أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشا ممتاز - حقوق الإنسان والعلمانية المستوردة















المزيد.....


حقوق الإنسان والعلمانية المستوردة


رشا ممتاز

الحوار المتمدن-العدد: 2770 - 2009 / 9 / 15 - 21:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سبق وأن قلت أن النظريات والأفكار تولد عارية ثم ترتدي ثوب مطبقيها فإن كان الثوب قذرا دنست أعظم الأفكار وأرقى القيم وهذا ما حدث مع
حقوق الإنسان التي ولدت على الأراضي الفرنسية بعد مخاض عسير وانتهكت عذريتها منذ ميلادها ثم اغتصبت ألف مره قبل أن تتحول لبائعة هوى محترفة تمنح لمن يدفع الثمن وما أكثرهم القوادين !

لم تكن قد بلغت بعد عامها السادس حتى ارتكبت باسمها أبشع المذابح في حق الفلاحين و المسجونين والنبلاء مما دفع بالمؤرخ البريطاني الفريد كوبان بوصف إعلان حقوق الإنسان الفرنسي بأنه مجرد أسطورة.


وبعد أن بلغت عامها التاسع بدأت التوسعات الامبريالية في الشرق واحتلال مصر والمغرب والجزائر وتونس وغيرها من دول أفريقيا واسيا باسم حقوق الإنسان ايضا !
واليوم يستخدمها القوادون لإبرام العقود والصفقات فمن يدفع ينالها ومن لا يدفع يحرم منها بل ويعلق على مشانق الصباح ليكون عبره لغيره من الممتنعين..!


بات من المألوف رؤية القوادون يصافحون باليمنى (بعد أن قبضوا الثمن) طغاة العرب ويضربون باليسرى طغاة آخرون (رفضوا الدفع )لانتهاكهم لحقوق الإنسان المقدسة !

لتتحول الجملة المهيبة إلى نكتة فجة مستهلكة فقدت قدرتها حتى على رسم ابتسامة متواضعة على شفاه تعيسة بل بات يشمئز من سماعها الإنسان الذي صيغت تلك الحقوق من أجله !

ولم يعد مستغربا أمام تلك الصورة المزدوجة أن يفضل الإنسان جلاديه ويرفض حقوقه بل ويحارب الجمعيات التي ترفع الشعار الحقوقي المقدس ويتهمها بالفجر والعمالة!

من يتحدث اليوم عن حقوق الإنسان وسط العشوائيات الفقيرة في أحياء مصر الشعبية كمن يردد المقولة المستهترة المستفزة الشهيرة المنسوبة لمارى أنطوانيت
إن لم يكن هناك خبزا للفقراء دعهم يأكلون الكعك !
بل لو تقدمت وسألت أحدهم ماذا تعرف عن حقوق الإنسان لا تفاجأ إذا كان رده (هو يعنى ايه إنسان) !

وحقيقة لا أدرى كيف ألوم رجل لا يجد ما يسد رمق أسرته عندما يبيع طفلته لعريس مقتدر مسن واتهمه بانتهاك حقوق الإنسان ؟
كيف ألوم أم كتمت أنفاس رضيعها الذي حملته سفاحا في مجتمع لا يغفر الخطيئة ؟
حتى الشرطي الذي ينهال على المتهمين ضربا وركلا وتعذيبا هو أيضا ابن الفقر والجهل والحاجة ابن المجتمعات المريضة ابن ثقافة الانتهاك والاستبداد..
ففي بلادنا يتساوى الجلاد والضحية كلاهما انتزع من فوق رأسه تاج الإنسانية.

