|
أحمد أمير – بيوغرافيا حميمة
حسين الهنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 840 - 2004 / 5 / 21 - 18:28
المحور:
الادب والفن
لم أعد أصدّق انه كان محض صدفة ذلك الذي حصل عرضاً في صيف 1976. كان الليل، والليل سترٌ، قد غمر بواتيه المدينة الفرنسية التي تقهقرت في القرن الثامن جيوشنا الفاتحة عند ابوابها، ثم عادت لتصبح مرفأ تشردنا في الربع الاخير من القرن العشرين. والليل في تلك المدينة الكريمة كان يعني ايضا، بعد وصول آخر قطار يربطها بباريس، الانتظار شبه المطلق، خاصة بالنسبة لي آنذاك حيث لا مأوى سوى الزاوية المترحلة التي تعرضها صداقة عراقية او اخرى نادرة وامينة في آن. الا ان طرقات مترددة على الباب قطعت حديث الصديق الذي تلمست سقفاً لديه تلك الليلة من جديد وعلى مضض في الواقع لتكرر ثقل وجودي على بيته وخاصة أن صديقته الفرنسية التي لم تبخل بجهد في مساعدتنا، كانت ستدفع ضريبة ساعات ثرثرتنا بالعربية التي لا تعرف منها الا مفردات التحية. كان الطارق شابان لم اعرفهما من قبل ابداً يستفهمان منه عني حاملين قصاصة ورق كتب عليها فاضل عباس هادي بحروف كبيرة "حسين.. كاظم واحمد من ملح ارضنا الاولى واتمنى ان توليهما ما يتيسر من الاهتمام في رحلتهما الاولى الى ما يبدو المجهول". تأملت الورقة بترحيب سابقته حيرتي وصمت حالي يقول: "فاضل لا يرسل أحداً عبثاً لكنه ألا يعرف سلفاً ضياق الحال!". فما الذي كان بمستطاع شاحب أمعاء مثلي ان يفعله في استضافة أحد في تلك اللحظة؟ وكما لو انه ادرك حيرتي سارع الصديق صاحب الدار الى دعوة الغريبين للجلوس بسخاء طمأنهما تماماً فدخلا يسبقهما حرج من لم يكن يتمنى ان يجد نفسه في ذلك المشهد. كاظم جهاد، الاطول بينهما، قدم نفسه كشاعر واسترسل في حديث مبعثر عن الهموم. الثاني، الذي ظل متواريا خلف زميله امام الباب، كان يؤالف بدقة فنان بين البساطة والسكوت والخطوة الحذرة ويحمل اسماً ثلاثيا هو: أحمد الجاسم الامير. ومتمددين على ارضية حجرة شبه عارية رحنا دون ان ندري نحفر، أحمد وانا، صداقة لم يكن أي منّا يتخيّل لحظة انها ستجتاز تلك المسافة الطويلة والغريبة في آن من السنين. في اليوم التالي وبعد وجبة من الخبز الدافئ تناوبنا على قضمه بعجالة لا تخلو من ترف في ساحة المدينة، كنا الثلاثة نجتاز الارياف الفرنسية بعد ان جندنا مزارع فرنسي طيب القلب وقرر نقلنا بنفسه بسيارته الى مزعة كروم يمتلكها في الاعماق الريفية الفاتنة، حيث وافقنا، او بالاحرى وافق، على ان نعمل في مزرعته قاطفي عنب بأجر زهيد لكننا لم نكن نحلم به في تلك اللحظة. في اليوم التالي رحنا "بمتعة" كما قال لنا صاحب الحقل يوما، ننقل سلاله الكبيرة على ظهورنا حالما ننتهي من ملء الواحدة منها بما لا ادري من الاوزان. كنت الوحيد بين الثلاثة من يستطيع آنذاك ان يرطن ببعض جمل فرنسية مفككة لتضليل فضول رواد الحقل وقاطف فرنسي فوضوي