|
كوكا كولا... إشكالية المثقف
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 2747 - 2009 / 8 / 23 - 01:48
المحور:
كتابات ساخرة
إن أغلب الإشكاليات المطروحة حتى الآن، من إشكالية الشعر والنصوص الأولية والجانبية، إلى إشكاليات الخلق والإبداع والخيال الواقع، إلى إشكاليات التراث والمعاصرة والهوية الثقافية أو التاريخية، إلى إشكالية الأزمة ذاتها، تبدو بعد هذه المحاولات اليائسة لفك الحصار، وكأنها قضايا مفتعلة، نظرية، تجريدية ولا تتعلق بأي موضوع فعال حقيقي واع. ذلك أنها إشكاليات طرحت ومازالت تطرح على الساحة الثقافية داخل المجال الفكري والنظري، ومعزولة عزلة كاملة عن الواقع الإجتماعي. ويبدو كأننا نطرح القضية بالمقلوب، ونحاول إيجاد الحلول قبل طرح الاسئلة. ونطرح الاسئلة حسب الحلول المسبقة التي تكونت نتيجة اسئلة أخرى مغايرة، فربما كان من الأجدى مساءلة الواقع الإجتماعي المعاصر بكل تناقضاته، لفرز الإشكاليات الملحة التي تتعلق به. ذلك أن القضية الجوهرية في هذه المحاولات لفك الحصار، هي قضية الإنسان المحاصر ذاته. الإنسان المسجون، المغلل، المضطهد ، المسلوب، المهان، المحتقر، المنتهكة حقوقه الإنسانية البسيطة. هذا الإنسان المحترق الجثة في شوارع بغداد، وغزة، وبيروت، أو في شوارع افغانستان، وربما غدا أو بعد غد في شوارع دمشق وطهران.. هذا الإنسان الميت والمسلوب في كل الشوارع، هو مركز الأشكاليات المطروحة للبحث والنقاش والحوار. وهذا الإنسان ذاته لا يعيش في الماضي، إنه يحيا وقته، ويموت بأسلحة معاصرة. يسوق سيارته المصنوعة في المانيا أو في فرنسا أو في أمريكا. هذا الإنسان يسكن في الغالب بيتا أو ما يشبه البيت، وقد تخلى منذ عشرات السنين عن خيمته في الصحراء. هذا الإنسان لا يمارس الشعر ولا الخطابة، ولا يمارس القراءة والكتابة، إلا لملء الأوراق الحكومية. هذا الإنسان يتكلم لغة غير لغة المتنبي أو أبو نواس أو البحتري، لأنه في الحقيقة يجهل هذه الأسماء ذاتها، ويجهل حتى وجود التراث العربي والإسلامي ذاته. إنه إنسان يعيش عصره، ويمارس فنه الشعبي بعفوية طبيعية مثل كل عباد الله على ظهر الكرة الأرضية، دون أن يشير بأية طريقة من الطرق، إلى هذا الماضي العريق والتليد الذي يتحدث عنه المفكرون في كتاباتهم الموسوعية ـ ولن نأخذ في الإعتبار هنا حجة اللاوعي الجماعي، وماشابهها من المقولات السحرية ـ غير أنه من الضروري لتحليل أي مجتمع، تحديد القضايا الأساسية التي تلغم حياته مثل الفقر والقهر والإحتلال والأنظمة السياسية الفاسدة، ومشاكل الجهل، وسيطرة الأفكار الغيبية والدينية. لابد من القاء نظرة على الوضع الفكري والسياسي والاجتماعي بطريقة عامة.. غير أنه حتى اليوم من المستحيل أن نقوم بهذا التحليل، دون الأخذ في الإعتبار ببعض العوامل التاريخية، وبدون أن تجذبنا هذه العوامل، أو بعضها على الأقل بطريقة سحرية وغير عقلانية، إلى غياهب الأصول التاريخية المفترضة والنظرية. إن فخ التاريخ يبدو منصوبا لنا على الدوام، وفي كل ركن ـ التاريخ أفيون الشعوب. ويجب أن نكون حذرين على الدوام حتى لا نسقط في بئر النظرة السلفية التراثية. ومن الجانب الآخر، ألا نعتبر أي تيار فكري أو ظاهرة ثقافية معاصرة، بمثابة مخلوق معزول عن الزمان والمكان. فلا بد من التنقيب والحفر ولو بطريقة سطحية، لرؤية الأسس الأولية .. وباقي القصة القديمة. فكل المحللين من العرب والعجم من الشرق والغرب، كسروا أسنانهم وأقلامهم من أجل إيجاد الحل السحري الذي يطبعهم بختم المعاصرة، دون أن يفقدوا