|
اللغة المقدس المدنس- الجسد الإنكليزي لا يزال محض بذاءة
صخر الحاج حسين
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 12:55
المحور:
الادب والفن
اعتبرت المسرحية الكوميدية الفارصية[1 «من فضلكم الجنس ممنوع! نحن بريطانيون» واحدة من أكثر المسرحيات التي جسدت على الخشبة نجاحاً في لندن في الثمانينيات من العقد المنصرم . يلخص العنوان النظرة الأوروبية المُنمّطة للحياة العاطفية والإيروتيكية للبريطانيين، كما أنه يعكس أيضاً موقف البورجوازية البريطانية حيال نفسها، وتحفظها حيال حياة المشاعر والعواطف. هو ذا توسكر سمالي بطل رواية باول سكوت «المكوث» يكتب لزوجته التي يحبها و التي يعاملها بشكل سيئ. «لا أستطيع أن أتحدث عن هذه المسائل وجهاً لوجه كما تعرفين. ومن الصعب أن أكتب عنها... ولا أريد أن أناقشها». إن الكبت وليست النشوة هوي ما يسعى إليه العشاق البريطانيون فقد أقصيت لغة العاطفة بصعوبة غير عادية. ربما لا يصدق هذا في القارة الأوروبية لكنه يصدق في بريطانيا إلى درجة كبيرة. لقد قدمت البورجوازية البريطانية نفسها منذ العصر الفيكتوري على أنها الطبقة البيضاء الشاحبة النظيفة الطاهرة. منطقة الأنا الأعلى. طبقة فوق الشبهات، بالرغم من أن حزب المحافظين كان يتعرض لفضائح من حين لآخر. ففضيحة «بروفومو» (رئيس حكومة يشارك أحد الجواسيس في عشيقته) لا تزال ماثلة في الأذهان. وهناك العلاقة الأكثر شهرة التي سميت بقضية سيسل باركنسون والتي حنث فيها رئيس حكومة بريطانية بوعده من أن يتزوج بصديقته التي تحمل جنينه في أحشائها. ربما في بريطانيا فقط يمكن أن تكون هذه الحوادث فضائحاً. وإذا كان الجنس موضوعاً لا يمكن الخوض فيه عند البورجوازية البريطانية فإن الحال ليست كذلك عند «الجماهير» هناك والتي سجلت صحافتها و بتفاصيل داعرة ثقافة وفولكلوراً جنسيين ما يمكن أن نسميه ثقافة قضيبية عدوانية. فالمرأة العارية تُقَدّم بوصفها طبق اليوم. وإذا كانت البورجوازية البريطانية قدَّمت نفسها في منطقة الأنا الأعلى فإن الجماهير البيضاء الذكورية هناك قدمت نفسها على أنها تقبع في منطقة» الهو». إذ ظلت صحيفة «ذِ نيوز أوف ذِ وورلد» لسنوات عديدة تتباهى بأنها الصحيفة الأكثر مبيعاً في بريطانيا وكانت تصدر أيام الأحد بقصد إمتاع جمهور القراء في وقت الفراغ. وتراوحت موضوعاتها ما بين أخبار الطلاقات وجرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية. «جميع أشكال الحياة الإنسانية ترونها في صحيفتنا» كان هذا شعارها. لكنها سرعان ما انتقلت إلى ميدان الدردشة الجنسية وركزت على موسيقا البوب ونجوم التلفزيون. لكن وجبتها الدسمة تلك باتت أغنى بوصول الصحيفتين اليوميتين «ذِ السن» و «ذِ ستار» اللتين بالغتا في تقديم ما سمي بالاستثمار الجنسي للعري. أما المجلة الجماهيرية الأخرى نصف الأسبوعية « ذِ سبورت» فقد كرست نفسها كلية لأخبار الجنس والفضائح التي ترافقت مع بعض الأخبار الرياضية الهامشية. كما حملت على صفحاتها الخط الساخن أو ما يسمى « هانكي ـ بانكي» و«الوايت بانكيز» و«الريد تشيكس» والذي كانت تكلفته تقارب ثلاثين بنسا للدقيقة الواحدة. ومن بين القصص التي أوردتها هذه الصحيفة كانت قضية الدي جي إرنست هو زوجته في ما يتصل بالممارسة الجنسية وبمجموعة غريبة من الفاكهة والخضار ومواد منزلية أخرى، كما ورد في المحكمة. كأنهما كانا يستذكران قول أندرو مارفل الشهير: «يا عشقي يا خُضاري، سوف تكبرين أكثر من الامبراطوريات جميعها». وهناك مثال آخر ودائماً في صحيفة «ذِ سبورت». ففي المحكمة ورداً على سؤال طرحه القاضي على الزوجة، إن كان زوجها يداعبها ويقبلها أثناء الممارسة ردَّت : «في الواقع لا». فالفعل الجنسي والقوة هي المتعة الأبدية بينما تبقى الملاطفات الجنسية في خانة هدر الوقت. ولمن يشاهد أفلام البورنو البريطانية سيما سلسلة « جيم سلب» و «برتش سلتس» سيرى ذلك بأم العين. فلن يرى هناك سوى صرخات و حركات سريعة وقذف أسرع. لقد عبر جورج باتاي عن ذلك بقوله: «إن النزعة النفعية في النشاط الجنسي تقع في صراع مع الإيروسية». تسويق جنسي ومضت هذه الصحف لتؤكد على الطبيعة الكئيبة للمعايير الجنسية السائدة بين صفوف الجماهير البريطانية. لقد اشتغلت صحيفة «ذِ سبورت» بوصفها أداة تسويق لفعل جنسي جديد To bonk ويعني بالحرف « يجامع» والذي يعبر عن الفعل