|
ائتلاف لا يجلب الاستقرار والسلام للعراقيين ولا يكتب له النجاح
سيد علي الطباطبائي
الحوار المتمدن-العدد: 2753 - 2009 / 8 / 29 - 06:45
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
تمخض الجبل وولد من جديد كياناً طائفياً لا يختلف في الجوهرعن الكيان الطائفي السابق، أي الائتلاف العراقي الموحد، الذي ثبت فشله وتشتت خلال الدورة الانتخابية السابقة. إن هذا الكيان الجديد لا يختلف عن سابقه سوى في وجود سيدة مسيحية عراقية واحدة وعمامة واحدة لمؤسسة دينية وليست سياسية من الطائفة الأخرى وشيخ عشيرة، وما أكثر الشيوخ في عراق اليوم، أثار الاحتجاج لمشاركته في محافظة الأنبار. أما المشهد الباقي فهو لا يختلف قيد أنملة، إن لم يكن أشد طائفية عن التركيبة السابقة التي أعلن الجميع عن رفضها وأدانها الشارع لها بقوة لكونها مشروع طائفي يهدد العراق وأمنه واستقراره. وقد انعكس هذا الرفض للطائفية بوضوح في نتائج انتخابات المحافظات الأخيرة.
إن الطابع الطائفي لهذا الائتلاف واضح في خطاب أقطابه وفي البيان التأسيسي له، رغم التغيير في أسمه من "الائتلاف العراقي الموحد" إلى "الائتلاف الوطني الموحد". فهذا التغيير تلاعب بالألفاظ يبدده الخطاب الافتتاحي للدكتور إبراهيم الأشيقر الذي ينطوي في جوهره على نعرة طائفية واضحة. وإلى القارئ نصوص وافية من الخطاب الافتتاحي للدكتور الأشيقر حين يقول:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطاهرين وصحبه المنتجبين وجميع عباد الله الصالحين .. السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته .. قال الله في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن إتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)..
ثم يستطرد ويقول:"إن الإئتلاف يسجل شكره وبكل إكبار إلى المرجعية الدينية التي دفعت المسيرة الوطنية منذ شوطها الأول بعد السقوط على طريق ولادة الدستور والتعاطي البرلماني وتجاوز الأزمات نحو المشاركة بالإنتخابات والتي تجلـّت بشكل كبير بشخص المرجع الكبير السيد السيستاني (دام الله ظله) ونشكر الشعب العظيم على دعمه في الإنتخابات لتقوية هذا الإئتلاف....وقفة إجلال وإكبار لكل شهداء العراق الأبرار وإلى رمزه الخالد وعنوان وطنيته السيد محمد باقر الصدر وإلى الشهيدين الخالدين شهيد البردة السيد محمد محمد صادق الصدر وشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..تحية إكبار وتقدير لكل شهداء الحركة الوطنية للشهيد عبد الصاحب دخيل والشهيد عز الدين سليم ولكافة الشهداء.
ثم يعود ليؤكد في خطابه الطائفي ليشير:"ثالثا جربنا من خلال السنوات الست الماضية فرزنا بين نوعين من الفقهين وتفريع عن الفقه .. بين نوعين من الفقهاء فقه الوحدة وفقه الحب وفقه السلم وفقه الكراهية وفقه هدر الدم وبذلك إنفرز نوعان من الفقهاء .. فقيه يدعو إلى وحدة الصف وجمع الكلمة ويأبى إلا أن يرتقي إلى سماء العراق كله ويحفظ العراقيون كلهم وآخرون للأسف الشديد هبطوا وتوحلوا في وحل التفرقة ونزف الدم والتبرير للإرهاب لذلك يجب أن نسجل كل آيات الشكر والتقدير لكل الفقهاء والعلماء والمفكرين والسياسين والإعلاميين الذين وجهوا أقلامهم وخطابهم وفكرهم وكل شيء نحو بناء العراق الجديد الذي ينعم العراقيون به بالخير والبركة".
ويزيد البيان التأسيسي على المنحى الطائفي في خطاب الدكتور إبراهيم الأشيقر حيث ورد فيه:"11- الالتزام بالتوجهات الرشيدة للمرجعية العليا"!!. ولا ندري كيف ستعالج السيدة المسيحية والمعمم من الطائفة الأخرى هذه الاشكالية في ظل هذه العلاقة مع المرجعية؟.
