خيري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 2751 - 2009 / 8 / 27 - 08:51
المحور:
الادب والفن
قالوا جميعهم دون استثناء بأنّهم سيلحقون بي إلى قلب الصحراء! ومضينا بعد أن جمعنا ما خفّ حمله وكان هناك بعض الماء.
قالوا بأنّ الصحراء أصبحت عصرية وهناك إمكانية لإيجاد الماء إذا ما اتّبعنا التعليمات الضرورية من أجل هذه الغاية. والشارات موجودة في الكثير من الأماكن كما أنّ هناك العديد من الواحات المريحة.
قالوا بأنّ الرحلة ستكون خفيفة ومريحة وممتعة وانطلقنا.
مضى على بدء الرحلة يومان، اختفى من مركبي خمسة أشخاص، جميعهم رجال .. رجال. وكان التعب وآثار المشقّة بادية على وجوه الآخرين.
قالت: هل أنت واثق من أنّ الطريق آمن .. أشعر بالعطش يا قبطان الصحراء!
ناولتها مطرتي فشربت بعض الماء وأعادتها لي خجلة. أخبرتها بأنّ هناك واحات للاستراحة وما علينا سوى الانتظار بعض الوقت.
في اليوم التالي اختفى خمسة آخرون ثلاثة رجال وامرأتين. وبقينا نتابع الطريق. ثلّة من المتعبين المعطشين لماء بارد زلال. كنّا ثلّة لوّحت الشمس وجوهنا وكأنّنا متوجّهين نحو الجحيم .. من يدري متى تنتهي هذه الرحلة.
قالت: لماذا كان علينا المخاطرة يا قبطان؟ ليس هناك نبع ولا واحة!
أخبرتها بأنّ هذه الرحلة بمثابة امتحان لقوّة تحملنا وصدقنا. من يصدق الصحراء تصدقه، وإذا كتب علينا المضيّ بعيداً في رحم المغامرة عندها يجب علينا أن ندرك مدى وحجم المآسي اللواتي قد نتعرّض لها. من يرغب منكم العودة فليفعل.
حاول أحدهم مهاجمتي وسرقة حافظات الماء القليلة في حوزتي. ولكن هيهات يا جبناء! لن تنالوا سوى ما استحققتم من الماء. ما تبقّى ستحصلون عليه حين نبلغ مبتغانا.
انقلب البعض الآخر راجعاً وزهقت أرواح آخرين، وبقيت هي في رفقتي حتى النهاية. هناك في البعيد لاح سراب ومن خلفه سراب ومن خلفه سراب ومن خلفه سراب ومن خلفه واحة. كانت شفتاها قد تشقّقت وبالكاد همست قائلة: هل حققت هدفك يا قبطان؟ عندها بكيت وضممتها إلى صدري. همست في أذنها: هرب الأحبّة والأصدقاء .. هرب من كنت أظنّهم بأنّهم قادرون على مواجهة الموت من أجل قضية عادلة. وبقيت أنت يا أمّي ويا فلذة قلبي ويا حبيبتي! بقيت أنت ضميري المنداح في غيهب الزمان! أنا وأنت وواحة غبيّة عارية من الوفاء وجمال الفتنة. فكيف يكون اللقاء يا أنتِ؟ كيف نستجدي الحياة وسط كلّ هذا الموت؟ كيف نجيب عن أسئلة البقاء والفناء يخيّم في كلّ حبّة تراب من حولي. بقيتِ أنتِ والموت ثالثنا يا خنساء يا أنتِ يا امرأة جمعت في خريطتها الجينية كلّ قوافلِ النساء!
#خيري_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