جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:03
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
حتى الكبار في السن يزورون أمهاتهم وآبائهم على الغالب ليس لكي يردوا لهم الجميل والعرفان على تربيتهم لهم وهم صغار بل لأن الانسان مهما كبر وتقدم به العمر وشعر أنه مسؤول عن تصرفاته غير أنه يبقى للأبد بحاجة لحنان الأبوين , وهذا كله ضد فلسفة أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة , وفي أيام السلطان محمد علي باشا كان المصريون يفقأون ويقلعون عين الشاب المطلوب للخدمة العسكرية حتى يبدو وكأنه فعلاً غير لائقٍ صحياً للخدمة العسكرية ,وكنتُ أسمع عن أشخاص كانوا يطلقون الرصاص على أرجل أبنائهم وذلك لكي يبدو أن بهم خلل ما فيطردون من الخدمة العسكرية, وهذا كله بسبب علاقة الحنان التي تربط الأبناء بالآباء , والبعض الآخر شاهدته أنا شخصيا يطلق النار على نفسه لكي يُسرح من الخدمة العسكرية, والسبب أن الفرد حين يبتعد عن مصدر العائلة والأصدقاء غالباً ما يشعر بحالة من الاغتراب الذهني والاجتماعي فتضعف قدراته الوطنية بسبب العاطفة والحنان للعائلة , من هذا المنطلق تبدو للسياسيين وجهات نظر متفق عليها وهي أن الأكثر إخلاصاً للوطن وللنظام الحاكم هو الشخص الذي لم ينينشأ في عائلة مدنية ولم يتلقى أي عاطفة من أبويه.
التعلق بالأهل وبالأسرة كثيراً يضعف شخصية الفرد الإنسان , ورغم معرفتنا بكل هذه الأمور غير أننا دائما تواقون لكي تضمنا أحضان أهالينا وأذكر مرة قبل خمسة أعوام أنني نهضت من نومي فزعاً فقمت من سرير غرفة نومي وذهبت ووضعت فرشة بجانب (أمي ) ونمت بجانبها لكي أشعر بالأمان ولم تتكرر معي هذه القصة مرة أخرى ربما لأنني كنت فاقداً للحنان بعض الشيء فتزود ت ُمن ماما بما يكفيني حتى اليوم ,فماذا مثلاً لو لم تكن أمي موجودة ؟ أو العائلة ربما سأبقى نتعطش لحنان الأم طيلة حياتي ومن المؤكذ أنني سأبقى اشعر بالخوف طوال عمري .
وبالرغم من أن أفلاطون شخصية غير محبوبة غير أنه هو أول من نادى بضرورة تسريح العائلات في مدينته الفاضلة ففي كتابه المدينة الفاضلة يحاول أفلاطون أخذ الأولاد من آبائهم وضمهم للدولة وللنظام الحاكم, وهذا الكلام لو طرحناه على مسامع الناس لقالوا أنه مستحيل.
ولكن ماذا تقولون إذا عرفتم أن الغالبية العظمى من الذين يعملون في بيوت مؤسسات الحكم هم من الرجال الذين كانوا أطفالاً بلا أُسرٍ أي من أبناء الخطيئة الذين تتبناهم الدولة وترعاهم حتى يكبروا !؟.
فهؤلاء ينشأون في ظل مؤسسة حكومية وليس تحت جناح الأبوين, فهم لا يعرفون حنان الأم ولا حنان الأب ولا شكل التعاطي مع المسائل العائلية وبالتالي ليس لهؤلاء عائلة ينتمون إليها غير عائلة الدولة نفسها.
الفيلسوف الأثيني أفلاطون ليس مخبولاً ولا ينطق عن الهوى حين يسعى بمدينته الفاضلة أبناءنا ليسوا لنا بل هم أبناء الدولة , وهذا الكلام لا يختلفُ كثيراً عن مقولة جبران (أبناؤكم ليسوا لكم أبناؤكم أبناء الحياة) كان أفلاطون يرى أن نظام الأسرة نظاماً عقيماً وبلا فائدة ويضعف من حجم الوطنية والانتماء للوطن.
لقد أخرج أفلاطون من مدينته الفاضلة الأسرة والعائلة فالأطفال الدولة هي التي تتكفل بهم وترعاهم وتربيهم تربية حكومية وطنية قائمة على مفهوم و الولاء والانتماء للدولة وللحكومة وللنظام الحاكم مهما كان شكله فردياً أو برلمانيا.