يحاول البعض إقناعنا بان الجهل والتخلف والنفاق والاستكانة وعدم احترام حقوق الإنسان ورفض الحداثة صفات أزلية لصيقة بالمجتمعات العربية والإسلامية
والحقيقة كل تلك الصفات هي أعراض لأمراض مستوطنه للجسد العربي منذ مئات السنين وبحاجه للبحث عن أسبابها ومحاولة التعمق لتشخيصها والصبر على علاجها , لقد نسى الغرب انه كان مثلنا بل أسوء كان يعيش حالة من الهمجية والانحطاط في فترة سميت بالعصور المظلمة ولكنه تغير اليوم وأصبح مجتمعا مختلفا متحضرا ومتقدم لم يكن التغيير بضغطة زر أو بين ليلة وضحاها ولكنه تم على مراحل وقدمت في سبيله التضحيات.

تغلغل الإصلاح في الغرب حتى وصل للجذور ومس كل نواحي الحياة و على رأسها ما كان يسمى بالمقدسات والمحرمات الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
فامتاز بالعمق الذي منحه الثبات والاستمرار والتطور على عكس ما يسمى إصلاحا أو تغيرا في بلادنا وهو لا يعدو كونه ماكياجا رديئا سطحيا لا يدوم طويلا.

البعض يحاول حرق المراحل أو القفز عليها في محاولة للحاق بالركب واستيراد إكسسوارات الحداثة الغربية ثم تركيبها على المجتمعات العربية المهلهلة , تماما مثلما تم استيراد و تركيب بعض قطع الغيار( من القوانين الفرنسية والانجليزية و البرلمانات والانتخابات والديمقراطية )
على مجتمعات مهشمة وراضخة تحت سندان الفقر والجهل ومطرقة الاستبداد فأصبحت كالسمراء التي ظنت بصبغ شعرها بالأكسجين وتركيب عدسات ملونة ستتحول لفاتنة هوليودية شقراء ولكن ما حدث أنها مسخت شكلها ولم تعد شقراء أو حتى سمراء .

إن لم تنتفض شعوبنا من نفسها وتقتنص حقوقها وتدرك مصيبتها كما حدث في الغرب فلن تفلح كل المحاولات الخارجية لإيقاظها
إن لم ينتبه الإنسان من نفسه لكون حقوقه مسلوبة وإن لم يبذل في سبيل استردادها التضحيات فلن يكون لأية حقوق مهما كانت قدسيتها معنى.
و سيكون الحديث عن الإنسان وحقوقه أشبه بسماع مقطوعة لبتهوفن في قلب حي العتبة
أو قراءة كتاب لنيتشه على أميين..

جربنا استيراد الليبرالية والعلمانية والماركسية وتركيبهما على مجتمعات لم تكن مهيأة لهما فترة من الزمن لم تدم طويلا و سرعان ما تهاوت القشور مع أول هزه وتحديدا منذ النكسة ثم وفاة زعيم الحزب الواحد جمال عبد الناصر ليظهر لنا ما كان مختبئا تحتها لأن العلمانية ومظاهر الحداثة لم تكن وليدة المعاناة أو نتاج التجربة وإنما كانت مركبه من أعلى وعندما تهاوت بحث الناس عن بديل ربما كان أسوء ولكنه ابن شرعي !

تمام كما فعل أتاتورك ووضع على رأس النظام التركي شعرا مستوردا أشقرا مستعارا سرعان ما سيسقط عند أول هبة ريح.

ستظهر الممتلكات الحقيقية البالية ولن تفلح محاولات إهمال التراث الذي تراكمت عليه الأتربة لقرون وتغطيته بساجدات العلمانية وحقوق الإنسان الفاخرة في تحقيق نهضة فعلية.

كل محاولات التعتيم وتجاهل الدين الإسلامي باعتباره مقوما أساسيا في بنية مجتمعاتنا أشبه بمحاولة شخص بتجاهل فيل يشاركه الغرفة بإغماض عينيه أو بمحاولة تغطية شرخ في حائط بطلائه ولكن الشرخ سيزداد اتساعا ولن تعد محاولات الطلاء ممكنه .


