|
ماذا يجري في السعودية؟
أحمد حسو
الحوار المتمدن-العدد: 839 - 2004 / 5 / 19 - 05:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
منذ انفجار مجمع المحيا في الرياض، الذي استهدف حياً يقطنه الأجانب، والسعودية تعيش حرب شوارع بين رجال الأمن ومقاتلي القاعدة (كتائب الحرمين). فكل يوم نسمع عن معارك ومداهمات لأوكار انتحاريي القاعدة ومقتل عدد منهم ومثلهم وربما أكثر من رجال الأمن السعوديين وفي اكثر من مدينة سعودية. الحكاية عادت إلى أصلها، فالسعودية نعمت فترة طويلة بالهدوء حين كانت معارك القاعدة تدور في شوارع مدن أخرى، أما وقد عاد سعوديو القاعدة إلى بلادهم فلا بد لهم من العودة إلى الهدف الأساس: تنظيف المقدسات من "دنس حكم آل سعود". القصة طويلة ومعقدة، أي علاقة القاعدة بالسعودية، فالقاعدة أولاً وأخيراً تنظيم سعودي بكل ما للكلمة من معنى. أي أنها تأسست على الأرض السعودية ووجدت تربة خصبة هناك وبرنامجها وإيديولوجيتها موجهتان إلى الشباب السعودي؛ وقبل أن ننسى فمؤسسها سعودي أيضاً (بن لادن). هذا بالطبع قبل أن تتحول إلى تنظيم عالمي عبر التحالف مع حركة الجهاد الإسلامي المصري (جناح أيمن الظواهري) وحركة طالبان لتوسع من جبهة أعدائها لتشمل "الصليبية والصهيونية والغرب"!. وإذا أردنا أن نروي الحكاية من جديد وبموضوعية وأمانة، فلا بد أن نقول إنّ القاعدة مولود مشترك: سعودي أمريكي ومكان الولادة أفغانستان والعدو هذه المرة هو الشيوعية العالمية، أو بكلام أدق الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. هذه الأزمان كانت وردية لأمريكا والسعودية ولشاب سعودي ثري يتوسل الجهاد لطرد الملحدين من بلاد الإسلام. الزواج السعودي الأمريكي لم ينجب القاعدة فحسب، بل أنجب كل الإسلام الأصولي المتشدد بكل مسمياته القديمة والحديثة، ومن هذا الزواج جاء المولود الجديد، أي التحول في فكر الإسلام السياسي من تقويم المنكر بالكلمة والحجة والموعظة الحسنة، إلى تقويمه بالسلاح أي الجهاد بمعناه الكبير الذي فهمته القاعدة ومن سار على نهجها. هذه الأزمان كانت وردية لأنّ السعودية بفكرها الوهابي الأصولي كانت تحارب الشيوعية الملحدة والولايات المتحدة كانت في سباق مع الكتلة الشرقية وحرب باردة معها، فلم يكن الوقت وقت تدقيق بالوسائل، فهي كانت مباحة مهما كانت نوعيتها خصوصاً وأنها موجهة إلى صدور الأعداء. لكنّ الأزمان تغيرت، فلا يبقى شيء على حاله إلا وجه ربك؟ فالسوفيات خرجوا مطرودين من أفغانستان بفضل هذا الزواج السعيد، والمجاهدون أصبحوا فجأة بلا أعداء! مالعمل إذن؟ البندقية وجدت للقتال لا للفرجة! وانتهت الحرب الباردة أيضاً بهزيمة ساحقة للشيوعية واختفى الاتحاد السوفياتي من الوجود وباتت الولايات المتحدة سيدة العالم، واحتل صدام حسين الكويت وتمركزت قوات أمريكية في الأراضي المقدسة، وفجأة أصبح الزواج السعيد غير سعيد بالمطلق. حدث خلط وصراع بين أفراد العائلة السعيدة وتحول الابن المدلل إلى ولد ضال يوجه بندقيته إلى صدر أبيه. الجزء الثاني من الحكاية معروف، فالمحافظون الجدد في واشنطن اكتشفوا أنّ الزوج كان مخدوعاً وأنّ كل "المصائب" تأتي من السعودية، فانتحاريو واشنطن ونيويورك جاؤوا من هناك وترعرعوا في التربة الخصبة التي هيأها لهم نظام آل سعود. إذن لا بد من التغيير! تغيير ماذا؟ المنطقة تعج بالصراعات، الظلم الذي حاق بالفلسطينيين، تأييد الولايات المتحدة الأعمى لإسرائيل، احتلال العراق، تفكيك القاعدة في أفغانستان، وصول حزب ذي توجه إسلامي إلى سدة الحكم في تركيا، فسيفساء تستعصي على الفهم. الحل السحري الوحيد هو "إحلال الديمقراطية" في بلاد العرب وخصوصاً حيث ينبع "الإرهاب"، أي السعودية. لكن كيف؟ وزير الدفاع السعودي، والرجل القوي في أسرة آل سعود أعلن عن استعداده لتغيير المناهج المدرسية، شرط ألا يكون إملاء من فوق، من أين؟ بالطبع من واشنطن. لكن سبق السيف العذل، فإرهابيو القاعدة تشربوا المناهج القديمة والآن لا ينفع الندم، فكل المقاتلين تخرجوا في هذه المدارس والجامعات وليس بالإمكان سحب الأفكار من رؤوسهم. ولا تشكل توبة الشيوخ السعوديين المعتقلين على شاشات التلفزة نصراً للنظام السعودي ولا تعني أيضاً أنّ الملاحقين سيسلمون أنفسهم إلى الشرطة السعودية "ويا دار ما دخلك شر". كلا، فرغم الانتصارات الجزئية التي حققتها قوات الأمن السعودية وتمكنها من قتل العشرات من عناصر القاعدة، فإنّ النار دخلت الدار هذه المرة. والخطر ليس من عدة شباب عادوا من العراق (كما يدعي الإعلام السعودي)، بل هو في جيل كامل من الشباب يجد نفسه مهمشاً في بلاده. ونقل المعركة إلى الخارج وشراء محطات التلفزة وإصدار الصحف في عواصم الغرب لن تغيّر شيئاً، فالمشكلة هناك، حيث انطلق بن لادن ومريدوه. وإطلاق بالوعود بإجراء انتخابات محلية أو إعطاء صلاحيات أوسع لمجلس الشورى الصوري، لا تساوي الإصلاح الذي يطالب به خصوم آل سعود حتى من غير المنضوين تحت لواء القاعدة، ولا تشبع رغباتهم. فهذا المجلس لا يضم في صفوفه إلا بعض الأسر الثرية التي تحتكر الحكم والامتيازات مع آل سعود، فما الذي تغير؟ وحتى لو انتصرت الشرطة السعودية على انتحاريي القاعدة عبر معارك الشوارع في الرياض ومكة وجدة والحملة الإعلامية لمحطات التلفزة السعودية المحلية والفضائية، فهذا لا يعني نهاية الصراع. وحتى لو أغلقت الحدود مع العراق وقضت القوات الأمريكية على "حركة أنصار الإسلام" العراقية الكردية أو على جماعة "الزرقاوي"، وحتى لو اعتقلت بن لادن، فلن يسود الهدوء مدن السعودية ويحل فيها نظام ديمقراطي وتعود القوات الأمريكية قريرة العين إلى بلادها بعد أن تكون أكملت رسالتها في القضاء على "الإرهاب العالمي". فالمارد خرج من قمقمه ولا يمكن أن يعود إليه. وعلى من أخرجه أن يعيده، لكن كيف؟
صحافي سوري مقيم في ألمانيا*
#أحمد_حسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام السوري يزيل المساحيق عن وجهه حول تداعيات اعتقال أكثم
...
-
من المسؤول عن أحداث القامشلي وسواها
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|