أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة















المزيد.....


ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 843 - 2004 / 5 / 24 - 04:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1- العرب ونظامهم السياسي.
إن السؤال عن العرب، وفيما إذا كانوا يشكلون أمة، وبالتالي هل لهم الحق في الوحدة في دولة قومية..الخ، لا يزال على ما يبدو سؤالا راهناً. بل أصبح السؤال ذاته موضع شك من جراء فشل المشاريع القومية بصيغتيها البعثية والناصرية، والميل نحو التخارج والاندماج في تكوينات إقليمية أو عالمية بديلة. مع ذلك ورغم كل الضغوطات الداخلية والخارجية التي تعرض لها العرب، بما فيها وضعهم تحت مناخات استعمارية مختلفة، وزرع الفرقة والصراع بينهم، أو محاولة دمجهم في تكوينات إقليمية جديدة مثل مشروع الشرق الأوسط، أو الشراكة المتوسطية..الخ، فإنهم لم ينقطعوا عن التواصل و التفاعل الثقافي والسياسي والتوجه نحو صياغة مستقبل مشترك. السبب في ذلك يكمن في شعورهم بأنهم تكوين أقوامي متميز بثقافته وتاريخه، وبالتفاعلات التي تجري فيه، يسكن منطقة متصلة من الأرض متميزة هي الأخرى عن غيرها. على هذه الأرض، المسماة بالوطن العربي، المتميزة بموقعها الجغرافي الذي يتوسط القارات القديمة، قامت أهم الحضارات في العالم القديم، ومنها انطلقت أهم الدعوات الثقافية الكبرى، وخصوصا الدينية منها، وتعرضت عبر تاريخها الطويل إلى غزوات كثيرة مدمرة، ولا تزال حتى اليوم تتعرض لغزوات مشابهة لمنعها من تجديد ذاتها حضارياً بعد طول ثبات وتغييب..الخ. هذه الخلفية الغنية بتفاعلاتها مع محيطها القريب و البعيد حاضرة اليوم في تكوين الإنسان العربي المعاصر، سواء في استعداداته أو ميوله، في نظرته إلى نفسه أو في نظرته إلى غيره، تحدد معالم سلوكه وقيمه وتصوره لمستقبله الآتي الذي يحاول صنعه. بكلام آخر يمكن القول إن الإنسان العربي بتفاعله مع خصائص المكان قد تصير عبر التاريخ كائناً ثقافياً متميزاً. من سمات تميزه تعلقه القوي بماضيه، يتطلع إليه وهو يحاول بناء مستقبله، يعيش الحلم واقعاً، يتداخل لديه الممكن النظري والممكن الواقعي، ضعيف الحساسية بالزمن، شديد التمسك بالكاريزما(الزعامة) في جميع أشكال وجوده الاجتماعي، يتحدد بالأخر على قاعدة نفيه، وليس التكامل معه، شديد التمسك بالتقليد والتقاليد..الخ. ولقد انعكست هذه السمات في نمط حياته الاجتماعية والاقتصادية ونظامه السياسي، فجاءت مكثفة له.
