قيس مجيد المولى
الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 10:02
المحور:
الادب والفن
كان الملاذ للجمل المتكونة غسقا أصفرا لايرى مايدرج من خلاله على الورق الشفاف وكان التركيب بالغ الصعوبة في معرفة المسافات التي ربطت المدن بعضها البعض أو تلك التي بقيت معلقة على علامات التعريف التي تشير الى الأسماء والكيلومترات المتبقية للوصول إليها وقطعا كانت هناك مخيلة تلتبس بمخيلة أخرى
ومخيلة تتطابق بالمطلق المفتوح وأخرى لاترتضي إلا بالساكن المظلم وأخرى منشرحة على الكراسي في محطات الإستراحة ،
لم يتبق غير 100كيلومترا للوصول الى أنقرة
وأضفت إليها 570 كيلو مترا للوصول الى إستنبول
ومنذ تلك اللحظة إزدحمت الرغبات
ولم تعد الأشياء بالساكنة ولم تخضع داخل مجالها لغرض التجريد لذلك حين أطفا سائق الباص الضوء على راكبيه ال 44 راكبا منذ أن خرج باصه من ديار بكر
راحت أغلب الرؤوس تتمايل وترقد على الأكتاف ولم ترف لها جفن أو تداعبها صورة ما على طول الطريق سوانا نحن الثلاث الذين رقنتهم الغربة ،فقد وضعنا لكل شئ بعده الدلالي في ذاكرتنا لأننا سنعاود الطريق غرباء من فندق الى فندق
ومن رصيف الى رصيف ومن شجرة الى شجرة
لا أنيس لنا غير ليل البحر وعواء أمواجه خلفنا ،
لا أحد يجامل أو يريد من لاوطن له
كم نوبة عبر ذلك الطريق من البكاء المكتوم كتمناها
وكم أتعب عيوننا النظر من وراء الأسلاك وزجاج السيارات والقطارات
وكم لسع أجسادنا البعوض في بوابات تلك البلدان ،
لا نرجسية بعد تسرد تفاهتها اليومية علينا
ولا مصابيح ومشاعل وسروج
أي فائدة لي وأنا أقنع نفسي بفرح اللحظة
حين لاحت لي منائر أنقرة
كم مرة رايتك يامحطة الباصات
أيها الروح
من يشبهك من هؤلاء
من يستطع غيرك تحمل الحسرة عبر النداء الأخير للمغادرة
لاتلتفتي
بقي الوطن خلفك كيلومترات كيلومترات
بقيت خلفك شجرة اليوكالبتوس قرب مضخة الوقود
بقيت أقدامك في شارع النهر
وأثار أصابعك على أعمدة الإنارة
ها أني ياساحة بيروت الأن
في إستنبول أُلفتي الأزلية
راعية شهواتي
بنزولها وحاناتها
بقبور سلاطينها ودراويشها
بمسجدها الأزرق وبسفورها الحزين
من يستطع غيرك أن يفهم ماأكتب
من يستطع غيرك الحداء على سريري
من يستطع غيرك معرفة نومي
أمرٌ مستبعدٌ أن أحكي لك كل ليلة قصص السنوات الست كي أنام
أمر مستبعد أن تميز الأحلامُ شكلي
ومثلما كانت ترمي الزهور عليَ
أمر مستبعد أن لاتفتك بي حيوانات الوحشة
أن لاتنظم عيوني لعتمة السواد
أن ينطق صوتي
فلا احد يرد
أو يجامل من لاوطن له
[email protected]
#قيس_مجيد_المولى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