|
التحالف بين السحرة والشيطان
طريف سردست
الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:02
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الاعتقاد بالسحر كان منتشرا منذ وعي الانسان، وقد اتخذ العديد من المعاني والاشكال، ولازال الاعتقاد فيه منتشرا في العالم العربي والاسلامي بقوة مختلفة، الى درجة ان السعودية تعتبره جريمة وتعاقب عليه الى حد الموت.. ووآثار الاعتقاد فيه لازالت توجد حتى في اوروبا، وقتل السحرة والساحرات وحتى حرقهم يجري في افريقيا حتى اليوم.
منذ البدايات المبكرة لظهور الوعي بالذات كان الانسان يلجأ الى السحر والسحرة من اجل الشفاء ومعالجة وجع الاسنان او لشراء الحب والحظ او من اجل الحاق اللعنة على جار له او منافس وحتى من إجل رشوة الارواح والقوى العليا وشراء رضاها. وعلى الرغم من قدم السحر والانتشار الواسع له، الا ان السحرة القدماء تركوا اثارا قليلة تدل عليهم، وهو امر ليس بغريب ، ونحن نرى كيف يجري إجتزازهم بصمت وعنف. لهذا السبب كان من المُدهش ان تقوم الاركالوجية Jacqui Wood بالعثور على بقايا التضحيات والاضاحي التي لايمكن تفسيرها الا في سياق فن السحر، وهي اشياء قد عثر عليها في حفر عديدة لمنطقة قديمة تعود الى ماقبل 8500 سنة.
الحفرة الواحدة مساحتها 25×35 سم، وفي البداية اعتقد الباحثين انه حفرة لاعمدة البيت، ولكن بعض الحفر كانت مملوئة بريش ابيض من اذيال الطيور. الريش لازال ملتصق ببقايا جلد الطيور. فوق الريش نجد كومة من احجار صفيحية حادة مجلوبة من منطقة قرب الشاطئ تبعد 25 كيلومتر، تسمى Swan Pool. في الحفرة كان يوجد ايضا بضعة مخالب تعود لعدة انواع من الطيور. في البداية عثرت الباحثة ومساعديها على ثمانية حفر منهم اثنتين تحتويان على الكثير من اجزاء اجسام الطيور، في حين بقية الحفر جرى افراغها ولم يبقى فيها الا بقايا من الريش تخبرنا ان بقية الحفر كانت ايضا لنفس الغرض.
عام 2005 جرى العثور على المزيد من الحفر، واحداهم كانت دائرية وتحتوي على 55 بيضة من مختلف الاحجام اضافة الى ريش ذنب الغربان. قشور البيض لم تكن باقية في حين بقي غشاء البيض محافظ على نفسه ومنكمشا بفعل البيئة الطينية الرطبة. في سبعة بيوض كانت هناك بقايا اجنة وصلت الى مراحل متقدمة من تطورها. على مختلف جهات كومة البيض توجد بقايا هياكل لمختلف انواع طيور عائلة الغربان ، وهي طيور تربطها الاساطير بالعديد من القصص والاساطير عن الطالع السئ والجيد.
عند القيام بتحقيق عمر اللقى، بواسطة فحص الكربون 14، ظهر ان الحفرة تعود الى منتصف القرن السادس عشر. ذلك الوقت كان يسوده الاضطراب في انكلترا، حيث كانت الحرب الاهلية وملاحقة الاشخاص الذين يحاولون بواسطة الطقوس والنذور والادعية والرقية والطلاسم تحسين حياتهم وتسعير حياة اعدائهم، حسب اعتقاد الجميع، الامر الذي كان يخيف السلطات.
ملاحقة السحرة والساحرات، وهم الاشخاص الذين يعيشون على خلاف الدوجما التي يسوقها رجال الدين، وتستخدم موروث الديانة القديمة، وصلت الى قمتها في شمال اوروبا في القرن السادس عشر. احد التفاسير المحتملة لهذه الحفر ان يكون لهم علاقة بسانت برايد St Bride of Irland, والذي كان قدس حامي للاطفال ومن المحتمل ان يكون له علاقة بإله وثني قديم هو بريجيد Brigid. من المحتمل انه كان مكان تقوم فيه العرائس الجدد بالتضحية على امل الحصول على اطفال بعد انتظار وقلق، لكون بريجيد هي الهة الخصب.