حتى عصر الاستعمار تصير الإنسان العربي ونظامه السياسي تحت تأثير العوامل الداخلية بالدرجة الأولى، لكن الاستعمار أدخل تعديلات جوهرية على طبيعة النظام السياسي العربي والتفاعلات التي تجري في داخله، وحدد إلى درجة كبيرة خياراته المستقبلية. و يتنامى تأثير الخارج في الداخل الوطني أكثر فأكثر في الوقت الراهن، مع تعمق العلاقات الاندماجية الجارية على الصعيد العالمي في إطار ما يسمى بالعولمة. فالتوجه نحو الخارج في المجال الاقتصادي والثقافي والسياسي أصبح سمة العصر الراهن خصوصا بالنسبة للبلدان المتخلفة. كل ذلك جعل الإنسان العربي يتعرض لتأثير قوى عديدة مختلفة في الاتجاه تكاد تشطره إلى أكثر من شطر. من جهة قوى السكون التقليدية التي تحاول إبقاؤه على ما هو عليه أو إرجاعه إلى الوراء تحت دعاوى الأصالة والتراث والتميز، وقوى الحركة والتغيير التي تعصف بالعالم وتحاول اقتلاعه من جذوره وتكوينه شخصية اغترابية متكيفة مع متطلبات الخارج وأهدافه. في إطار تجاذب القوى الذي يتعرض له الإنسان العربي أخذ يتأثر كثيراً من حيث الشكل بنتائج قوى التغيير فانفتحت شهيته على الاستهلاك من كل لون وبلا قيود وضوابط، لكنه بقي في العمق إنساناً تقليدياً في نمط تفكيره وفي حياته الاجتماعية. لقد أصبح الإنسان العربي المعاصر يجمع في ذاته المتناقضات دون أن يشعر بالحرج من ذلك. ففي الوقت الذي يستهلك آخر منتجات الغرب باندفاع ورغبة، نراه يحجم وبعناد عن تقبل طريقته في التفكير، وأسلوبه في التنظيم والإدارة المجتمعية. كل ذلك انعكس في الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعمليات التحديث الجارية، التي بمجملها أعادت تكييف النظام السياسي العربي في إطار علاقات التبعية للمراكز الرأسمالية، دون أن تحدث تغييراً جوهرياً فيه. فلا الطبقات تصيرت، ولا البنى القبلية والعشائرية انصهرت، ولا البنى الأقوامية للأقليات اندمجت في المجتمع، ولا تصيرت كبنى قائمة بذاتها..الخ. باختصار حافظت البنية المجتمعية على طابعها التركيبي، مع كل ما يطابقها من أنماط تفكير ومنظومة قيم وعلاقات اجتماعية..الخ.
2- البيئة الاقتصادية للنظام السياسي العربي.
فعلى الصعيد الاقتصادي فإن جميع الدول العربية تنتمي إلى مجموعة دول الجنوب، فهي تمتلك ثروات هائلة مع ذلك فإن اقتصادياتها متكيفة هيكليا ووظيفياً مع متطلبات اقتصاديات المراكز الرأسمالية، يغلب عليها الطابع الريعي.
من الناحية النظرية يعتبر الوطن العربي إقليما اقتصاديا متكاملا، خصوصا مع انتشار التوجهات الإقليمية الجديدة على الصعيد العالمي، مستلهمة النجاحات التي حققتها أوربا على هذا الصعيد. ومع أن التوجهات التكتلية العربية في المجال الاقتصادي ليست جديدة، فهي تعود إلى بداية إنشاء الجامعة العربية، إلا أنها بدأت تأخذ منحاً عملياً أكثر جدية، بعد مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في عام 1996، مستندة إلى رؤية جديدة تستلهم، من حيث الأساس وبصورة رئيسية، تبادل المنافع، وتغليب المصالح الاقتصادية على غيرها من المصالح. وفي هذا الإطار تم عقد العديد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثنائية لإنشاء مناطق للتجارة الحرة، وتخفيض التعرفات الجمركية، تمهيداً لإلغائها.
ومع أن السير باتجاه تكتل اقتصادي عربي لا يزال بطيئاً، فإن الخطوات التي قطعت على هذا الطريق تبدو واثقة بالنجاح، بفضل توفر مجموعة من العوامل التي لم تتوفر لغيرها، من قبيل الإجماع العربي الرسمي، وغير الرسمي، على ضرورتها في ظل المتغيرات العالمية، وظهور التكتلات الاقتصادية الإقليمية في مختلف مناطق العالم، وحاجة الدول العربية لأسواق جديدة وضرورة زيادة معدلات النمو لامتصاص البطالة الآخذة في التفاقم، بالإضافة إلى تقارب السياسات الاقتصادية العربية وتبنيها لاقتصاد السوق وتحرير التجارة.
3- البيئة الاجتماعية للنظام السياسي العربي.
