|
لماذا لا يستشهدون؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 14:30
المحور:
كتابات ساخرة
يقوم قسم كبير من الخطاب الدعوي الصحوي البترودولاري الصحراوي على تمجيد الشهادة، وعدم حب الحياة ودفع الناس للموت والاستشهاد، واسترخاص الحياة واحتقارها، وأن هذه الشهادة هي مبتغى المؤمن الذي يجب أن ينالهها بأقصى سرعة. لكن نفس هؤلاء الدعويين الصحويين لا يستشهدون، ويحبون الحياة، ويشترون ناطحات السحاب، ويتزوجون من أكثر من امرأة، ويجنون الملايين، ومنهم من جنى المليارات، (ربنا زد وبارك لهم ولنا وارزقنا مثلهم من طويلي العمر أولي الأمر، إنك أنت الرزاق الوهاب)، ويظهرون بكامل أناقتهم في الفضائيات، ويذهبون لعيادات في الغرب للكشف المبكر عن الأمراض القاتلة والعياذ بالله. وقلما نسمع عن أن أحداً منهم قد استشهد، ومعظمهم، والحمد لله، بلغ من العمر عتياً، ويتداوى بالطب الغربي الذي طـُوّر ووصل لهذه الدرجة من الرقي والتقدم في ظل أنظمة علمانية، ولا تراهم، ومع كل الأسف والعجب، يتداوون بالطب النبوي الذي يرطنون كثيراً عنه في فضائيات نفس طويلي العمر أولي الأمر. كما يجرون العمليات الجراحية لإطالة أعمارهم، ويتناولون أدوية الضغط والأنسولين المستورد من الدانمارك، تحديداً ويراجعون العيادات في الغرب ويموتون فيها، كما حدث مع الملك حسين رحمه الله، الذي قضى في، مايو كلينك، وهو العربي الهاشمي وسليل نبي الرحمة عليه صلوات الله. وقد بلغ الشيخ الجليل، يوسف القرضاوي أطال الله عمره، مثلاً، الثمانين من العمر، دون أن يستشهد أو يطلب الشهادة. كما توفي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه المولى الرحمن الرحيم وأسكنه فسيح جنانه، مفتي الوهابية ومرشدها الروحي الأعلى، عن عمر تجاوز التسعين عاماً، قضاها بالصلاح والتقوى والفتوى. كما يبلغ شيخ الأزهر اليوم، ثمانين عاماً قضاها أيضاً بالصلاح والتقوى ومصافحة شيمون بيريز والاجتماع به على انفراد. وذهب الشيخ الوهابي الجليل سليمان العودة، اطال الله في عمره، وأبقاه درة للمسلمين والإسلام، إلى فرنسا، وليس إلى غزة للاستشهاد هناك، لإجراء عملية جراحية في كاحله كللت بفضل الله تعالى بالنجاح، وكل ذلك حباً، ورغبة بالحياة، وليس بالموت والاستشهاد، ودون أن نرى تلك الحمية والرغبة العارمة لديهم للقاء ربهم التي يصورونها للمغرر بهم والمساكين والفقراء.