التحق بنا وكذلك عائلة المزارع التي سرعان ما اظهرت حيالنا مودة كبيرة لم يكن مصدرها ما نبذله من جهد عضلي فقط، انما ايضا لأننا صرنا نخلق على منضدة الطعام الجماعي جوا من البهجة والاثارة لا يخلو من الغرابة والبراءة كان كاظم قلبها النابض، فيما اضطلع أحمد برسم بورتريهات للبعض، والفتيات خاصة، اهداها لهم ليتركهم موزعين بين الغبطة والدهشة والالفة معنا وكنت فيها المترجم الذي لا تفهم جمله القليلة الا بعد جهد. وهذا الحال سيتكرر الى ما لانهاية في مزارع اخرى عملنا فيها معا فيما بعد قاطفي عنب او تفاح. فبينما اجتذبت باريس كاظم سريعاً وكان عكسنا على عطش لها، مكثنا، احمد وانا، لسنوات ثلاث نكسب قوتنا اليومي من العمل الصيفي في الحقول متقاسمين نفس الغرفة، وعرفت خلالها ان لأحمد غير الرسم موهبة عالية في تعلم اللغة الفرنسية تضاهيها موهبة صوت حميم عندما كنا، في زحفنا بين عناقيد الكروم لقطفها، ندندن معا، ودون تنافس ابدا، ببعض اغان تحمل عطر عراق صار يتجرد في ارواحنا كما لو انه غدا محض طيف.. في بواتيه، خلال فترات الدراسة التي لم نكن بين افضل نظرائنا فيها، تشاركنا الى جانب الصداقة في هموم ثقافية ويسارية كانت دائما بلا مقايضات ولا اطر وصافية الى حد بعيد لم تعكره منغصات عوز مالي شبه مدقع، ونمائم زملاء ليسوا جميعا جديرين بتلك العلاقة. فقد ربطتنا نشوة توافق فطري ومدهش سيغدو كما لو كان ثابتا مع مرور الوقت. وكل الفضل في ذلك يعود لأحمد الذي صار، بحيوية يومية صامتة لكن حاضرة في الاشياء الجميلة خاصة، لولبا في تلك الجماعة الشابة الضئيلة التي شكلناها وزعمنا بيقين غريب انها رمز ثقافة عراقية افرطت العصابات البعثية في طعنها من الامام والخلف. ولقد نجحنا، ولا نعرف كيف أن نجعل من تلك العاصمة الاقطاعية العريقة، "القلعة" الوحيدة في العالم ربما التي لم يفتحها البعثيون حتى في ذروة عصرهم "الذهبي" ذاك في النصف الثاني من السبعينات. فقد كانت الهجمة شاملة ودموية على أي رافض لهم في كل انحاء العراق وخارجه ايضا، بفضل ثروات نفط باذخة هبطت كما لو انها من السماء، وانهائهم الحركة الكردية المسلحة عبر صفقة مع ايران الشاهنشاهية آنذاك وواشنطن التي كنا نسميها الامبريالية الامريكية عادة، وسمسرة سوفيتية سابقت السمسرات الامبريالية الاخرى بنذالاتها، وخدمات جبهة، ستظل مخجلة ابداً، اقدم عليها الجناح التابع لموسكو آنذاك في الحزب الشيوعي العراقي. الشجاعة والجرأة ايضا كانتا من خصال احمد امير لكنهما شجاعة وجرأة تقطنان الروح بعيدا عن أي صنعة او عضلات، وصافيتان كالحرية الداخلية العميقة التي تماهت مع ذاته لتبدو كما لو انها الفوضى. واحمد كان فوضويا زاهدا بالمعنى غير المعلب للكلمة. وفي الفن كانت تلك الفوضوية الزاهدة في بيتها لديه، كانت هي هو احيانا. ومن هنا غربته مع الاصدقاء وحتى النساء وايضا مع معظم الاماكن خاصة برلين وقبلها