هويتهم التاريخية أو اللغوية أو الثقافية. البعض يعتقد أن حل هذه التناقضات يكمن في إيجاد منهج علمي مناسب يتم تركيبه وبناؤه من عناصر معينة من المناهج المختلفة المتراكمة في تراث الفلسفة الانسانية عموما ـ ومن ضمنها التراث الاسلامي ـ وبالذات المنهج الاستشراقي، وإبن عربي. ورغم اعتقادنا بأن المنهج قضية أساسية، إلا أنها موضوع آخر وتحتاج إلى تحليل ودراسة. وكذلك إلى منهج محدد ومغاير للمنهج الذي يجب الوصول إليه، لتحليل هذه الاشكاليات السابقة. وقبل إيجاد هذا المنهج، ربما نستطيع البدء في التساؤل عن ضرورة وجود هذه الثوابت التي تحصلت على شرعيتها بطريقة مشبوهة، وغائمة، وغير محددة، وتفتقد إلى الوضوح. مثل قضية الوحي، الهوية، الإنتماء، وقداسة اللغة، والحتمية التاريخية، والعديد من الثوابت الأخرى التي يجب التحقيق في ضرورة وجودها.فعلى سبيل المثال، لماذا نفترض وجود ما يسمى بـ “الهوية“. وحتى في حالة وجود هذه الهوية التاريخية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية، أو كل ذلك مركزا في وعاء واحد، لماذا نفترض ضرورة البقاء على هذه الهوية، ولماذا تشكل عملية فقدانها أو استبدالها أو تطويرها مشكلة حضارية؟.. إن هذه القضية وهذا التساؤل لا يخص المجتمع العربي الاسلامي وحده، إنها قضية تعني كافة المجتمعات في الغرب كما في الشرق، إنها نفس التساؤلات التي لم يكف المجتمع الغربي منذ عدة قرون عن محاولة إيجاد الحلول لها، ولا نعتقد أن الحلول المطروحة، والتي فرضتها ظروف إجتماعية وسياسية مختلفة في الشرق أو في الغرب، تختلف جوهريا بعضها عن بعض. إنه نفس الحل الإنساني القديم، الحل الوسط، الحل التلفيقي أو الاصلاحي. وبدل هوية واحدة، نجد أنفسنا أمام هويتين. الهوية الفردية، كإرادة حرة وفعالة وقادرة على أخذ القرار، غير أن حريتها الأساسية تكمن في إختيار وحيد لا نقاش فيه، وهو الإنتماء للهوية الجماعية. وهذه المشكلة تأخذ أحيانا صورا أكثر حدة، وتكاد تكون مرضية. ذلك أن بعض المجتمعات نظرا لتركيبتها السياسية والاقتصادية، والظروف الاجتماعية والجغرافية، لم تستطع أن توفر نفس المواد الصناعية الاستهلاكية، والمواد الفكرية والفنية والثقافية التي تنتجها بوفرة مجتمعات أخرى، والمسماة بالمجتمعات الصناعية أو المتقدمة. وبالتالي تلبس هذه المجتمعات هوية التخلف، ويصبح الإنسان متخلفا اوتوماتيكيا، لأنه ينتمي إلى هذا المجتمع، وينتج عن ذلك الرغبة المرضية للمثقف والسياسي المنتمي والواعي بقضاء المجتمع العربي ـ على سبيل المثال ـ الرغبة في أن ينتج الانسان العربي ذاته كل هذه المواد الاستهلاكية، أن ينتج بقدراته الذاتية الصاروخ والطائرة والدبابة والقنبلة الذرية والكمبيوتر وعلبة الكوكا كولا والبيرة المحلية. وننسى أن الإنسان الغربي الذي ينتج هذه المواد، لا يختلف جوهريا عن المواطن العربي المتخلف، الذي يستهلك هذه المواد دون أن ينتجها. ذلك أن المواطن الغربي ذاته لا يملك الحرية الكافية لإنتاج هذه المواد. إنه مستعمل ومستغل مثله مثل الآلة التي يديرها ثماني ساعات في اليوم، وهو لم يختر بحرية أن ينتج هذه الأشياء، بل ربما لا يعي ولا يعرف ولا يريد أن يعرف، لماذا ينتج علب الكوكا كولا.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفر العدم والجنون
-
الخيال
-
الخطوة الأولى لفك الحصار... تسريح الجيوش
-
الوعي المحاصر
-
الله والشاعر والفيلسوف
-
عن الأسرة والكراسي
-
طبيعة الكارثة
-
مناورات لفك الحصا ر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|