|
حروب مصر في عهد محمد علي هي حروب إستقلال و دفاع
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا أملك في ظل هذه الحملة التي تُشن في مصر ، بين حين و أخر ، ضد عصر محمد علي الكبير ، إلا أن أعود للتاريخ ، تاركاً مشاكل الحاضر مؤقتاً ، لأتصدى للهجوم الذي يتم ، و لأفند التزوير الذي يقع ، ذلك التزوير الذي لو تركناه دون تفنيد علمي ، فإنه سيصبح أشبه بالحقائق الراسخة في عقول كل من الأجيال الناشئة ، و كل الذين يعتمدون على المصادر المشبوهة في تكوين ثقافتهم الشخصية ، فالحفاظ على تاريخنا سليماً من التشويه هو جزء من الحفاظ على شخصيتنا كشعب ، فتاريخ مصر كما ذكرت سابقاً في مقال الدولة الفاطمية هذه هي الحقيقة ، هو وحدة واحدة ، لا تفريط في أي مرحلة ، و لا تهاون مع المشوهين و المزورين ، أياً كانوا .
جزء من حملة التشوية التي تشنها السلطات الرسمية الحالية مدعومة بأبواق مصرية متسوعدة - و لا يخفى على فطن العداء الذي تكنه أسرة آل سعود لمصر - يرتكز على تصوير الحروب التي خاضها الشعب المصري في عصر محمد علي الكبير ، على إنها لم تكن إلا حروب شنت من أجل مجده الشخصي ، و إنها إستنزفت مصر ، و أضعفت دولة الخلافة ، أي الدولة العثمانية ، و لكن الحقيقة الناصعة هي أن تلك الحروب لم تكن إلا حروب إستقلال و دفاع .
و لنستعرض سوية تلك الحروب في عجالة ، لنرى حقيقة كل حرب منها :
أولاً صد حملة فريزر البريطانية على مصر في 1807 : و هي الحملة التي شُنت بعد عامين تقريبا من ثورة 1805 ، و التي إختار فيها ممثلي الشعب المصري بإرادتهم الحرة محمد علي حاكما ، سنجد أن الشعب المصري ، مدعوما بالحامية الألبانية في رشيد ، نجح في إلحاق هزيمة كبيرة بالحملة في رشيد ، حينما تقدمت من الأسكندرية ، ثم ملاحقتها و حصارها بالأسكندرية ، حتى جلت عن مصرنا .
فهل كان بمقدور العثمانيين فعل ذلك ، و حماية مصر من إحتلال بريطاني مبكر ؟
الدولة العثمانية في حقيقة الأمر كانت أضعف من أن تحمي بمفردها - و دون دعم أوروبي حليف - أي جزء من إمبراطوريتها ، أمام أي قوة الأوروبية معتدية ، سواء في القرن الثامن عشر ، أو التاسع عشر ، أو العشرين ، و الأمثلة كثيرة ، في مصر أيام الحملة الفرنسية ، و في الجزائر في 1830 ، و في عدن و شبه جزيرة القرم ، و البلقان في القرن التاسع عشر ، و في ليبيا في بدايات القرن العشرين ، و في الجزيرة العربية و بلاد الشام أثناء الحرب العالمية الأولى ، بينما مصر في 1807 نجحت بمفردها في صد البريطانيين ، و هي التي قبل أعوام قلائل من ذلك التاريخ ، و تحديداً في 1798 ، سقطت فريسة للإحتلال الفرنسي و لثلاثة أعوام ، حين لم تنجح الدولة العثمانية في صد الفرنسيين عن مصر ، ثم تكرر فشلها في إخراج الفرنسيين من مصر بمفردها رغم محاولاتها المتعددة ، و لم توفق إلا بعد تحالفها مع بريطانيا ، التي هزمتها مصر بمفردها في 1807 ، لهذا فإن القول بأن محمد علي أضعف الدولة العثمانية هو قول مغلوط ، لأنها بالفعل كانت رجل أوروبا المريض ، و الذي ظل حيا بفضل بريطانيا التي إحتفظت به في غرفة الإنعاش مدة طويلة ، لتستخدمه كحائط يقف أمام طموحات روسيا القيصرية في آسيا و البلقان ، بدعم منها بالطبع ، و إلى الحرب العالمية الأولى ، حين قررت إن الأوان آن لإقتسام تركته مع الأخرين .
