جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2758 - 2009 / 9 / 3 - 00:04
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المسلم نقل قواعد لغته عن (السريان) أي عنا نحن وبكشف مَخبري وطبي على جسم اللغه العربيه سوف يتبن لكم أن السريان (احنا) أصحابها الأصليون , وكان السريان هم الوحيدون الذين يهتمون بالحركات الإعرابيه فوق الأحرف نظراً لتدينهم وخوفهم من الرب , َفقُرّاءُ الأناجيل كانوا يخافون من أن يخطئوا في تلاوة الإنجيل فوضعوا حركات المد والفتح والضم فوق أحرف الإنجيل السرياني , وتعلم العرب هذه العاده عن المسيحيين السريان وخصوصاً عن الرهبان الذين يخافون من أن يخطئوا في تلاوتهم للإنجيل فوضع العرب قواعد لغتهم على هذا الأساس .
أنا بستغرب وبستعجب من إللي بنطقوا بكلام وبكتبوا بكلام آخر , ومن لغه عمر قواعدها اللغويه أكثر من 1400سنه , وما زالت قائمه,بستغرب كيف أصحابها غير متطورين , يعني لو كانوا متطورين كان على الأقل ظهرت بحياتهم نُخب لغويه حديثه , يكتبون بلسان الأمه والشعب ويدافعون عن قضايا معاصره مش قضايا بايته مثل الطبيخ البايت , إحنا محرومين من الروح العصريه على شان لغتنا زي ما بحكيلكم قديمه وأثريه لا تصلح إلا للزينه ووضعها في المتاحف.
ويعترف العرب من أن بعضاً من الصحابه تتلمذوا على يد الرهبان النصارى , ومن البديهي أن النصارى كونهم سباقون لقراءة الكتاب السماوي قد إحتاجوا لقواعد اللغه قبل المسلمين فالمسلمون إحتاجوها بعد ان لاحظوا أن الناس تخطي(تخطأ) بقراءة القرآن وخصوصا الأعرابي الذي سمع ( إنّ الله بريء من المشركين ورسولِه) فقال أوبرىْ الله من محمد إني إذاً منه لبريء , فقالوا له بل (إن الله بريءٌ من المشركين ورسولَه) أي أن الواو هنا واو عطف وليست واو جر ..أو أنه النصب بها مقدر وعملت عمل حتى كأنك قلت (إن الله بريء من المشركين حتى رسوله بريء منهم) ...إلخ.
أما بالنسبة لشعراء العربيه فكان أغلبهم نصارى تتلمذوا على الإنجيل وهم بهذا خبروا قواعد اللغه قبل رواة القرآن , والذين ليسوا بنصارى من المؤكد أنهم تتلمذوا على يد زملائهم من النصارى .
وهل تعلم عزيزي القارىء أن قريش وصحابة محمد ما كانوا ينطقون حرف الهمزه(ء) وروحوا واسألوا أهل الذكر إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون , فقد كانوا يستعيضون عن الهمزه بالتسهيل وبالإماله أحياناً فلم تكن قريش تقول (عائشة) بل كانت تقول (عايشه) وما كانوا يقولون (مأمون) بل (مامون) وما كانوا يقولون (بريء) بل (بَري) وما كانوا يقولون (لؤلؤ) بل (لولو) وعليه قد جروا ودأبوا , وهذا يعني أننا نستطيع أن نستغني عن الهمزه بالتسهيل على الناطق بالعربيه , وبدل أن يتعلم الطلاب في المدرسه قواعد اللغه ويهلكون وهم يحاولون فهمها يجب عليهم أن لا يتعلموها على الإطلاق .
وألاحظ في لغتنا المحكيه أن الناس لا تنطق الهمزه إلا أهل المدن الذين يبدلون حرف القاف همزه فبدل أن يقولوا (وقف) يقولون (وئف) وبدل (قال) (آل) وفي الأمثال الشعبيه (يقلع عينه ) وهم يقولون (يئلع عينه) وفي هذه المواضع لا يستغنون عن الهمزه وليس لها في الكتابه قواعد إلا أنها تُكتب فقط في موقع الإبدال من حرف القاف .
ومن ناحيه أخرى قام النحاه والصرفيون بتتبع كلام العرب ونقلوه ووضعوا قواعد تتلاءم –ولاحظوا هنا أن الناس اليوم تقول (تتلايم) بالتسهيل والإماله -مع الواقع الموجود , لذلك لا عجب أن نسمع عن فصاحة أعرابي دخل على الرشيد أو أي خليفه كما تروي لنا كتب السير الأدبيه لأن اللغه الفصحى والتي نعتبرها اليوم فصحى هي في الأصل اللغه العاميه التي كانت يتحدث بها الرعاه.
بدليل أن فهم اللغه العربيه اليوم بحاجه لعلماء كبار , أما في الماضي فقد كان أي شخص ينطق بها دون أن يخطأ أبداً .
غالبية الطلاب العرب يتعلمون في المدارس اللغه العربيه وقواعدها كما يتعلمون قواعد الفيزياء أو قواعد أي لغه أخرى أجنبيه , فحين يقول لهم الأستاذ:مبتدأ وخبر ونائب فاعل ومفعول به ومفعول معه ومفعول لأجله, يرتبك الطلاب وتنعقد ألسنتهم وكأن الأستاذ يحكي شيئاً كأنه لغز محيروكنتُ وأنا طالب في المدرسه أتباتهى بقدرتي على تفسير القرآن وإعرابه على المدرسه البصريه والكوفيه والبغداديه وكنت بارعا جدا بالعروض الخليليه رغم أنها لم تكن مقرره في منهاجي المدرسي فقد كانت مقرره للطلاب الذين يسبقونني بثلاث سنوات أو أكثر وكنت مدافعاً عن اللغه ومنذ تقريباً 12عاماً عرفتُ أنني مخطأ جداً فحاولت أن أنسى اللغه غير أنها ما زالت بذهني بعض النفايات والزباله والخردوات .
إحنا اليوم بحاجه للغوين عرب حديثين جداً يراقبون كلام الناس ومخرجات حروفهم وعلى هذا الأساس يضعون لنا قواعد لغويه حديثه تشكل بمجملها قطيعه مع التراث واللغه حتى وإن كتب بها 100كتاب سماوي.
هذا الكلام جريء جداً , وأنا مسؤول عنّه , ما الذي نستفيبده من لغه ميته غير صالحه لا يستعملها الناس في حياتهم العامه؟
وقبل عام زارني في بيتي صديق قديم أستاذ جامعي يدرس اللغه والنحو وحين سمعني أقول (هاتولي مَفكْ) دُهش وحكالي : لا يابو علي وين راحت أيامنا بس كنا ما نحكيش مع بعض غير نحو , لا تقل مفك بل قُل مٍفلْ, وهكذا أمضينا جلستنا وهو يقول لي قُل ولا تَقُلْ , وبصراحه قرفني عيشتي وانا من طبعي أنني لا أحب المجادله فداريته وسكتت وكتمتها في نفسي.
لغتنا العربيه غنيه بالتحف الأثريه والتي قلما تجدها في أي لغه من لغات العالم , ولكنها فقيره بالتحف العصريه وبالمناظر الطبيعيه وهي بعيدة كل البعد عن روح العصر فما هي الفائده التي يجنيها العمال والناس العاديين من لغة الجناس والتطبيق ؟ ومن الإستعاره المكنيه والتشبيه البليغ؟والمجاز والمقدم وجوباً والمؤخر والتنوين المُعوض عن الجمله المفقوده؟ وحتى التي حتحتت قلوب النحاه كل تلك الاصطلاحات هي تحف أثريه نجدها معلقه في خزانات الكتب في المساجد والمكتبات العامه بنفس الوقت الذي نجد به لغتنا محرومه من الروح العصريه.
الأمه المحرومه من اللغه العصريه , نجدها أيضاً محرومه من الحياه العصريه فلا بها مؤسسات مجتمع مدنيه حديثه ولا بها إشباع لحاجات ولرغبات الفرد, فالحياه الديموقراطيه مفقوده من مجتمعاتنا العربيه لأن مجتمعاتنا ترى أن ترك اللغه يفقدها عقيدتها الدينيه والعقيده الدينيه عن قصد تضعف الحياه البرلمانيه , فلا يوجد حرية تعبير فكري وسياسي , وحياتنا أثريه وقطعه أنتيكيه قديمه .
فنحن مثلاً نقول في حياتنا العاديه (رزان درست في الجامعه وتخرجت منها )و( سامر درس في الجامعه وتخرج منها) بينما اللغويون يرفضون ويقولون قل (تخرجت فيها) و(تخرج فيها) .
واللغويون العرب الفطاحل المعاصرون يقولون هكذا قالت العرب , وأقول لهم ونحن أيضاً هكذا قال المعاصرون.
على شان هيك احنا بحاجه للغوين عرب حديثين يتنقلون بين المحافظات وبين القرى ويسجلون ما تقوله الناس ومنه يستنبطون لنا قواعد لغويه حديثه, هكذا في الأصل كانت اللغه , فالعرب جمعوا كلام الناس وما يقوله الرعاه والعوام من الناس وعليه وضعوا قواعد لغتهم , فالعرب كانوا في الأصل يرفعون الفاعل أو الغالبيه كانت ترفع الفاعل فإتفقوا على رفع الفاعل باضمه ونصب المفعول بالفتحه , وقد وضع العرب تلك العلامات الإعرابيه في البدايه فقط فوق أحرف القرآن وكلماته , ولم يكن بمقصودهم تعليم هذه الحركات للناس بل كانوا يتركون الناس على سجيتهم ومنهم يستنبطون القواعد الشاذه حتى أن الشواذ في اللغه أصبحت إعجازاً.
اللغه العربيه لغه أثريه وحلوه إكثير تصلح للزينه في المكتبات العامه مثلها مثل التحف والعُمل النقديه القديمه (الأنتيكات) ولكنها لا تصلح للحياة العصريه , لا تصلح للديمقراطيه , تتعارض مع إستبدال اللغه بلغه شعبيه , تتعارض مع إطلاق الحريات العامه والمساواة والحريه وحقوق الإنسان , تتعارض مع الجندريه ,كانت لغتنا أيام زمان حلوه ومتينه بس اليوم خلص شو بدنا فيها خلينا نحكيلها باي باي , زهقتينا حياتنا يا حياتي , بدنا نكتب عن الواقع بلغة الواقع ونستمتع ونحن نسمع كلام الناس في الشوارع مكتوب على الوراق والدفاتر .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