|
فلسطينيو الرياستين والوزارتين
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2756 - 2009 / 9 / 1 - 08:50
المحور:
كتابات ساخرة
علّق أحد الساخرين على دخول فلسطين في موسوعة غينس للأرقام القياسية قبل شهر تقريبا ، يوم 18/7/2009 حين صممنا بجدارة (أكبر حقل كنافة نابلسية) في التاريخ القديم والمعاصر ، ويبلغ وزنه 1756 كيلو غرام وطوله 74 مترا وقال: لقد نسي خبراء غينس أن للفلسطينيين أرقاما قياسية أخرى لم تسجل بعد في الموسوعة ، فقد نسوا بأننا الدولة الوحيدة في العالم التي أسسناها ونحن واقعون تحت الاحتلال ، وهذا رقمٌ قياسيٌ جديد ! كما أن هناك رقما قياسيا آخر وهو أن لهذه الحكومة الواقعة تحت الاحتلال رئيسي وزارتين ، وزارة شرعية ، وأخرى منتخبة ، أو شرعية ومقالة ، أو أصلية وغير أصلية ! ولكل واحدة منهما ميزانياتها الخاصة وموظفوها ، ولكل واحدة منهما سياستها الخاصة وأهدافها الخاصة ، وأن الانتقال من الحكومة الأولى إلى الثانية أمرٌ مستحيل ، وأن عمل أي شخص في أحدهما ينفيه ويقصيه من الأخرى . وظهرت مصطلحات جديدة في كلتا الحكومتين تصنف الموظفين ، وتعطيهم شارتها الخاصة . ومن هذه المصطلحات تعبير جديد ليس موجودا إلا في فلسطين ، وهذا التعبير كان دارجا على لسان أحد الوزراء المتنفذين وهو ما يزال يقطع رواتب الموظفين الصغار، الذي فشلوا في تعلم رقصة الحكومة المطلوبة ، وهذا التعبير كان يكفي لقطع راتب الموظف وإحالته إلى خانة الفقراء المعدمين ،! وهذا المصطلح الفلسطيني الجديد والفريد الذي يجب أن يسجل في غينس هو: ( غير ملتزم بالشرعية) و غدا هذا المصطلح تهمة يمكن أن تنطبق على معظم المساكين والفقراء من الموظفين ،ولا يوجد تفسيرٌ لهذا المصطلح أبدا ، وهو مصطلحٌ مطاط غير واضح الدلالة، ويستحيل أن يتمكن المتهم به أن يدافع عن نفسه. وفي المقابل ظهر مصطلحٌ فلسطيني آخر كان دارجا على لسان بعض المسؤولين في الحكومة الثانية، وهو أيضا فريدٌ يستحق أن يسجل ضمن تراثنا النادر القياسي؛ وهو (عملاء السلطة) ممن يرسلون الأخبار إلى الحكومة الأولى ، وكان هذا الاتهام يرسل المتهم به إلى السجن والتحقيق ! وظهرت تعبيرات ومصطلحات عديدة جديدة في الساحة الفلسطينية تُطلق تارة على الأشخاص وطورا على النظام ، مثل: الانقلابيين، وحكومة الانقلاب . وسلطة أوسلو ومخابرات التنسيق مع الأعداء . وكناتج من نواتج هذه المصطلحات المتضاربة تمكن المجتمع الفلسطيني من محاكاة نظام الحكومتين والوزارتين المستقلتين فشرعت هيئات ومؤسسات وجمعيات المجتمع الفلسطيني التوافق هذا الإطار الانقسامي الجديد ، فحين تحتفل وزارة الثقافة في الدولة الأولى بالقدس عاصمة الثقافة، فإن وزارة الثقافة في الحكومة الثانية تحتفل بالقدس كعاصمة للثقافة العربية أيضا ، وهكذا تمكنا من شرخ القدس إلى نصفين ، والاحتفال شققناه إلى احتفالين والشعار إلى شعارين ، وتمكنا بهذه الضربة أن نصيب القدس في الصميم ، ونحولها إلى شلو هدف. أما عن الصحفيين والإعلاميين ، فقد شُقَّتْ التجمعات والهياكل الصحفية الفلسطينية على شاكلة الحكومتين والوزارتين والسياستين ، فهناك تكتلات صحفية ، وجمعيات إعلامية، وروابط وهيكليات إذاعية ، وهي وإن تشابهت في الأسماء إلا أنها تختلف في الوجوه والسياسات . وطال الانقسام أيضا الجمعيات غير الحكومية ، والمخيمات الصيفية والمستوصفات الصحية والمساجد ووصل الأمر إلى أن نُسيّر حملتين مختلفتين من الحجيج إلى بيت الله ، حملة حجاج غزة ، وحملة حجاج رام الله ، ووصل أخيرا إلى صفوف العائلة الواحدة ، وهذا الانقسام صار شبيها بمرض أنفلونزا الخنازير ، ينتقل من مكان إلى آخر . قلتُ معلقا على هذه الملاحظات: أليس غريبا أن معظم المنظمات والمؤسسات والجمعيات العالمية تتنافس على (خدمة) المجتمع الذي تعيش فيه لإبراز مواهبها، وإظهار كفاءتها وإخلاصها فتقوم بتخفيف المعاناة والقهر والفقر عن مواطنيها ، بينما تتنافس معظم الجمعيات والمؤسسات والوزارات في فلسطين على ( إنهاك) الفلسطينيين ، بزيادة معاناتهم وتشديد ضائقتهم وزيادة فقرهم ، لفرض حساباتٍ ضيقة الأفق عند كثير من الساسة ورجال الأحزاب ؟ ويبدو أن الغرض من إنهاك الفلسطينيين على يد الأحزاب يعود إلى فكرة مُضلِّلة وهي: (إن زيادة بؤس الفلسطينيين ، وإنهاك المجتمع الفلسطيني وإفقاره سوف يؤدي إلى ثورة الفلسطينيين على المنافسين والأعداء) . وهذه في حد ذاتها نتيجة جديدة تستحق أيضا أن تسجل في موسوعة غينس للأرقام القياسية !! كذلك أنتجت كارثة الانقسام الفلسطيني جريمة كبرى في حق قضيتنا ، التي كانت قبل الانقسام ، قضية نقية طاهرة عادلة ، وكانت تستمد هذا النقاء من كفاءة أبنائها وتضحياتهم، أما اليوم فقد أصبحت عند كثير من دول العالم قضية نزاع بين طرفين ، أحدهما مغتصب ولكنه جديرٌ بإدارة الصراع ، والثاني ضحية غير كفءٍ ، يحتاج إلى شبكة من الأوصياء وأولياء الأمور من العرب والعالم حتى يدلوه على الطريق الصحيح ، ويأخذوا بيده باعتباره قاصرا إلى أن يصل إلى مرحلة النضج ويبلغ أشده . وهذا الارتداد الفلسطيني من مرحلة النضج والرشاد التي كان يتمتع بها في تاريخه السابق ، إلى مرحلة الوصاية والكفالة الجديدة يستحق أيضا أن يسجل في التاريخ الفلسطيني كأبشع ارتدادٍ نضاليٍ ! أما عن أبشع آثار الانقسام الفلسطيني ، وأكثرها خطرا ،هو إعادة تقسيم شهداء فلسطين ورموزها ، ممن ضحوا بدمائهم لكي يرى الجيل الفلسطيني المستقبلي وطنهم حرا ، فقد تمّ تقسيمهم أيضا ، هم وأسرانا الشجعان وفق الفصائل والأحزاب ، وصار كل خطيب وسياسي يصعد منبر الخطابة يُعدِّدُ أسماء شهداء حزبه وجماعته السياسية ، وكأنهم هم فقط شهداء فلسطين ! وصار مألوفا عند كثير من الخطباء أن يعددوا أسماء الشهداء من أحزابهم أولا وفق مرتبتهم الحزبية، ثم ينتقلون إلى شهداء الأحزاب الأخرى التي لها صلات حسنة بحزبهم ، ثم يعرجون من باب رفع العتب واللوم على ( بعض ) أسماء الشهداء الآخرين من الأحزاب الأخرى ، وقد يتجاهلون شهداء الأحزاب المعارضة لنهجهم . وصار لكل حزب يوم للشهيد وآخر للأسير ، يكرمون فيه أسراهم فقط ، يختلف بالطبع عن أيام شهداء وأسرى الأحزاب الأخرى، ولم يتفق الفلسطينيون حتى على الاحتفال بذكرى نكبة فلسطين ، فجرى هناك احتفالان مختلفان على الرغم من النكبة نكبة واحدة وليست نكبتين إلا إذا اعتبرنا الاحتفالين نكبة أخرى تضاف إلى النكبة الكبرى ! ومن أراد أن يرى سرعة انتشار وباء الانقسام فليحضر ندوة لحزب أو مؤسسة أو جمعية ، ثم يحضر ندوة أخرى لحزب آخر أو جمعية ثانية ، فإنه يلاحظ أن المتحدثين والضيوف والمدعوين للاحتفالين مختلفين تماما ، بعد أن أصاب وباء الانقسامُ جماهير المدعوين كذلك ! وأخيرا ابتسم صديقي الساخر وهو يبتسم ويقول : يبدو أننا نحن الفلسطينيين عربٌ أقحاح فنحن من السلالة نفسها التي ينتمي إليها: (ذو الوزارتين، وذو الرياستين ، وذو السيفين وذو النورين، وذو الحرمين) !!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطلان من السويد بوستروم وبرنادوت
-
انفجار الأبناء في وجه الآباء
-
صديقي الأطرش العربي
-
حردنة إسرائيل
-
جودنرين وعربنرين
-
إعلام صوت إسرائيل وإعلام العروبة
-
استرجاع الذاكرة الفلسطينية
-
نتنياهو بين جامعة القاهرة وبار إيلان
-
نساؤنا الذهبيات
-
إسرائيل دولة المستوطنات
-
قطار خرافات الألفية الثالثة
-
لا تهدروا رصيد مستقبلكم
-
الاحتفال ببلوغ القضية الفلسطينية سن التقاعد
-
ماراثون المفاوضات وأولمبياد المباحثات
-
القرصنة الفكرية وحفظ حقوق التأليف
-
القمع اللفظي للمرأة
-
احذروا إسرائيل الليبرمانية
-
الإعلان سيد الإعلام
-
لاجئ إسرائيلي ولاجئ فلسطيني
-
تعقيم الروح بالفنون
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|