الجنسي واشتقت منه الصفة bonking و التي تعني «الفحل». وألصقت هذه التسمية ببطل التنس العالمي بوريس بيكر الذي بات يلقب ببوريس الفحل The bonking Boris لمجرد أنه كان يُقَبَل صديقته أمام الجماهير في بطولات ويمبلدون. إن ثقافة طبقة العمال ثقافة ليال السبت وأيام الأحد المخمورة. ثقافة القتال بالقبضات تبقي على تشابه كبير مع ثقافة الكبت التي يجسدها توسكر سمالي بطل رواية «باول سكوت» فكلتا الثقافتين تنبنيان على نكران قوة لغة التواصل والمشاعر. ثقافة العربدة هذه ما هي إلا تحويل أو قلب لثقافة البورجوازية البريطانية التي تعتمد الكبت فالثقافتان مبنيتان على المقدمات الوجودية ذاتها وعلى إحساس مشترك بالذات وعلى الخوف من إطلاق المشاعر للعنان. فبإمكان المرء أن يفسر لماذا تأتي النشوة لكن ليس بإمكانه أن يشرح لماذا تذهب. وتبقى الثقافة الجنسية البريطانية تعبيراً عن طقطقة أجساد ابتعدت عن الروح. واتخذت لغة لا نراها إلا في ملاعب كرة القدم. وإذا كانت هناك من هوة تفصل ما بين الحب المقدس والحب المدنس، فهي تلك التي تمَسّك بها كل من بيير باولو بازوليني وأقحم فيها جان جينيه نفسه . يتم التعبير عن الحب المدنس في الغالب بالإلماحات حيث نبرة الصوت وحركات الجسد تلعب ما لها من أدوار، وهنا لا يصح لها أن تكون لغة التواصل بين البشر ذلك أنها ليس لغة الحب العذب، بل هي لغة النزعة السوقية. عشيق الليدي تشاترلي عندما حاول د. اتش. لورانس أن يستخدم لغة الجنسانية البروليتارية في اللغة الإنكليزية بغية تفعيل حراك الطبقات في روايته عشيق الليدي تشاترلي، ضَلّ الطريق. فقد أثبت أنه من المستحيل أن ينظف المرء كلمات العنف الهائج التي خضعت لألفية كاملة من الاستخدام. ذلك أنها سلاح رئيس لتوحش اللفظ وغبائه. لكن لورانس كان قد أفلح عندما أراد أن يعيد الأسماء والأفعال القديمة في اللغة الإنكليزية إلى معناها القاموسي، بغية خلق شيء غريب وغير مألوف. لقد ذكّرنا بأن كلمات ومفاهيم شأن: نساء، أعضاء التناسل، دماء بالإضافة إلى الصفة fucking المشتقة من الفعل fuck باتت كلمات محرمة وبذيئة، رغم أنها كانت في سالف الأيام كلمات مقدسة. وعليه فإن اللغة التي تستخدمها جنسانية البروليتاريا في الإنكليزية هي نوع من التجديف، لكن أثرها كسباب وشتائم تجاوز أثرها كتجديف. فكلمات شأن: Fuck مثلها مثل Shit صيغة تعبر عن التعجب أكثر مما تفعله كلمة damn. وعبارة For fuck"s sake هي أقوى من عبارة For God"s sake وهنا يغيب المقدس رغم أن ذكره موجود في الجملة لتحل الشتائم والسباب محله. لا بد من القول إن البريطانيين لا يملكون فكرة واضحة عن المقدس بوصفه نوعاً من مقولة. فكلمة passion في الإنكليزية التي تعطي عدداً من المعاني «آلام، عاطفة، هوى، انفعال، غضب، توق، رغبة» جرّدها البريطانيون من معانيها، وأكسبوها أخرى ترتبط بالجسد. ففيها تغيب الأضداد ويختلط «الموت والحياة، والزمن والخلود»، كما عبر أوكتافيو باث عن ذلك بقوله «لا أريد أن أدخل في جدال يتناول هذه الكلمة». لقد فقدت هذه الكلمة أي أثر لاتيني لها في اللغة الإنكليزية و تخلت عن كل ما يربطها بالآلام والمعاناة. وجُعلت ترتبط بالجنس بشكل أو بآخر. وفي بريطانيا ليس هناك من إرث مرئي يتصل بعصر النهضة الذي جسد الحب المقدس والمدنس. وتخلص الإصلاح والحرب الأهلية الإنكليزية من أي إمكانية لأي نوع من التأمل اللاهوتي في الفن، فالعقيدة البروتستانتية لم تقر أي نوع من التصوير. فجسد المرأة العاري في بريطانيا يبقى محض بذاءة فاقعة. ذلك أن الثقافة هناك لا تزال ثقافة فلاحية . لذلك، من الصعوبة بمكان أن يلتقي مفهوما المدنس والمقدس في الإنكليزية بغية خلق حالة التسامي كما تجسده عبارة amour fou الفرنسية والتي نادى بها السورياليون. وبالفعل ليس هناك من ترجمة تعادل تلك الكلمة أو تعطيها حقها في اللغة الإنكليزية. فعبارة Mad love أي «الحب الجامح» لا تُعادل العبارة الفرنسية على نحو كامل بما أنها تحتوي على حكم قيمة ضمني. كما أن هناك مساحة معينة في الحساسية القومية التي يمكن أن يقبع فيها شواش كبير في الأحاسيس والمشاعر. فكما قال أندريه بريتون لطفلته الصغيرة: «أريدهم أن يعشقوك بجنون» وفي يقيننا هذا ما لا يريده البريطانيون لأطفالهم. [ Farce كوميديا هابطة
#صخر_الحاج_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|