تعتبر المجتمعات العربية مجتمعات شابة، حيث أن أكثر من 65% من عدد السكان، تقل أعمارهم عن العشرين سنة، وهي تتميز أيضاً بمعدلات نمو مرتفعة تزيد عن 3% في أغلب الدول العربية. أضف إلى ذلك فإن القسم الأكبر من السكان يسكن في الريف، يغلب عليه الطابع التقليدي والمحافظ، خصوصا من الناحية الاجتماعية. وحتى ذلك القسم من السكان الذي يسكن المدن لم يقطع مع أصوله الريفية، وذلك بسبب ضعف التشكل الطبقي في المجتمعات العربية، العائد بدوره إلى كون المجتمعات العربية لا تزال مجتمعات زراعية، ولم تنجز ثورتها الصناعية بعد. بصورة عامة وإجمالية يمكن ملاحظة أربع تشكلات طبقية في الوطن العربي:
- الطبقة البرجوازية بشرائها البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية والتقليدية.
- البرجوازية الصغيرة.
- الطبقة العاملة، وهي طبقة فتية على وجه الإجمال.
-الطبقة الفلاحية وهي طبقة غير متجانسة تجمع في داخلها جميع سكان الريف تقريبا، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي.
إلى جانب التشكيلات الطبقية السابقة الذكر فهناك العديد من الفئات الاجتماعية، التي تجتمع تحت راية المهنة، أو الوضع الاجتماعي..الخ، وقد أطرت نفسها على مستوى الوطن العربي في اتحادات نقابية أو مهنية عربية.
3- البيئة الثقافية للنظام السياسي العربي.
في الحقل الثقافي يبدو الوطن العربي أكثر تجانساً وتماسكاً وتمايزاً عن غيره، فالثقافة العربية الإسلامية تشكل الفضاء العام للمجتمعات العربية، فيه وبه تتحدد مختلف التفاعلات الثقافية، وتتكون الاستعدادات الثقافية وتتشكل منظومة القيم العامة..الخ. ونظراً لأهمية الثقافة في تكوين الشخصية العربية، وفي وعيها لذاتها، فإنها الأكثر تنظيماً و تأطيراً في مؤسسات ترعى شؤونها على امتداد الوطن العربي.
وفي إطار الوحدة الثقافية العربية تبدو الثقافة السياسية هي الأخرى ذات طابع عام ومشترك، وهي تتمحور في الوقت الراهن حول جملة من القضايا، منها قضية الانتماء والهوية، وقضية المشاركة السياسية، وقضية الدين والقومية، وقضية فلسطين..الخ.
الانتماء هو نوع من التمايز المنطبع في الشعور،يتضمن مجموعة من القيم الرمزية التاريخية التي تجعل من مجموعة بشرية تختلف عن غيرها، وتحدد في الوقت ذاته العلاقة مع هذا الغير إن تنافساً وصراعاً أو صداقة وتعاون. سؤال الانتماء هو سؤال الوجود، أي من نحن؟
أما الهوية فهي بالإضافة إلى استيعابها لبعض محددات الانتماء وخصوصا البعد القومي، أي الشعور بالانتماء إلى تكوين أقوامي متميز، فإنها تتضمن العديد من المتغيرات التي تتولد في سياق السيرورة التاريخية والتفاعل مع الغير وتأخذ طابع العصر. سؤال الهوية هو سؤال الوضعية، أي كيف نحن؟.
يتحرك الانتماء في مستويات عديدة بدأ من الأسرة وحتى مستوى الدولة والمجتمع والأمة، مروراً بالعشيرة والقبيلة والطائفة..الخ. في الوطن العربي لا تزال الانتماءات إلى أشكال الوجود الاجتماعي العائدة إلى ما قبل الدولة حاضرة وبقوة في تكوين الهوية العربية. من جهة لفشل مشاريع التنمية وعدم إنجاز ثورة صناعية حقيقية، ومن جهة ثانية لضعف المشاركة السياسية. ففي جميع الدول العربية بغض النظر عن كونها جمهورية أو ملكية، تكاد تنعدم المشاركة السياسية للجماهير فيها، أو هي في أحسن حالاتها محدودة وشكلية إلى حد بعيد. إن احتكار السلطة السياسية من قبل نخبة معينة، عسكرية أو مدنية أو عائلية، أو تكوين مركب منها جميعها، يدفع الجماهير نحو مزيد من السلبية واللامبالاة.