لنتفقد سويا مقولات بعض العلمانيين أو ما سأسميها بمحاولات الإصلاح السطحية أو القفز فوق المراحل لنرى مدى تماسكها على أرض الواقع:

--الدعوة لأن يكون الدين أمرا شخصيا أو كما قال أحد الكتاب الأفاضل من شاء فليفطر ومن شاء فليصم

وهنا بدوري أتساءل كيف سيصبح الدين أمر شخصي والخطاب الديني الحالي به جانب من المعاملات يمس الآخر مثل الحديث القائل:
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبقلبه وان لم يستطع فبلسانه وهذا اضعف الإيمان.
فهناك من ينشد أقوى الإيمان فيسكب زجاجات الحامض على الفتيات السافرات لان سفورهن في نظره منكر (وفقا للخطاب الدينى السائد ) يستوجب التغير والعقاب أو يضرب أو يسب مفطر مجاهرا بفطوره وفقا لهذا الحديث الصحيح.

كيف يكون الدين أمر شخصي والرجل يعتبر نفسه راع ومسئول عن رعيته والرعية هم الزوجة والأولاد فيفرض على بناته وعلى زوجته الحجاب لخوفه من العقاب أو المسئولية لأنه سيأخذ بذنوبهن كما يردد أغلب الآباء والأزواج وترك الحجاب معصية كبيرة وأثم عظيم (وفقا للخطاب الدينى الشائع ايضا) .

--كيف نحبس الدين في المساجد والكنائس على حد قول البعض (وان كنت اعترض على كلمة حبس الغير منطقية)
إذا كان هناك خطاب ديني سائد يعتبر المسيحي كافر لا يجوز تهنئته بعيد الميلاد ولا مصافحته بل أن العبوس في وجهه صدقه.

--أما عن القول بإغلاق الأزهر وحذف المواد الدينية من المدارس فهذا القول مستحيل عمليا ولم تغلق أية دولة علمانية مؤسستها التعليمية الدينية ففي فرنسا (وهى من غلاة العلمانية ) توجد مدارس دينية مسيحية ويهودية وإسلامية
ولكن هناك وعى مترسخ وعيا له جذور متينة و ليس فرضا يجعل غالبية الآباء يفضلون التعليم العلماني بل ترتفع اليوم الدعوات في فرنسا لتدريس مادة الأديان المقارنة
في مراحل التعليم المختلفة للاستفادة من روحانية الدين وتحجيم مادية المجتمع .

كما أن تركيا نظامها التعليمي علماني ومع هذا تتنامى التيارات والحركات الاسلاميه داخلها .

محاولات الفرض والبتر لن تجدي نفعا بل قد تؤدى إلى نتائج عكسية , الحل في المواجهة وليس الهروب , مواجهة الثقافة التراثية المغلوطة والمنظومة الدينية الباليه التي لم تتعرض لأي حملات نقدية طوال تاريخها إلا على فترات قصيرة فتراكمت الأتربة عليها حتى بات تنظيفها أمرا عسيرا
ولكنه واجبا محتما .
يجب سحب غطاء القدسية من على الخطاب الديني السائد يجب تعرية الإسلام السياسي والإسلام المتزمت وإعادة قراءة الكتاب بروح العصر وأدواته لا يمكن تجاهل الخطاب الديني السائد وجعله بحالته التي هو عليها اليوم أمرا شخصيا لأننا سنكون كمن يحاول علاج الأمراض المستفحلة بقرص أسبرين.


يدور جدلا منذ فترة على صفحات الحوار المتمدن عن أيهما اسبق المادة أم الفكر يتبنى أنصار الماركسية الجامدة وجهة نظر ماركس في كون الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ .
وشخصيا أرى أن هناك عوامل عديدة محركة وليس عامل واحد , فالفكر والاقتصاد والثقافة والتعليم والدين كلها عوامل محركه قد ينشط احد العوامل في فتره زمنية معينه ولكن هذا لا يعنى التقليل من أهمية العوامل الأخرى.

