أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - زمن الرحلة















المزيد.....



زمن الرحلة


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


1 ـ زمن الرحلة
***

حتى ُيرخيَ زورقٌ مشاكسٌ على جسدِ البحرِ عجيزتَه .
وحتى ينسحبَ الموجُ تعِباً من ولوجِ السواحلِ ، أظلُّ مشدوداً إلى أفقٍ مبتهجٍ ، منتظراً طلعتَكِ وأنتِ كالشمس تضحكين .. ومثلها تميسين ومثلها تبرقين .
وحين يا زهرتي الممتلئة من دون الأقمارِ عليّ تقبلين وعلى جسدي بريقَك تريقين أو ريقك
المسحور تسكبين .
وحين تأخذُنا لحظةٌ من اللاوعي طويلة تمتدّ حتى تخومِ الصبحِ أو حتى حدودِ السجودِ الأخير في رحلةِ العمرِ ، ترفعنا عطسةُ نجمةٍ أغدق عليها النعاسُ من نداه ، إلى هضابٍ لا نوم فيها ، عليها نمحو تضاريسَ أجسادِنا وفوقها ننمو كما تنمو على الصخورِ طحالبُ وحين تبدين خجولةً كإله عاد توّاً من جمعِ توتِ القمرِ وحين عن عنقِك المجنونةِ شالك المسحور
ترفعين وحين أصرخُ لوعةً لتأخذيني وحين
تصرخين اشتياقاً لآخذك
وحين تأخذينني أو آخذك
وإليكِ أتسلقُ في العتمةِ هامةَ الليلِ وإليكِ أطوي المسافاتِ فأصعد ساريةَ السفينة ، ربما غفل النوتيّ ودبّ على جسدِ البحرِ خدرٌ فنام قبل بحّارتِه البحرُ
إلى مخدعِك هل تسابق الحوتُ ؟ وإليكِ هل وصلتُ لأحلَّ ضفائرَك وفي كنفِها أسهرُ ما تبقّى من زمنِ الرحلةِ ؟
كم تمنيتُ لو نام البحرُ نومةً أبديةً كي لا يسمعَ وقعَ خطاي ويُعلن النفيرَ أو يفتش السفينةَ .


2004 ـ 9 ـ 15

***
2 ـ شجرة آدم
***


أنبأنا حين مرّ إلى جوارِنا
الفراتُ أنّ ماءَ الليلِ لا يمحو الأثرَ
وشجرةَ الزهو التي عصفت بها الريحُ واعتلاها طائرُ الرملِ
لم تُرو بندى الحدائق
ولم تكن لآدم حين توسّد ظلالَها
أنبأنا الفراتُ ، بعد أن صرنا في ضيافةِ القمر ، وقال :
إنّ المقامَ ما بين البصرة وبرلين يطول
وإنّ ليلَ الضيافةِ قصير



2004 ـ 9 ـ 16

***
3 ـ معبود
***

كلّ الآلهةِ
تنطقُ في السماء
إلاّ أنتَ
تنطقُ في الشرفةِ المقابلة


26 ـ 8 ـ 04
***
4 ـ حكاية من أرض الشام
***


مررنا مصادفةً بعرسِ حمام ، كنّا على مسافةِ بحرين من أرضِ الشام .
خُذي نَفَساً آخر من تبغِ الليلِ
فأرضُ السوادِ مخيفة و واسط منذ ليالٍ تركناها
فوجدنا على سريرٍ غامضٍ هديلاً يتنفسُ وقتاً مرّاً و ورقةَ توتٍ سوداء يحرّكها الهواءُ
خُذي جرعةً أخرى من خمورِ الشام
حينما مررنا مصادفةً بعرسِ حمام و وجدنا ، في الغرفِ الفارغة إلاّ من أسرّةٍ مهجورةٍ وستائرَ ملونةٍ ، طيفَ رئات
ولم نرَ جالساً يحاكي الليلَ وينشدُ طلعةَ الفجر
أكرمنا الحفلُ
وزقّنا من خموره زقاً
خُذي معنا جرعتين
واقنعي القمرَ
أنْ يقصّ علينا زمانَه في ليلةِ صيفٍ
سكرنا وبنا على الأسرّةِ التي لم نشمّ منها رائحةَ العرسِ طاف الحمامُ
خُذي نشقةً من عنقِ حبيبٍ
وبادليه الحريقَ
فنحن ما زلنا ضمن جيش عبدالملك بن مروان
ما بين الشام و واسط
يطوفُ بنا الحمامُ
وبالطريقِ نمرّ مصادفةً


2002 ـ 11 ـ 16

***
5 ـ صانع النجم
***


ها قد طلعتْ نجمةُ الصّبحِ
يا صانعَ النجومِ
إنْ أَفِلَ نجمٌ
فالسماء بالكواكبِ تتبرجُ

أكتوبر 2007

***

6 ـ حيرة الندى
***

في اليومٍ الرصاصيّ البهجةِ
تساقط ، بمنزلةٍ ما بين منزلتين ، الحبٌّ
كان ما بين رذاذٍ وندىً
في أرقى روعةٍ كان
فوق الهمسِ وتحت الصراخِ
اليوم على هامتي هطلَ الحبُّ

27 ـ 10 ـ2007
***

7 ـ القاطرة والغجري

في عربةِ الدرجةِ الثانيةِ
مِن قطارٍ ماضٍ في اللامعنى أو إلى منفاه
في العربةِ الثانية
أصدرَ الكلبُ الرابضُ أمامي أنيناً مكتوماً
أنيناً يقطعُ نياطَ القلبِ
فيما صاحبُ الكلبِ بشربِ الجعةِ منشغلُ
في العربةِ الثانيةِ
نساءُ لم يغادرْنَ دفءَ الفراشِ
ولا عبثَ زينةِ المساء
فصرْنَ يتعثرْنَ بين الأجفانِ كلّما احتربَ الرمشُ
في العربةِ الثانيةِ
تجلسُ النسوةُ اللاتي ملأن المقاعدَ
وبنشوةٍ فاجرةٍ اشتبكت أفخاذُهنَّ
عطّرْنَ المكانَ برائحةِ الأجسادِ الدافئةِ
في القاطرةِ التي ستصل ذات محطّةٍ
تنبثقُ كلُّ الأشياء
في القاطرةِ التي مسّها الإهمالُ
ينامُ الغجريُّ ممدداً ككلبِ الأنينِ
ويُصدر أنيناً حزيناً ككلبِ الأنينِ
في القاطرةِ المسافرةِ نحو المصيرِ الأخير
يرحلُ المسافرون في ظلامِ الدرجة الثانية بلا أنين