ثانياً مشاركة مصر في حرب اليونان الإستقلالية : يجب أن ينظر لها على إنها حرب فرضت على مصر ، فقد كان محمد علي مجبراً على الإشتراك فيها بسبب تبعية مصر للدولة العثمانية ، حين فشلت الدولة العثمانية في إخماد ثورة اليونان الإستقلالية بمفردها - و هذا دليل أخر على ضعف الدولة العثمانية البين – و لكن رغم هذه التبعية ، فإن المصادر التاريخية تخبرنا بأن محمد علي تلكأ ما أمكنة ذلك في إرسال الجيش و الأسطول المصري إلى تلك الحرب ، و لكنه على أي حال - و برغم نجاح الجيش المصري هناك - وفر ملجأ آمن لليونانيين الفارين ، و سجلت كافة المصادر معاملته الكريمة لليونانيين في مصر ، فلم تُسجل أي حادثة إعتداء على أرواحهم أو ممتلكاتهم ، في عهده الطويل ، و حتى من أسروا و تم بيعهم كمماليك و جواري ، فقد أعادهم لليونان بعد إنتهاء الحرب .
ثالثاً حروب مصر في الجزيرة العربية : لم تكن إلا حرب دفاعية ، و لكنها حرب الدفاع المتقدم ، فمشاركة مصر جاءت بعد فشل الدولة العثمانية في حماية الحرمين و مدن الحجاز من فظائع آل سعود أبان دولتهم الأولى ، و التي أدت إلى تحرير الحجاز من قبضة آل سعود ، إلا إن الفارق بين عقلية محمد علي و عقلية الدولة العثمانية ، و حتى العقليات المصرية الرسمية الحالية ، أن محمد علي وجد إن مجرد إخراج آل سعود من الحرمين و بقية الحجاز ، كما كانت تريد الدولة العثمانية ، لا يكفي ، و إن الخطر يجب أن يُستأصل من جذوره ، فلا حلول تسكينية ، و لا علاجات أعراضية ، و إن الإبقاء على البؤرة الصديدية في الدرعية موجودة - و إن تم إضعافها - لا يعني إلا تجدد الخطر بعد حين ، فكان علاجه علاج المداوي الحكيم ، فكان أن دخل الجيش المصري الدرعية في التاسع من سبتمبر 1818 ، مدمراً إياها ، و منهيا الدولة السعودية الأولى ، و قابضاً على رؤوس الفتنة ، كبار الأسرة السعودية .
و الأن فإن بمقدورنا القول إنه لو لم تتدخل بريطانيا و الإمبراطورية النمساوية لدعم الدولة العثمانية ، لتقوض جهود محمد علي الكبير ، و يتم إخراج القوات المصرية من الشام و الجزيرة العربية ، لكان من المستحيل أن تقوم قائمة لآل سعود أبداً ، و لكانت دولتهم الأولى هي الأخيرة أيضاً ، و لتجنبت المنطقة الكثير من الويلات الحالية ، الناتجة عن عمالة آل سعود ، و إنتشار فكرهم .
رابعاً حروب الشام : أدرك محمد علي أن الدولة العثمانية ، بدعم بريطاني ، لن تترك مصر لحال سبيلها - و بالإمكان الرجوع للمصادر التاريخية البريطانية لمعرفة كم العداء الذي كنته بريطانيا الرسمية لمحمد علي و تجربته التحديثية ، و تنضح كتابات العديد من الرحالة و المستشرقين بتلك الكراهية - فكان أن إستبق محمد علي الكبير الأمر كعادته و بعبقريته ، و قرر الدفاع عن الإنجازات التي تحققت في مصر ، خارج حدود مصر ، مثلما أدرك ببعد نظره و ثاقب فكره ، أن قوة مصر لا تكتمل إلا بإتحادها الطبيعي مع مكملاتها الإقليمية ، و أحد أهم تلك المكملات ، هي بلاد الشام ، التي كانت على صلة مع مصر ، بوجه أو أخر منذ الحقبة الفرعونية القديمة ، المعروفة بالدولة القديمة ، حتى أن أسطورة أيزيس بها جزء تدور أحداثه في مدينة جبيل ، أحد المدن الساحلية الشامية .
