من أمثال : الشعراء والكهان والسحار وبعض التجار وليس الغالبية .
وحين ظهر القرآن وأرادوا تدوينه مكتوباً لم تكن لديهم مشكلة الكتابة لأن الكُتاب متوفرون , ولكن كيف يفهم بعضهم على بعض تلك كانت هي المشكلة , لأن التدوين ورسم الحروف العربية لم يكن معروفاً أو مشهوراً كان كل كاتب يكتب كما يتخيل وكما يتصور شكل الحرف ولم تكن العرب تقفُ على قاعدة بيانية ثابتة , وهذا يظهر من خلال النقوش التي قرأناها سابقاً إذ كيف كان البعض يكتب التاء المربوطة وكأنها مفتوحة في كلمة (رحمة-رحمت) وغيرها وغيرها وكذلك في كلمة (معوية – معاويه) وكذلك (الرحمان – الرحمان) حيث يظهر هنا أخيراً إقحام الخط النبطي على العربي المسند.
وذكر الأنباري في فتح الباري أن عمر بن الخطاب مر بقوم يرمون فلم يعجبه رميهم فقالوا له (نحن قومٌ متعلمين) فقال والله إن لحنكم أشد عندي من فساد رميكم .
واللحن الذي وقع به اتلعرب في تلك الجملة هو نصبهم لخبر المبتدأ من قولهم ( نحن قومٌ متعلمين ) فنصبوا خبر المبتدأ , والأصح أن يقولوا (نحن قوم متعلمون) هذه القصة تخبرنا من أن عمر بن الخطاب كان لديه تصور عن المبتدأ والخبر ومعرفته بالرفع , وأيضاً تعطينا هذه القصة دلالة على أن العرب لم تكن تقف ُ على قاعدة ثابتة في اللغة حتى الأحرف العربية الأبجدية لم تكن بهذا الشكل والترتيب لقد كانت هكذا :(أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ) ثم ألحقوا بها بعد فترة (ثخذ ضظغ) أي أن العرب لم تكن تميز بين الضاء والظاء كان كل شخص يكتبها كما يعرفها إما بالعصاه أو بغير عصاه أما التمييز بينهما فهو من ابتكار النحاة العرب , ولم يكن القرآن يميز بينهما بل كان كل شخص يكتب على حسب فهمه هو وتصوره هو , ثم كانت هنالك مشكلة أربعة أحرف متشابهة وهما (ن,ب,ت,ث,) .
وقد لاحظ ابن عبد ربه أن العرب كل واحد فيهم يكتب كيفما يتصور شكل الحرف ويعجمه كيفما يتوقعه هو حتى أن أعرابياً دخل على أحد بنيه وهو يقرأ سورة البقرة هكذا ( ألف لام ميم ذلك الكتابُ لا زيت فيه) فقال له يا ولدي خذ القرآن من أفواه الرجال ولا تأخذه مكتوباً , وقال أيضاً ابن عبد ربه (إذا نُسٍخَ الكتابُ مرتين عاد سريانيا).
وذكر أبو الفرج الأصفهاني في باب (التنبيه على حدوث التصحيف) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم في القَدِرْ) وأيضاً (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب العسل يوم الجمعة) وتبين أن هذه مشاكل التصحيف من القراءة وكثرة النسخ وكان الصحابة يخافون من إعادة النسخ حتى لا يقعوا في أخطاء إملائية والكتاب وأن رسول الله لم يكن يكره النوم ليلة القدر من نزول القرآن بل كان يكره (الثوم ) وأيضاً لم يكن الرسول يحبُ العسل يوم الجمعة بل كان يحبُ (الغسل).
إن كل هذه الأمور تعطينا انطباعاً أن العرب لم تكن تعرف التنقيط فوق الحروف إلا فئة قليلة وخصوصاً أولئك الذين تتلمذوا على يد السريان الأحبار الرهبان النصارى .
لقد مر السريان بمشكلة التصحيف في اللغة قبل المسلمين لأنه اعتنقوا كتابين العهد القديم والجديد ووقعت بينهم إشكالية لفظ بعد الحروف فلجأوا إلى التعجيم والتشكيل لأنهم خافوا من غضب اليسوع عليهم حين لا يقرؤون الإنجيل (البشارة) بشكله الصحيح.
والمسألة لا تتعلق برفع النون في سوآل إبنة الأسود الدؤلي عن السماء بقولها (ما أحسنُ السماء) إن لها جذور سريانية وقد أشكل حروف اللغة العربية بعض السريان قبل أبي الأسود وأبي الأسود نقل إصلاحاته اللغوية عن علماء السريان عن (عامر بن جدره ) الذي سنتحدثُ عنه لاحقاً بمقال مفصل .
لقد جعل أبو الأسود (أشكال) الحروف في الحروف بالندب وبالشكل وهذا مأخوذ من المجتمع (الركوبي) الذي يساوي كل شيء بالدواب فمهر المرأة يدفع بالدواب من إبل وغنم والدية(دفع دية المقتول) على القاتل بالدواب من خيل وغنم وإبل , وكذلك تطورت هذه الركوبية إلى اللغة بحيث استعمل أبو الأسود اصطلاح (الشكل – النُدب) وهذه كانت عبارة عن مرابط توضع للخيل وللدواب حتى لا تفلت وتهرب وقد سمى خطوته بالتشكيل , والتشكيل معناه في العربية الربط , وما زال العرب إلى اليوم يستخدمون لفظ التشكيل بمعنى الربط.
أما الذي طور المسألة أكثر فكان (الخليل بن أحمد الفراهيدي ) الذي استبدل تشكيل الندب بحروف صغيره توضع فوق الكلمات مثل الضمة والتنوين والكسر والفتحة والتي كان أبو الأسود يستعمل بدلاً منها النقطة والنقطتين من فوق الحروف ومن تحتها .
مما أعاق تنقيط القرآن والحروف العربية هو اعتراف الصحابة والرسول باللهجات الموجودة وهو ما يعرف اليوم باسم القراءات السبع أو القراءات المتعددة فقد ذكر المؤرخون العرب أن الصحابة كانوا يكرهون وضع (الرقش- التنقيط) فوق حروف القرآن وذلك حتى يقرأه كل أعرابي على حسب لهجته , وقال معاوية بن أبي سفيان (كتبتُ بين يدي رسول الله كتاباً فقال لي يا معاوية أرقش كلماتك , وأخيراً وليس آخراً هذا نص عثر عليه في مصر (أهنس) يعود لسنة 23 للهجرة منقوط قبل الحجاج وأبي الأسود الدؤلي:
-بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أخذ عبد الله
-إبن جبير واصحبة من الجزر من ا
-من خليفة تذرق بن أبو قير الأحد خليفة اصطفى بن أبو قير الأكبر
-من الجزر وخمسة عشر شاة اخر اصحب سفنه وكتبه وثقلاه في
-شهر جمدي الأول من سنة اثنين وعشرين وكتب ابن حديده.
تظهر في هذا النقش الأساليب الكتابية مث (جمدي ) بدل جمادة و إبن جبير (واصحبه) بدل (وأصحابه)
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