|
مفارقات العولمة / الحداثة / الاصالة ..3
ثائر سالم
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 00:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
هذه الاشكالية هي الشكل الرئيسي /العنوان العام / القناع الاكثر شيوعا، لكل الاشكالات التي تصطدم بها او تستثيرها، مقتضيات مسارالعولمة والعلاقات التي تتشكل في سياقه. لا فرق في ان تكون اشكالية حقيقية ام وهمية. لها سياقها المستقل، ام في اطار/ضمن السياقات الاخرى. اشكال آخر يمكن معاملته بمعزل عن او ضمن السياقات الاخرى ، ام انها الوجه آخر لكل اشكالات العولمة والتنمية. دون ان نتجاهل الدور الذي يلعبه، انغلاق وتعصب بعض الثقافات المحلية المتخلفة ، في خلق ارضية تحول اوهام هوياتها وبناها المتخلفة، الى اشكالية حقيقية، وقوة قادرة على ،عرقلة محاولات الاستفادة من الامكانات التي تطرحها العولمة ،ومسار التحديث والتمدن.
من جانب آخر فان ادراك / امتلاك القوى الحاكمة ، لرؤى وسياسات، تنسجم مع مسار العولمة، وتمكن من تجميع /تحفيز/ تعزيز، مواقع القوى الاجتماعية التي لها مصلحة في الاستجابة لشروط العولمة، يعتبر الضمانة الاهم ، والاداة الامضى ، في استمرار مسار الحداثة والعولمة. وعلى طبيعة هذه القوى ، ومضمون ادراكها وخياراتها، يتوقف مضمون الدور المطلوب، والمسار الذي يمكن ان ياخذه. ومع ذلك فهذه الدول او غيرها، ليست في وضع يسمح لها بالاختيار بين الاستجابة او الرفض، حتى وان تمكنت من ولوج طريق الممانعة والعرقلة.
باختلاف المنطلقات وزوايا النظر، فان مقتضايات العولمة الموضوعية، تفرض منطقها على الجميع. على مراكزالعولمة واطرافها. على تلك المنتجة/المصدرة /الممسكة بقرارالعولمة، وعل تلك المستوردة / المتلقية / المستهلكة، المنفذة لشروط وارادة المركز. الاثنان في وضع اشكالي . فبقدر حاجة بلدان المجموعة الاولى (المركز) الى تسويق منتجاتها وخدماتها باشكالها المختلفة، فانها بحاجة الى المساهمة في تطوير القاعدة الاقتصادية لهذه البلدان ، وتحديثها عمما . ولكن عواقب التحديث تجعل هذه البلدان اقل حاجة الى منتجات الاخرين، ان لم تصبح قادرة على توفير احتياجاتها بذاتها .
والحلول الاحتكارية ، بتقسيم الاسواق والبلدان ، وعقود واتفاقات الشركات المتعددة الجنسيات، قد تكون قادرة على تخفيف التنافس بينها، فتزيح اقوى مصادر القلق الانية. ولكن عواقب التعاون الاحتكاري على مسيرة تطور البلدان المتخلفة، لا يمكن تحديد خط/نقطة النهاية فيها. فماهي حدود هذا التقدم المطلوب تحقيقه ؟ وهل يمكن ضمان ايقاف هذا التقدم ، في المنطقة المطلوبة /المسموح بها ؟ اذن لامفر من مواجهة ذات الاشكالية.
المجتمعات والثقافات التي لازالت عصية على التغيير، ستبقى احد تحديات مشروع العولمة. وقد تتعاظم اهميتها ، كلما اشتدت المنافسة ، بين قوى العولمة ودخل ميادينها لاعبون جدد. وقد تصطدم اذا ما اخطأت السبيل والوسيلة(وهذا غالبا مايحدث )، بممانعة او مقاومة(عرقلة) من بعض هذه الشعوب، غير محسوبة، الامر الذي قد يجبر حتى اقوى مراكزها على تكييف/تعديل مشروعها ، وخفض سقف الاهداف والاقدام على مساومات وتنازلات، مع الاعداء قبل الحلفاء.
فمشروع دمقرطة منطقة منطقة الشرق الاوسط مثلا، الذي جاء به المحافظون الجدد والتف حوله، كل ذئاب الغرب ، ممثلي تلك الاحتكارات ، قد تحطم وجرى التراجع عنه باختلاف التخريجات، بتحطم مشروع الانفراد (اقصاء الجميع) بادارة شؤن العالم والاستحواذ على ثرواته. وانتهى باصحابه اليوم الى طلب مساعدة من عملوا على اقصائه. حتى الاوربيون رغم علاقتهم الستراتيجية، بالامريكان وترابط مصالحهم الواسع، لا يستطيعون السير مغمضي العين ، وراء عولمة امريكية المضمون والاهداف والوسائل بالكامل، وتقبل اجنداتها ومذاقها، حتى لو تهددت فيها مصالحهم .
