|
كامل شياع : أنشودة جرح عراقي
علي عبد الأمير صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2766 - 2009 / 9 / 11 - 22:37
المحور:
الادب والفن
كان ساطعاً كنجم. كان هادئاً كفيلسوف كان حكيماً كنبي لم يشأ أن يعطي ، يوماً، انطباعاً ، بكونه أكثر حكمة ، أو معرفة أو اطلاعاً .. حين تصافحه وتتحدث إليه لا يكلمكَ بوصفه مستشاراً بوزارة الثقافة، بل بوصفه انساناً بسيطاً متواضعاً، إنما ليس ساذجاً، من عامة العراقيين، إنساناً مليئاً بالمحبة والصدق .. يحدثكَ بحميمية أخ، ووفاء رفيق، ودفء حبيب . كان بوسعه أن يبقى في المنفى مستمتعاً بالحياة الهادئة والمستقرة و((البادرة)).. ففي (لويفن) لا وجود للحواجز الكونكريتية ولا للأسلاك الشائكة .. وزجاج النوافذ في شقته أو شقق جيرانه لا تهشمه الانفجارات .. وواجهات المتاجر ودور السينما والمتاحف لا تبقعها دماء الأبرياء . كان بوسعه أن يذهب يومياً ، مشياً على قدميه، إلى المتنزه القريب، متأبطاً كتابه، مستغرقاً في التفكير، حالماً ببلدٍ لا يطارد فيه شبح الخوف أبناءه المتعبين واليائسين .. ولا تفرُ الحمامات مذعورةً من بين أغصان أشجاره الباسقات التي لم تنجُ هي الأخرى من الحرائق والشظايا وحقد الظلاميين . ومثل أي حمامة أو يمامة كان وديعاً ومسالماً . بعد خمس وعشرين سنة من النفي عاد إلى وطنه باحثاً عن دواءٍ يشفيه من سقم الغربة ولوعة الغياب. لم يكنْ كامل شياع مثقفاً نبيلاً عاد من غربته بعد أن سئم العيش في أوروبا، بل كان مثقفاً عضوياً جاء إلى بلدٍ مشحون بالكراهية والمحاصصة، بلدٍ تنخره شهوة التسلط وظلمة الأفكار. جاء كامل كي يحلم، متوسداً أفكاره ورؤاه ومعارفه التي اكتسبها طيلة ربع قرن من الزمن .. جاء إلى بلدٍ محتل تعم فيه الفوضى وتمزقه النزاعات الطائفية والحزبية .. جاء كامل إلى بغداد كي يحلم ويخطط . كان كامل شياع يدرك جيداً فرص الموت الوشيكة. كان يعرف حق المعرفة أن أحلامه مصدر خطر لكل الظلاميين والمجرمين، وكان قتلته لايسعون إلى إرساله هو وحده إلى عالم الأموات، بل يبذلون قصارى جهودهم لوأد كل مشروع حضاري وثقافي . ((عودتي خيار وجودي ومعرفي... اخترت أن أمشي بين الرصاصة والأخرى، لعلي أخفف من جراح الوطن)).. هذه هي الكلمات التي قالها شياع لأديبةٍ عراقية فرتْ من جحيم الطائفية والوحشية ذاهبةً إلى اللامكان. . وكأن الاثنين، كامل وزميلته العراقية، يتبادلان الأدوار.. الأديبة تغادر الوطن بعد أن يئست من التغيير وكامل يعود الى بلاده كي يرسم الحلم الثقافي.. ليس حلمه الثقافي وحده .. بل أحلام أجيالٍ من الكتاب والمثقفين والمفكرين الليبراليين والثوريين واليساريين والديمقراطيين. كان كامل شياع واحداً من أبرز حاملي راية التغيير والتنوير .. وأبرز من طالب بتوفير بيئة حاضنة وملائمة للإبداع والابتكار والتجدد .. فإذا ما توفرت هذه البيئة تنجذب النخب الثقافية إلى ميدان العمل وتقوم بدورها الفاعل كمنتجة للأفكار الخلاقة وتمارس وظيفتها الأصلية في تنوير الفرد والمجتمع، وفي بناء الدولة الوطنية الجديدة على أسس حديثة (سلطة القانون، قيم المواطنة، المؤسسات والتقاليد الديمقراطية ، حقوق الإنسان ، العدالة الاجتماعية ، التنمية الاقتصادية والاجتماعية...الخ)) لم يكن يشدد على أهمية الكتابة وحرية التفكير والانهماك في الأنشطة الأدبية والفنية والمعرفية فقط بل أكد دوماً على أهمية أن تمارس الانتلجنسيا دورها الفاعل كناقدة يقظة وصارمة للمجتمع والدولة، أفكاراً وفعاليات ومؤسسات. لم يكن الظلاميون يجهلون منزلته الفكرية والثقافية والأدبية .. ولم يكونوا يتصرفون بسذاجة وقلة دراية حين أغروا قاتلاً مأجوراً كي يسدد سبع عيارات نارية إليه في يوم صيفي لاهب. نعم ، أطلق القاتل سبع طلقات حاقدة على سبع خصال تحلى بها كامل شياع.. طلقةً على الحالم كامل شياع وطلقةً على المثالي كامل شياع . وطلقةً على المفكر كامل شياع . وطلقةً على الحكيم كامل شياع . وطلقةً على الزاهد كامل شياع . وطلقةً على الرفيق كامل شياع . وطلقةً على المحب كامل شياع .
فيا عزيز كامل ، هل استطعتَ أن تخفف جراح بلدنا، أم أنكَ أضفت جرحاً بليغاً آخر أشد إيلاماً من جروح بلادنا السابقات ؟ نَمْ ، عزيز كامل، نَمْ قرير العين، نَمْ نومتك الأبدية، فمن جراحكَ المقدسة ستتصاعد أبداً أناشيد الإصرار والتحدي .. وعبر ذكراكَ المعطرة سنتنفس أبداً عبق أفكارك الخلاقة وسنظل نحلم أبداً كل الأحلام التي راودتكَ وشغلت فكركَ... فهيهات أن تعطلنا ظلامية الحقد .. وهيهات هيهات أن تشلنا شهوة التدمير وبربرية التخلف .
#علي_عبد_الأمير_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|