أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - لا هو موت .. لا هو انتحار














المزيد.....


لا هو موت .. لا هو انتحار


رباح آل جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2764 - 2009 / 9 / 9 - 22:24
المحور: الادب والفن
    


وفرقتنا ، يا صديقي ، المنافي ...
آه ، يا غربة النار في بلد الثلج .. أكلما مرت ريح من جانبك ، تقول : العراق !! ..
وفرقتنا منازل ، كانت لها في القلوب منازل .. وفرقتنا الدير ، والدار ، والديار ، التي عفت محلها فمقامها .. وفرقتنا المسافات ، والحصارات ، والطغاة ، فافترقنا .. فلا سائق الأضعان يطوي البيد طيا ، ولا حادي العيس في ترحاله الأجل ، ولا سارت بالهوى الإبل ، ولا مرت براهب الدير النوق ، والحداة ، والعصافير .. ولست أعرف ما الذي حملنا على السفر في زوابع الشتاء ، وهزيع الليل ، وسط أوحال طرقات ضيقة ، وأزقة موحلة ، وفي برد ومطر .. ويا لعذابات كل تلك الشتاءات والسنين !.
وأحببنا أعزاء من كل القلب ودللناهم .. وكنا نجوع إذا جاعوا ، ونعطش إذا عطشوا ، ونمسح على وجوههم حين يتعبون ، ونقبلهم من جباههم بين المآقي .. وكنا ندللهم ، فنخاطبهم بأصوات ليس فيها حروف .. ونخاطبهم بجمل ليس فيها كلمات ، ونغني لهم بصوت غير مسموع .. وكنا نخاطبهم برؤوس الأصابع ، ونخاطبهم بالراحتين ، فكيف غارت العيون في المحاجر ، ونتأت عظام الوجه يكاد منها الجلد ينشق ، وصار الناس يعدون أضلاعنا بالنظر إليها ، لا يمدون إلى صدورنا يدا ، ولا يجسون الأضلاع ؟!.
وكنا نتغنى بالحبيبات .. فنرسمهن كفينوس التي في المرمر ، أو كالخضرة التي في الشجرة ، أو مثل ليلى التي تسكن التوباد .. وكنا ننظم لهن القلائد من جنبذ الجوري ، ومن قداح الليمون والبرتقال ، ومن جلنار الرمان قبل أن يتفتح ، ومن كل أنواع الثمر أول ما يتكور ، ومن أزهار الحدائق والبساتين ، التي تتقافز من حولها زرازير البراري ، وينث أغصانها قمر سهران .. وكنا نكتب لهن غزلا من الفستق المقشر ، ونناديهن بعشتروت ، أو فينوس ، أو المتجردة ، أو خولة ثهمد ، أو بتلك الحسناء البابلية من أور ، أو مية التي في العلياء ، لا مية التي في السند ، أو من :
تلك الجآذر في زي الأعاريب
حمر الحلى والمطايا والجلابيب
ومرت أيام ، ومرت شهور ، ومرت أعوام .. كنا نخنق العبرة ولا نبكي ، ونصبر على الشدة ، ونداري الحاجة بالتقشف سرا وبإظهار التجمل وبإعلان الاستغناء ، وكانت وجوهنا المختنقة بالسعال ، صفراء كالسل ، تبدو شاحبة كالوداع .. وكنا نلوك الماء ، ونعلك الهواء ، ونبيع كل حصتنا من التصوف ، والإشراق ، بفنجان قهوة ، وقطعة من راحة الحلقوم .. وكنا نبيع أفلاطون ألف مرة ومرة في الساعة ، ونبيع حصتنا من الحلاج ، والسهروردي ، وابن عربي ، وسقراط ، وبيتراندرسل ، بدشداشة مطرزة بالكلبدون ..
وتكاثرت علينا الأحلام ، ونحن نريد أن نقطف القمر بأيدينا ، ونقتسم الأرض شعرا ، وشوقا ، وشبابا ، ومواقد ، ولا نتمنى مع امرئ القيس لذلك الليل الطويل أن ينجلي .. فلا يتهم تهامي إذا أتهمنا ، ولا ينجد نجدي إذا أنجدنا ، ولا يسقي الساقي بين الصفا والمروة ، ولا من ماء حوض الكوثر ، إذا نحن سقينا الخيام من فرات عذب سلسبيل ، ولا نسقي إلا من مدافع الريان .
تلك محطاتنا ، قوارب بلا دفة ، ولا شراع .. أكنا نبالغ ، أم أنها المنازل مثل الطباشير ، ما تلبث أن تذروها الريح ، ويمحوها السراب ؟!.
وفرقتنا ، يا صديقي ، الغربة ، ولما أجبرت قبيلة ( جرهم ) على الجلاء ، فإنهم سدوا بئر زمزم ، ودفنوا فيها أشياءهم ، وذكرياتهم ، وخرج عمرو بن الحارث ومن معه من قبيلة ( جرهم ) إلى منفاهم الأخير في اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا في بلادهم مكة أشد الحزن ، وفي ذلك قال عمرو :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس .. ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
صروف الليالي والحظوظ العواثر
وفرقتنا ، يا صديقي ، المطارات ، وصالات الترانزيت ، والباصات ، والتاكسيات ، والأنفاق ، والفنادق ، وصناديق البريد ، وجوازات السفر ، ووكالات غوث اللاجئين ، وفتنة القرن الرابع الهجري ، والشطار ، والخصيان ، والعيارون ، وأوطان صرنا نحملها في حقيبة اليد ..
وجاء من بعدنا آخرون ..




#رباح_آل_جعفر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أباطيل يوسف نمر ذياب في زنبيل !!
- مصطفى محمود .. المفترى عليه
- عبد الغني الملاح يستردّ للمتنبي أباه !..
- مدني صالح يدفن زمان الوصل في هيت
- ( صانع ) بلند وحسين مردان .. صفاء الحيدري لا عذاب يشبه عذابه
- أبو جهل يتوحم على دمائنا
- عندما تغضب الكلمات
- علي الوردي وأنا في حوار من الأعظمية إلى الكاظمية
- عبد الوهاب البياتي .. الأول في روما


المزيد.....




- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رباح آل جعفر - لا هو موت .. لا هو انتحار