من القضايا التي تشغل الفكر السياسي، ولا تزال تحتل مكاناً هاما في الثقافة السياسية هي قضية الدين والقومية. هل الوعي القومي أم الوعي الديني يلعب الدور الحاسم في تكوين الشخصية العربية؟ سؤال طالما استجر نقاشات وسجالات حامية دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. السبب في ذلك كما نرى يكمن في كون السؤال ذاته هو سؤال خاطئ مبدئياً ومن حيث الأساس. الدين والقومية يتداخلان في الوعي العام وفي تكوين الثقافة العامة، والثقافة السياسية على وجه الخصوص لدى الأغلبية الساحقة من جماهير الأمة العربية، فلا يفرقون بينهما، أو بالأحرى لا يجدون أي تعارض بينهما. ويجب أن لا ننسى أن الوجه الآخر لتاريخنا هو بحق تاريخ ديني بامتياز.
بالإضافة إلى القضايا السابقة الذكر، فقد انشغل الفكر السياسي العربي خلال القرن العشرين بقضية فلسطين، والصراع العربي الصهيوني، ولا يزال ينشغل حتى الآن. بل يمكن القول دون مبالغة تذكر أن هذه القضية كانت محور الحياة السياسية العربية لأكثر من نصف قرن، خصوصا بعد قيام إسرائيل بدعم من الدول الغربية ومنظمة الأمم المتحدة. وحتى مع توقيع بعض الدول العربية لاتفاقيات سلام مع إسرائيل، بل ورغم الغزو الأمريكي للعراق، فقد ظلت هذه القضية في بؤرة الاهتمام العربي الرسمي والشعبي والحزبي، وربما سوف تظل كذلك في المستقبل إلى حين إيجاد حل عادل لها، في ضوء المصالح الفلسطينية والقومية العربية.
4- البيئة الأيديولوجية للنظام السياسي العربي.
الأيدولوجيا هي نسق فكري تقرأ به كل طبقة مصالحها، ومصالح غيرها من الطبقات والفئات الاجتماعية، وتحدد دورها في التقدم الاجتماعي. بهذا المعنى يبدو الوطن العربي إذا نظر إليه من الناحية الأيديولوجية مجالا لنظام سياسي عربي واحد أيضاً.
تنتشر في الوطن العربي، وفي كل قطر من أقطاره، الأيديولوجيات الدينية والقومية والماركسية والليبرالية. بالنسبة للأيدولوجيا الدينية فهي الأكثر انتشارا، لما للدين من دور كبير في تكوين الشخصية العربية وتحديد هويتها، ومن حضور بارز في الوعي الاجتماعي وفي العلاقات الاجتماعية. تتميز الأيديولوجديا الدينية بطابعها المتعالي، وفي تعدد قراءاتها، كل من موقعه الطبقي.
ومع أن الأيدولوجيا الدينية قد تراجعت بعض الشيء في الخمسينات والستينات من القرن الماضي خلال فترة المد القومي والشيوعي، إلا أنها عادت وتنشطت في العقدين الأخيرين منه، وهي في الوقت الراهن القوة الأبرز في النضال ضد الصهيونية والإمبريالية، وتحتل الموقع المتقدم في صفوف المعارضة العربية للأنظمة الحاكمة. تقدم الأيدولوجيا الدينية نفسها باعتبارها الحافظ لهوية الأمة في وجه التغريب والاندماج في العالم. وهي بالإضافة إلى ذلك تتميز بقوة تعبوية كبيرة خصوصا في مرحلة الانحطاط السياسي التي تعيشها الأمة العربية في الظروف الراهنة.