برلين
24 ـ 10 ـ 07
***
8 ـ في المترو
***

لا أُريدُ لهذه الرحلةِ السعيدةِ أنْ تنتهي
فالمرأةُ التي جلستْ أمامي
اختطفت كلَّ الرحلةِ واستولتْ على جسدِ المشهد
المرأةُ التي أشرقتْ بالموجِ الأزرق عيناها
عطّلتْ كلَّ الرؤيةِ خارج محراب المعبد
ومن فتنتِها لم يشبعْ أحد
هذه المرأةُ التي طلعتْ في سماءِ المترو
والتي بسقتْ في أرضِ المترو
أمامها
أمام عينيها
أمام حديثِها .. أمام قامتِها .. أمام هديلِها
لم يصمدْ أحد
هذه المرأةُ يا ربّ الفتنةِ
مثلها لم تُخلق امرأةٌ بعد
وأنا لا أُريدُ لهذا المشهدِ أنْ يرحلَ
لا أُريدُ للرحلةِ أنْ تنتهي


29 ـ 10 ـ 2007
***
9 ـ الغيلان والغزاة
***


مِن عتمةٍ في البرّيّةِ .. مِن عمقِها المجهولِ
أو مِن وراء آخر البحارِ
مِن أقصى نقطةٍ في الشهيقِ منقطعةِ الزرقةِ
مِن خلاء موحشٍ كأنه اللاشيء
أو مِن ثقبٍ في الهاويةِ المطلقةِ
من مكانٍ ما
مِن وراء التخومِ المُتَخَيّلةِ
مِن وراء الأفقِ الحاسرِ التفكير
مِن اللامكانِ
تأتي ، قبلَ الغزاةِ ، غيلانُ مكتومةُ الأنفاسِ
وفي طقسٍ راقصٍ تحت فجورِ الليلِ
تحلبُ همجيةَ الظلامِ
وأثداءَ الوحشةِ المسحورةَ
قيل إنها من آخر البحارِ ، التي قايضتنا المهجر بالوطنِ ، قبل أعوامٍ خرجت ثم نحو العراقِ ظلّت تزحف وبالقربِ من حدودِ الله وجدت واحةً فاستراحت
هي بأرضِ السوادِ تربّصت
مِن البرّيّةِ الشّقيةِ
أو مِن جبالٍ لا ترعى حرمةَ الوثيقةِ
مِن الصحراء الصادحةِ بكلِّ وحشةِ الليلِ
تأتي قبلَ الغزاةِ غيلانُ
فيما نحن نطحنُ أوراقَ العراقِ برحى الخيانةِ
وتحت الندى .. في أرضِ السوادِ
نفرشُ بالسجّادِ أرضاً لسهرةٍ قادمةٍ
ونطلبُ من صبايانا أنْ يعطرْنَ مخادعَ القومِ
ويثرْنَ في الهزيعِ الأخير شهوةَ الموتى
مِن نفقٍ لا ندري منه البدايةَ ولا نعرفُ عنه النهايةَ
يدخلُ خلفَ الغيلانِ غزاةٌ :
أمريكيون ، بريطانيون ، استراليون ، بولونيون ، اسكندنافيون ، سلافيون ، طليانُ ، فرسٌ ، أكرادٌ ، أقوامٌ بيننا تشجّرت وأنصافٌ كمنوا حتى لحظةِ الوقيعةِ
مِن كلِّ جهاتِ الريحِ تأتي الغيلانُ
ويأتي الغزاةُ
وتأتي دوابُ الأرض .
تدخلُ أرضَ السوادِ لترعى
فيما نحن نهتفُ
بطائرِ البرّيّةِ المُخْتَبئ في الريحِ :
يا طائرَ الريحِ
احملْنا على مهلٍ

27 ـ 10 ـ 2007
***

10 ـ حَيْرَةٌ على الكسندر بلاتس
***

شبحُ الشاعرِ حادَّ النظرةِ كان
أين ؟
في الميدان ، الكسندر بلاتس وسط برلين ، الذي أوغلَ في تدميرِ الذاكرةِ
متجهماً انبثق من بين الحطامِ
ومنه نحوي التفاتةٌ فلتت غاضبةً
لم أتعرّف عليه حين التقيته مصادفةً
وعليّ لم يتعرّف
هكذا قدّرتُ بعدئذٍ
ثمة غربةٌ تفضي إلى غربةٍ
وغيظٌ يأخذُ بتلابيبِ غيظٍ
لكن الشاعرَ إزائي لم يكن ودّيَّ النظرةِ فصرتُ في حيرةٍ وسؤالٍ
مِنْ أين جاء ؟
ومرّةً أخرى مِن أينَ جاء حتى يمرَّ أمامي ؟
في تلك الساعةِ كنتُ أُفضض أحلامَ المارّةِ بأقمارٍ بيضاء على هامتي منذُ الصباحِ هطلت
في تلك الساعةِ كنتُ أُعابثُ نسمةً شبقيةَ الهوى خضلةَ الروحِ حين رمحت قامةُ الشاعرِ في مداري
وتساءلتُ :
هل خرج من فراغٍ ؟
مِن جسدِ الهواء ؟
مِنْ هوّةٍ عاتيةِ الأنفاسِ في أنينِ المساء ؟
مِن أين خرجَ توّاً ؟
مِن أيِّ قافلةٍ غارقةٍ نجوتَ أيها الشاعرُ فاستويتَ بلا ذاكرةٍ ؟
شجناً صار المساءُ
لبس وجهاً كحلياً وذاب
حين نحوي أطلقَ وجهاً ليس ودّياً
وليس عدائياً
وأنا بوجههِ أطلقتُ وجهاً حائراً وسؤالاً
هل هذا الشبحُ الهالكُ أنتَ ؟
هل أنتَ الشاعرُ المنسيُّ ؟
مِن أين أتيتَ ومتى ؟
وأردُّ :
ما الذي يجعلهُ قاسياً هكذا ؟
أنا تركته ، قبل أعوامٍ ، حلوَ المُحيّا ، معافىً
شجنٌ خضلٌ هذا المساء
وهذا شيخٌ هالكٌ يُخفي لمّته بقبعةِ البحّارين
على كتِفه اليمنى حقيبةٌ صغيرةٌ كالصرّةِ تستريح
تتنفسُ رائحةَ الرحيلِ مِن ثيابِ المنفيّ
غادرها اللونُ ولهفةُ المسافرِ
في الميدانِ
في الثلثِ الأولِ من تشرين الأولِ وأظنه تاريخاً مسبياً
رأيتُ الشاعرَ يمتطي ظهرَ الريحِ ويزأر
فيما الريحُ تصهلُ في بيداء
في الميدان كان الشاعرُ خيطاً من لؤلؤٍ
عليه لم أتعرّف
عليّ لم يتعرّف
أجزم أجزم
حين صار بعد لأيٍ برقاً في سماء
لم أقل فلقَ البحرَ ومات
لم أقل
فالدنيا صحوٌ وعند الصحوِ في العادةِ تنمو الأكوانُ وتبتهجُ كلُّ الأشياء
لم أقل كوكباً غادر المجرّةَ أو نجماً أفل
إنما بعد أيامٍ حاولتُ أنْ أجسَّ نبضَ الدهشةِ في جسدِ الميدان
وحاولتُ أنْ أسألَ المارّةَ وما طال بي السؤال
قيل لي : مرَّ عابراً ولم يترك أثراً في المكانِ ومنه لا ننتظرُ عودةً
أو ربما ضيّع خرائطَ الميدان وفوضى الأشياء في بردِ المدينةِ
سأعودُ ثانيةً لكي أسألَ ساعةً حرست كلَّ لقاءاتِ الدنيا
وعدتُ بعد أيامٍ
لأجدَ شبحَ الشاعرِ متجلياً في رقّةِ الهواء
في صفحةِ الرّيحِ
في الميدان
جلستُ لأخطَّ إليكم دعوةً
لزيارةِ شبحِ شاعرٍ
يجوبُ سماءَ الكسندر بلاتس
يجوبُ سماءَ برلين