حسب الاساطير الانكليزية القديمة، كان ذيل الطير يجلب الحظ، وايضا يؤدي الى نجاح الحياة الزوجية، لان الطيور تعيش مع شريك واحد مدى العمر. عندما تصبح المرأة حامل، عليها ان تفرغ الحفرة على الفور حتى لايشك احد بأنها حملت عن طريق السحر، لهذا السبب كانت الكثير من الحفر فارغة.
بالقرب من الحفر التي عُثر على الريش فيها وجد الباحثين حوضين مائيين كان الماء فيهم من مصدر خارجي وكانوا مكسيين بحجر الكفاست الابيض. في الحوضين كان يوجد 128 حزام قماشي، 6 ابر خياطة ، اجزاء من احذية، واغضان نبتة ليونغ والتي تعتبر جالبة للحظ، إضافة الى اظافر وشعر بشري وقدر كبير. اثنين من الاحزمة القماسية يحتويان على نسيج من الصوف والحرير مما يشير الى ان صاحبهم كان من اعالي القوم.
محتويات الحفر والحوضين يعودان الى عام 1640. الاحجار البللورية البيض جعلت الاحواض تضئ في الظلام وتضفي على المكان وهجا مقدسا. من المحتمل ان يكون في هذا المكان كان مركزا لتجمع الناس قبل 6 الاف سنة. هذا الوقت جرى تحديده من خلال تحليل عمر طبقة الارض التي جرى حفر الاحواض فيها. ولذلك يبدو ان المكان حافظ على قيمته الروحية المقدسة على مدى الزمان، ليصبح في النهاية مكان لاخفاء مايذكر بقناني وزجاجات السحرة في القرن السادس عشر. هذه الزجاجات كانت ممتلئة بالبول والشعر والاظافر وجرى طمرها من اجل رفع السحر عن احد ما بطريقة سحرية. بالترافق مع طمر الزجاجة في الارض تجري طقوس سحرية وقراءة التعاويذ واللعنات. رفع السحر جرى النضال من اجله، في القرن السادس عشر، بكافة الوسائل واستخدموا لذلك جميع المعتقدات والايمان والكتب المقدسة للوصول اليه وايقاف لعنات السحرة، إضافة الى حرق السحرة والساحرات. الامر نفسه نراه يحدث في منطقة كورنوال corn wall, الممتلئة بحفر التضحيات.
مابين الثمانينات من القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر جرت محاكمة 100 الف ساحرة وساحر في اوروبا، نصفهم انتهوا بأحكام الاعدام والاغلبية كانوا من النساء. في السابق كان الاعتقاد ان ملاحقة الساحرات يرجع الى فترة القرون الوسطى، ولكن دراسات الفترات الاخيرة نقلت التاريخ الى مابعد الاصلاحات في بداية القرن السادس عشر.
بعد فترة قصيرة من اعلان بابا الفاتيكان اينوسينتوس الثامن Innocentius VIII, بيانه بملاحقة السحرة عام 1484 نشر الرهبان الدومينيكان Heinrich Kramer & Jacob Sprenger, في المانيا كتابهم " مطرقة الساحرات" "Malleus Maleficarum", وهو كتاب يشرح كيفية التعرف على السحرة وملاحقتهم. في هذا الكتاب، جرى لاول المرة التأشير على العلاقة بين الشيطان والنساء " الذكيات" وبين الرجال الذين يحاولون ، حسب اعتقادات ماقبل المسيحية، جلب الضرر او العافية من خلال الطقوس القديمة، في التنافس مع المسيحية على إعتقادات الناس، الامر الذي يؤثر على سلطة ووصاية رجال الدين على اذهان وجيوب الناس.
سابقا كانت الكنيسة تكتفي بلعن هذه النشاطات المتجذرة في وعي الناس الموروث، وتتبه الى انها من بقايا الوثنية،ولكن منذ القرن الرابع عشر بعد ان اصبحت المسيحية اكثر ثباتا في وعي الناس، وبعد ان نشرت الكنيسة قصصا مختلقة عن ان الساحرات يقودهن الشيطان، في سعيه من اجل تضليل البشر وثنيهم عن الدين الصحيح، وتحويلهم الى عبادة اتباع الشيطان، وهي ذات المفردات التي يستخدمها رجال الدين حتى اليوم، تجرأت الكنيسة على إقامة عقوبات القتل بحق المخالفين.