أما بالنسبة للأيدولوجيا القومية فهي تركز على مسألة الانتماء إلى الأمة وتدعو بالتالي إلى وحدتها وتقدمها لتلعب دورها في الحضارة الإنسانية. ومع أن الأيدولوجيا القومية حديثة نسبياً في الوطن العربي، إلا أنها مرت بعدد من المراحل، شهدت خلال بعضها انتشاراً وفعالية، وتحققت تحت رايتها أهم النجاحات وأخطر الانتكاسات التي تعرض لها العرب في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. وفي مراحل لاحقة تراجعت كثيراً لصالح تقدم الميول الانعزالية والسياسات القطرية الضيقة، وتقدم الفكر الديني والإسلام السياسي.
التيار الأيديولوجي الليبرالي هو التيار الثالث الذي لاقى انتشارا في الوطن العربي، خصوصا بين المثقفين، خلال مرحلة النضال ضد الاستعمار. لكنه عاد وانكفأ خلال فترة المد القومي بحامله الجديد البرجوازية الصغيرة، التي نجحت في إعطاء الخطاب الليبرالي قيمة انفعالية سلبية لدى أوسع الجماهير، من خلال ربط الديمقراطية والحرية الاقتصادية، وغيرها من مكونات الخطاب اللبرالي بالاستعمار والصهيونية. لكن منذ العقد الأخير من القرن العشرين وحتى الآن أخذت الأيدولوجيا الليبرالية بالتقدم، مستفيدة من الفشل الذريع للخطاب القومي وتجاربه القومية، وكذلك من انهيار المنظومة الاشتراكية السوفيتية. تحاول الأيدولوجيا الليبرالية تقديم نفسها على أنها المخرج من الاختناقات التي تعاني منها الأقطار العربية، ومن جديد أصبحت المطالبة بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان الراية التي تتحرك تحتها قوى اجتماعية عديدة ومختلفة، وفي مقدمتها المثقفون. بل أخذت بعض الأنظمة العربية تحت ضغط المناخات العالمية الجديدة تسمح ببعض الهوامش لحرية التعبير والنقد، وذهب بعضها إلى مدى أبعد، فركب الموجة وأعاد تنظيم سلطته على أساس ديمقراطي فصله على مقاسه.
إن الخطر الأكبر الذي يواجه الموجة الليبرالية الجديدة يتمثل في الممانعة العنيفة التي يبديها تجاهها الفكر الديني، وقوى الإسلام السياسي المستنفرة. بالإضافة إلى ذلك فإن القوى الليبرالية تعقد كثيرا من وضعها بتقليلها من أهمية البعد الديني والقومي في الشخصية العربية، ومن خلال بعض المظاهر التغريبية التي تتمظهر بها، خصوصا في الظروف الراهنة بعد احتلال العراق، واستمرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني المدعوم أمريكياً.
التيار الأيديولوجي الرابع الذي لعب دوراً مهما في رسم ملامح الثقافة السياسية العربية هو التيار الماركسي. تمثل الماركسية العربية قراءة تأملية اغترابية للفكر الماركسي الأوربي، ولذلك لم تستطع أن تقدم قراءة علمية للواقع العربي، مما جعلها تعادي الفكر القومي والديني وتقلل من شأنهما في الحياة السياسية والاجتماعية العربية، وفي تكوين الشخصية العربية وتحديد هويتها.
لقد تراجع التيار الأيديولوجي الماركسي كثيراً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية السابقة، وأخذت تطرأ على الحركات الشيوعية العربية تحولات باتجاه الاشتراكية الديمقراطية في مسعى منها للتأقلم مع المتغيرات الدولية، وإعادة بناء وتجديد ذاتها بصورة مختلفة، تبدو أقل جموداً وأكثر انفتاحاً تجاه الفكر الليبرالي، وخصوصا تجاه قضايا الحرية والديمقراطية.
هذه هي التيارات الأيديولوجية الرئيسة في الوطن العربي، ومع أنها تبدو للوهلة الأولى متمايزة إلى درجة القطيعة، إلا أنها في حقيقة الأمر تشترك في العديد من السمات:
أ- تتميز هذه التيارات الأيديولوجية بنزعتها التوفيقية والتلفيقية، حيث يحاول كل منها أن يأخذ من غيره، أو يمزج بين أكثر من تيار أيديولوجي، أو يحاول أن يركب منها جميعها أيديولوجيته الخاصة.