تبدو اشكالية الهوية ، ظاهريا اشكالية طرف يعاني من ويشعر بضعف ثقافته/شخصيته المحلية، امام ثقافة اقوى اكثر قدرة على التعبير عن مشكلات الحاضر وانسجاما مع متطلبات المستقبل. لازالت هذه القضية ، تتضخم وتتعقد، مستوياتها واشكالاتها، على طرفي العولمة. فالصورة بالنسبة الى الدول الفقيرة او المتخلفة او النامية، اقرب الى الكوميديا التراجيدية اوالتراجيدية الكوميدية. فلا معسكر التبعية ، حقق منجزا يعتد به ( امثلة :_المغرب ، تركيا ، مصر، الاردن ، العراق اليوم ..) ولا معسكر الممانعة !!..(سوريا ، مصر عبد الناصر ، الجزائر ن ليبيا ، ايران ...) حقق شيئا افضل او حتى ممائلا. فلكلا المعسكرين اخفاقاته الواضحة ، وانجازاته المحدودة، المشروطة بظروفها التاريخية ، والتي لا شأن لهويتها المحلية بها، قدر ما هي سلامة المعايير العلمية ، العامة للتنمية. اليوم في عالم العولمة، لم يعد هناك وجود للسوق الوطنية المغلقة على ذاتها. لا في البلدان المتخلفة ولا البلدان الحديثة النمو، ولا في بلدان المركز( العريقة التطور) ذاتها. الرهان على التطور الوطني للراسمالية، بات اقرب الى التخريف. فشبكة العولمة، تلتف حول عنق الجميع، في المحيط وفي المركز.
الراسمالية اليوم في عصر العولمة، وفي ارقى نماذجها ثراء وتطورا، لا تواصل فقط استغلال وسرقة عمل ملايين العمال وجهد الاف العلماء، والاطفال والشباب والنساء باجور غير عادلة ورمزية، ..بل ان هذه الشركات العملاقة ، قد تفرض على المتقدم للعمل عندها، اعمال السخرة المجانية ، العمل مجانا بالكامل، لعدة اشهر. والدولة الديموقراطية والحرة هذه ، تحمي هذا تشريعا وسلطة. ان تصوير ماركس للراسمالية " بالنحلة التي تتغذي على رحيق ملايين الازهار"، تتجلى تراجيديته بوضوح اشد اليوم في زمن العولمة ، ويكاد ينتصب شاهدا، في كل ركن من اركان الحياة وكل قطاع من قطاعات الاقتصاد. فالراسمالية تتغذى اليوم من عرق ودماء وارواح ، شعوب باكملها ، ملايين الاطفال والنساء والرجال، تاركة العوز والحرمان، الفقر والجهل والمرض لكل خالقي تلك المنجزات الحقيقيون.
ومع ذلك اذا كانت الراسمالية تطورا ثوريا في تاريخ البشرية، نقلها الى عالم العلم والمعرفة والانتاج الواسع ، فان عصرعولمتها يضعها اليوم على اعتاب حتمية، زمن سينتقل بالانسان مضمونا ونمط حياة ، الى مستوى يصعب التنبوء به . البقاء بعيدا عن سياق العولمة ليس بلا ثمن. وهو في الغالب ثمنا باهضا بالنسبة للدول الفقيرة ، التي لاتجد بديلا احيانا عن الشركات المتعددة الجنسيات ، على الاقل على المدى القصير . فهذه الدول لاتستطيع بذاتها بالمدى القريب تعويض نقص موارد الاستثمار وانعدام (تقريبا )التراكم. موارد الشركات المتعددة الجنسية ، التكولوجيا وراس المال، والتسهيلات المالية / البنكية الخاصة يمكنها ان توفر لهذه البلدان موارد واستثمار فعال. ولكن ليس دون عواقب سلبية. يمكن التعرف عليها في تجارب العديد من الدول النامية ، التي راهنت على خيار الارتباط التبعي/ الاستهلاكي .
واذا كان الموقف السلبي من العولمة، الذي تتخذه بعض شعوب ودول العالم الثالث، وقواها السياسية، هو امرا يبدو منطقيا ، بالمنطلقات التي تطرقنا اليها، فان وقوف قطاعات متزايدة في دول المركز(العولمية) ، وبدوافع واصول اجتماعية مختلفة، لايمكن ارجاعه الى قلق على الهوية، وان كان هذا تصور البعض منهم . فكما توضح برامج الحركات التي، ينتظمون في اطارها، على تنوع قراءاتها للعولمة، فانها تجتمع على رفض الراسمالية ، كنمط اجتماعي واقتصادي، عالمي. وتجتمع هذه الحركات ايضا على كرهها، للاضطهاد وللعنصرية والتمييز بين البشر في الحقوق والقيمة، والطابع الاستغلالي/ الغيرعادل للراسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي . سواء كانت على الصعيد المحلي /الطبقي (الاجتماعي )، او على الصعيد العالمي (الظلم والتمييز والاستغلال ، الذي يحميه النظام الدولي الجديد ومؤسساته المختلفة) .