والمؤمن البسيط يغريه الخطاب الدعوي العاطفي الرومانسي وينجر له، ويطرب لكلام الوعاظ، لأنه بطبعه أناني، أيضاً، كسائر خلق الله، يخشى الموت، ويحب الحياة، ويتمنى ألا يموت أبداً، ويرغب أن يعيش خالداً، ولذا تراه يبذل في الطاعة والعبادات لله تبارك وتعالى ويدعوه كثيراً من أجل أن يبقى سالماً، وكي يعود إلى أي نوع من الحياة " الممتعة والمغرية"، جداً والتي لا يحب ان يفارقها في يوم من الايام. وحب المؤمن لمتع الحياة وزينتها وبهرجها يدفعه كي يستمر بها ويحافظ عليها بشتى السبل المتاحة. كما أن طمعه بالحور العين، والجنة، وترف الحياة ما بعد الموت، حسب الرؤى الأسطورية الغيبية المجردة، هو من بين الدوافع الرئيسية التي تدفعه للخشوع والطاعة، نتيجة لما تنطوي عليه من صور وخيالات لملذات ومتع ينشرح وينفطر لها قلب المؤمن، بحياة خالدة مخلدة لا يعرف أحد إلى متى ستستمر، ولماذا ستستمر على ذاك النحو، كما لا يعرف فيما إذا كان المؤمن سينتابه الملل من تلك الحياة الغارقة في المتع والملذات وأنهار العسل والخمر، وهذا ما يؤكد على أنانية مطلقة ورغبة في التمتع بالملذات إلى ما لا نهاية، على عكس ما يشاع عن زهد المؤمن وورعه وتقواه وتعففه عن المتع والملذات، ونرى كثير من المؤمنين والصحابة الكبار، رضوان الله تعالى وتبارك عليهم أجمعين، وقد تزوجوا عشرات النساء، وجمعوا من الأموال والغلمان والجواري والأملاك ما لا يعد ولا يحصى رغم أن من بينهم من كان من خلفاء الإسلام الكبار، وكثير منهم أيضاً لم يستشهدوا وماتوا على فراشهم ، كما تموت البعير، كما قال سيدنا خالد رضي الله عنه. وحب النساء، والتحبيب بهن، كما هو معروف هو واحد من أهم مغريات دخول الجنة، والمؤمن يصبح ورعاً، ويتعبد، من أجل أن يفوز بتلك المتع والخلود . وحب المؤمن للحياة هو ما يجعله يحافظ عليها، لكن حياة الآخرين تسهل عليه ولا تعني له أي شيء، وخاصة السلفيين الجهاديين وأمراء الإرهاب الذين لا يحلو لهم إلا قتل الناس بالجملة. والانتحاري حين يغرر به ويقتل الآخرين فيكون قد خضع لعملية غسل دماغ مكثفة ومرهقة ومكلفة عبر تمنينه من جملة الأمنيات المغرية بالجنة والفردوس والحور العين والغلمان المخلدين، ولذلك تراه يهرع للاستشهاد، ولكن ربما لو كان لدى هؤلاء الفتين مصالح ودولارات وأعمال وزوجات جميلات، وأموال وعلاقات عامة كالشيوخ، لما فكروا ربما بالاستشهاد. وقد قرانا، وسمعنا، جميعاً عن أدبيات وطقوس الانتحاريين، الذين كانوا يحفظون أعضائهم الذكورية بقوالب معدنية كي تبقى سليمة لمواجهة "الاستحقاقات المستقبلية العظيمة" لمرحلة ما بعد الموت والشهادة ولقاء وجهه تبارك وتعالى. (في غمرة الفورة الانتحارية التي رافقت الغزو الأمريكي للعراق، رغم أن القوات الأمريكية موجودة بقوة، وعلناً في معظم دول المنظومة البدوية الفارسية التي تصدر فتاوى الموت والاستشهاد). كما أصبح كثير من الوعاظ والدعاة، وبفضل وحمد لله تبارك وتعالى، من أثرياء العصر، كالشيخ الجليل يوسف القرضاوي، والداعية المودرن عمرو خالد، الذين كانوا اول من دخل مجلة فوربس من خارج السلالات القدرية الحاكمة، والتي ضمتهم جنباً إلى جنب، مع عتاة الرأسماليين والربويين، والعياذ بالله، ولصوص العرب الكبار والحرامية، ومصاصي الدماء، ويكنزون، مثلهم، الذهب والفضة، واليورو والدولارات، وعلى عكس ما توعدهم وهددهم به، القرآن الكريم.