ب- تروج جميعها للعلاقات الشخصانية في الحياة السياسية والاجتماعية، ولذلك فهي ذات طابع نخبوي، وتتسم بعدم الوضوح والتناقض.
5- البيئة السياسية للنظام السياسي العربي.
في الحقل السياسي تتشابه الأنظمة السياسية العربية بغض النظر عن كونها أنظمة جمهورية أو ملكية، فهي فاقدة للشرعية المستمدة من خيارات الشعب، كما أن أساليب الحكم وطريقة اتخاذ القرارات، والهياكل الخاصة بذلك تكاد تكون واحدة، فجميعها أنظمة استبدادية فردية. ولا تختلف كثيراً الأحزاب السياسية في الدول العربية سواء من ناحية برامجها السياسية أو بناها التنظيمية، بغض النظر عن الراية الأيديولوجية التي ترفعها، فهي جميعها تقوم على الروابط الشخصانية، وتعرف من خلال أمنائها العامين، أو من خلال مجموعة من الأشخاص الذين يقومون عادة بدور الرابط الداخلي لهذه الأحزاب. بل هناك أحزاب يتوارثها الأبناء عن الآباء، فهي أقرب إلى الأحزاب العائلية. ومع أن تاريخ الأحزاب السياسية العربية يظهر نزعتها الاستبدادية، إلا أنها تحت ضغط المتغيرات العالمية تحاول التحول باتجاه تغليب الديمقراطية في حياتها الداخلية وفي علاقاتها مع الأحزاب والقوى الاجتماعية الأخرى.
في ختام هذه القراءة للوضع العربي يمكن عرض ما توصلنا إليه من استنتاجات، ترسم بدورها المهام المطلوبة عربياً.
1- إن القول بانتهاء عصر القوميات في الظروف الراهنة، والاستدلال على ذلك من خلال فشل الحركة القومية العربية بصيغتها الناصرية و البعثية، وبالتالي الاستنتاج بأن الفكر القومي العربي لم يعد له من أفق، هو قول متسرع وغير دقيق. الدولة القومية سوف تظل لأمد بعيد الوحدة البنائية للمجتمع الإنساني، وأساس الحضارة الحديثة، بل ضرورة من ضروراتها.
2- إن الوحدة العربية هي مطلب راهن واستراتيجي في الوقت ذاته، لا باعتبارها حق من حقوق الأمة فحسب، بل وقبل ذلك وبعده لأنها المجال الحيوي لحل معضلة تقدم العرب بصورة عامة، وتقدم كل قطر عربي بصورة خاصة.
3- إن الدولة القطرية هي حقيقة سياسية وتاريخية، ولذلك فإن الوحدة المنشودة سوف تأخذ، في الأغلب الأعم، صيغة الدولة الاتحادية.
4- إن الطريق إلى الوحدة متعدد وطويل، قد يبدأ بمشروع اقتصادي استراتيجي، أو قد يأخذ صيغة سوق اقتصادية حرة، أو سوق مشتركة، أو تنسيق السياسات الاقتصادية، وإنشاء تكتل اقتصادي إقليمي..الخ. وقد يحصل ذالك بين دولتين عربيتين أو أكثر، وقد تسرع عليه دول وتتأخر أخرى، لكن في النهاية لا بديل عن الوحدة السياسية سوى الموت الحضاري.
5- وفي مجمل الأحوال لا يمكن أن تنجح الوحدة إلا إذا شيدت على الأساس الاقتصادي، أي إلا إذا اقتنع الجميع بأن لهم مصلحة فيها. وهذا يعني من الناحية العملية أن تأخذ شكل نظام في المصالح، يأخذ بعين الاعتبار المصالح القطرية لكل دولة، وليس القفز فوقها، أو تجاهلها.
