|
جولة في مصايف هيت
هندي الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 17:51
المحور:
الادب والفن
((انا متاكد لو جمعنا دموع الذين بكوا حسرة على زوال النواعير لكان نهرا يكفي ان يعيد دورانها من جديد ويعيد العزف لتلك القيثارة الخالدة قيثارة النواعير ..)) .
هي أحلام وأحلام ممكنة لأعمار هذه المدينة... هي امنيات تراود كل الهيتاوين ... كنت اجلس أمام ناعور في مدينة حما السورية أخذتني الذاكرة إلى نواعير(( قندي والكبانية)) ونواعير ((التربة)) في هيت... كانت قطرات من الدمع تنزل على وجهي دون شعور حتى أيقضني شيخ سوري قائلا لي... ما يبكيك ايها الغريب؟؟ ولما أحسست بوجوده قربي .. قلت له يا عم ما يبكيني هو نواعير عشت جنبها في مدينتي أجمل واعرق من هذه النواعير لكنها ماتت ويبست وتوقفت عن العزف بسبب جهلنا وعدم تقديرنا لعظمة ما شيده الأجداد قبل الاف السنين... تركت الرجل وتخيلت هيت لو بدأنا نعيد ما دمره الدهر لتعود البسمة والاناقه الحضارية لهذه المدينة التي اعشقها حد الجنون ... اعذروا دمعات انسكبت في الغربة ..ولتتحملوا هذا الوجد والعشق والحلم الذي أخذني الى المستقبل الى عام 2020لاقرأ مقالة عن واقع مدينة هيت في مخيلتي التي ستكون ...!!!!! اعذروا أحلامي ..
جولة في مصايف هيت
((علي الهيتي )) (صحفي مهاجر)
بدعوة من مجلس بلدية هيت زرت مدينتي بعد غياب طال اكثر مما كنت اخطط له لاسباب تتعلق بعملي في البلد الذي اقيم فيه..وعند وضع اقدامي على ارض هذه المدينة أحسست بتغير لم أكن احلم به.. حيث العمارات العمودية الحديثة والشوارع النظيفة والحدائق والمتنزهات منتشرة في كل حي وشارع مررت به.. اول منطقة فكرت بزيارتها هي عين هيت.. تلك العين الطبيعية التي بدأت بالعطاء والتدفق من باطن الارض.. ماءا ساخنا وقارا اسودا وغازات منذ الاف السنين كانت قد أغرت الإنسان الأول للسكن والعمل والاستقرار .. العين التي كانت مهملة كباقي اجزاء المدينة حيث كانت على شكل حفرة يتدفق منها الماء والقار والغاز وسط منطقة سوداء غير منتظمة ولا ترى اي تدخل للإنسان فيها لكن حين وصلتها لم اصدق عيني.. أيعقل ان تتحول تلك المنطقة المهملة الى حمامات انيقة تحيطها حدائق خضراء.. وكازينو يطل على منبع العين تستطيع بسهولة ان تصل الى المنبع يذكرني بايام الشباب حين كنا نزور هذا الينبوع لإشعال الغازات المنبعثة منها بمجرد رمي عود ثقاب على منبع الماء لترى شعلة من النار تتصاعد مع المياه المنبثقة من الاسفل. لقد تحولت هذه المنطقة من المدينة الى منطقة جذابة للسواح وللمرضى.. كم كنا نحلم في السابق ان تتحول هذه الثروه الطبيعية الى مشروع يمكن ان تستفيد منه المدينة وها هو حلمنا يتحول الى واقع ملموس.. فحمامات السباحة والكازيونات تستقبل عشرات الزوار يوميا للعلاج والاستحمام بالاضافة الى اقامة معمل بعيد عن المنطقة لغرض استخراج مادة القير والاستفادة منها لكثير من الاغراض الانشائية ..من العين التي كانت علامة فارقة للمدينة توجهنا الى قلعة المدينة التاريخية التي تطل على الفرات وكانت قبل سنوات هي مركز المدينة او هي كل المدينة تحتضن كل ابناء هيت ببيوتات لا تزيد مساحة اكبر بيت عن 70متر مربع مصممة بطريقة يمكن ان يعيش في كل بيت اكثر من عائلة..