فالمؤمنون على عكس ما تشيع السلفية الجهادية، وزعماؤها أسامة بن لادن، والظاهري وغيرهم المتوارون جميعاً عن الأنظار، في تورا بورا وعن طائرات حلف الأطلسي، خوفاً من الموت والشهادة ومواجهة الباري عز وجل. فلو كان الموت رغبة عزيزة يطلبها السلفيون الجهاديون وأمراء الوهابية وشيوخها، لماذا يتوارى معظمهم عن قوات الناتو والأمن التي تطاردهم، ولماذا لا يخرجون إليهم ويواجهونها، بصدور عارية، وينالوا الشهادة التي يطلبون ويدعون اليها؟ أم أنهم يخافون على الدين، وهذا ما يناقض قوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز : "(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر). ...وحب الحياة وليس الاستشهاد هو الذي دفع ذات مرة أحد شيوخ الوهابية، وهو سليمان العودة، إلى الحدود العراقية، ليبلغ عن ابنه لقوات الأمن السعودية، الذي كان بصدد دخول العراق، لتنفيذ عملية انتحارية ضد القوات الأمريكية، لولا أن حب الحياة، والخوف من الموت يعشش في قلبه وقلوب شيوخنا الأجلاء وهو أقوى من حب الموت والاستشهاد، ولولا أن الشهادة هي بضاعة تسوق للمساكين والفقراء والمغرر بهم لتحقيق أجندات سياسية معينة فيما لا يقدم عليها أي من الأغنياء والمتنفذين والشيوخ الصحويين الكبار؟ فلماذا يرسل الشيخ القرضاوي الاستشهاديين والأطفال والمراهقين والفقراء المغرر بهم لتفجير أنفسهم والموت، فيما لا يقوم هو بنفس الأمر، ما دام الأمر على هذه الدرجة من القداسة والعظمة وعليه أن ينالها قبل غيره؟ ولماذا لا يفعل جميع الصحويين والدعويين وشيوخ الفضائيات نفس الأمر، ومنهم من يعيش ويتنعم بالحياة، في قلب لندن وأمريكا، ما دامت الشهادة مطلوبة ومغرية إلى هذا الحد، فعنوان القدس، وفلسطين، وأوكار "الكفار والمشركين"، وسفاراتهم معروفة لدى الجميع، ولا تبعد ربما سوى أمتار قليلة عن سكنى بعضهم. فمفتي القدس، مثلاً، يعيش على مقربة من جميع المصالح الحيوية والوزارات الإسرائيلية، ويتمتع بصحة وعافية جيدة والحمد كل الحمد تعالى لله، ولديه إقبال منقطع النظير على الحياة وحب لها، ولا يترك مناسبة إعلامية ولا مؤتمر إلا ويحضره بكل همة ونشاط، أليست الشهادة أفضل له من كل هذا؟ ولماذا يختبئ معظم رموز السلفية الجهادية في أوكار وكهوف تورا بورا مع زعيمهم أسامة بن لادن الذي يبدو أنه يقدس الحياة، ولا يبدو أنه يريد أن يستشهد أو يطلب الموت، كما يشيع محبوه ومريدوه من أنه زاهد في الحياة وزينتها وبهرجتها ويطلب الشهادة، وتراه يبعث باستمرار أشرطة مسجلة للفضائيات ويضعها على النت، يطمئننا فيها كل مرة أنه حي يرزق، لم يمت ولم ينل الشهادة، بكل أسف؟ ( ومن هنا اغتنم الفرصة لأدعو المولى الباري عز وجل كي يتقبل دعوتنا جميعاً، في هذه الأيام المباركة وليلة القدر العظيمة، كي يكحل الله أعيننا، وأعين المؤمنين جميعاً بقدسية الشهادة، كي ينال جميع هؤلاء الجهاديين البررة الابطال الشهادة فوراً). كما لا ندري لماذا اختبأ رموز حماستان أمام القوات الإسرائيلية الغازية، وتواروا عن الأنظار تحت الأرض، فيما كانت آلة إسرائيل العسكرية تفتك بأطفال غزة ونسائها وأطفالها، رغم أنهم يحثون فقراء غزة في خطب الجمعة على الشهادة والموت؟
فلماذا لا يستشهدون، جميعاً، بشيوخهم، وجماعاتهم السياسية، وأحزابهم فنرتاح، ويرتاحون وبالجنة والحور العين يثابون؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسم على غير مسمى
-
لماذا يُفرض الحجاب في الدول الدينية؟
-
البكيني مقابل الحجاب والأكفان السوداء
-
وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
-
الحكام أم المحكومون العرب؟
-
باب الحارة: الإسلام هو الحل
-
ما هي معايير الوطنية؟
-
العَربُ وتهديد القيَمِ والحَضارةِ الغربية
-
عبد الباسط المقراحي طليقاً
-
لماذا العتب على جنبلاط؟
-
هل السعودية بحاجة لمهرجان ثقافي؟
-
زوال الدولة الوطنية العربية
-
المملكة السعودية: اعتقالات بالآلاف من دون محاكمة
-
أبناء حكام العرب: شيء يرفع الرأس!!!
-
غزة-ستان: بين حصار وحجاب
-
خرافة البحبوحات النفطية
-
لا لولاية السفيه
-
لماذا يطالبون بتحرير فلسطين؟
-
سوريا والجيران: أما آن الأوان؟
-
ألغت عرسها لأن خطيبها نجم أفلام إباحية
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|