أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منيرة ابي زيد - «قضية الدكتور جيكيل والسيد هايد الغريبة» من الرواية إلى الأسطورة السينمائية















المزيد.....

«قضية الدكتور جيكيل والسيد هايد الغريبة» من الرواية إلى الأسطورة السينمائية


منيرة ابي زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2766 - 2009 / 9 / 11 - 23:22
المحور: الادب والفن
    



مـن السـؤال الدينـي إلـى السـؤال النفسـاني

أثرت رواية روبرت لويس ستيفنسون «قضية الدكتور جيكيل والسيد هايد الغريبة» على الخيال السينمائي، فتمّ اقتباس ما يقارب 123 فيلماً عنها، أهمها عملا فليمينغ وماموليان السينمائيان. حالياً، يعرض فيلم من وحي هذه الرواية، من إخراج جون بوشلر، في صالات سينما أمبير، سوديكو ودون.
لماذا شكلت رواية روبرت لويس ستيفنسون مصدر وحي للمخرجين السينمائيين؟ ربما لأنها تجسّد حالة بشرية عامة من خلال مقاربة بسيطة، فهي تعرض موضوع الازدواجية البالغ التعقيد بشكل يسهّل على القارئ أو المشاهد استيعابه. ما هي الطريقة المثلى لجعل الانسان يتخيّل أن له نفساً أخرى؟ قد تكون بكل بساطة ظهور الطاقة الداخلية المقموعة في كيانٍ آخر منفصل بالكامل عن الأنا الأصلية الواعية. قد تشكّل هذه الشخصية الأخرى تعبيراً عن اللاوعي، أو قد تكون الأنا الحيوانية، أي مجموعة الغرائز الجنسية والعنيفة التي يسعى المجتمع الى طمسها في أعماق النفس البشرية. وقد برزت مختلف الأبعاد الاجتماعية والنفسية لهذه المسألة من خلال الأفلام التي تمّ إخراجها على مرّ السنين. عبّرت هذه الأعمال السينمائية عن عصرها ومجتمعها، كما شكّلت رواية ستيفنسون، التي نُشرت عام 1886، مرآةً لأجواء نهاية القرن التاسع عشر. بالفعل، تأثّر الخيال الأدبي في تلك المرحلة بروحية حقبة ما بعد اكتشافات داروين، إذ أن العلماء بدأوا آنذاك يحلّلون التأثيرات البيوليوجية على النفس البشرية بما فيها المخدرات، الإدمان على الكحول، المثلية، تعدد الشخصيات والعودة الى الحالة الحيوانية. فأثّرت هذه المقاربة العلمية على خيال الكاتب. إذ أن الشخصية الأساسية للرواية دكتور جيكيل يعيش حالة الازدواجية، لأنه استهلك مادة اخترعها خلال قيامه بتجارب علمية.
بالإضافة الى ذلك، شكّلت هذه الرواية مرآةً لخيال الكاتب الشخصي، إذ أنه ولد في مدينة إدينبورغ التي تنقسم الى منطقة مظلمة غارقة في أجواء القرون الوسطى ينمو فيها الفقر، البؤس والإجرام، والمنطقة الغريغورية الحديثة حيث تتّسع الشوارع الراقية. كما ان هذا الكاتب عبّر عن النظرة الجماعية السائدة في عصره. إذ أن روايته تندرج في سياق روحية العصر الفيكتوري الذي يدين الرغبات الجنسية بقوة. هكذا، تناقض الفيلم الفكرة المسيحية التي تدّعي أنه من الممكن تجريد الانسان من الخطيئة أو الشر بشكل كامل، إذ أن الشر مخبأ في مكان ما لا محالة، وحتى في النور. لذلك، ما تلبث هذه الطاقة السلبية المُدانة أن تنفجر، إذ أن شخصية السيد هايد ليست سوى تجسيد للشر الذي يغلي في نفوسنا، لأن الضوابط الاجتماعية تمنعه عن الظهور. بالإضافة الى الازدواجية، تتناول هذه الرواية موضوع التحوّل في اتجاه العودة الى الأصول البدائية (régression). بالفعل، يتبلور التحوّل في الأعمال الأدبية من خلال حركتي التطور والعودة الى الأصول. في بعض الروايات أوالقصص الخرافية، قد يتحول الحيوان أو الوحش الى إنسان أو أمير، فتكون أحداث القصة قد اتّبعت ديناميكية التطوّر بعكس حركة العودة الى الأصول البدائية التي نشهدها في رواية ستيفنسون أو الانمساخ La métamorphose لكافكا حيث يتحوّل بطل القصة الى حيوان.