6 ـ 11 ـ 2007
***

11 ـ قصتنا مع الفأر
***

هُتكتْ مأربُ
فالفأر خرّب السدَّ ،
والسدُّ دمّر حقولَنا الخضراء .
فاض الماءُ .
إلى أعالي السماء طاردَنا الفأرُ
إلى صيحةٍ في رأسِ الجزيرةِ
نحو لوثةِ القمر
في تلك الأيام شرّدنا الفأرُ
وصرنا في بلادٍ لأبناء عمومتِنا
ما بين نهرين أو ما بين جرحين
أنخنا الجمالَ
صرنا في جنحِ الهلالِ أو في شوقِ الخصبِ .
إنّا صرنا في شتات
وإنْ رضعنا من أثداء نوقِ الشام
وأكلنا من تمرِ نخلِ العراق .
الفأرُ العاشقُ يعرفُ عنّا ما يعرفُ الماءُ الساكنُ خلف السدِّ .
الفأرُ الفاسقُ هاجمنا في تلك الأيام
وبنا استبدَّ
الفأرُ النابحُ وراءنا مازال يطاردنا
حتى هذه الأيام
حتى هذه الأيام
يطاردنا الفأرُ

***

12 ـ تحية الصباح

***

كلّ صباحٍ تأتي زهرة
تُطلق تحيةَ الصباحِ وتمضي
كلّ صباحٍ تأتي زهرة
تزرعُ في نفسي ابتسامةً وتمضي
كلّ صباحٍ تأتي
في رقّةِ الكأسِ
تأتي .. تأتي
كلّ صباحٍ تشرقُ في وجهي
تجهشُ في صدري
تضحكُ في عيني
تُفرحُ قلبي
كلّ صباحٍ
مع فنجانِ الشاي
زهرة تأتي
16 ـ 11 ـ 05
***


13 ـ قوارير
***

تلك سطوةُ الحانةِ
نسمعُ ثورةَ الروحِ في رقّةِ الكأسِ
وقرقرةَ العشقِ في بردِ القوارير
وأنفاساً تلامسها
كنا نفترشُ شوقَ امرأةٍ في عفّةِ العطرِ
ثم لزفافِ الشمسِ نختارها
تلك أغنيةُ الحانةِ
تخرج فرحاً في الريحِ راقصاً
وتجهشُ في حضرةِ النجمِ كلّما وقفت ببابِه حيرةُ امرأةٍ
تلك سيدةُ الحانة
تطيرُ بلا حفيفِ جنحٍ
ولا جرسٍ
إنما من فيها انطلقت عذوبةُ الحانة

18 ـ 11 ـ 2005
***


14 ـ حوار النادل والعابر

***

ـ لكِ المساء الجميل يا سيدتي .
ـ ولكَ المساء الأجمل يا سيدي .
ـ مَن أنتِ يا فاتنتي ؟
ـ أنا ساقيةُ الليلِ وحوريةُ أنهارِ اللذة .
ـ حفظتك السماءُ يا نجمةَ الدليل . لِمَ أنتِ هنا في هذا الوقت المتأخر؟
ـ أنا نادلُ الحانةِ التي من قصبِ التاريخ سووها . فمَنْ أنتَ يا سيدي النبيل .
ـ أنا عابرٌ في هذا الليل فاستوقفني بهاءُ قنديل الحانة .
ـ أسرجناه لرجال من وراء الأفقِ يأتون ، يحملون في صدورهم عبقَ البشارةِ وعلى أكتافهم أوطانَ ريح .
ـ ليتني كنتُ معهم يا جميلتي .
ـ هم أخيار ناس شجعان .
ـ ليتني منهم يا قاتلتي .
ـ هم أعزاء نفس وكرام قوم .
ـ ليتني مثلهم يا فراشتي البديعة .
ـ هم مَن ينتشي بهم الليلُ وتُسعد بوجودهم البلادُ .
ـ ليتني كنتُ كرجالك يا أمل المسافر.
ضحكت النادل وقالت :
ـ إنما أنتَ منهم يا سيدي الكريم فتفضل . أدعوك لليل الحانة فادخل عزيزاً .
دخل العابرُ في ليلِ الحانةِ
في ليلِ الدهشةِ
في جسدِ النادل
قال : حين قبّلتُها التهب روحُها فصعدت إلى حر وجهها حرارةُ حرها
دخلتها ونامت .
أضاف العابرُ :
صبية أطربها الخريرُ
فهبتْ تعابثه
خدش الماءُ ضحكتَها
ارتدّت باكيةً
صبية
على ساقِها تدحرجت قطرةُ طلٍّ
توسّد ذراعَها الليلُ
ظلّت نائمةً
صبية
أغواها رذاذٌ تطاير من أنفاسِ الحانةِ
***

