أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الباتع - -مردخاي- واعظاً















المزيد.....

-مردخاي- واعظاً


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 2751 - 2009 / 8 / 27 - 05:37
المحور: القضية الفلسطينية
    



الدكتور "مردخاي كيدار" كاتب ومفكر إسرائيلي مرموق، وهو أيضاً أستاذ للدراسات العربية في جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، كما أنه أحد نجوم الفضائيات العربية التي التي دأبت على إتحافنا بين الحين والآخر بإطلالته علينا عبر شاشاتها باعتباره أحد دعاة (أو أدعياء) الحوار العربي الإسرائيلي.

لم يتوقف السيد "مردخاي كيدار" يوماً واحداً على الأقل منذ أن عرفناه إعلامياً عن التهجم على البلاد العربية واتهامها شعوباً وحكومات بالفساد والدموية والقمع والاستبداد، مرتدياً مسوح الواعظين الناصحين، ومعايراً الشعوب العربية تلميحاً وتصريحاً بالحكام "الفاسدين" وما إلى ذلك من مثالب يقذفها الواحدة تلو الأخرى في وجوه كل من ساقه حظه إلى التمسي بسحنته.
يقول الدكتور "كيدار" أنه بينما كان آباؤنا (يقصد العرب) مخمورين يعاقرون الخمر ويئدون البنات ويعبدون الأصنام، كان أجداده اليهود منهمكين في إعمار هذه الأرض ضاربين بجذورهم فيها، مضيفاً أن لا شأن للمسلمين بالقدس فهي يهودية منذ الأزل، نافياً عنها صفة العروبة أو الإسلام مستدلاً على ذلك بأن القرآن الكريم لم يأت على ذكر المدينة المقدسة ولو مرة واحدة (!)، زاعماً أن القدس لم تصبح مدينة زاهرة إلا تحت حكم إسرائيل بعد أن كانت بمثابة "خرابة" بين أيدي العرب !

وقد جاءت آخر تجليات "مردخاي كيدار" في مداخلة إنترنتية كان نصها (من يريد أن يقاطعنا فعليه أن يرمي حاسوبه في البحر لأن وحدة التحليل المركزية من إنتاج "إنتل" هي من تصميم إسرائيلي أو إنتاج إسرائيلي أيضا، كما عليه ألا يستعمل الهاتف النقال لاحتوائه تكنولوجيا تم تطويرها في مختبرات موتورولا في إسرائيل، وأن يمتنع عن تعاطي الأدوية لأن الكثير منها حول العالم مصنوع في مصانع تابعة - كليا أو جزئيا - لشركة طيفع الإسرائيلية، وأن يقلع عن تناول الخضروات لأن كثير منها هي من تطوير معهد "فولكاني" الإسرائيلي ناهيك عن أن أدوات الري االمنتشرة بكثافة بين المحيط والخليج هي إسرائيلية التصميم والتنفيذ).

ليتك كنت كاذباً يا "مردخاي كيدار"، نعم ليتك كنتَ كذلك. ولكنك بالتأكيد تعلم أن في ثقافتنا العربية شيئاً من مكنون العطف لمن يهدي إلينا عيوبنا. نعم يا سيد "كيدار" نحن نشكرك ونعترف باسى وبلا غضاضة بأننا أعجز من أن نصنع مسماراً أو سلكاً من أسلاك الحاسوب أو الهاتف النقال، وندرك أنه لأمر مخجل، ولكنه لا ينبغي أن يكون مفخرة لكم لأن كل هذه وببساطة إنجازات عالمية، أوروبية وأمريكية لا يد لإسرائيل فيها، حتى وإن تم تصنيعها بأيديكم إمعاناً منهم في رفع شأنكم بين الأمم، وتمكينكم من تنفيذ ما عهد إليكم به من سياسات وأهداف.