لم تقتصر رواية الكاتب السكوتلندي ستيفنسون على البعد النفسي، بل اندرجت في سياق القصة البوليسية التي تجذب القارئ والمشاهد السينمائي. إذ أن هذه الرواية تتناول شخصية محامٍ من لندن يتحرى حول حالة الدكتور هنري جيكيل وقرينه السيد هايد. وتتعاون مختلف شخصيات الرواية لمعرفة هوية المجرم. دكتور لاينون هو أول من يكتشف ازدواجية وإجرام صديقه السيد جيكيل، فتؤدي هذه الصدمة الى وفاته في نهاية المطاف. أما بول، خادم الدكتور جيكيل، فيقدّم المعلومات للسيد يوترسون الذي يشارك في التحقيقات حول هوية القاتل. يشهد السيد ريتشارد إنفيلد على إحدى الجرائم، إذ أنه يرى السيد هايد يلاحق فتاة في الشارع. فيجبره على إرسال شيكاً لأهلها، ولكنه يدرك أن دكتور جيكيل هو الذي وقّع على الشيك. أما ضحية إجرام السيد هايد فهو السيد دانفرز كارو، عضو في البرلمان ووالد خطيبة السيد جيكيل. تعبّر جريمة قتل والد خطيبته عن رغبة يعيشها كل رجل ينتزع حبيبته من أحضان والدها. ولكن هذه الرغبة غالباً ما تظهر في الحياة اليومية عبر تصرفات عادية. فكل رجل يحاول فصل حبيبته عن عائلتها، ليحلّ محلها على المستوى العاطفي. إنما هذه الرغبة الانسانية تأخذ أبعاداً ضخمة في الرواية، وتتجلى من خلال أعمال عنيفة. لذلك، يضطر أصدقاء السيد جيكيل للّجوء الى التحقيقات القضائية بهدف اكتشاف المجرم. وهكذا، يقترن البعد النفسي والفلسفي بتوتر متواصل على مستوى الأحداث البوليسية.
على المستوى النفسي، تجسد الرواية أقصى حالات الثنائية في الطبيعة الانسانية. بدل من أن تتداخل مختلف نواحي الشخصية البشرية، تتحوّل الطاقة الشريرة الى كائن منفصل عن ذاته الأصلية بالكامل. إذ أن الانسان يعجز عن تقبّل كل العنف والكره اللذين يسكناه. بما أنه ينكر هذا الحقد، يتحول الانسان الى كيان آخر يعبّر عن هذه المشاعر الغاضبة للحظة قبل أن يعود لنفسه ويندم على أفعاله. إذاً، الخير والشر لا يتعايشان معاً في نفس الشخصية، بل ينفصلان عن بعضهما ليصبحان شخصيتين مختلفتين. في نهاية الرواية، حين يدرك دكتور جيكيل أنه سوف يكون هايد الى الأبد، ينتحر تاركاً وصية يقول فيها إن الدكتور جيكيل كان يشعر أنه يكذب على الدوام ويخبئ مشاعره الحقيقية، أما السيد هايد فكانت تحركه طاقة حيوية عنيفة، ولم يكن يأبه على الاطلاق لأقوال الناس. تغيب إذاً النظرة الاجتماعية لتسمح للعنف والرغبة الجنسية أن يتفجرا. بالفعل، إن أقوال وأفكار الآخرين هي التي تشكّل الأنا الاجتماعية وتكرّسها. إذ أنها تؤلّف مجموعة من الضوابط التي تجعل من الانسان شخصية منخرطة في المجتمع، إنما هذه الأنا الاجتماعية تضمحل للحظة. فيظهر ذلك الوحش الآخر الذي يرتكب الجرائم، يغتصب ويمزق الجثث دون أي شعور بالذنب.