فحين يطلب الوطن رجالاً وقت الشدة يتخلف الوحيد لأمه وأبيه لأنه وحيد يريد إعالة والديه وهذا الحنان والعطف والحب يضعف الوطنية في الفرد وهذا قانون ما زال معمولاً فيه بغالبية الحكومات فالوحيد لأمه وأبيه يُعفى من الخدمة العسكرية, وحين تستدعي الضرورة التضحية في سبيل الوطن نجد أن العاطفيين والحنونين يتراجعون عن تقديم أرواحهم فدوة(فداء) للوطن ولترابه فنجد الأفراد يتراجعون عن تقديم أرواحهم بسبب تعلقهم بأسرهم وبأبنائهم وبآبائهم وبأمهاتهم وجداتهم وكل أفراد العائلة النواتية.
من هذا المنطلق كان يرى أفلاطون أن نظام العائلة نظاما عقيما ومستبداً بالوطن فالعائلة والأسرة بنظر أفلاطون هي المفسد الكبير لرجالات الدولة وللوطنية بشكل عام .
وهذا كله بسبب حنية الآباء والأمهات على الأولاد فقد كان الجيش يأخذ الشباب بلا رجعة حتى الذين كانوا يعودون نجد أنهم كانوا يعودون بعد سنين طويلة, من هنا تبدو لنا فلسفة أفلاطون صحيحة حين يرى بمدينته الفاضلة أن التربية الأسرية وتعاطي (حنان الأسرة ) يفسدان الشهوة الوطنية ويضعفان روح انتماء الفرد إلى الدولة والمجتمع.
وإن كافة أشكال السلالات العاطفية غير مرغوب ٍ بها في مؤسسات الحكم العسكرية والمدنية فالذي يثبت عليه أن له علاقات غرامية يطرد أو تتخذ بحقه إجرءات مشددة ألا تلاحظون أن العلاقات العاطفية لبعض رؤساء الدول العربية والأجنبية تعتبرُ فضيحة بحق صاحبها كفضيحة كلنتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مع عشيقته ,فهذه العلاقات العاطفية تُضعف روح الولاء والانتماء للدولة ولمؤسسة الحكم مهما كان شكل مؤسسة الحكم.
ومن الملاحظ جداً أن جميع الدول العربية تكره أفلاطون ونظريته في التربية والعائلة وتتهمه بالشيوعي البدائي فهم يستندون إلى القرآن والدين لإثبات أصل العائلة على أنها إرادة الله ولكن بنفس الوقت أغلب ضباط المخابرات والعاملون في مؤسسات الحكم أغلبهم قادمون من الملاجىء (الملجأ) على ما أظن أو أن بهم نسبة كبيرة من أبناء بيوت البر والإحسان, ومن المعروف أن أبناء الملاجي ( الملجأ) هم أبناء الدولة , فهم على سنة أفلاطون وفلسفته ومدينته الفاضلة , وأبناء ألملاجىء (الملجأ) ليس لهم في أوطانهم وفي الدولة التي يعيشون فيها أسر وعائلات ينقلون ولاءهم إليها وبالتالي ولهذه الأسباب تضمن الدولة ولاءهم وانتماءهم لها .
وبالرغم من أن الفرضية مرفوضة تماماً أن تتبنى الدولة الأبناء وتأخذهم من آبائهم غير أن غالبية الدول في كافة أنحاء العالم يستفيدون من أبناء الخطايا والزنا واللقيطة.
إنّ الكل يرفض فلسفة أفلاطون ولكن الغالبية تعمل فيها سراً, وأريد أن أسأل أحدكم سؤالاً أين يذهب الأطفال الذين يتخرجون من بيوت البر والرعاية والإحسان؟ لا بُدّ أنهم يعملون في مواقع صنع القرارات وتطبيق أحكام الأنظمة العربية الحاكمة.
إن أولئك الرجال نشأوا في عائلات حكومية تتلقى أجراً على خدمتها للأطفال , وتخيلوا معي ماهو شكل ونوع الحنان الذي تلقاه الأطفال من أولئك المربين المأجورين, إن أولئك المربين لا يقلون عن المأجورين وقابضي الثمن أداءً لواجباتهم.
وتخيلوا معي ما هو شكل المجتمع الذي تزول ُ منه العائلة وخصوصاً الأم وتخيلوا معي وأنتم تعرفون أن غالبية المجرمين والمنحرفين هم من الذين فقدوا حنان الأب والأم والعائلة , إن شكل الإنسان ومستقبله سيكون سيئاً وسيتأثر الإنسان وستضعف عنده الجينات العاطفية يوما بعبد يو أو قرناً بعد قرن وبالتحديد جيلاً بعد جيل , سينشأ الأبناء دون أمهات يعطفن على الأطفال ودون آباء ومهما كان الآباء قساة القلوب وغلاظ إلا أن لهم حضوراً في العائلة مثل حضور الماما أو أقل من حضور الماما .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