لن نكرر لك تلك الإسطوانة المشروخة حول الأمجاد العربية البائدة في العلوم والطب والفلسفة واختراع الاسطرلاب وساعة شارلمان الدقاقة ودورة ابن النفيس الدموية، فذلك زمن قد مضى ورحم الله من عرف مقدار نفسه.

لقد صدقت يا "كيدار"، فقد شربنا الخمر ووأدنا البنات وعبدنا الأصنام واعتدى بعضنا على بعض، وارتكبنا في الماضي كل ما تعرف وما لا تعرف من موبقات وآثام، حدث هذا وأكثر منه في عصور الجاهلية الأولى قبل الإسلام وجاهليات أخرى بعده، ولكن ماذا كان يفعل أجدادك يا دكتور؟ كانوا مجرد أتباع وخدم في بلاط الإمبراطورية الرومانية الوثنية التي ضحكت عليهم واستخدمتهم يومها كما يضحك الغرب عليكم اليوم ويسخركم كأدوات رخيصة لنشر الدسائس وبث الفتن والتآمر على الأنبياء والرسل لحساب الغير بثمن بخس، وهذا ما أوغر عليهم صدور الأمم وجر نقمتها وجبروتها عليهم يا دكتور، فانتهوا بعدها إلى ما انتهوا إليه، أسلاباً وسبايا في أزقة بابل وأرصفة آشور. أليس كذلك؟

تعيب علينا يا بروفيسور أوضاعاً سياسية واجتماعية مشينة وحكومات فاسدة وقيادات عاجزة لم نخترها وإنما فرضتها علينا الملابسات والظروف التاريخية، تماماً مثلما فرضت الصهيونية نفسها عليكم، فليست هذه الأوضاع إلا بعض إفرازات المشروع الاستعماري الغربي للهيمنة على هذه البلاد، وهو المشروع الذي في سبيله اضطهدتم ونفيتم وأقيمت لكم محارق الغاز وأبيد الملايين من أهلكم، لدفع البقية الباقية منكم والتي حضرتك منها للفرار إلى بلاد ليست لكم، بلاد حشركم أولياء نعمتكم فيها بمنطق القوة رغم أنف قوة المنطق، لتقيموا دولة قطاع طرق، تستقوي على المستضعفين وتتاجر بأعضاء الأسرى والشهداء منهم، وتمتهن البغاء السياسي والجنسي على السواء، تسرق الأرض والذاكرة والتاريخ والفنون والأزياء والأطعمة وكل شيء.

هذه هي الحقيقة يا سيد "كيدار"، نحن وأنتم ضحايا لأطماع الإمبريالية العالمية ومخططاتها السياسية التاريخية الجشعة للاستيلاء على مقدراتنا منذ أيام الحروب الصليبية وحتى الحملات الاستعمارية الأخيرة، والتي فشلت مراميها جميعا فشلاً تحدثت به الركبان، إلى أن اهتدى القوم إلى استخدامكم كمخلب قط في بلادنا، نحن متساوون يا سيد "كيدار" في كوننا ضحايا وقرابين للجشع الإمبريالي، غير أن الفارق بيننا وبينكم هو أننا ورغم كل شيء أمة حرة، نأنف الظلم ونثور على الطغيان ونحارب الاستعمار ونقاوم العدوان وسنظل نفعل طالما بقي للتاريخ بقية من رمق، في حين رضيتم أنتم بالتكليف عن طيب خاطر ورحبتم بتلك المهمة المعيبة بكل سرور، ولم يكن بإمكانكم ألا تفعلوا فقد جبلتم يا ابن العم على التبعية والخضوع والانصياع لكل من هو أقوى منكم، وإلا فأتحداك أن تأتيني من قائمة سلالتكم النقية المختارة باسم واحد من وزن وطراز عمر المختار أو سلطان باشا الأطرش أو عبدالكريم الخطابي أو رشيد عالي الكيلاني أو ابراهيم هنانو أو مصطفى كامل، ولك أن تقابلني إن وجدت !