15 ـ موت بحّار اسمه مصطفى الناصر
***

عذبٌ ليلُ المعلا
والبحرُ يأتزرُ الشوقَ منذ بواكيرِ صبحٍ
البحرُ
للنزهةِ يمضي
أو بزفّةِ حوريةٍ ربما ينشغلُ
البحرُ الحائرُ بثغرٍ ساحرٍ يتغزّلُ وقوامٍ ممشوقٍ
البحرُ الداعرُ داعبَ نهداً ركبَ الموجَ
هذا الشيخُ مغرمٌ بفتنةِ الليلِ حين يهبُّ على المعلا نسيمُ
عذبٌ ليلُ المعلا
وأنتَ معي على صخرةِ المنفى تُصلّي
وأنتَ معي توزعُ الحكايا على ظلالِ نسوةٍ عابراتٍ
وأنتَ أطِلتَ السجودَ على ساحلِ نهدٍ ترجّه موجةٌ داعرةٌ
هل أنتَ التَهَجُّد ؟
أفي كلِّ العشقِ البصريّ أنتَ ؟
حولك من أعشابِ الهندِ مقدارٌ
ومن أعشاشِ الطيرِ جنةٌ
وحولك المدائنُ مسرفة الأفياءِ
فخُذْ من مزرعةٍ على البحرِ مشرفة نبضَ الحنّاء
وزورقاً لعبورِ الأفقِ
وقبيل المعلا ترجّلْ
لملاقاةِ امرأةٍ أطاحَ بلهفتِها طولُ الغيابِ
خُذ من ماءِ الحنينِ جدولاً
ولا تستلهم من النخلةِ طولاً
وعلى صدرِ البصرةِ اجلسْ
القِ شبكةَ أشواقِك في نهرِ العشار
أو في نهرِ الخورةِ
وباللذّةِ تطيبْ
فالسمكُ الربّانيُّ يمرّ مصادفةً
حين يهبُّ من جهةِ الماءِ عطرُ
والسمكُ السماويُّ يكون العشاءَ الأخير
الآن ... الآن
ارحل إنْ شئت الآن
لقد نامت على صدرِ الميناءِ ناعمةٌ
وفي آخر المطافِ نجمٌ أفل
ربما نأى ، في صمتِ الهزيعِ ، مقهوراً
عذبٌ ليلُ المعلا
أسكرتْنا شرفةٌ على الميناء تطلُّ
ونحن على صخرةٍ في المعلا نرقبُ السفائنَ الهرمةَ
نأكلُ شيئاً من ثمارِ البحرِ ومن ياقوتةٍ روميةٍ نرتوي
نرتشفُ من كأسٍ على جسدِها الأهلةُ تسبحُ
كأنها كلُّ المجراتِ
وكلُّ الأقمارِ التي ستأتي بالسفائن
هل تأتي السفائنُ ؟
هل يُقبل الصيادون ؟
وأمامنا هل يُطلق الدُلفينُ أجنةً ؟
أيها الصديقُ لا تتعجلْ
سيزدحم البحرُ
تأتي المراكبُ بحمولةِ الأكوانِ
ويأتي الصيادون
وستلهو بالبرقِِ الدلافينُ
لا تتعجلْ الزحمةَ يا مصطفى
فنحن في الليلِ يُعاقرُنا كالخمرةِ الهمُّ
وفي الصبحِ
قد تأتي كلُّ الأطيارِ
سيأتي الجمعُ
سيأتي وطنٌ بلا ذاكرةٍ
وتأتي الأساطيرُ
ونحن على صخرةٍ في المعلا لا ننتظرُ زورقَ البدايةِ
وعدن منذ صباحٍ ألفناها
وعدن مثلنا لم تسكر
وعدن مثلنا مشرعة للنفيِّ
وعدن أدمنت رائحةَ المنفيين والمهجر
وعدن ضرعٌ لمَنْ جفَّ به الماءُ
وعدن مثلنا في الشؤمِ
فهل أسقطت من ريشتِها قطرةَ حبرٍ كطوانيت الجميلة ؟
وهي يا للوعة عن دهشةِ السؤالِ لن تكفّ
عذبٌ ليلُ المعلا
وأنتَ بالرحيلِ ما وعدتني
وأنتَ باللقاء ترددتَ
وأنتَ لم تدرك المسافةَ
عذبٌ ليلُ البصرةِ
أسكرتْنا شرفةٌ تطلُّ على الشارعِ الوطني
كنّا نتثملُ ما في أكؤسِنا على مصطبةٍ قرب الميناء
وأنتَ بالرحيلِ ما وعدتني
حين ابتعدت عيونُ الماءِ عن ظامئٍ
ونحن على الرحيلِ ما اتفقنا
كنّا نرفعُ بوجهِ البحرِ كأسَ الأهلةِ
مثلما يرفعُ البحرُ موجاً هلالياً
مثلما ترفعُ السماءُ نحونا حسرتَها الأخيرة
مثلما أشرقتَ عبرَ الهاتفِ أصواتاً
لم تَعُدْ تهدر
لم تعُدْ تحتفي
لم تعُدْ تلتقي
وأنتَ عن غيابِك الأخير ما أخبرتني
ومن فوق رابيةٍ في أوسلو
لم تُسرّح النظرَ نحو طريقِِ اللاعودة
أنتَ لم تختر الطريقَ
ربما اخترتَها هذه المرّة
ربما اخترتَها للمرّةِ الأخيرة
هل اخترتَها للمرّةِ الأخيرة ؟
***

