أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - فضفضات رمضانية















المزيد.....


فضفضات رمضانية


هشام محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2749 - 2009 / 8 / 25 - 02:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-

اخبرني صديق أنه استمع إلى امرأة، اتصلت هاتفياً ببرنامج ديني على احدى المحطات الإذاعية، لتقص على الشيخ الحكاية التالية: فيما كنت ارافق زائرة لي إلى باب الخروج، إذ بطفلي الصغير ينسل من بين يدي إلى الشارع. وما أن وصل الطفل إلى منتصف الشارع حتى دهسته سيارة كانت قادمة من الجهة الأخرى. تكمل المرأة قصتها: لم اقدر على اللحاق بطفلي، ولا النزول إلى الشارع لأنني كنت اقف مع زائرتي بلا عباءة (!)". ثم ختمت المرأة اتصالها بسؤال الشيخ عن حكم الشريعة الإسلامية في تصرفها.



من المؤكد أن خوف المرأة هذه من العقاب الإلهي كان أقوى من عاطفتها نحو ابنها. ومن المؤكد أن خشيتها من العار الاجتماعي، فيما لو نزلت الشارع بلا عباءة كان أقوى من جزعها على طفلها. المتعارف أن الأم، يستوي في ذلك الإنسان والحيوان، على استعداد للتضحية بحياتها من أجل اطفالها لكن هذي الأم تصرفت على نحو مغاير وشاذ. لاحظ أنها تستفهم الشيخ عن موقف الإسلام من سلوكها، كما لو كانت تستفتيه عن حكم سماع الأغاني، أو نتف الحواجب، أو مصافحة أخ زوجها. لا يبدو أنها من سياق حديثها أنها كانت تشعر بوخز الضمير أو بحزن عميق. كانت تتطلع إلى الحصول على كلمات تبث في صدرها الطمأنينة، وتجعلها تنام ملء جفونها. فأي برودة دم حازت عليها تلك المرأة!



هذه الحكاية تلتقي موضوعاً بفاجعة انسانية مروعة يعود تاريخها إلى مارس 2002، عندما اشتعل حريق في مدرسة للبنات في مكة. حريق مروع أودى بحياة 15 طالبة، وتسبب في إصابة 50 طالبة. شهود عيان أفادوا للصحف وقتها أن رجال الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قد منعوا رجال الإطفاء من الدخول (ربما خوفاً من وقوع المحظور)، كما أنهم منعوا الطالبات الهاربات بجلودهن من الخروج من دون العباءات. ربما كان من المقدر أن يتصاعد الموقف لولا تدخل مسؤول حكومي رفيع، معروف عنه بمناصرته للتيار الديني، كذّب فيها رويات الشهود، فقضى على النار وهي في مهدها.



كلٌّ من المرأة وجهاز الهيئة قد تسببا في دهس الصغير واحتراق 15 طالبة في اعمار الزهور. لكن كلاً من المرأة وجهاز الهيئة ضحايا قبل أن يكونا مذنبين. إنهما ضحايا لفكر ديني مشوش ومريض ومتزمت. كلاهما ضحايا لفكر ديني يقدم الموت على الحياة، والعقاب على الثواب، والنار على الجنة، والمظهر على المخبر، والشدة على اللين. كلاهما ضحايا لفكر ديني مفرغ من الانسانية والرحمة والمحبة والحياة. كلاهما ضحايا لفكر ديني مشحون بالكراهية والتطرف والاستهتار بالحياة. لو لم يزرع في رأس تلك المرأة أن العباءة هي رمز عفتها وتاج وقارها وتذكرتها إلى جنة الأعراب، لما تسمرت في مكانها، وظلت تراقب طفلها يموت بين يديها دون أن تفعل أي شيء بالمرة. ولو لم تبرمج عقول العاملين في هذا الجهاز الإجرامي على أن الأنثى مشروع ضحية وحبل ابليس ومصدر للإغواء والفتنة، لما تركوا تلك الأرواح الطاهرة والأجساد الغضة طعماً للنار.



-2-

سأل رجل سلوفاكي صديقه المفكر نضال الصالح في كتابه الرائع والموسوم ب" المأزق في الفكر الديني بين النص والواقع" قائلاً: كيف ترى الله أنت وكيف تتصل به؟ فقال له مفكرنا: إنني أرى الله في كل شيء جميل. أراه في عيون الأطفال وفي ابتسامة أمي. أراه في الأنهار وفي أمواج البحار. أراه في قمم الجبال وفي سهول الوديان. أراه في الزهور والورود والأشجار. أراه في عظمة الغابات وفي خضرة الأشجار. أراه في موسيقى بدريخ سميتانا ودفورجاك وأماديوس موتزارت وغيرهم. أراه في تجويد القرآن وفي غناء فيروز وأم كلثوم ووديع الصافي.