باريس وقبلهما بغداد، وغيرها من عواصم الضوء قاتل الحياة. رسام بورتريه بديع الروح شديد الدقة والتقنية الاكاديمية دون ان يدخل مدرسة قط. هذا ما عرفته في الايام الاولى من معرفتي بأحمد الجاسم الذي كان يحب ان ينادى بـ "احمد" من قبل اصدقائه المقربين، وبـ "امير" من قبل النساء والآخرين. الا ان معرضَ رسوم للاحتجاج على القمع في العراق اقامه في بواتيه مع صديقيه علي فنجان وحيدر الهلالي في مطلع 1977، كشف عن جوانب اخرى من حالته التشكيلية التي بدت ناضجة اصلا، حيث التوق الواضح لتجاوز مباشرية الموضوع السياسي بل الموضوع نفسه، كان بحد ذاته رمز ذلك النضج اضافة الى الشهادة الاخرى والمهمة من ذلك المعرض وهي ان هذا الفنان الذي لم يتجاوز العشرين من العمر الا بقليل كان قد اسس لنفسه سلفا موقفا علنيا ثابتا من نظام القهر في العراق وهو نفس الموقف الذي دفعه ربما ويافعا الى مغامرة الهجرة رغم المحبة، وأي محبة!، التي كانت تربطه بعائلته لا سيما بأبيه عبد الحسين الجاسم الامير الذي لم يكن فقط افصح متحدث عرفته مدينة الناصرية، كما كتب احد الاصدقاء، وشخصية تربوية قوية تعرضت للكثير من المضايقات والاضطهاد من قبل الانظمة المتعاقبة بسبب قصائده النقدية التي كانت تلقى في الاجتماعات والمناسبات العامة. انما كان الاب ايضا وخصوصا صديقا كبيرا للفن وللفن التشكيلي بالذات حيث بذل كل جهد لدفع ابنائه وبناته الى اعتناق حبه ونجح فعلا في ذلك. لكن أحمد كان، بلا شك كما يبدو، النقطة الاكثر نبضا وأنيناً في القلبين الفني والطبيعي للأب. ولهذا ربما كان احمد مصدر سروره الاعظم وهمومه الاعظم في آن. وهذا على أي حال ما تجهش به قصيدة كتبها الاب لأبنه جاء فيها: أعطيتهُ القلبَ لم أطلب مقايظة سوى ابتغائيَ ان يهوى كما أهوى وها أنا، موحشٌ بيتي عليَّ إذا مِن المسامرِ أمسى مقفراً خلوا عذرتُ من لم ألد، ان راح يبهتني ما بال فلذة كبدي صار لي بلوى؟ هذه القصيدة التي كان احمد يضعها حتى لحظة رحيله بمواجهة رأس سريره، كانت بداية ذلك الألم السري الذي صار يتجذر ويمور أعمق فأعمق في جذور روح لم تلبث ان تعرضت للأفتراس عندما وقع نبأ وقع صاعقة حاملا للأبن في برلين وفاة الوالد الكريم في العراق كمدا على فراق العديد من الاحبة بين لائذ بغربة شبه ابدية ومقتول في حرب بذل الاب كل حياته يحض على رفضها. اما عن بقية سيرته الفنية قبل رحيله من فرنسا، فبعد معرض الاحتجاج السياسي في بواتيه، انهمك احمد في انتاج عدد كبير جدا من الرسوم نشر بعضها في مطبوعات تراوحت بين نشرات طلابية مجهولة غالبا واغلفة كتب بينها مؤلفات لكتاب مشهورين كغائب طعمة فرمان وأدونيس وعبد الرحمن منيف، واخرى هي مجموعات ادبية لمؤلفين اكثر شبابا وثالثة لمؤلفين لن يسمع بهم احد احيانا او لم تطبع مخطوطاتهم ابدا وكذلك اغلفتها التي اعدها احمد أمير. ولم اعرف فنانا تشكيليا لا يرفض طلبا لأحد مثل هذا