16 ـ معبد لصحراء زينب
***

لزينب بوّاباتُ الريحِ
وبساطٌ من لهاثٍ بحريٍّ أزرق
فاعتلي إنْ أردتِ تخومَ الطينِ
اعبري رملاً منحوساً سدّ علينا المدى
وامحي حدودَ الماءِ
لزينب قمرٌ مبتلٌّ برحيقِ الياسمينِ
ونجمٌ يسوقُ الغيمَ
من أولِ الليلِ حتى مقتلِ الحانةِ
لزينب وترٌ
حواريٌّ
قيانٌ ورائحةٌ لعشّاقٍ سجدوا على ضفّةِ غديرٍ
فصارت السجدةُ معبداً
لزينب معبدٌ من رخامٍ وثنيٍّ
عند مدخلِ الوهمِ
عند مقتلِ الروحِ
لزينب في القلبِ معبدٌ


17 ـ 6 ـ 2005
***
17 ـ يدٌ تمتدّ إليك
***


عثرتَ حبيبي ؟
لُعِنتْ هنيهةٌ فيها انشغلَ العقلُ
وطربَ لها القلبُ
ها قد عصفت بشيخوختِك العاصفاتُ
وتمرّغَ بعطرِ النساء مشيبُ
هلهلت أيامَك لحظةٌ
وصار الغرابُ
على أحزانِك الماكثاتِ يحطُّ
أيّها الشيخُ
الموغلُ في الخرابِ
هذي حدودُ اللهِ
فهل رأيتَ جدارَ العمرِ ؟
عثرتَ ؟
سلمتَ حبيبي
ومن العثرةِ نجوتَ
فلا تدع ندماً يسرح في سماك
ولا تسلم قيادَك
لمَنْ لا يعرف كيف يُمسك باللجامِ
سلمتَ حبيبي
وعنك الشررُ طار
فكفكفْ دمعةً نبعت في مآقي العين
وعن صدرِك انزع حسرةً
دامت طويلاً

2 ـ 3 ـ 2005

***
18 ـ ريح وشمعة
***

* دعوة أخيرة

تعالَي إليَّ
ففي صحوةِ أيامي أُريكِ احتراقاً
في عذوبةِ المساءِ الجميل
أُريك اشتياقاً ونثارَ روحٍ في الشتاتِ
أريكِ اعتذاراً حين بالعذرِ تشعُّ العيونُ
تعالَي تعالي
قبل انطفاءِ الشمعةِ الأخيرة

* مثل ريح

كأننا إلى بلدٍ ، من لعبةِ الريحِ ، نمضي
نمدّ خيالاً في وعورةِ الهواء
ونصرخُ :
لم نأتِ أرضاً مقدسةً ولا ماء
كأننا الهباءُ
أو مثلُ ريحٍ تُغلقُ بوجهِها بابُ

* تمهلْ أيها الحائرُ

تمهلْ
تمهلْ ولا تنطفئْ
فعلينا سوف يأتي زمانٌ
يسودُ فيه ليلٌ
وعنّا حين ترحلُ السفائنُ
تزحفُ نحوَنا البحارُ
تمهلْ صديقي
ولا تستعجلِ الرحيلَ .

* كأنها من شمع

عندما هبّتْ عليها الريحُ
خفقت أمامي رايةً
وعندما هبّ عليها الشوقُ
اختلجت بين يديّ
***


19 ـ أربع أمسيات
***

1 ـ أمسيةُ الصمتِ

للساعةِ إنْ دقّت لا تنصتْ
وأمام صخبِ الأجراسِ تعمّدْ إهمالَ الوقتِ
فسوف يأتي يومٌ
لا ساعةَ فيه تدقُّ

2 ـ أمسيةُ الطيبِ

عند نزولِ الثلجِ
لا تطالبْ الوردةَ برائحةٍ ما
فالوردةُ أهدتك في الصيفِ كلَّ عطرِها
وسفحتْ كؤوسَها تحت شعاعِ الشمسِ الباهر

3 ـ أمسيةُ العابرين

أيّها العابرون وغبارَ الطريق
كمموا أهوالَ الساعةِ
وأنقذوا المدينةَ

4 ـ أمسيةٌ للعريّ

في الطريقِ
رأيتُ الأشجارَ تنضو ثيابَها
تعجبتُ
تساءلتُ في دهشٍ
أجبنني نتعرّى للشتاء الذي سيأتي
***

20 ـ في حضرة الملاك
***

1

بين نهديك
احتجزتُ كلَّ أنهارِ الدُّنيا
وانتظرتُ
حتى تعطشَ الخلقُ وتكسر السدودَ

2

مرّةً أخذْنا الوردةَ للندى
لكي يتعارفا
عند اللقاءِ طفقت تبكي
تساءلنا :
ما أبكاك يا سيدةَ الفرحِ ؟
قالت :
أعرفُ هذا
كان يتوسّد خدّي

3

مرّةً مشّطتُ شعرَها
فهطلَ بين يديّ الليلُ

4

عندما أَقْبَلَ قبلَ أوانِه الصبحُ
عرفتُ أنها ضحكت بعد حزنٍ

5

أجلسُ في الظلِّ
استجلبُ طائراً أصفر من آخرِ البحارِ
وأدفنُ أحلامي الصغيرةَ
في جيبِ القميصِ
أجلسُ على لوحٍ من الرملِ
وحيداً أرفّ مثلَ بيرقٍ
كأنني الدليل

6

كأنني الرملُ ترشقني بوجهِ القوافلِ ريح
كأنني الريحُ طليقة في الخلاء

7

ربِّ لا تجعلني
لعقةً للسانِ صديق

8
استيقظي يا حبيبتي
لكي لا يأتي الصبحُ وحيداً

9
من بين كلِّ يمامِ الأرضِ
اخترتُ واحدةً
لا تهدلُ
إلاّ بين يديّ

10

شارعٌ في أولِ الليلِ
فاجرةٌ حُمرة ألوانه
به عصفَ
شبحُ امرأةٍ باهرة
الشبحُ يُقبِّلُ وجهاً
المرأةُ في الريح
والوجهُ في الحانة



11

منذورة للبكاء
سكبت دمعتَها الأخيرة
واستغرقت في الدعاء

12

أسيرة الأقمارِ
أعطيتُها الليلَ كلّه
فطالبتني بالنهارِ

13

فذّةٌ لعبةُ الطيرِ في السماء
عذبٌ هديلُ الصباحِ
أيها الطيرُ الساعي نحونا
بجناحين من فرحٍ
ستجدُ فضاءنا أرحب
من شهوتِك العارمة