هل يرى الشيخ المطلق والفوزان والعمر والقرني والعريفي ورجال الهيئة وتلك المرأة المذكورة وجل الناس هنا الله في تلك الصورة الجميلة والأخاذة التي يراها نضال الصالح؟! هل يبدو لك السؤال مضحكاً؟ اعتقد أن الله العربي هنا لا يختلف عن يهوه التوراتي المتعصب والغيور والمولع بالقتل والتدمير إلا في الاسم. أما أنا شخصياً، فأنا أرى الله في جسد مدينة الرياض المصنوع من الإسمنت. أشمه في رائحة الدخان والغبار المنبعثة من مسامات تلك المدينة القاسية. أراه في تلك الوجوه التي غزتها اللحى واستوطنتها الكآبة. أراه في اجساد النساء المشطوبة بالسواد. أراه في ملصقات الأدعية والإذكار والاستغفار المزروعة على الجدران والأبواب والشبابيك والمناضد والأعمدة والمصاعد وأجهزة الصراف الآلي. أراه في غابات المآذن. وأسمعه عبر مكبرات الصوت وضجيج المنابر. أراه في طوفان الفتاوى وفي انحباس الأفراح. وأراه في غياب الرقصات وفي سكوت الأغاني. عذراً نضال ليتني اقدر أن ارى الله الجميل والمحب واللطيف والودود والحنون كما تراه. أنا لا استطيع أن أراه بكل هذه الجاذبية والسحر مهما بلغت ابتسامات عمرو خالد وطارق السويدان ومحمد العوضي ومحمد العريفي اقصاها.



-3-

اقبل رمضان، واقبلت معه الأسئلة والفتاوى الموسمية. ما حكم بلع الريق نهار رمضان الله يجزاك خير؟ هل تنظيف الأسنان بالفرشاة ينقض الصيام يا شيخ؟ ما حكم الاستمناء قبل الإفطار؟ هل مداعبة الأهل (= الزوجة) نهار رمضان يقتضي كفارة؟ وهل رش العطر يبطل الصيام طال عمرك؟ ولو قدر لك أن تعيش ألف عام، فسوف تستمع إلى نفس الأسئلة البلهاء وإلى نفس الإجابات المكررة.

ما الذي تشي به تلك الظاهرة؟ أولاً: عزوف الناس عن القراءة، واستنكافها عن البحث، وسعيها وراء الإجابات الجاهزة السهلة. ألا يعكس هذا السلوك غلبة الثقافة الشفهية منذ العصر الجاهلي إلى الآن بالرغم من الثورة التقنية التي جعلت أي معلومة مجانية ومتاحة بكبسة زر. ثانياً: تعاظم دور رجل الدين وانتفاخه بشكل غير معقول، لدرجة التفكير نيابة عن الناس، والتدخل الفاضح حتى في أدق التفاصيل وأتفهها. ثالثاً: زيف ما يشاع من أن الإسلام دين يسر. ولو كان الإسلام يسيراً ومفهوماً حقاً لما احتاج المسلمون إلى جيوش جرارة من الشيوخ والمفتين وإلى العشرات من القنوات الدينية ومثلها من البرامج الإذاعية والملايين من الكتيبات والمطبوعات الدينية. وكل عام وانتم بألف خير!



#هشام_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله والمسلم والعقل
- حوار مع واحد مجنون
- الكتاب المستعمل
- حرية فرنسا الجميلة
- وداعاً مايكل جاكسون
- الحكمة المصلوبة
- وثني الأمس ومسلم اليوم
- هل أسلموا حقاً؟ أم تراهم يحلمون؟
- خير القرون...حقيقة أم خرافة؟
- استراليا تعلمنا كيف نتوظأ!
- خصوصيتنا ولو كره الكافرون
- كفانا مساجد!
- شروط صناعة المأساة: غزة والعراق ودارفور نموذجاً
- مواصفات البطل العروبي...وأشياء أخرى!
- يبكون على دماء غزة...ويرقصون على دماء العراق ودارفور!
- ملاحظات على الهامش
- ماذا لو لم يبعث محمد؟
- احجار الدومينو وأبو هريرة وابن عباس
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (2/2)
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (1/2)


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي حلو صغير“ تردد قناة طيور الجنة على النايل سا ...
- مسيحيو حلب يحتفلون بعيد الميلاد الأول بعد سقوط نظام الأسد وس ...
- فعالية لحركة يهودية متطرفة للتشجيع على الاستيطان في غزة
- تردد قناة طيور الجنة كيدز 2024 نايل سات وعربسات وخطوات ضبط ا ...
- خبيران: -سوريا الجديدة- تواجه تحديات أمنية وسط محاولات لتوظي ...
- أردوغان يهنئ يهود تركيا بعيد حانوكا
- “السلام عليكم.. وعليكم السلام” بكل بساطة اضبط الآن التردد ال ...
- “صار عندنا بيبي جميل” بخطوات بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ...
- “صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو ...
- هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - فضفضات رمضانية