اتخاذ هذه الحركات الاجتماعية صيغة ( المناهضة للعولمة)، لا يعني مناهضتها لما هو انساني عام فيها ، وانما هو بالاساس لادراكها الطابع الراسمالي للعولمة، ومسؤليته عن كل هذه المظالم والاشكالات، وهي في احد او جهها ، وبسبب من تنوع القوى الاجتماعية ، تعبرعن تفاقم ازمة الراسمالية البنيوية، واتساع الفجوة التي تستدعيها ، والتي اثبت الازمة الحالية ، انها غير قادرة على تفاديها مهما بلغت من تطور. والعولمة لم تفعل شيئا، غيرتوسيع هذه الفجوة الواسعة اصلا،( بمقاييس مختلفة ) على النطاق المحلي والعالمي، بين المنتجين/ الانتاج (باشكاله ومراحله المختلفة)، الذي يتعمق طابعه الجماعي ، وبين المالكين/راس المال(باشكاله ومراحله المختلفة)، الذي يزداد فردية. تواصل عمليات الاندماج والافلاس، في مختلف القطاعات ، الجارية حتى اليوم، في اكبرحصون العولمة المتصلة بالانتاج والخدمات وراس المال ، وفي البلدان الطرفية والهامشية ، حيث راس المال التابع( في الخليج العربي ومعظم دول العالم الثالث)، هو احدث الادلة على طبيعة هذا التناقض ، والمستقبل الذي ينتظره.
فباي معنى يمكن لثقافة وهوية عدتها لازالت ذات العدة والقراءة، التي انتجتها ، قبل اكثر من الف عام ، مجتمعات وبنى اجتماعية/ثقافية، لم تتجاوز حدود القرية، وثقافة القبيلة، واشكالات مجتمعات الريف الرعوية ـ الزراعية، المقرؤة بتاويل ثقافة الشيخ او الامام او السيد او المرجع ، او القائد التاريخي القادم من ذات البيئة ،... ان تتصدى لاشكالات الحياة في عصر عولمتها؟ كيف يمكن لثقافة القبيلة والطائفة والمذهب وتعصب القومية ، وهي ثقافات مغلقة، يفصلها جميعا عن عالم اليوم، انجازا وثقافة لا يجمعها اي جامع مع تلك الهويات والثقافا السحيقة؟ . ابهذ العدة يمكن لهذه الشعوب ان تدخل عصرا، انتج كل مفرداته وثقافته وشروطه آخر، غريب وعدو في وضع ما ، ولكن لاغنى عنه في نهضة حقيقية مطلوبة ، تدفع بهذه البقاع ، الموجودة على حافة الطريق ، الى داخل عصر المدنية التي يملك مفاتيحها خصم ، او عدو. حداثة شرطها القبول بالاستغلال، ولكن عاقبته التقدم. ودولة تعتمد علاقة المواطنة وتعمل لوطن، لا لفئة ومرجعيات حزبية وعقائدية اورعايا في خدمة، كيانات فوق الدولة، وتعمل لمصالحها على حساب مصالح البلد والمواطن . حداثة لا تساوم على اقامة الدولة العلمانية(اعتمادها العلم)، ومعايير المساواة في الحقوق المدنية (بين مواطنين احرار لا اتباع ). وافرادا احرار ولكن ليس بصفات وصلاحيات فوق قدرات وصلاحيات البشر .
#ثائر_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقات العولمة /الحداثة / الاصالة 2
-
فشل انظمة ..ام شلل مجتمع وثقافة 3
-
فشل انظمة ..ام شلل مجتمع وثقافة 2
-
مفارقات العولمة / الحداثة/ الاصالة
-
فشل انظمة ..ام شلل مجتمع وثقافة
-
قراءات في المشهد الايراني
-
الحوار المتمدن ..تهنئة من القلب ..مع التقدير
-
اوباما ...الواقع والآمال
-
من وحي ثورة اكتوبرالخالدة .. نظرة على الازمة الحالية استلهام
...
-
من وحي ثورة اكتوبرالخالدة .. نظرة على الازمة الحالية بديل اك
...
-
من وحي ثورة اكتوبرالخالدة .. نظرة على الازمة الحالية ..تدخل
...
-
من وحي ثورة اكتوبرالخالدة .. نظرة على الازمة الحالية استلها
...
-
حيوية الماركسية .بين قرائتين 2
-
حيوية الماركسية .بين قرائتين
-
بؤس الثقافة والسياسة
-
الازمة الجورجية الروسية ..الدلالة والآفاق
-
مواقف ..وتاريخ .. ذا دلالة :
-
اشكالات ..ومغالطات في العملية السياسية 3 .. الوطن.. الوطنية.
...
-
المثقفون الوطنيون الجدد
-
اشكالات.. ومغالطات في العملية السياسية : تقاطع الاجندات
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|