أما في البيان التأسيسي فهناك تجاهل خطير للنسيج العراقي ومكوناته حيث لم ترد أية إشارة إلى الحقوق القومية للقوميات القاطنة في العراق من الأكراد والتركمان والأشوريين والكلدان..، كما لم يشار إلى الحقوق الدينية لأتباع المذاهب الأخرى من المواطنين العراقيين كالمسيحيين على اختلاف مناهجهم والايزديين والصابئة وغيرهم، في دلالة على التعصب المذهبي الطائفي لصانعي هذا التكتل الطائفي الجديد. فأين هو الطابع الوطني لهذه التشكيلة الجديدة سواء في خطابها أو في ثنايا برنامجها؟
إن هذه التشكيلة لا يمكنها أن تجلب الاستقرار للعراق لسبب بسيط هو أنها جاءت استجابة لضغوط حكام إيران ورجال التطرف المذهبي ولدوافع طائفية بحتة. وهي لا تستطيع أن تجلب الاستقرار للبلاد لأنها، وفي ظل الحادث المريع الأخير الذي عصف بالعاصمة العراقية ورغم الإعلان عن مسببيها ومثيريها، لم تشر ولو بكلمة واحدة إلى الأطراف الإقليمية التي تقف وراء هذه الجرائم البشعة وهم حكام سوريا بسبب ارتباط أكثر من طرف في هذه التشكيلة بالتحالف الإقليمي بين حكام سوريا وإيران. فقد دعت هذه الكتلة في بيانها التأسيسي وبدون تردد وبعد فاجعة الأربعاء الدامي إلى ما يلي:"رابعا أود أن أوجه إلى الوضع الإقليمي والمواقف الإقليمية .. لسنا خجولين إننا نمد الجسور ونعقد علاقة الإنفتاح والتعامل مع كل دول الجوار الجغرافي من موقع الحب والتنظير السياسي والمصالح المشتركة مع تركيا وإيران وسوريا والكويت والسعودية والاردن بل نمتد من دول حوض الجوار إلى دول ما بعد الجوار"!!!.
إن هذا الائتلاف الجديد القديم أقيم على أكوام من التناحرات الكامنة المعلنة وغير المعلنة في داخله. وقد تبين ذلك حتى في احتفال التأسيس الذي أقيم عند الإعلان عنه حيث أنفرد الشيخ الهايس دون الآخرين بإدانة الحكومة السورية على خلفية التفجيرات التي عصفت بالعاصمة وأودت بحيات العشرات من العراقيين وسط صمت مطبق من الأطراف الأخرى في إدانة الفاعلين ومن يدعمهم. ولا يغيب عن البال في هذه الصدد الصراع الدامي بين التيار الصدري وبين منظمة بدر والمجلس الاعلى والذي مازال قائماً بسبب امتلاك كلا الطرفين لأكداس من الأسلحة، خلافاً للدستور العراقي، استعملت وستستعمل عند أول صراع على النفوذ والمال والسلطة بين الطرفين كما أكدته تجربة "التحالف" بينهما خلال السنوات الماضية. وتعاني أطراف أخرى داخل الائتلاف الجديد من صراعات داخلية أدت إلى طرد أعضاء في الائتلاف من أحزابهم كما حصل بالنسبة إلى السيد عبد الكريم العنزي الذي شارك بأسم حزب الدعوة - تنظيم العراق - وهو المطرود من هذا الحزب في وقت سابق. كما يعاني التيار الصدري من الانقسامات، خاصة بعد تفرد عدد من أقطابه تحت ما يسمى بعصائب الحق بزعامة قيس الخزعلي الذي دخل في صراعات حادة مع مقتدى الصدر وقام بمد الجسور مع قائمة فرض القانون بزعامة السيد رئيس الوزراء.