لهذا كان أمر محمد علي لإبنه إبراهيم باشا المصري ، هو أن يمضي إلى أخر المناطق الناطقة بالعربية ، لتصبح مصر و بلاد الشام قوة إقليمية متحدة ، تستطيع الوقوف أمام الدولة العثمانية ، و القوى الأوروبية التي تريد إجهاض النهضة التي بدأت .
خامساً حروب السودان : يجب النظر لها على إنها توحيد لأبناء شعب واحد ، شعب النيل ، مثلما كانت جهود الأسرة الخامسة و العشرين ، المصرية - السودانية ، سباقة في تحقيق تلك الوحدة .
لقد أسدى محمد علي الكبير للسودان الكثير ، مثلما أسدى لمصر ، و يكفي أن السودان بشكله الحالي ، بمناطقه الشاسعة المترامية الأطراف ، و تنوع ثرواته ، هو ثمرة لنظرته الحصيفة ، مثلما كان سبباً في تأخر قدوم الإستعمار الأوروبي للسودان ، و الذي كان سيشرذم السودان ، مثلما تسبب في تشظي الكثير من الإمبراطوريات الأفريقية الأخرى .
إن أي نظرة حصيفة محايدة منصفة ، ستقول بأن حروب مصر ، في عهد محمد علي الكبير ، لم تكن إلا حروب إستقلال و دفاع عن مصر و المنطقة ، و إن من سقطوا فيها ، ليسوا إلا شهداء الإستقلال ، مثلهم مثل كل شهداء الإستقلال و الدفاع عن مصر منذ فجر التاريخ المصري ، و إن كل من شاركوا بها ، و سطروا بدمائهم و حبات عرقهم ملاحمها ليسوا إلا أبطال ، أكدوا إستقلال مصر ، و حموا نهضتها الحضارية التحديثية الناشئة ، و أخروا إحتلال مصر و السودان - و هو الإحتلال الذي كان بالإمكان تفاديه لولا سفه الخديو إسماعيل و تهور عرابي و خيانة توفيق – لهذا يحق لأبطال حرب الإستقلال و الدفاع هؤلاء أن نتذكرهم بالعرفان و التقدير لليوم و إلى أخر الأيام ، و أن نقف وقفة إكبار و إحترام لأرواحهم جميعا مع كل ذكرى لإنتصاراتهم المتكررة المدوية .
تحية لأبطال الإستقلال و الدفاع عن النهضة ، في تلك الحقبة المغبونة ، و ليمت الخونة المصريين المعاصرين ، و معهم سادتهم آل سعود بغيظهم .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على العراق الديمقراطي أن يتحول للهجوم بإحتضان القوى الديمقرا
...
-
حتى لا يصبح القمني ذريعة لجريمة رسمية
-
حوار الحضارات لا تبرهن على فشله حادثة قتل
-
الإخوان لن يتهوروا لأن لديهم ما يخسرونه
-
تحالف ديمقراطي مصري - عراقي ، بديل للتحالف المصري - السعودي
-
ساركوزي يواري فشله بالبوركا ، أو البرقع
-
الشارع الإيراني يضع حكام العرب و متطرفيهم في ورطة
-
هبة الشارع الإيراني إثبات لخطأ أوباما
-
إتعظوا من الدرس الإيراني و إختصروا ثلاثين عاما
-
إنهم يضللونك يا أوباما ، القضية الفلسطينية ليست الأن
-
أوباما ، لن نتبع نصائحك
-
معسكرنا معسكر الحرية
-
الدكتاتورية الأولى هي التي قامت ، الجمهورية الأولى لم تقم بع
...
-
يوم المناضلة المصرية ، الثامن و العشرين من مايو ، من كل عام
-
ليس إنتقام إلهي ، و لا محاولة إغتيال ، و تعازينا لآل مبارك ،
...
-
توعية شعبية تأتي بالديمقراطية ، و تربية ديمقراطية تحافظ عليه
...
-
توعية شعبية تأتي بالديمقراطية ، و تربية ديمقراطية مستمرة تحا
...
-
الدولة الفاطمية مصرية ، و مصرية فقط
-
الساحة الخارجية لن نتركها للطغاة و المنغلقين
-
إلى أوباما : رفع قانون الطوارئ هو المحك
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|