الفنان. لوحاته موزعة لدى اصدقاء واشخاص لا يعرفهم احيانا الا من لقاء عابر. بعض من اهم اعماله صادرها صديق اودعها لديه او معرض ائتمنه عليها. كما كان يقدم رسومه لكل من يظهر اعجابا بها.. والحال انها كانت كلها مثار اعجاب هذا او ذاك.. مرة، قبل عامين من وفاته، عرض علي ان أنتقي عدة لوحات حديثة من اعماله واصطحبها الى لندن هدية لي منه.. لم استجب لعرضه ذاك معتبرا ان الفنان قد يواجه حاجة لها في اقامة معرض طارئ او المشاركة في آخر لا يكفي عدد ما لديه منها. الآن أشعر بألم خفي لأنني لا امتلك من اعماله الا بضعة تخطيطات قديمة تعود الى تجربتنا المشتركة في اصدار مجلة "أصوات" قبل ربع قرن. فلقد بذل احمد امير جهدا كبيرا وخاصا في خلق مجلة "اصوات" التي رأت النور في 1977 كأول مجلة عراقية ثقافية معارضة وبالاسماء الصريحة لكتابها الرئيسيين، حيث بجهده فقط خرج العدد الاول على تلك الهيئة المجددة. فمصمم المجلة هو، وله تصميم لوحة غلاف ارادها معدنية لكنها لم تنفذ بسبب انعدام المال، وله خطوط المجلة الخارجية والداخلية وهو ايضا راسم اللوحات الداخلية والتخطيطات في تلك المجلة المطبوعة صفحاتها المائة على آلة كاتبة كانت بعض قطعها تتطاير بين ايدينا من شدة القدم. وبينما كانت اليسرى تتألق بكأس طيب، كانت يده اليمنى ترسن بحبر صيني شحيح اسماء كتاب يسمع بهم للمرة الاولى احيانا آنذاك. وله ايضا تصاميم اغلفة العددين السابع والثاني عشر في فترات لاحقة كان فيها احد الاسماء العراقية الاشهر في عالم الفن التشكيلي المعاصر. فللنشر في تلك المجلة المحاصرة، بسبب الحسد او عقلية العشائر احيانا، استمر احمد امير يرسل الرسوم والمقترحات والقصائد.. نعم القصائد لأن أحمد امير كان ايضا شاعرا مبدعا ومجددا وان لم يزعم ذلك، وان لم ينشر الا القليل جدا، وان لم يكتب الشعر على الدوام.. وها هي عشرات قصائد تركها بين اوراقه وضم مختارات منها كتاب واحد لحد الآن، لا تترك أي شك حول انبثاقها من ارض جمالية وطيبة الخصب شعريا كما يثبت ذلك تأسسها على محاولة الجمع بين التشكيل الفني والكلام. وايضا، وهذه حالة نادرة بين الفنانين التشكيليين العراقيين والعرب، تجرأ على محاولة صياغة تأملات عن تجربته الذاتية وعن رؤاه المختلفة والحرة تماما حول قضايا تهم الفن والرسم خاصة بعيدا عن تقليعات التيارات المدرسية الصريحة او المقنعة. ترك احمد فرنسا في 1979 الى المانيا حيث سيفتح له مسرح شيلر الشهير ابوابه كمنفذ رسم اول الامر ثم كرسام اول في 1984 الا انه ظل يقيم معارض شخصية ومشتركة بين الحين والآخر ودون حماس، فيما تموسمت لقاءاتنا وتباعدت احاديثنا ولم تكن الرسائل بيننا لتحمل سوى عبارات المحبة وهذه خاطفة بطبعها عندما تكون حقيقية وعميقة. لقد أخذت الغربة من أحمد الاعز وهو الحياة. الا انها لم تبخل عليه بالمجد والفرص على ندرتها لمهاجر منفي مثله كما انه لم يتردد من ركوب أي طريق