أما القدس يا سيد "مردخاي" والتي تقول أنها خارج المفاوضات وأنها لليهود فقط ولا شأن للعرب بها، فنقول لك وما شأنك أنت بالقدس؟ بل وما شأن اليهود بها؟ أليست هي المدينة التي يقول لكم كتابكم الذي تقدسون أن الرب قد منحكم إياها، فأبيتم واستكبرتم وجبنتم عن دخولها، متذرعين لنبيكم الذي قادكم إلى درب الخلاص بأن أهلها جبارين لا قبل لكم بهم، حتى عوقبتم بالتيه في الصحراء أجيالاً. ألم يسقط رفضكم ذاك أي حق لكم فيها منذ ثلاثة آلاف عام، تماماً كما أسقط حقنا في تقسيم فلسطين بموجب قرار الأمم المتحدة عندما رفضناه قبل ستين عاماً فقط؟

القدس يا سيد "كيدار" ملك لأهلها الذين عمروها وحافظوا عليها ودافعوا عنها وعاشوا فيها آلافاً من السنين، لا فرق كانوا من اليهود أو المسيحيين أو المسلمين. أما جنابك ومن شاكلك من أبناء الحركة الصهيونية، صنيعة الامبريالية الرأسمالية فلا حق لكم في عرض إصبع من أراضي القدس أو من غيرها من أراضي العرب، ولتسجدوا لله آناء الليل وأطراف النهار حمداً وشكراً إذا ما رضي البعض منا تحت وطأة الضعف والهزيمة باقتسامها معكم، لعله بإملاء من كرم العروبة وسماحة الإسلام الذي وجد مثلك ـ ويا لنكد الدنيا ـ ليتهكم عليه.

الإسلام الذي لم يعد يعجبك اليوم يا سيادة الدكتور هو المنظومة الوحيدة في التاريخ التي أقامت لكم شأناً بين أمم الأرض، يوم اعتبركم "أهل كتاب فأحسن إليكم وأكرم مقامكم وأدناكم من عروش الخلفاء والملوك والسلاطين، جلساء وخلصاء ووزراء ومستشارين، وأحسن إليكم عندما أساء الآخرون، فلم يكن لأيكم شأن ذي قيمة إلا في ظل الدول الإسلامية المتعاقبة، فلم يكن العرب والمسلمين في عداء مع اليهود في أي وقت، وتشهد على ذلك حاراتكم التي عاش فيها أهلك لعشرات القرون في المدن والعواصم العربية، في دمشق وحلب وبغداد والقاهرة وغيرها، ولو جئتم فوق هؤلاء بملايينكم الأربعة عشر إلى بلادنا لاستقبلناكم وأمناكم وأكرمنا وفادتكم وفتحنا لكم بيوتنا وقلوبنا، ولكنه غباء الصهيونية، أبى إلا أن يجيء بكم غاصبين محتلين، فأمسك عنا مواعظك يا "مردخاي" وتربص أقدار قومك ولو بعد حين!

أتدري لماذا فشلت تجربة العرب في الأندلس فانهارت تلك الحضارة الساحرة وانقلب سحرها علينا؟ ربما لأنكم كنتم حلفاءنا هناك، أو ربما لأننا رفضنا التعايش والاندماج مع أهل تلك البلاد وفرضنا عليها منطقنا وثقافتنا قسراً، فبقينا رغم كل شيء كياناً غريباً عليهم، فكانت النتيجة هي الزوال الحتمي،..

فهل من معتبر؟



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية من لا قضية له
- مطلوب شهادات وفاة
- بين القلق والخجل .. ثمة مكان للفرح !
- زمن الحارة .. هل كان حقاً جميلاً ؟
- جذور الحرية في المجتمع المدني
- ثمار الحرية في المجتمع العربي
- وماذا بعد فقدان الذاكرة؟
- سقوط زيتونة !
- هل كان يجب أن تموت بدور؟
- الإنسان والغريزة والأخلاق
- نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الباتع - -مردخاي- واعظاً