14

فاجرة بئرك العذبة
هائج بحرك الأجاج
متهتك زهرك المجنون
فاضحة ألوانه
حين لا تصيرين كالنساء
تصبحين اشتهاء
أتهلين في ليلي أملاً ؟
وعلى امتداد مائدة يحفل بها المدى تترعين بالوجد
كؤوسك وتحترقين
يا أنتِ
يا مَن تجدل شعور الريح
خذيني لجنح ألوذ به

***
21 ـ هي الشام
***


تأرجحت على جسدِ الفراتِ فاتنةٌ
وفتك بلوعةِ النهدِ ماءُ
فانحنِ دهشةً يا بجعَ الرخامِ
وتمايلْ عزّةً يا نخلَ الجزيرةِ
فنحن بالنسيمِ ابتهجنا وصرنا على أبوابِ شامِ
ولمّا كنّا بالراياتِ نتمسكُ وبالسيوفِ كلّما زأرت في التخومِ عاصفةٌ نُلوِّحُ ، بعثنا مِنِ السراةِ مَنْ يجتلي أمرَ وهجٍ ، توّسط الباديةَ وحيّرنا.
نحن أبناءَ الفراتِ
وهمسَ الصلاةِ
نحن القادمين مِن ديارِ سادةٍ لا دار ندخلُ غابَ كبيرُها
وبها لن نختليَ حين تخلو
هي الشامُ
جوهرةُ المسافرِ
هي الشامُ
حانةٌ للعابرِ
هي الشامُ
سكرةُ العاشقِ ولذةُ المغامرِ
تُخَضِّبُ وجدَ المُيَمَّمِ بهمسِ ندائها وتطوفُ برأسِ الدليلِ إنْ أغفى على شام
هي الشامُ
يعابثُنا سجعُ اليمامِ إنْ طوينا لها الخلاءَ
وإنْ هجست بنا شامُ
لم يعد سراةٌ منّا غادروا
إنما بالوهجِ أعلمنا سار
هي الشام

***
22 ـ امرأة المُلك
***

يُحكى عن امرأةٍ ملكتِ الدُّنيا وركعت تحت قدميها الملوكُ والفرسان أنها انتظرت عاشقاً يأتي بسوسنةِ القلبِ .. يأتي باللوعةِ . وفي شرفاتِ القصرِ الرَّحيبةِ ألِفت المدى وعاشرت الهواءَ .
انتظرت فارساً يأتي
في ليلٍ يأتي
في ريح
مع تنهيدةِ وردةٍ أدمنتْ مُنادمةَ النَّدى
يأتي نجماً مشبوباً في سماء بهيةٍ أو برقاً يهتك عفّةَ الليلِ
قيْلَ إنها تزيّنت كما ينبغي
أو كما تتزيّنُ الملكاتُ المالكاتُ حتى أجهشَ على صدرِها الضوءُ
عبقَ في الأرجاءِ عطرُها الفتّاكُ وعلى وجنتيها صرخت حُمرةُ التُّفاح
قيْلَ عن امرأةٍ تزيّنت بالعُريِّ لعاشقٍ يأتي بالشهوةِ
ويأتي بالنشوةِ
ويأتي بالسكْرَةِ والرعدةِ
يأتي فحلاً يدخلُ مملكةَ النار
يدخلُ لهيبَ امرأةٍ تشتعل فوقَ بحرٍ مِن المسرّاتِ
هذا العاشقُ يا سيدتي لم يُعطَ الكوثر
هذا العاشقُ أُعطيَ أكثر
هذا العاشق نالَ جميعَ الأشواقِ
هل تأتي يا سيد مَنْ ملكتِ الدُّنيا ؟
إنما الطيرُ القادمُ مِنْ عاد
إنما الطيرُ العابرُ حطَّ مُتعباً على عذوبةِ الأنثى وفجورِ الانتظار
والعابرُ هذا دخل شقّاً من ليلِ الصحوةِ واستراح
والفاجرُ هذا حين بلغَ الذُّروةَ اختطفَ قمرَها البرتقاليَّ المشرقَ في صدرِ الفستانِ وطار
بأحلامِ الملكةِ ونداءِ الشّرفاتِ طار
أفزعها الطيرُ حين حملَ قرصاً مثلوماً إلى ضحكةِ فجرٍ بعيد
أيتها الملكةُ ماذا لو أغريتِ بذرةً استنبتتها أرضٌ غريبةٌ ؟
ماذا لو انتزعتْ صدرَ الحديقةِ ؟
ماذا لو تفتقتْ في صبحِ القصرِ وجمعتْ حولها جواري المملكة وطبقةَ الغلمان ؟
قيل عن امرأةٍ ظلّت فيما بعد
ترى قمراً مذبوحاً وتسهد
وقيل من حواريها طلبت إغواءَ العامةِ وشياطين الرغبةِ بالتهامِ زهورٍ في الطريقِ باسقات
وقيل يا ربَّ المتعةِ إنَّ دمعاً مدراراً تذرِفهُ الزهرات
فيما نحن الأقنان
وطائفة الرعيان
نهتبلُ فرصةً فيها نحتلبُ النُّوقَ وفيها نشرفُ على إطعامِ الضيفِ
ربما جاء مفتوناً بِمَنْ ملكت وربما عضّتهُ اللوعةُ أكثر
هل أنتِ مَنْ سحرَ الملوكَ فتقدّم الواحدُ منهم يطبعُ على حافرِ مَنْ سبق ؟
هل أنتِ بُغية المُلْكِ ومنتهى المنال ؟
هل أنتِ أعزّ مِن التاجِ ومِن هيبةِ الصولجان ؟
هل أنتِ يا سيدتي مَنْ يُطفئ سعيرَ اللذةِ ويملأ رياضَ الأرضِ ورداً فيُدهش الطلُّ ؟
هل أنتِ مَنْ تحت قدميها ترنحت فحولُ ؟
هل أنتِ مَنْ إلى السماء فاضَ عطرُها ؟
مَنْ أنتِ يا سيدتي ؟
يُحكى عن امرأةٍ ملكت الماءَ فاستهوتها ، ذات غيابٍ ، فحولةٌ
استدرجتها إلى جسدِ نهرٍ بجناحين
قالت لها كلاماً جميلاً معسولاً :
هنا نسكن في رقّةِ جنحٍ من جنحي النّهرِ الطائرِ بنعشِ الماء .
في تلك الأيامِ ، اُنظري سيدتي ، كانت الشعوبيةُ تتنفسُ من حبلٍ سرِّيٍّ رُبِطَ إلى بذرةٍ نبتتْ في تربةٍ مزهرةٍ مِن أرضِ خراسان ونحن داخل أسوارِ المملكة نتلمظُ الحضارةَ المزعومةَ بالقربِ مِن ذي قار التي جئنا بشيءٍ مِن أطيانِها التي لا تشبه شيئاً فينا .
قيل إنَّ ملكةً في تلك الأيامِ كانت قد وِلِدَتْ
اسمُها يُبْهجُ نَفْسَ السامعِ ومنه تنشرحُ الصدور
ارتشفَ فحلٌ من ثغرِها رشفةً فجعلتها تُنادمه مدى العمرِ على رقّةِ الكأسِ
لم تكن امرأةً في الخمرة تدبُّ حين تعلّمت أخلاقَ القواريرِ ولم تُعاشرِ النّساء
انتهت الحكايةُ وابتعدنا شبراً عن الماء ودهراً عن الصحراء
أخذْنا أحلاماً في صناديق الحكايا وانتهت الحكاية
يا امرأةً حكمت جسد الدُّنيا ، وأمرتنا أنْ نحتفرَ في أطرافِ البصرةِ بئراً مِن جهةٍ في أور وتوغّلت بعد السّكرِ في بحرِ الانتظار ، سكرتِ وها نحن لم نسكرْ .
أخيراً لم يُعطَ الكوثر
أخذَ أكثر
العاشقُ يا سيدتي ارتشفَ أكثر
أخرجي من صدري يا امرأة المُلك وارشديني
أو انشقيني
ثم الثميني
فأنا لم أطلب غيرَ جسدٍ عنبر
يُحكى عن امرأةٍ ملكتِ الدُّنيا ظلّت ، بكاملِ زينتِها
بكاملِ سحرِها
بكاملِ أُبهتِها
تنتظرُ رجلاً يأتي
مِن بعد غياب