ينبجس امامه. فهذا الفنان الكبير المولود في الناصرية عام 1952، والمنهمك في الفن التشكيلي في بلده منذ العاشرة من العمر، والمقيم اول معرض لأعماله المائية وهو في الثانية عشرة، والحاصل على الجائزة الاولى للاعمال الفنية في الناصرية وهو في الثالثة عشرة، والعضو المؤسس لغاليري 75 وهو في الواحد والعشرين، نبغ ايضا في الغربة كما يثبت ذلك ترشيحه بين ندرة من الفنانين الالمان ومن قبل الخبراء الالمان بالذات ليدرس الماجستير في الديكور المسرحي، وليكون في عام 1984 بين اوائل الحاصلين على هذه الشهادة في تلك البلاد. وتقول الرسالة التي رفعتها الادارة العامة للمسارح في برلين الغربية آنذاك "انه افضل من نستطيع ترشيحه من رسامي المسارح الكبرى في برلين لهذه الدورة الاولى". وهي شهادة سمحت له بالاشراف على تدريب عشرات الفنانين الالمان في هذا المجال. وفي 1985 اختير كواحد من افضل عشرة رسامين للمسرح في اوروبا. وفي 1986 رشح لتسلم مسؤولية صالة الرسم في الاوبرا الوطنية في العاصمة الالمانية بون. الا انه فضل البقاء في برلين مسؤولا عن صالات الرسم في مسرح شيلر ومسرح القصر والفيرك شتات وقد استمر في عمله هذا حتى رحيله المباغت في 16/17 مايو 1994 وهو لم يبلغ الثانية والاربعين من العمر بعد، لكن احمد انجز في حياته القصيرة ما لا ينجزه غيره من الفنانين العرب الكبار في سنوات مضاعفة. وكان سعيدا ومتفائلا حتى لحظة غيابه المباغتة والتي لم يكن ينتظرها ابدا. وفي الواقع، اظهر الفنان بعض التباطؤ في الانتاج الشخصي خلال الفترة ما بين 1987 و1991. الا ان هذا الحال كان اولا بسبب انهماكه في الرسم المسرحي الذي، كالعمل الصحفي بالنسبة للكاتب، يسرق الطاقة والافكار ومزاج المغامرة والاغواءات الحميمة الاخرى. وكان ثانيا بسبب فكرة غمرت عقله من كل الجهات تقول بعدم ضرورة اقامة المعارض، بل عدم ضرورة الرسم، اذا لم يكن لدى الفنان جديد حقا يرسمه او يعرضه. وهو تحديدا "اللوحة اللوحة" التي هي العمر كله والتي كان يحلم ان يضيف من خلالها شيئاً للفن التشكيلي اجمالا، اذ ليس الفن التشكيلي العراقي ما كان يريد التحدد بأطاره. لوحة واحدة هي الهدف الاسمى في نظره، وليس معرضا يضم عشرات اللوحات الاخرى المكررة والتي هي محض حشو: لم تعد القضية الجوهرية تكرار تجربة او نيل شهرة او جذب اعجاب آخرين انما الفن التشكيلي لذاته وبذاته. حتى النجاح الكبير الذي حققته لوحات معرضه "جسور" في 1992 الذي استلهم فيه فاجعة الجسور العراقية المدمرة في "عاصفة الصحراء"، الامريكية، وعرض التلفزيون الالماني فيلما عنه، لم يغير لديه شيئا عن فكرته عن تلك القضية الجوهرية. لكنه لم يهجر العمل الفني التجريبي في نفس الوقت. في احاديثنا خلال زيارة قصيرة لي الى برلين مطلع عام 1994، اكد لي بحضور العزيزين حميد الخاقاني وحسين الموسوي انكبابه على مشاريع فنية جديدة وعديدة من بينها تنفيذ ساحة عامة وتمثال ضخم بعنوان "المناجل" كان قد فاز في مسابقة اقامتها العاصمة الالمانية العائدة برلين. وقبل ايام من وفاته طلب مني ان ابحث له عن مطبعة لطباعة دليل معرض رسم كان عازما على اقامته في نفس العام في برلين وقد اتصلنا بالفعل من اجل ذلك بمطبعة عربية في لندن وكان ينبغي ان يأتي هو نفسه الى العاصمة البريطانية في منتصف تموز 1994، ضمن فعالية لجمعية الفنانين العراقيين في بريطانيا كان قد ارسل موافقته سلفا على المشاركة فيها، ووضع حتى برنامج الزيارة. بالطبع لا أجرؤ على اصدار تقييم واف على اعماله الفنية لأنني لا امتلك تأهيلا في هذا المجال. لكن نفوذ وكثافة ما تركه احمد امير من لوحات وتخطيطات مقتناة يكفي بحد ذاته للدلالة على ثراء نوعي وتميز. وفي تصوري من الصعب تقييم فنه مستقبلا بشكل دقيق. فلوحاته التشكيلية مبعثرة ومجهولة العناوين بمعظمها كما انه لم يترك مقابلات صحفية كثيرة حول فنه، حيث كان يتهرب من المقابلات الصحفية او يحاول تقديمها مختزلة جدا عندما يضطر الى ذلك. وعن معارضه لم يطلب احمد من احد ان يكتب بما فيهم اصحابه الاكثر قربا من النقد والنشر والصحافة. الا انه كان يشعر بغبطة عميقة عندما يعرف ان صديقا حميما له ذكر لوحة له او كتب شيئا عنه بمحبة. اما عن مسيرته الفنية فلم يتحدث لأحد مدفوعا بغاية مسبقة كالتباهي او حب الظهور او حتى مجرد التعريف بالنفس باستثناء تأكيده ان ابيه واخيه حيدر كانا اساتذته الاوائل مرسلا صورته صبيا على شكل كارت بريدي وهو منهمك في الرسم. وكل ما استطعت ان اعرفه عن تلك المسيرة الفنية وصلني من خلال متابعة مشاريعه مباشرة او من خلال متابعة الاصدقاء لها او من دليل معرض وقصاصات جرائد عثرت عليها في مناسبة او اخرى. اما هو فلم اجد بين اوراقه الا بعضها ومبعثرا عشوائيا بين التخطيطات. وفي الشعر ايضا لم يتوقف احمد عن الكتابة وآخر قصيدة له املاها علي عبر الهاتف قبل ايام من وفاته وكانت بعنوان "صبر الشجرة".
انتهى
#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بين احتلالين: 11 آذار 1917 - 9 نيسان 2003
-
المثقف بين الحلم وخيانة الذات
-
حلبجه 88
-
مئات القتلى في حرائق سجون عربية وشكوك حول الروايات الرسمية
-
الايام...
-
رحيل عبد الرحمن منيف روائي الصحارى المتخيلة
-
الديمقراطية الدستورية في العراق وهشاشة التأسيس
-
العراق واوهام العرش الفارغ الاحرى بالعراقيين استلهام النظم ا
...
-
وجها لوجه مع قوات الاحتلال الامريكية في العراق
-
الفلسفة ليست غير الحرية في تعريفها الاول والاخير والاسمى
-
اوليفيه روا: -عولمة الاسلام- تجري بسرعة وكذلك فشل الاصولية
-
الترجمة الفلسفية إلى العربية ونحو فلسفة للترجمة
-
تناقضات التأسيس الأرسطي لمفهوم الاستبداد الآسيوي
-
سلطة الرقيق او الاستبداد التابع نظام البعث العراقي نموذجا
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|