إن بعض أطراف الائتلاف الجديد يحملون معهم وزر أعباء من الأخطاء والممارسات التي أضرت بالعملية السياسية في البلاد. ولعل شبح نهب بنك الرافدين في الزوية ذي الطابع الاجرامي السافر وضلوع جزء من حماية السيد عادل عبد المهدي أحد أقطاب المجلس الإسلامي الأعلى أثارت غضب الشارع ضد هذه الممارسات. فالوقائع تشير الى ان قسماً من الضالعين في سرقة الزوية كانوا ضالعين في سرقات اخرى مثل بنك الصالحية وجرائم اخرى، وهذا ما انعكس بشكل واضح على وضعية السيد عادل عبد المهدي وفرصه وعلى وضعية المجلس الاسلامي الأعلى بحيث اصبح من الصعب بعد الحادث معالجة التداعيات في داخله. إن بناء ائتلاف سياسي حضاري ينشر المفاهيم العصرية في العمل السياسي ويلغي التقاليد البالية للنظام السابق، لا يبيح للمجلس الأسلامي الأعلى وهو أحد أبرز أطراف الائتلاف إلى نشر تقاليد توارث الأبناء والأحفاد ملكية الحركات السياسية كما حدث في الأيام الأخيرة وبعد رحيل المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم حيث تولى أبنه زعامة المجلس وكأنه لا يوجد في هذا المجلس من هم أكبر سناً وأكثر خبرة في العمل السياسي وأكثرهم تعليماً وثقافة سوى السيد عمار الحكيم لتولي المسؤولية. وبذلك ترسى تقاليد التوريث وحكم العائلة المتخلف والاستبدادي في حياة الأحزاب والحركات السياسية. ومما يحد من قدرة الائتلاف الجديد على إشاعة الاستقرار في العراق هو أن أطرافاً في هذا الائتلاف وخاصة التيار الصدري ومنظمة بدر، يتحملان وزر الصراع المذهبي الطائفي الذي عصف بالعراق جراء استفحال المنظمات الإرهابية وتصاعد الفتاوى التكفيرية من دول الجوار. فقد استجابت هاتان المنظمتان لهذا الصراع الدموي وأصبحتا طرفاً فيه وارتكبتا عمليات قتل وتهجير على شاكلة ما قامت به "الدولة الإسلامية في العراق" وأنصار النظام البعثي السابق وأجهزة مخابراته. وما زالت هاتان المنظمتان تحتفظان بميليشيات مسلحة، كجيش المهدي على سبيل المثال، فكيف ستجلب هاتان المنظمتان وبالتالي الائتلاف الجديد السلام والاستقرار للعراقيين في ظل هذه التركة التسلطية والعنفية والتراث المدمر للعراق؟؟.
ولا يمكن أن تشكل أطراف أخرى في هذا الائتلاف مصدر استقرار للعراق وقوة تصويتية لهذه التشكيلة الجديدة، لانها لم تحصل في الانتخابات السابقة إلاّ على بضع مئات من الأصوات مثل حزب المؤتمر الوطني بزعامة الدكتور أحمد الجلبي عراب الائتلاف الطائفي ومروج "البيت الشيعي" والسيد قاسم داوود. فمشاركة هؤلاء وشخصيات أخرى في هذا الائتلاف جاء نتيجة لدوافع الحصول على مقعد لهم في النتخابات القادمة ليس إلاّ. ولا يلغي هذا الائتلاف الجديد مبدأ المحاصصة المضر بالعملية السياسية في العراق بل يزيدها عمقاً. فما تسرب من أخبار من أروقة مناقشات هذا التكتل الجديد يشير إلى صراع بين التيار الصدري وكتلة المجلس وكتلة الدكتور إبراهيم الأشيقر على تسنم المناصب السيادية في حالة نجاح هذا الائتلاف في الانتخابات القادمة. وارتفع من الآن صوت بعض ممثلي التركمان منتقداً غياب الدور التركماني في الائتلاف الجديد. كل ذلك لا يعني إلا عودة إلى صراع داخل التكتل الجديد يهدد بالانشقاقات على كراسي الحكم داخل هذا "البيت العتيق".
إن مبادرة أطراف التشكيلة الجديدة للائتلاف العراقي الموحد إلى تشكيلتهم الجديدة التي تعد أكثر طائفية من سابقتها سوف تؤدي إلى تكريس الواجهات الطائفية في العمل السياسي في العراق وما لذلك من عواقب سياسية كارثية على مستقبل البلاد. فهذه الخطوة الخاطئة ستؤدي بدورها إلى ديناميكية أخرة تدفع الطرف الطائفي المقابل إلى جمع قواه واستعادة سطوته على مناطقه والتحفز لمواجهات طائفية لم ولا تجلب الخير للعراقيين. كما إن هذه الخطوة ستؤدي إلى تخندق مضاعف للتيار القومي الكردي بحيث يسد الأبواب أمام أي مسعى للتوجه نحو بناء تكتلات تضم كل الأطياف العراقية، وهو ما يعود بالضرر على القضية الهوية الوطنية العراقية.
ويبقى الكلام الأخير هو للناخب العراقي وموقفه من هذا الائتلاف الجديد. فهل سيعيد الناخب العراقي الخطأ الذي ارتكبه في انتخابات مجلس النواب السابق وينجر وراء السراب الطائفي، أم يعيد النظر بذلك ويطور ما حصل في انتخابات مجالس المحافظات عندما تم تطوبق الظاهرة الطائفية إلى حد ما في الانتخابات؟ سؤال ننتظر جوابه من الناخب العراقي.
27 آب 2009
#سيد_علي_الطباطبائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرجعية والانتخابات
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
المزيد.....
|