|
تحية إلى لبنى
فضل شلق
الحوار المتمدن-العدد: 2767 - 2009 / 9 / 12 - 16:44
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عجزوا في الأرض فاحتموا بالمساء لا يحتاج العرب الى أن تلج حكوماتهم مجال الأخلاق لإدارتها. لقد فشلت هذه الحكومات في السياسة، وفي إدارة شؤون المجتمع الاقتصادية، وكل شيء آخر تقريباً. وهي ستفسد الأخلاق، حكماً، إذا سمح لها بإدارة شؤونها. «اقترفت» لبنى حسين في السودان لبس «البنطال»، فأدانها النظام السوداني، وحكمها القضاء بعقوبة سجن؛ رفضت دفع الغرامة لتلافي دخول السجن قبل الاستئناف؛ كان موقفها تحدياً للنظام وأتباعه من الأصوليين؛ دخلت السجن، حدثت تظاهرات نسائية لتأييدها؛ أهينت وزميلاتها بنعوت مثل «العهر» وما يشبه ذلك؛ وزاد أتباع النظام والشرطة على ذلك بضرب المتظاهرات؛ لا لشيء إلا لأنهنّ أردن التعبير عن رأيهنّ بالحشمة. لا ندري ما هو الأكثر حشمة: البنطال او السروال او الفستان؟ يبدو ان المطلوب هو شيء واحد، هو تغليف جسد المرأة من اجل ضبط هويتها، وتحقيق إخضاعها، فكأنها لا تخضع كفاية، او كأنها لا تخضع كفاية للرجل، أياً كان؛ او كأن الرجل لا يخضع كفاية للنظام. يبدو كأن التحرر الاجتماعي يبدأ بالنساء، وقد قيل:
ما كانـت الحسـناء ترفـع سـترها لـو أن فـي هـذه الجمـوع رجـالا
ليس بريئاً انتقال السلطة السودانية، مثل جميع السلطات العربية، من المجال السياسي الى المجال الأخلاقي – الثقافي. في النقاش السياسي تنكشف أمور كثيرة، وتدان الأنظمة العربية بسبب فشلها. في النقاش الأخلاقي – الثقافي تنحرف الأنظار عن السياسة، وتحاط بجدار كثيف من التعمية، وتوضع الملامة على «تخلف» المجتمع. في السياسة يُشار الى الأنظمة الحاكمة، في الأخلاق – الثقافة، يشار إلى المجتمع. ليس أسهل من إدانة المجتمع كي تُبرأ الأنظمة. ليس أسهل من إدانة المجتمع كي تُنسى ارتكابات الأنظمة وفشلها في تحقيق كل ما وعدت به، من قضايا الأمة، إلى قضايا النمو الاقتصادي، الى الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع في وجه مؤامرات التفكيك؛ والسودان في مقدمة الدول العربية المعرضة للتفكيك والتفكك. يدينون المرأة من اجل تبرئة أنفسهم؛ يبرئون انفسهم كي لا يدانوا بحقيقة مشاركتهم في مآسي الأمة وفي مؤامرات التفكيك. يتآمرون على المجتمع كي لا يرى المجتمع مؤامرتهم على الدولة. ليس غريباً استخدام القضاء في سبيل القمع والاضطهاد وفرض انتظام لم يستطع الحكام تحقيقه بالسياسة. عندما تعجز الدول عن السياسة، عن الحوار ومخاطبة الناس والتعبير عن وجدانهم وتحقيق متطلباتهم وحاجاتهم تطرح شعار حُكْم القانون؛ هو شعار يطرحه دائماً من يريد إلغاء السياسة؛ بالأحرى، هو شعار يطرحه ويطبقه حكام يعجزون عن السياسة. الأكثر خطورة هو الالتجاء الى الدين لحماية القمع بالشريعة، ولحماية القوانين الجائرة والملتبسة بالقدسية. يوهمون الناس بأن إرادة الحكام، النافذة عن طريق القوانين الملتبسة وعن طريق أجهزة القضاء والأمن، هي إرادة