7 ـ 3 ـ 2005
***


23 ـ قنينة الرماد
***


أنا قنينة الرمادِ
فكّوا أسرَ غربتي وللرياح أطلقوها
افتحوا خزائني وبوجه المدى انثروها
ربما صوبَ العراقِ يحملها الهواءُ
وإنْ شئتم
في اللجّةِ أتركوني
لعل موجةً منفلتةً حملتني إلى شاطئٍ في البصرة
أو ربما نحو المدينةِ يحملني الماءُ
أنا قنينةُ الرمادِ
لا أريدُ قبراً في منفىً

3 ـ 6 ـ 2006
***

24 ـ أنتِ .. هي

***

1
هطلتِ عليَّ مثلَ قبيلةٍ غجريةٍ
حاصرها الليلُ
وتاهت فوقَ قممِ الجبالِ
هطلتِ نسيماً أسْتَعْذِبُهُ
أتنَسْمُهُ مع الكؤوسِ التي ما أحصيتُها يوماً
تأتين ؟
أنا في انتظارِ الندى

2

حينما هطلَ الليلُ
عرفتُ أنَّ الغجرَ قادمون
كانوا حاسري الرؤوس



3

هطلَ الثلجُ يا حبيبتي
فاعتمري قبعةَ الريحِ

4

عندما صرنا إلى الثلجِ
كانت في أعالي الغيمِ
تُراقصُ الريحَ

5

أيقظوا الوسادةَ
فمنها يعبقُ الطيبُ

6

لا تخجلي
من فرحي بك

7

إنْ طرقَ بابَنا الندى
وكفّت الشمسُ عن المجيءِ
فبالندى نسكرُ
وبالندى نخطبُ ودّها

8

انثري الطيبَ في المكانِ
واستشعري عذوبةَ المساء
أنتِ .. أنتِ
في حياتي الهواء

9

صباحٌ جميلٌ لكلّ وجهٍ أُحِِبُّهُ
صباحُ البهاءِ الذي
بأرواحِنا تجلّى
فنحن البهاءَ نكونُ حين يكونُ
وحين يكونُ العشقُ نحن نكونُ
صباحُ المحبةِ الذي لا يفرّقُ
صباحُ الوفاءِ

27 ـ 1 ـ 2005
***


25 ـ أشياء كبيرة
***


سيأتي الصبحُ
بهياً
مثلَ شروقِكم
*
عابثْنا في الحُلُمِ ضوءَ القمرِ
فأشرقَ في عيونِ المدينةِ
*
كلّما نظرتُ في عيونِكم
هطلت سماءُ طفولتي
*
الوردةُ التي ببابِ الدارِ تعرّت
والتي أبهجتْ في عريها الجيرانَ
أسكرتها قطرةُ الندى
*
النجمةُ التي اهتديتُ بها ذات رحيلٍ
النجمةُ الغارقةُ في أحلامِ المدينةِ
والتي أمام صحراءِ المسافرِ رقصت
النجمةُ ، النجمةُ ،
النجمةُ التي
والتي والتي
هي هي
لم تتغير
حين أتعبها السفرُ

26 ـ1 ـ 2005
***


26 ـ أطفال من ثلج
***


حينما عبثَ الأطفالُ بدمى الثلجِ
بسقت في الحديقةِ فجأةً شجرةٌ بيضاء
تغلّبوا على دهشتِهم
وأسموها تفاحةَ الثلجِ
حينما دحرج الأطفالُ الأبرياءُ
من على سفحِ التلّ كراتِ الثلجِ
امتلأت جيوبُهم بزهرِ التفاحِ
الذي تضمخت بعطرهِ المدينة
أيها الأطفالُ
الأبرياءُ ، المرحون ، الفرحون ، اللاهون
رأيناكم تقضمون جسدَ المدينة
26 ـ 1 ـ 2005
***

27 ـ الطاولة
***


في آخرِ الليلِ حينما كنتُ كالعادةِ وحيداً
مررتُ بحانةِ العبادةِ اليونانية
المعتكفةِ في شارعِ الميناء
هي حانةٌ من موجٍ ونور
فالبحرُ عادةً ما يؤم الحانةَ وينادمُ على طاولةٍ زرقاء صديقَه القمر
دخلتُها ولم أجالس أحداً
فطاولتي المتوحشةُ كانت في انتظاري
هي الأخرى لا تنادم سواي
هكذا اتفقنا منذ بدءِ الخليقةِ
أو بدءِ العلاقةِ
أو بدءِ الطبيعةِ
أنْ لا نخونَ بعضَنا كالبشرِ
الطاولةُ الساهرةُ من أجلي على صوتِ الماء
لم تذق شيئاً من خمرةِ هذا الصيفِ
ولا مِن عرقِ نساءِ هذا الصيفِ
الطاولةُ التي طالما دعتني إليها راغبةً
لم تنثرْ بوجهي أشواقَها
وظلّت الليلَ صامتةً