لكن تزايد سكان المدينة وتوزيع الاحياء السكنية الجديدة شجعت كثير من ابناء القلعة الى الهجرة والسكن في تلك الاحياء الجديده وبعد سنوات لم يبقى في هذه القلعة سوى عوائل قليلة استمرت بالعيش في هذه القلعة لظروف اقتصادية. ونتيجة لذلك تحولت تلك البيوت الى خرائب تدمي القلب لمن ولد وترعرع هناك بين تلك الازقة الهادئة خاصة بعد ان قامت الدولة بهدم بيوت من القلعة وشق شارع بمحاذات النهر يربط الباب الشرقي بالباب الغربي من القلعة مما شوه الوجه التاريخي لهذا المعلم الذي يزيد عمره عن خمسة الاف عام... لقد اعيد بناء بيوت القلعة على نفس الطراز القديم وقد استخدمت مواد البناء التي كانت تبنى منها البيوت في السابق وهي الحجر والجص واعيد بناء البيوت والازقة التي ازيلت قرب النهر واستخدم القسط ( قير يستخرج من عين المرج وهو اكثر كثافة من القير الذي يستخرج من عين هيت والذي يسمى ب(السيالي لانخفاض كثافته) لاكساء شوارع القلعة واعيد نظام الانارة للشوارع كما كان في السابق .. حين تجولت في القلعة وازقتها وبيوتاتها احسست كأن الزمن عاد بي الى اواسط القرن الماضي حين كانت هذه القلعة تعج بالناس .. كنت احس وانا اتجول وسط تلك الازقة وكاني اسمع صوت طبل عبد عوينة وهو ينادي الصائمين لتناول وجبة السحور في رمضان المبارك وكاني اسمع تحرشات الشباب بدلي وشتائمه التي يطلقها عليهم .. اسمع اذان نجم النعمة من مأذنة الفاروق وخطبة الشيخ ضياء الدين الخطيب.. فعلا لقد استطاع فنانوا هيت ومهندسيهم من اعادة روح القلعة الى ما كانت عليه وقد تحولت هذه المنطقة الى منتجع سياحي يشرف عليها مجلس البلدية حيث حولت البيوت الى منتجعات سياحية للذي يريد ان يقضي ليله هيتاوية اصيلة في نوم القيلولة والعشاء والمبيت على السطوح قرب ( الشربة الفخارية وماء الحب البارد).. واللطيف انك تشاهد الهيتاويين قد بداوا يستاجرون تلك البيوت لقضاء اسبوع الزواج الاول للشباب المتزوجين حديثا واقامة حفلات الزواج كما كانت تقام ايام زمان.. حيث تبدا الزفة من منطقة الشاقوفة وسط هوسات واغاني هيتاوية تراثية جميلة وهم يرفعون الفوانيس متجهين بالعريس مشيا على الاقدام الى عش الزوجية في احد بيوتات القلعة.... ومن الباب الغربي بوابة القلعة الغربية يطل عليك مكان اول مشروع لتنقية المياه في هيت الذي ارتوت منه اجيال من الهيتاوين ..تركوا هذه البناية مع معداتها القديمة تحتفظ بزهو الماضي لتكون اشبه بمتحف يذكرك بتلك الايام القاسية والجميلة عند الهيتاوين خاصة وهو يجاور مكان الشاقوفة الاولى حين كان ( غفير وابراهيم العفيدلي) صاحب ومؤسس الشاقوفة يضم بين ثنايا قلبه الرهيف سر الرعيل الاول من الشباب المثقلين بهموم مدينتهم ووطنهم.على جانبي الشارع الذي يربط الباب الغربي بالشاقوفة الاولى و الشاقوفة الحديثة قرب دالية نواعير قندي اشجار من السرو والدفلة وشجيرات الاس التي قصت باشكال جميلة متناسقة مع مويجات الفرات وهديره الهادئ..وانت تتجه غربا يطل عليك بعد ان تجتاز مشروع الماء تمثال (غفير) الذي صممه احد فناني المدينة الذي تربى وتعلم الدرس الاول في هذا المكان تخليدا لذلك الرجل الذي ربى وعلم اجيال من الطلبة والشباب وهو ينتصب في مكان الشاقوفة القديم يجاوره ذلك البناء البسيط يقال انه يمثل شكل المقهى الذي كان يشغل هذا المكان في القرن الماضي وهو عبارة عن بناء بدائي بالحجر والجص مسقوف بالخشب وسعف النخيل ووضعت بعض التخوت بتصميمها القديم وبعض الاواني مثل حب الماء والدلو المعلق بها (وهواناء مصنوع من خوص النخيل مغطى بمادة القار يستخدم لشرب الماء) وبعض العدد الاخرى التي كانت مستخدمة في تلك