من الرواية الى السينما
وقد جذبت هذه الأسطورة الفن السابع، فتمّ اقتباس عدد كبير من الأفلام عنها لأن المشاهد يرغب في رؤية حالة خارجة عن السيطرة الاجتماعية. إذ، أن هذه الحالة هي مرآة نفسنا جميعاً، نحن المشاهدون السينمائيون الذين قمنا باستبطان الضوابط الاجتماعية. ونذكر من هذه الأعمال السينمائية فيلم فيكتور فليمينغ، وهو إعادة إنتاج للفيلم الذي أخرجه ماموليان عام 1932. وكان قد شكل الفيلم الذي أخرجه روبرتسون مصدر وحي لفيلم ماموليان. ومن الطبيعي أن تتأثر هذه الأفلام ببعضها البعض، إذ أنها تتناول نفس الموضوع. إنما تتميز عن بعضها البعض من خلال الإطار الاجتماعي وتفاصيل الحبكة القصصية والممثل الذي يلعب دور البطل المزدوج. إذ أن مجمل الحبكة القصصية تتمحور حول شخصيته، كما أن مسألة التحوّل من شخص الى آخر تتطلّب مستوى فنياً عالياً كي لا تبدو مصطنعة أو غير مقنعة. وقد لعب دور هذا الوحش المزدوج جون باريمور عام 1920، وجون مالكوفيتش عام 1996. حين أخرج جون ستوارت روبرتسون فيلمه عام 1920، كان قد برز السيد جيكيل 7 مرات في السينما. يتميّز فيلم روبرتسون بكونه رومنسياً ومرعباً في آنٍ واحد. كما أنه يعرض مواجهة مباشرة بين شخصيتي السيد جيكيل. ففي إحدى المشاهد المخيفة، يُهاجم السيد جيكيل من قبل عنكبوت برأس السيد هايد. هو إذاً يرى نفسه قد تحوّل الى شبه حيوان، كما أن مرآة نفسه هي التي باتت تهاجمه، أي أنها باتت تعتبره آخراً. تتميّز الأفلام المُقتبسة عن هذه الرواية بإمكانية الغوص في عالم الخيال المرعب. إذ أنّ هذه الأنا المقموعة تتجلى من خلال صور وسيناريوهات مختلفة. فهي لا تأخذ شكلاً محدداً، بل هي حالة قد تظهر في كل المجتمعات وتتجسّد من خلال شتى أنواع الصور. عام 1959، صوّر المخرج رونوار أحداث القصة في العصور الفرنسية الحديثة في فيلم وصية الدكتور كوردوليه. أما في فيلم أنا وحش من إخراج لا أميكوس، فتتبدل أسماء جيكيل/هايد الى مارلو/بلاك، إنما ضمن أجواء الرعب والازدواجية التي تطغى على الرواية.
في الفيلم الذي أخرجه فيكتور فليمينغ، برع الممثل سبانسر ترايسي في لعب دوري دكتور جيكيل والسيد هايد. كما أضفت الممثلة إنغريد بورغمان سحراً على أجواء الفيلم. أما لانا تورنر فقد تميّزت بلعب دور بياتريس. إنما عمل فليمنغ السينمائي لم يتجاوز الفيلم الذي أخرجه ماموليان سنة 1941. إذ أن شوائبه عديدة، فهو عرض الازدواجية البشرية من خلال دراما بورجوازية بدلاً من الغوص في التعقيدات النفسية. أما فيلم ماموليان فقد أعاد إنتاج المفهوم المأساوي للحالة الهجينة، ولكنه جعل من الدكتور جيكيل إلهاً، على عكس فليمينغ الذي صوّر بطل الفيلم على أنه نعجة الرب الضالة. ولكن روحية الديانة المسيحية تظهر في المشهد الأول لفيلم ماموليان، حيث تبرز قبّة جرس الكنيسة. يشارك دكتور جيكيل في القدّاس، ويقوم بطرد مجنون يقاطع العظة مستنجداً بالشيطان. يبدو أن هذه العظة ذات طابع نبوي، وقد أثرت بعمق بالدكتور جيكيل. وقد يكون هذا المجنون ليس سوى مرآة نفس دكتور جيكيل الشريرة التي ترغب في التمرّد على العظة المسيحية. على عكس فيلم ماموليان الذي يوحي بالقساوة، أزال فيلم فليمينغ الأجواء الحادة، فامتزجت المشاهد المرعبة بنزعة رومنسية.