إلهية. يعجزون في الأرض ثم يحتمون بالسماء. ما ارتكبته لبنى حسين هو ما استنكفت معظم النخب الثقافية العربية عن فعله خلال عقود من السنين. لم تذعن للقمع؛ رفضت قمع ذاتها، فاستخدمت السلطة ضدّها القانون والشريعة والقضاء والإسلام السياسي وهراوات الشرطة. ارتكبت لبنى فعلاً سياسياً بوضعها الضمير الفردي في مواجهة السلطة القمعية. أهم ما ارتكبته لبنى حسين هو أنها وضعت الضمير الفردي في مواجهة السلطة. تعتبر السلطات العربية انها تقبض على المجتمع بواسطة مقولات الأمة والجماعة والإجماع، وتعتقد أن سمات السلوك الفردي تنتقل بالوراثة الثقافية، فإذا قبضت على الثقافة تقبض على الجمهور، على الجمهور المتشكل من أفراد. تجهل هذه السلطات بالطبع، أن توارث السمات الفردية بيولوجياً عن طريق الحامض النووي (DNA) يتمّ بشكل دقيق، لكنه ليس كاملاً ومحكماً. هناك صفات او سمات فردية لا يمكن توارثها، وإلا لو كان التوارث كاملاً لما حدث التطور البيولوجي، ولما كان هناك مجال لبقاء الاقوى الأكثر تلاؤماً مع الطبيعة. ولو كان التوارث الثقافي محكماً، لما كان هناك مجال للإرادة البشرية والتغير والتغيير. إن تراكم الهوامش الضئيلة خارج الكتلة المتوارثة، على مرّ الأجيال، هو ما يجعل التغيير ممكناً، وهو ما يجعل التجاوز متوقعاً. ان تراكمات الضمير الفردي هي ما جعل الثورة البلشفية ممكنة، وهي أعظم التجارب الإنسانية في عالمنا المعاصر. وإن تهذيب الضمير الفردي، لجعل الناس متشابهين في كل شيء تقريباً، هو ما أسقط هذه التجربة. وما تركته الأديان من هوامش للضمير الفردي، رغم فساد أجهزتها الدينية الرسمية، هو ما سمح لها بالبقاء والتوسع. تحدّت لبنى السلطة، ودفعت الثمن، وهذا ما يتوجب على النخب الثقافية العربية أن تفعله. بمقدار ما تنفصل النخب الثقافية عن السلطات السياسية، وعن نخبها، وبمقدار ما تتحداها وتكون مستعدة لتحملّ الأكلاف من سجن واستبعاد، وربما تعذيب وإفقار وتهميش، فإنها تساهم في إعادة بناء مجتمع سوي قادر على المبادرة ومقاومة القمع والاستبداد.
#فضل_شلق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وصول امرأة لمشفى العودة اصيبت بنيران آليات الاحتلال قرب مدخل
...
-
وكالة التشغيل تحسم الجدل وتوضح الحقيقة: زيادة منحة المرأة ال
...
-
هيئة تحرير الشام.. قوة أمر واقع تهدد مكتسبات النساء السياسية
...
-
بيدرسون: يجب ان تكون المرأة السورية جزءا من العملية الانتقال
...
-
حـدث تردد قنوات الاطفال 2025 واستقـبل أحلى الأغاني والأفلام
...
-
معاناة النساء في السجون.. وزير العدل يوجّه بتخفيف الاكتظاظ و
...
-
قائد الثورة الاسلامية:على الجميع وخاصة النساء الحذر من اسالي
...
-
قائد الثورة: الزهراء (س) هي النموذج الخالد للمرأة المسلمة في
...
-
الحقيقة وراء تأثير وسائل منع الحمل على وزن النساء
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل الآلاف من النساء والفتيات بمناس
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|