حسب القناعات الشعبية في ذلك الوقت، كان يجري كسب النساء الى السحر من خلال اغراء الفقيرات بالدعوة الى حفلات، وهناك تقابل الشيطان شخصيا، الذي يتمثل لها على شكل بشر سويا، ويُطلب منها ان تنحني له وتطيعه، فتقبل المراة قدمه. الشيطان يقوم بوضع علامته على مكان ما في جسمها، وحول تلك العلامة يفقد الجلد احساسه. بذلك تكون المرأة قد تخلت عن روحها لصالح الشيطان، وفي المقابل تحصل على مكنستها السحرية الشهيرة.
عندما تضع المكنسة بين قدميها وتصيح " انطلقي على بركة الشيطان" تطير منطلقة في السماء الى اجتماع السحرة، الذي يعقد في اعالي الجبال او المناطق المعزولة. عند التحقيق معهن، كان النساء يعترفون انهم كانوا في ايام السبت يجتمعون ، يشربون الخمر ويرقصون ويقبلون مؤخرة الشيطان ويمارسون الجنس مع بعض. هذه الطقوس اساس العقد مابين الشيطان والساحرات. غالبا كانت الاعترافات تستحصل بدون تعذيب على الاطلاق، والذي كان اقل شيوعا مما كنا نعتقد. في العديد من البلدان جرى منع التعذيب بدون ادلة.
حرق الساحرات كان على الدوام يجري ربطه بالعصور الوسطى ومحاكم الغفران الكنسية، وهي محاكم بابوية جرى انشائها عام 1231. محاكم الغفران انشغلت بالسلوكيات التي تعتبر هرطقة وخروج عن الدين الصحيح. مثل حركة الغنوصية، في حين ان ملاحقة الساحرات كان جزء ضئيل من مهام هذه المحاكم.
بالنسبة للساحرات، كان من الافضل لهم ان تجري محاكمتهم من قبل المحاكم البابوية على ان تجري من قبل المحاكم البروتستانتية. محاكم الكنيسة الاسبانية والايطالية كانت اخف وطئة بكثير من المحاكم البروتستانتية. في اسبانيا صدرت احكام الاعدام على 2% فقط من مجموع 440 الف محكمة، وفي ايطاليا لم يجري اي حكم اعدام منذ عام 1550، ولكن في الواقع لم تكن لملاحقة السحرة والساحرات علاقة كبيرة مع المؤسسات الكنسية. العامل الحاسم في ملاحقة السحرة كان التغييرات الاجتماعية في اوروبا التي كان يُنظر اليها من قبل الكنيسة على انها خروج عن العادات والتقاليد الحميدة، والسلوكيات الجديدة كان ينظر اليها على انها تسعى لابعاد الانسان عن الدين، ولذلك كلما زادت الكنيسة نشاطها لجمع الناس حول الدين الصحيح كلما ازداد ربط السلوكيات الجديدة بالشيطان وارتفعت بذلك عقوبة المذنب.
تحريم التحالف مع الشيطان وفرض العقوبات القاسية عليها، يظهر انه لم يخيف سكان كورنوال في الفترات المتأخرة. عام 2008 عثر الباحثين على المزيد من الاضاحي. احدهم كان مغطى بجلد قطة اسود ويحتوي على 22 بيضة، وجميعهم كانوا يحتون على جنين كامل تقريبا. إضافة الى ذلك كانت توجد مخالب واسنان وشوارب قطط. هذه الضحايا تعود الى القرن السابع عشر. في حفرة اخرى كان يوجد جلد واسنان كلب، وحنك خنزير وجميعهم يعودون الى خمسينات القرن الماضي.
الباحثة تشك في ان هذه الممارسات قد انتهت في القرن الماضي، وتعتقد ان الطقوس لاتزال تجري في السر حتى الان.
#طريف_سردست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل البشري يسعى للايمان
-
لماذا نسعى للايمان بالخرافات والاديان، من وجهة نظر بيلوجيا ا
...
-
العلاقة بين فقدان الابداع وفقدان الحرية
-
نظرية المصمم الذكي
-
رجال الدين، علماء ام كهنة؟
-
هل الديكتاتورية الاسلامية بديل عن انظمة الاستبداد الراهن؟
-
وهم الدولة الدينية
-
ازمة اليسار، ازمتنا نحن
-
العولمة: هل ستقتنص الفرص المتاحة؟
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|