في بعض الأفلام، لا يتحوّل السيد جيكيل الى وحش، بل قد يصبح رجلاً وسيماً، أو قد يتحوّل بكل بساطة الى امرأة. يتناقض فيلم «وجها السيد جيكيل» (1960) من اخراج تيرانس فيشر مع القصة الأصلية. فيتجرّد جيكيل من وجهه و هويته، بينما السيد هايد يظهر بهي الطلعة وجذاباً. هذا ما يصفه المخرج فيشر بسحر البشاعة. في هذا الفيلم، يستهلك السيد جيكيل السائل ليتحوّل الى رجل جذاب بهدف إثارة إعجاب زوجته التي تخونه مع صديقه. إنما هذا الرجل الوسيم يتحول الى وحش قاتل ومغتصب. بما أن زوجته لم تقع في غرامه، يلجأ الى الاجرام والاغتصاب. أما في فيلم «دكتور جيكيل والسيدة هايد»، فتتجلّى الازدواجية في تناقض بين الأنيما والأنيمو، أي الناحية الأنثوية والذكورية. وبالفعل، يقمع كل رجل في نفسه ناحية نسائية، وكل امرأة تقمع في ذاتها طاقة رجولية. في هذا السياق، يسمح المسحوق الأبيض الذي يستهلكه السيد جيكيل بتجلّي هذه الذات المقموعة، فيتحوّل الى السيدة هايد.
الرغبة القاتلة
أما الفيلم المعروض حالياً في صالات السينما فيخرج عن الإطار المسيحي الخاص بأجواء الرواية الأصلية. إن ما يطغى بالفعل على ديناميكية فيلم «قضية الدكتور جكيل والسيد هايد الغريبة» The Strange case of Dctr. Jekll and Mr Hyde هو الطابع المسرحي. إذ ان التحوّل من الانسان الى الوحش العنيف يبدو وكأنه عبور من سياق الحياة اليومية الى البعد الفني، بما أن كلاً من الأدوار التي يلعبها الممثلون المسرحيون هو تجسيد لناحيةٍ ما من شخصيتهم. إنما الروحية المسيحية تبرز في الفيلم من خلال الشعور بالذنب الذي يتجلّى في تصرفات المجرم.
يبرز العنف الوحشي في هذا الفيلم حين تضمحل الحدود الفاصلة بين الطبيعتين الانسانية والحيوانية. إذ أن دكتور «جيكيل» يستهلك سائلاً مخصصاً لمداواة مرض قلب القرد. باتت هذه التجرية العلمية كابوساً جعل منه رجلاً مفصوماً. فصار يتحوّل من حين الى آخر الى السيد «هايد»، كائن متوحّش وعنيف. برع الممثل طوني طود في تجسيد ازدواجية تتمازج فيها رغبة القتل مع الغريزة الجنسية، خاصةً أن أصابعه الطويلة والسوداء تذكّر بشكلها وحركتها بالعضو الذكري. كما أن أقواله وتصرفاته توحي بأنه يشتهي ضحاياه النساء. فتترافق جرائم القتل مع الاغتصاب والقضم واللعق وتدمير الجثث بشكل استعراضي. على الرغم من هذه الطاقة الشبقية الإجرامية التي تتحكّم بالسيد «جيكيل»، يلفتنا أن مشاهد ممارسة الحب مع زوجته شبه غائبة في الفيلم. تلعب جوديس شيكوني دور هذه الإمرأة الحنونة، التي تعبّر عن معاناة كل من له قريب أو حبيب مصاب بانفصام الشخصية. إذ ينجح زوجها في إخفاء الناحية المتوحشة من شخصيته حتى آخر مشاهد الفيلم حين يتحوّل الى المسخ المجرم بحضورها. ولكنه لا يُقدم على قتلها أو تمزيقها أو اغتصابها، وكأّن حبّه لها يمنعه من ممارسة العنف على جسدها. وفي هذا المشهد، يبلغ انفصام الشخصية أقصى حدوده، إذ أن الوحش والانسان الرقيق يتوالان من خلال تحوّل مستمر في شخصية دكتور «جيكيل». وفي إحدى اللحظات، يصبح له ثلاثة وجوه مرعبة، فيلفظ كلمات متناقضة، تعبّر عن الحب ثم عن الغضب في حالة من التخبّط البائس.