فمثلا لا يمكننا أن نتحدث عن حقوق الإنسان في ظل الفقر الشديد كما هو الحال في مصر مثلا (هنا تلعب المادة دور هام ) ولا يمكننا الحديث عن حقوق الإنسان في ظل نظام ثيوقراطى كما هو الحال في السعودية (هنا الاستبداد الديني يلعب دور رئيسي ) لا يمكن الحديث عن اقتصاد منتج في ظل قوانين متخبطة وعوائق بيروقراطيه وقرارات غير مسئوله وفساد أدارى ومالي في ظل أنظمة قمعية شمولية (هنا الاستبداد السياسي يلعب دور رئيسي ) إذا يجب أن يكون هناك نظام ديمقراطي ولو اوجد نظام ديمقراطي حقيقي قائم على صناديق الاقتراع ستصعد تيارات الإسلام السياسي (إذا لا بد من إصلاح ديني ) وستسقط العلمانية ما دام الجميع يظنها كلمة تعادل الكفر والإلحاد وتعادى الإسلام (إذا لا بد من إصلاح ثقافي ) وربما كلمة إصلاح غير كافيه لابد من ثوره خلاقه على كل ماهو قائم و موروث وهكذا
سنجد نفسنا أمام حلقات متداخلة ومترابطة أشبه بالترس الذي يسير العجلة .
وأخيرا وليس آخرا أرى بأن بلادنا
لن تحقق نهضة حقيقية دون صب أسس متينة وعميقة لهذه النهضة ودون دفع فاتورتها والمرور بكافة مراحلها, وإن لم ننظر لتراثنا الديني والثقافي الموروث ومنظومتنا السياسية والاقتصادية المتآكلة ونغربلهما في محاولة للبحث عن ذواتنا وتطوير أنفسنا لنكن شيئا فلن نكن .. وشتان بين الاستفادة من تجارب الآخرين وبين استيرادها, فقد كنا فيما مضى شئ إلى أن استسهلنا استيراد كل شئ فأصبحنا لا شئ.



#رشا_ممتاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسلام صديق العلمانية
- إيقاف المهازل على صفحات الحوار المتمدن
- صياغة الخطاب العلمانى فى مواجهة التحديات
- خواطر علمانية
- محنة العلمانية ومأزق المتعلمنين
- المتعلمنون وتشويه العلمانية
- العلمانية وحدها لا تكفى ..
- المراهقة الفكرية
- انتشر التدين فختفى الوازع !
- لماذا تغلقون الباب؟ حول - الهجوم - على الاسلام في الحوار الم ...
- مصريه (شريره)
- السادية والخنزير
- شجيع السيما
- سلامات يا تدين
- قبل فوات الأوان
- سياسات الترويض
- ساركوزى يدعم دكتاتوريات الشرق .
- أوراق الخريف
- آخر مستعمرات الرجل
- لن أعيش فى جلباب أمى


المزيد.....




- حماس:ندعو الدول العربية والاسلامية لردع الاحتلال والتضامن لم ...
- الأردن يدين اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى
- بعد سقوط نظام الأسد... ما مصير الطائفة العلوية في -سوريا الج ...
- اجدد تردد لقناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل وعرب سات حدث ...
- بقائي:الهجمات الاسرائيلية المتكررة على اليمن هي لتدمير الدول ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024.. القناة الأولى لأناشيد وبر ...
- الترفيه والتعلم في قناة واحده.. تردد قناة طيور الجنة 2024 لم ...
- الجهاد الاسلامي والشعبية: ندين المجزرة الدموية بحق صحفيين في ...
- الجهاد الاسلامي: ندين بأشد العبارات المجزرة البشعة بحق الاعل ...
- إدانات لدخول وزير الأمن القومي الإسرائيلي لحرم المسجد الأقصى ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشا ممتاز - حقوق الإنسان والعلمانية المستوردة