26 ـ 1 ـ 2005
***


28 ـ لحظات الشاعر

***



يا عبدالوهاب
وبكى بوجهِ الليلِ طيرٌ
هل كنتَ في تجويفِ القلبِ أم في مغارةِ الريحِ ؟
بكتْ نساءُ أنتَ لا تعرفهنّ
إلاّ من رائحةِ الشجرِ
كنّ يعطرْنَ الأثيرَ
بقطراتٍ من عرقِ أجسادٍ عن الحاجةِ لا تفيض
هنّ سفائنُ المطرِ العابراتُ في الضبابِ
وهنّ السرابُ
يا عبدالوهاب
وطأطأ الليلُ
أمامَ صمتِ المحاربِ الموغلِ في الوحدةِ
كنّا نطوفُ مثلَ صقورٍ عمياءَ فوق أرارات
أو تحت سحائبَ غاضبةٍ
وأنتَ جمرةٌ في الليلِ
لا تستقرُّ في الريحِ
تختضّ أو تتأرجحُ جنوباً أو شمالاً
حين نشمُّ ، من وراءِ العشبِ ،
رائحةَ التبغِ
وحين في أحداقِنا يرقصُ الظلامُ
نهتفُ :
ها قد جاء القرويُّ المفعمُ بالعزلةِ والدخانِ
ومن بعده قارّةٌ تأتي
أيها العربيُّ الأبيُّ
الذي بكوفيتهِ لفّ خجلَ الجبالِ
لا تتركِ النهرَ في غموضِهِ السعيدِ
فربما أتى على مضغةِ رضيعٍ
في أيامِه الأولى
وربما أغوتْهُ هدهدةٌ ما نفذت صوبَ القرى
أيها الفتى
الذي كنتَ أيقونةً في ديرٍ سماويٍّ
أو نجمةً ترقصُ على صدرِ الوليدِ
سلبت أسمالَك الجيوشُ
ووزعتها على رؤوسِ الجبالِ

24 ـ 1 ـ 2005

***

29 ـ حجرة في المشتهى

***

هي حجرةٌ تطلّ على الطريقِ
هي حجرةٌ في الطريقِ
في مهبِ الريحِ
هي حجرةٌ مشرعةٌ للرحيلِ
يرتادها العابرُ الذي بلهاثه يسوقُ إلى المشتهى نجماً
والذي يرعى كوكباً ظلّ السبيلَ
يأتيها مَنْ داعب مِنْ فتنةِ الصحراء فخذاً
ومَن اختلس إلى صدرِ المسافةِ نظرةً
يسكنها العابرُ معنا في قطارِ الموتِ
حين كنّا نعدّ الأحياء :
كنّا مائتين وعابراً
نرعى قمراً نزلَ إلى بِركةٍ
وغزالاً تاه في حقلِ النجومِ
أو في غابةِ الحورِ
فهاجمته شعورٌ نافحةٌ
كنا مائتين وعابراً
نغني لبشرٍ تركونا في وحلِ القاطراتِ
نغني بشراً ودعوا بالضحكاتِ أنينَ العرباتِ
هي حجرةُ العابرِ وقد
اضمحلّت به الطريقُ


1 ـ 8 ـ 2005
***

30 ـ حفل صيفي
***
في الحديقةِ المجاورةِ
لحديقةِ بيتي
نهرٌ ثملٌ
يرتشفُ أثداءَ النساء

3 ـ 7 ـ 1996
***

31 ـ شكوى
***

اشتكت جارتي العابثةَ بالصبحِ
من رفيفِ فراشةٍ بيضاء
فرّت من صدري
إلى شرفتِها

10 ـ 8 ـ 1996

***

32 ـ اختيار
***

مَنْ منّا هو المجنون
أنتِ ؟
أنا ؟
مَنْ منّا يحتطب الشمسَ كلّ صباحٍ
ويحصي اللهبَ المنسكبَ
من جسدِ الليلِ ؟

19 ـ 8 ـ 2000

***
33 ـ لم يبق منك شيء

***


وأنتَ تسعى إلى نجمةِ البحّارِ الآفلة
هل تلفعتَ برمادِ الانتظارِ الأخير ؟
وأنتَ أنتَ
لا حلم يراودك في استقامةِ الطريقِ
لا ريح تصدّك
لا نَفْس عليها تتحسر
أو عليك تتحسر
لا شئ يثنيك
حتى الندم لم يطرق بابَك ولو على لحظةٍ فاتنة
قلتَ لي :
أبرِحْ حبيبي تويجَ الوردةِ
فهو دارٌ لقطرةِ الندى
وقلتَ لي :
لم تكن سعيدَ المقامِ
فلتبرحْ المكانَ
ابحثْ عن عيونٍ مُبحرةٍ في كؤوسِ الليلِ ،
مُتعلقةٍ بقواربِ الليلِ
ابحثْ عن مسرّاتٍ تجهشُ فوق الأسرةِ ضياءً يغمرُ هدوءَ ما تبقّى من حُلُمِك الأخير
فلتبرحْ المكانَ
الآن
بعد حين
متى تشاء
كما تشاء
أبرِحْ المكانَ الذي لم يبقَ ممتلئاً بقطرةِ الندى

8 ـ 5 ـ 2003



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصفةٌ في شجرِ الله
- مملكة البدو
- لكلِّ موجةٍ زورقان
- جزيرة الهدهد
- أطياف الندى
- قال الأفْيُون
- عازف الرباب الجزء الثالث
- عازف الرباب الجزء الثاني
- عازف الرباب الجزء الأول
- لنشوى معبد في الريح
- خُذْ معك ثوباً للموجة
- لا تدخل ضباباً
- آخر الشرفات
- شرفات برلين
- نص خارج من معرض العبيدي
- بماء عين الحمام اغتسلي
- خليل السّحاب
- امرأة المُلك
- أمسية
- سبب للحنين


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - زمن الرحلة