التضخيم المسرحي
ويأخذ تحوّل الانسان الى كائن غرائزي بعداً مسرحياً. إذ أن دكتور «جيكيل» يخرج من إطار الحياة اليومية ليصبح شخصية أدبية، بمشلحه الأسود وأنيابه المخيفة. تترافق هذه الأجواء مع أغنية «الروح المزدوجة» لفوست التي تؤديها إحدى المغنّيات. ينبت الشعر الأسود الداكن على رأس دكتور «جيكيل» على إيقاع الألحان الموسيقية، فيتحوّل تدريجياً الى وحش أمام عيون المستمعين للفن الغنائي. وقد رافقت موسيقى أندروه غارفيلد لحظات التضخيم والمباغتة بشكل رائع. كما أن إيقاع الألحان يوحي بالتحوّل من حالة الهدوء الى ذروة الاضطراب.
ويمتد هذا التناقض بين حالتين في لعبة النور والعتمة. إذ، أن السيد «هايد» غالباً ما يظهر في أماكن مظلمة، تترافق فيها لحظات غضبه بهيجان قرد محبوس وراء القضبان. أما سائر الشخصيات كالشرطة فيحيط بها النور، الذي يوحي بالوضوح وصفاء الذهن. في هذا الفيلم، ينجح المخرج جون بوشلر في التوفيق بين الواقع والخيال. إذ أنه يخرجنا من إطار الحياة اليومية الى الأبعاد المرعبة وكأنه يدخلنا في أروقة النفس البشرية، ومن ثم يعيدنا الى الأجواء الواقعية من خلال حركة منسجمة ومتكاملة.
إنه الرعب الذي يطغى على أجواء الفيلم! خوف يمزّق نفس المجرم. إذ أن السيد «جيكيل» ما زال إنساناً، يختلف عن الحيوان بإدانته لأفعاله العنيفة. يرى جرائمه في كوابيسه، يسمح له وعيه برؤية ذلك المجرم الآخر الذي يتمتع بتمزيق الأجساد. تلك هي لحظة البؤس التي تظهر على ملامح وجهه حين يتصبّب العرق على جبينه. تعبّر عيناه السوداوان عن شعور بالذنب، فيحلم للحظة أنه أعاد إحياء جثة صديقته. كما أنه يرسل كميات كبيرة من المال لعائلة ضحاياه، مسهّلاً بذلك عمل الشرطة التي تشكّ بأمره. ربما، قد تكون ناحية من شخصيته ترغب في إلقاء القبض على المجرم الذي يعيش في داخله.
نلاحظ التفاوت بين الرواية الأصلية والأحداث التي تجري في الفيلم. في رواية ستيفنسون، يجبر ريتشارد إنفيلد السيد هايد على إرسال الشيك لأهل الفتاة التي كان يلاحقها. أما في الفيلم، فهو يقوم بذلك بملء إرادته، ممّا يشير الى أن المخرج جون بوشلر يضفي قدراً من الإرادة والوعي على شخصية الوحش المزدوج. بالفعل، يحاول السيد جيكيل أن يسيطر على مصيره، ولكنه يعجز عن ذلك. ولكن الفيلم يتطابق مع الرواية على مستوى مضمون الوصية التي يتركها الدكتور جيكيل قبل أن ينتحر. إذ أنه بالفعل حين يتحوّل الى وحش قاتل، يتحرّر بشكل كامل من النظرة الاجتماعية والشعور بالذنب. على الرغم من كل نقاط التلاقي والاختلاف، تنطرح مسألة الازدواجية بنفس الطريقة في كل الأفلام. فقد نجح الكاتب روبرت لويس ستيفنسون بخلق أسطورة تطرح أسئلة نفسية، اجتماعية ودينية. فهل نحن نعرف أنفسنا فعلاً؟ وكيف لنا تقبّل ذلك القاتل المُدان الذي يعيش في داخلنا؟



#منيرة_ابي_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتابات الأتراك وإشكالية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
- لمحات من الخمريات الفرنسية


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منيرة ابي زيد - «قضية الدكتور جيكيل والسيد هايد الغريبة» من الرواية إلى الأسطورة السينمائية