المقهى.. على يسار هذا المكان وانت تتجه غربا تمتد حدائق ومروج خضراء بإزهارها الجميلة وشجيراتها المتناسقة حتى قبة ((ذياب)) على شارع البساتين تمتد غربا الى دالية قندي التي عيدت لها تلك النواعير وكأنها في ستينيات القرن العشرين.. تسمع أنينها وسيمفونيتها التي تعزف مع دورانها المستديم بذلك اللحن الحزين الذي كان يعكس ماسات وحزن اهل المدينة في تلك الفترة المظلمة.. رائحة الإزهار والورود المنبعثة من هذه الحدائق التي تكون حزاما جميلا للمدينة والتي انشات حديثا تبهرك خاصة مع هذا الزحام للعوائل ومجموعات الشابات والشباب وهم يتجولون في هذه الجنائن الجميلة او يجلسون في تلك الكازينوات التي صممت لتحافظ على طراز المقاهي التي كانت مشيدة في المنطقة قديما. ويضفي لجمال هذه المتنزهات تلك النافورات المائية وسط هذه المروج وفي النهر وهي تشق عنان السماء بمياهها واضويتها الخلابة لتعطي مع حركة النواعير وشمس الغروب الاتية من خلف أشجار النخيل لوحة رومانسيه تجعل القلب يترنح طربا وتعطيك شعورا بالراحة الابدية يقودك الى ان تكمل المشوار وانت تسير على الجسر الذي أنشئ حديثا ليوصلك الى تلك الجزرة الجميلة وسط النهر والتي يسمونها (الحويجة) هذه المنطقة التي تحولت الى جنينه يصعب على الإنسان العادي وصفها .. إنها قصيدة رومانسية لأحد شعراء الغرام.. في وسطها يعلو ذلك البناء الجميل لفندق الشاقوفة بطوابقه العشرة وهو يشرف على تلك البساتين والمروج يحيط به الفرات من كل الجوانب.. صممت ارض الحويجة التي تحيط بالفندق باشكال هندسية بديعة زرعت بانواع الزهور الخلابة والتي تذكرني بتلك المعارض التي كنا نقيمها ايام الدراسة الجامعية في عيد الربيع خاصة مجموعة الزهور التي تشكل علم العراق الجديد امام بوابة الفندق.. أنشئت على ساحل الحويجة ومع النهر مطاعم تقدم السمك المسكوف وكباب ((حمد)) المشهور و بعض الأكلات الخفيفة التي يطلبها الشباب وهم في تجوالهم اليومي وسط هذه الحدائق والمتنزهات او خلال جولاتهم النهرية وهم يستقلون المركبات الصغيرة لتأخذهم في جولات نهرية جميلة . من الجهة الشرقية للحويجة أنشئ مقهى جميل يطل على قلعة المدينة وهي تتوسط مئذنة جامع الفاروق بتلك البيوت الصغيرة بمساحتها والكبيرة بحنانها وأصالتها حين كانت تضم ابناء المدينة بدون تمييز بين عربي او كردي مسلم او يهودي سني وشيعي تجمعهم انسانية وعراقة هذه المدينة.. والى الجانب الاخر للنهر ومقابل القلعة تصلك تلك الموسيقى الحزينة وهي تنساب مع جريان الفرات من نواعير التربة التي هي الاخرى أعيدت الى ما كانت عليه في السابق تزينها تلك النشرات الضوئية وحركة الناس وهم يتجولون او يجلسون قرب النواعير منتعشين بأجوائها ومياهها المنعشة.. وبين منظر القلعة وانغام النواعير تتراقص مياه النافورة الخلابة وسط الفرات في جو من الروعة والجمال يمنعك من مغادرة هذا المقهى قبل بزوغ الفجر ....شكرا لشباب هيت من مهندسين ومعمارين وفنانين شكرا للمجلس البلدي .. شكرا الى كل اهالي هيت وهم يحققون أمنيات كانت تراود جيل كامل من الهيتاويين للتطوير وللحفاظ على معالم مدينتهم التاريخية.. المدينة التي علمت العالم الحرف الاول في التحضر.. 1/4/2020
#هندي_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تترحموا على سارقي الاكفان
-
صباح الخير يا تموز
-
الشاقوفة دراسة في المكان
-
عالم بلا عراق
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|