6- وعلى عكس الخطاب الوحدوي السابق الذي تميز بالاستبدادية، فإن الشرط الضروري لتحقيق الوحدة هو تحقيق الحرية والديمقراطية في كل قطر عربي، فالوحدة لا يمكن أن تكون إلا وحدة ديمقراطية، مشبعة بمناخات الحرية والمسؤولية والتعددية والقانون.
7-في إطار الوطن العربي ثمة أربع أقاليم متميزة، هي المغرب العربي، ووادي النيل، والجزيرة العربية، والمشرق العربي، يمكن أن تشكل إطاراً لتفاعلات وحدوية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية..الخ، على الطريق العام باتجاه الوحدة العربية الشاملة، يجب دعمها وتأييدها.
8- وعلى الطريق الطويل إلى الوحدة، يجب العمل في سبيل دعم وتنشيط أية صيغة وحدوية، تقرب العرب من بعضهم، و تأطر عملهم المشترك. في هذا المجال من الأهمية بمكان دعم الجامعة العربية، وجميع الهيئات المتخصصة التابعة لها، وكذلك دعم جميع المنظمات والاتحادات النقابية والمهنية العربية، وهيئات المجتمع المدني الاجتماعية والثقافية والحقوقية..الخ.
9-إن المشروع النهضوي العربي، الذي هو من حيث الأساس مشروع وحدوي، لا يمكن أن يكون إلا مشروعاً وطنياً وقومياً وإنسانياُ في الوقت ذاته، وحتى يكون كذلك لا بد أن يكون ديمقراطياً، يراعي حقوق الإنسان، وفي طليعتها حقوقه السياسية، والاجتماعية، ويحترم حقوق الأقليات القومية والدينية.
10- من الناحية التاريخية، وكما بينت تجربة القرن الماضي، إن بين المشروع النهضوي العربي، والمشروع الصهيوني في المنطقة نوع من التضاد، وبالتالي فإن تقدم أحدهما كان يعني تراجع الآخر. وفي المستقبل سوف يستمر هذا التضاد حتى ينتصر الحق العربي الفلسطيني التاريخي في فلسطين، ويعاد دمج إسرائيل في المنطقة، بحيث تفقد طابعها الصهيوني وتصبح جزءاً عضوياً من تكوينها.
11- في كل ما يخص العلاقات العربية العربية، فإن لغة الحوار والتضامن والتعاون هي اللغة الوحيدة المقبولة، وبالتالي يجب رفض أي خيار عنفي لحل المشكلات العالقة، أو تلك التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً، وتبقى الأطر العربية هي الأطر المفضلة لحلها.
12-وفيما يخص العلاقات بين الدول العربية والدول المجاورة، وغيرها من الدول، يجب تغليب لغة الحوار والتعاون، والابتعاد عن الأساليب العنفية، وتحكيم القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار في حل المشكلات العالقة، أو التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً. ومع أن العالم لا يزال مشبعاً بالعنف، فإن اللجوء إلى الخيارات العنفية يبقى الحل الأخير، ويأتي كرد فعل، وليس مبتدئا بالفعل.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ب - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) طبيعة العصر والمهام المطلوبة ...
- أ - بمثابة موضوعات لحزب سياسي
- كيف ينظر بعض السوريين لما حدث في مساء 27/4 في دمشق
- حول - الإرهاب يدخل إلى سورية -
- تنمية الموارد المائية ف سورية وترشيد استعمالاتها
- الدولة والسلطة في سورية
- منظمة التجارة العالمية-الفلسفة والأهداف
- منظمة التجارة العالمية -المخاض الصعب
- بمثابة بيان من أجل الديمقراطية
- الديمقراطية في ميزان القوى الاجتماعية
- الاوالية العامة للحراك الاجتماعي
- التغيرات العالمية والديمقراطية
- إشكالية الديمقراطية في سورية
- دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة
- هل تعود سورية إلى النظام الديمقراطي
- سيادة الرئيس....
- الحزب السياسي ودوره في الصراع الاجتماعي
- الإسلام والديمقراطية
- الصراع الطبقي في الظروف الراهنة
- الديمقراطية بالمعنى الإسلامي


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة