أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - إبراهيم البنكي - وخيرهما الذي يبدأ بـ















المزيد.....

وخيرهما الذي يبدأ بـ


إبراهيم البنكي

الحوار المتمدن-العدد: 843 - 2004 / 5 / 24 - 03:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


إبان الأزمة الدستورية والإضطرابات الأمنية التي عصفت بالبلاد في نهاية العقد الأخير من القرن المنصرم لاحت في أفقنا الإجتماعي والسياسي بوادر مصالحة بين شتى فصائل اليسار، الشيء الذي انعكس جلياً في التوافق شبه التام على القضايا الرئيسية وفي مقدمتها إعادة العمل بدستور البلاد المنتهك (دستور 1973) ومباشرة الحياة النيابية، ولما تطلبته تلك المرحلة من رص صفوف طبقات المجتمع كافة بكل توجهاتها الأيديولوجية.

كان في ذلك الكثير من الأمل بأن يستمر ذلك التقارب حتى إثر المبادرة التي أقدم عليها الحكم حين تقدم للشعب بميثاقه، ووعوده بقرب أيامنا الأجمل التي لم نعشها بعد. وخلافاً لما توقعه المراقبون من جلاء الشك والريب اللذان يسمان التجمعين اليساريين الرئيسيين وعكس ما تنبأ به هؤلاء من تجاوز (التوأمين) لخلافاتهما فإن المياه عادت إلى مجاريها، وعادت حليمة لعادتها القديمة، على الرغم من أن أحداً من أبناء جيلي تحديداً ربما لن يستطيع استيعاب نقاط الخلاف بين هذين التجمّعين (وربما لن تتوافر لديه الرغبة للتنقيب عن خلافات من المفترض أنها بحكم الرميم).

كل وطني / يساري غيور على مصلحة وطنه وشعبه سوف يسوؤه إعادة بعث وإحياء خلافات أيديولوجية ليست شاسعة بينهما كونهما توأمين سياميين، فإنما أرجع ذلك إلى أيادٍ سود يفي بقاء الوضع متأزماً بين هذين الجناحين اليساريين بغرض تحقيق مصالح شخصية بالدرجة الأولى، الشيء الذي سيصب في مصلحة النظام في المقام الأول. ناهيك عما أقدم عليه بعض الرفاق من تقهقر بدءاً بقبول مكرمات وأموال ومناصب رسمية وصولاً إلى اتخاذ قرار المشاركة في الإنتخابات البرلمانية في ظل دستور منتهك ومجلس أعرج مسلوب الصلاحيات التشريعية، في تخاذل وتنازل واضحين عن أهم ركائز مبادئهم (الثورية!!!)، ضاربين بعرض الحائط المطالب الشعبية فيما يتعلق بالفصل بين السلطات تحت قبة البرلمان، والموقف من الدستور المنحة، قابلين بخوض غمار زوبعة دستورية ونفق مظلم ستتضح نتائجهما بمرور الوقت، الخطيئة التي لن تغفرها لهم الأجيال القادمة.

والوضع كذلك، نكون قد ولجنا جنان الحرية من أوسع أبوابها، تاركين الحبل على الغارب. على أن الأهم من ذلك كله (راهناً) هو إقامة مقارنة دقيقة بين الأهداف الرئيسية والمسائل الجوهرية من جهة، وحجم التنازلات التي يستعد كل طرف لتقديمها من جهة أخرى. أليس جديراً بالرفاق من الطرفين جعل المعركة جماهيرية بعيداً عن العراك الأيديولوجي، ونقل الأفكار والقوانين من مجالها الفلسفي إلى مجال المجتمع والظواهر والتطورات الإجتماعية؟

إلا أننا نرى عكس ذلك: إزدواجية بين النظرية والتطبيق تصل أحياناً وبشكل فاضح يبعث على الغثيان إلى التخلّي عن أهم وأبرز ما تؤمن به هذه الجماعة أو تلك من معتقدات أيديولوجية، تارة باسم العقلانية وأخرى بذريعة التكتيك المرحلي للتعامل مع المأزق الذي استدرجتهم إليه السلطة وأوقعتهم في شباكه.

ما هو ضروري الآن (من وجهة نظري) وبعد زمن ليس بالقصير من العمل السري والصعاب التي تواجه جميع الحركات السياسية في مرحلة العمل العلني، وبالرغم من هذا التحول الفجائي القسري غير التدريجي، فإن الجهد يجب أن يتركز ويوجه نحو الدفع بالجماهير صوب الفعل الإيجابي في التفاعل مع قضاياه المصيرية، والمساهمة في رسم ملامح مستقبله الذي بات غامضاً ومخيفاً (خصوصاً وأن هذه الجماهير نفسها قد ساهمت وبشكل مباشر في إيصال عناصر رجعية، جنباً إلى جنب مع أفراد وصوليون ومتسلقون).

فالفعل (الثوري) فعل إجتماعي لا تحركه قيادة ما بمجرد طرحها لشعارات ما مهما كانت تمس المصالح العليا للشعب، إنما هناك المناخ العام والمزاج الأجتماعي الذي يمثل مفتاح عملية الحراك الإجتماعي. فتباين المناخ والمزاج الإجتماعيين ينعكس على تباين ردود الأفعال رغم توحد الشعارات (وربما طبيعة القيادة ومرجعيتها). من هنا يتعين على القوى اليسارية التعامل بحرص شديد مع التفاعلات المجتمعية وتبايناتها. كذلك فإن درجة مرونة وأختلاف التغيرات الإجتماعية تفرض علينا أن نتعامل بمرونة وبإقرار بالإختلاف النوعي، فإلى أي حد نجح يسارنا في الإجابة عن بواعث وممكنات ومستقبل التطورات والصراعات في مجتمعنا (البحريني) تحديداً؟

علينا أن نسلم بادئ ذي بدء بأن التاريخ ليس من صنع أفراد (أبطال أو حكام أو قادة)، وإنما هو من صنع الناس عموماً، وهذا يؤدي إلى التساؤل التالي: ما هي نسبة تأثير اليسار على مستوى القواعد الشعبية؟ وهل هو بلغ حداً من الرضى لما وصل إليه على مستوى القاعدة؟ وإلى أي مدى تمكن من التبشير بمبادئه وقيمه وسط عموم الشعب مقارنة بتركزه واقتصاره على النخب (المثقفة)؟

إن تاريخ البشرية (حاضرها ومستقبلها) ليس مجرد حشد عشوائي ومختلط من الأحداث والأفعال وردود الأفعال والتحركات والحروب والإنتصارات والإنجازات، إنما هو عملية تاريخية متسقة ومنسقة تنطلق عبر سلّم مرئي محدد سلفاً، وهذا الحشد المختلط من الأحداث والأفعال أمكن تصنيفه من وجهة نظر فلسفية. ليست عملية التطور المجتمعي عفوية وغامضة بل هي متسقة ومحددة فيما يشبه السلم الحلزوني الصاعد الذي تفضي كل درجة منه إلى الدرجة التالية، عملية التطور الصاعد الذي يفسر علمياً إستناداً على شكل ملكية أدوات الإنتاج وتركيبة العلاقات الإنتاجية والمجتمعية، والصراعات الطبقية الدائرة في إطارها.

ما يلزم مثقفونا ومنظرونا اليساريون (الماركسيون على وجه الدقة) هو البحث في طبيعة القوى الإجتماعية لدينا ونوعية العلاقات بينها، وطبيعة التناقضات وأسلوب حلها ومسار هذا الأسلوب. إذاً، علينا البحث في الخصوصية (المحلية) للتشكيلة الإجتماعية، ومحاولة فك الإلتباس في التقسيم داخل مجتمعنا الذي تغلب عليه الطبقة الوسطى، وذلك المزيج المشوّه من الرأسمالية والإقطاع والعبودية الجزئية. كما ويفرض علينا المنطق توسيع مجال ملاحظاتنا لتشمل حركة المجتمع والفعل المجتمعي في إطار حركة الجموع الشعبية (التي يطغى عليها الخضوع والخنوع للإقطاع والخرافات والتضليل) وليس في إطار أفراد أو زمر محددة ومحدودة العدد (نخب تدّعي الرسالية وتتسم بالتعالي).

إن عملية تطبيق وسائل التغيير (الثوري) لا ينبغي أن تكون جامدة أو مجتزأة، أو منقولة حرفياً عن تجارب مجتمعات أخرى، كما وأنها ليست اوتوماتيكية ولا جافة، بل هي عملية مرهفة الحس، لا تتحقق إلا من خلال الإنغماس الكلي في المجتمع المحدد والتعرف على محددات وأساليب وعوائق التقدم في الحركة المجتمعية فيه، ناهيك عن ضرورة التعرّف على النسق التكراري غير المرئي (لأنه يتكرر عبر تنوع تفرضه طبيعة المكون الإجتماعي وحقائق الزمان والمكان بناء على الظرف الحياتي اليومي المعاش والذي يمس عامة فئات الشعب، وذلك بهدف استنباط القوانين الخاصة جداً لمجتمعنا.

لقد حاول البعض القول بأمكانية التخلي عن حتمية الصراع الطبقي، أو حتمية تغيير التركيبة الإجتماعية عبر مسار نضالي، وذهبوا إلى إمكانية القبول بتنازلات النظام وتطعيمها بقدر من العدالة على المدى البعيد، وإمكانية تطويعه ليصبح أكثر واقعية وعقلانية؛ ساعين بذلك إلى تلميع صورة النظام أمام الرأي العام، إضافة إلى تخلّيهم عن أسس ومباديء أيديولوجية ملزمة (ما يجعلهم أقرب إلى الإشتراكيين الديموقراطيين منهم إلى الشيوعيين!!)، غاضين الطرف عن ضرورة ولزام مواجهة عوامل مثل العادات والتقاليد والموروثات والتكوينات الإجتماعية والطائفية والعرقية.

إنهم إذاً لمنعزلون عن حركة المجتمع في حين يتوجب نسج القوانين الخاصة بناء على معطيات تحدد مجمل العناصر الفاعلة في تحريك تاريخ مجتمعنا والدفع به نحو التقدم.

لن نختلف حول مسألة خطأ محاولة التغيير والتحريك للمجتمع في إطار محاكاة تجارب أخرى ( معظمها أثبت فشله) أو الإقتباس من مقولات نظرية بحتة في حين يبقى مجتمعنا ذو خصوصية وبالتالي يخضع لقوانينه الخاصة (وإن بدت غامضة ومعقدة ومتشابكة لبعضنا). علينا أن نتلافى الأخطاء وأن نتجنب تغيير المسارات وحرفها فجائياً، إضافة إلى تصويب أساليب العمل والتطبيق كلما احتاج الأمر لذلك.

هذا مع ضرورة عدم الخلط بين ما هو فلسفي ونظري أيديولوجي بحت وبين ما هو سياسي ومصلحي (أي عبر المصلحة الآنية)، وتلافي الخضوع والخنوع لما يسمى بخصوصية التجربة الديموقراطية الوليدة التي يطبل ويزمر البعض ويبرر إنتهازيته باسمها.

كما وأنني لا أنكر ضرورة التأني والتعقل في تحديد حجم ودور وممكنات العنصر الذاتي في إطار نضالنا اليومي. فالكثير منا يتصور بأن حماسه الذاتي أو حتى قدراته واستعداده الذاتي (وحتى الجمعي المحدود في نطاق الجمعيات السياسية) كفيل بتحقيق تحرك ثوري، حيث أن الفعل الثوري إنما هو ثمرة تفاعل العنصر الموضوعي (الحالة الإجتماعية ومدى استعداد الجماهير للحركة والقوى المؤثرة فيها، والفكر والعادات وحتى الأوهام المسيطرة والمؤثرة في وجدان وحياة أفراد مجتمعين، وممكنات حركة هذه الجماهير) مع العنصر الذاتي (القوى السياسية، الأفراد)، فبدون النظر وحتى الإنتظار لثمار هذا التفاعل سيبدو أي تحرك نحو التقدم تحركاً في فراغ، بل وحتى ذو نتائج سلبية.

مهما يكن من أمر، فهذه المرحلة تفرض علينا التعايش في إطارها والتعامل بآليات وتحالفات وخطى حركية ونضالية تختلف عن مثيلاتها في مراحل سابقة، فلنحسب لخطواتنا بدقة ولننظر للمستقبل بحذر.

كما ويتعين علينا أيضاً - (إن كنا جادين في قولنا بالديموقراطية والتعددية) - أن نتأمل المجتمع ومسؤولياتنا تجاهه بعين واعية وهو يركب أرجوحة التغيير وقبول تكرار تأرجح الفترة الإنتقالية والتي قد تمتد لزمن لا يمكننا التنبؤ به (حالياً على الأقل)، والتريث في تحديد تصوراتنا للخطوات القادمة المحددة والمحدودة التي سنخطوها نحو الأمام، الشيء الذي سيحدد صورة هذه التشكيلات (اليسارية) أمام الجماهير وأمام الخصوم والحلفاء على حد سواء، وبالتالي يحدد تبعاً لذلك مساحات التحالفات ومدى عمقها، أوطبيعة القوى التي سندعوها للتحرك معنا، والأهم من ذلك كله، تحديد ممكنات الفعل في إطار تمسكنا الفعلي (وليس المخادع) بالديموقراطية والتعددية الحزبية وتداول السلطة.

أزعم بأن نخبنا ما تزال تلتحف شراشفها الأيديولوجية (والتي هي دوغمائية في أغلب الأحيان) معتلية أبراجها العاجية الهشة، متمسكة بمسائل تنظيرية لا تسمن رجل الشارع ولا تغنيه من جوع، متجاهلة ومتناسية ضرورة توظيف الوعي كفعالية أصلية لتغيير الواقع.



#إبراهيم_البنكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...
- إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق ...
- مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو ...
- وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
- شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
- فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - إبراهيم البنكي - وخيرهما الذي يبدأ بـ