|
آفاق الاستيطان وحدود التسوية العقارية
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:15
المحور:
القضية الفلسطينية
يبدو أن فشل إدارة أوباما في حمل حكومة نتانياهو على تجميد التوسع الاستيطاني، بما في ذلك منع المزيد من عمليات تهويد القدس الشرقية، يدفع الآن بالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وعبر حملة العلاقات العامة الأميركية التي شهدها الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو)، إلى الهبوط بسقف التوقعات إلى الحضيض. وكان ما أعلن عبر جولة ميتشيل ليس سوى رأس جبل جليد العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، حيث يبدو أن الإسرائيليين وهم بصدد استعادة زمام المبادرة، سوف يستطيعون تكييف علاقاتهم بالإدارة الأميركية، وفق منظورهم هم لمسائل التسوية في المنطقة، ليس مع الفلسطينيين وحدهم، بل ومع بعض العرب أيضا، حيث بدا المطلب الأميركي بالتطبيع أولا مقابل وقف الاستيطان، بمثابة تنازل أميركي واضح لإسرائيل، ما أعاد ويعيد موضوعة التسوية إلى مربعها الأول، مظهرا إياها بالفعل كنوع من مناقصات تسوية عقارية، هي أبعد ما تكون من متطلبات أي تسوية سياسية.
من هنا إشارة مصادر فلسطينية إلى عدم رضا السلطة والرئيس محمود عباس، عن الموقف الأميركي الباحث عن "حلول وسط" في شأن التوسع الاستيطاني، فضلا عن رد الدكتور صائب عريقات على اقتراحات ميتشيل، حيث رأى أنه إذا فشلت واشنطن الآن في حمل إسرائيل على وقف التوسع الاستيطاني، فمن سيصدق أنها ستكون قادرة على حمل إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وحل قضايا القدس واللاجئين؟، وأنه إذا كان وقف الاستيطان بما فيه النمو الطبيعي، ليس شرطا فلسطينيا لاستئناف المفاوضات، وإنما هو التزام إسرائيلي بموجب خريطة الطريق، فأي طريق بقيت أمام خريطة لم تعد تلزم إسرائيل بأي شيئ، حتى من قبل إدارة "التغيير" الأميركية وهي تتراجع عن أقل القليل من "أحلام التغيير" في موقفها بل سلسلة مواقفها، لا سيما المتعلقة بقضايا الصراع العربي –الإسرائيلي. هكذا إذا.. بات واضحا أنه لم يعد لدى الإدارة الأميركية، ما تقدمه للتسوية السياسية في المنطقة سوى ما تقترحه عليها إسرائيل، أو هكذا تبدو الأمور في أعقاب جولة ميتشيل، وهي التي أعاد فيها المبعوث الأميركي تأكيد موضوعة "التطبيع الشامل مقابل السلام الشامل"، وهو إذ يقترح مفاوضات سقفها الزمني ثمانية عشر شهرا، فإن التسوية العقارية الجارية فصولا، هي الكفيلة ليس بترسيم الحدود فحسب، بل هي تمهد لتسوية، إن لم نقل حسم "معركة الاستيطان" الأميركية – الإسرائيلية. وهذا يعني تحديدا أن ما تقبل عليه المنطقة ليس التسوية الإقليمية الموعودة من قبل البيت الأبيض، بل التسوية الإسرائيلية بمفاهيمها العقارية، التي تضمن عبرها حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة، حلولها الأفضل لإلحاق المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية، وتنفيذ أمر واقع التهويد الجاري في القدس بكيان الدولة الإسرائيلية، دون منغصات الخلاف والاختلاف مع الإدارة الأميركية أو غيرها من الأطراف.
وما يسمى مدة محدودة (18 شهرا) قد تستغرقها مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية، بهدف التوصل إلى ما يسمى "تسوية سياسية نهائية من دون تجميد كامل للاستيطان"، هذه الفترة الزمنية كافية لإحداث تغييرات هامة في ديموغرافيا الاستيطان لم يسبق أن شهدته المناطق المحتلة، لا سيما وأن البؤر العشوائية تزداد يوميا، وليليا يقام المزيد منها هنا أو هناك، فضلا عن أن ما أطلق عليه "تسوية سياسية نهائية" لا يتوافق والواقع الراهن، فهي أبعد منالا في ظل حكومة يمين ديني وقومي متطرفة، لا تسعى إلى تسوية هي نتاج تفاوض ثنائي أو أكثر، بل إن هذه الحكومة تسعى إلى زرع بذور تسويتها زرعا، حتى في أرض جديدة، لم تشهد أي نوع من أنواع الاستيطان فيها، كتلك المساحات من الأراضي التي صودرت من أرض البحر الميت، أو تلك التي تسعى إلى شطر القدس والضفة الغربية بالمستوطنات، لخلق تواصل جغرافي وديموغرافي فيما يختص بالإسرائيليين، وخلق واقع تشطيري بالمقابل، يمنع الدولة الفلسطينية العتيدة من أي تواصل في أراضيها. ويبدو أن الأنسب لتنفيذ مخطط كهذا، هي تلك الحكومة ومثيلتها في البيت الأبيض، حيث يبدو أنه جرى حسم "معركة الاستيطان" بالابتعاد كليا عن المواجهة، وتأجيل أي خلاف مستجد بشأنها، حتى يحسم على طاولة مفاوضات مفترضة فيما بعد، بعد عامين أو عام ونصف وفق أكثر المتفائلين، وذلك على افتراض بدأت المفاوضات توا.
كما أن سعي الجانب الأميركي للتوصل عبر المفاوضات الموعودة، إلى اتفاق على الحدود النهائية، لما يتبقى من أراض خارج المخططات الاستيطانية، لإلحاقها بالدولة الفلسطينية العتيدة، يصار بعدها إلى تسوية موضوع الاستيطان، بحيث يجري تفكيك المستوطنات الواقعة في مناطق الدولة الفلسطينية. مثل هذا السيناريو يبدو خياليا أو هو من الأوهام القائمة على أساس تبني تسوية عقارية، لا تسوية سياسية، ولا حتى تلك التسوية الاقتصادية وفق خطة نتانياهو وسلامه الاقتصادي المزعوم، القائم على أساس دويلة حكم ذاتي منزوعة السلاح والسيادة والصلاحيات، فهل يسعى الأميركيون إلى المصادقة على قيام دويلة كهذه أو ما يشبهها، ولكن وفق مفاهيم عقارية، يجري بموجبها تبادل أراض بين إسرائيل وما يفترض أنها الدولة الفلسطينية الموعودة؟ في حين أن هذه وتلك أرض لها أصحابها، "الغائبون" منهم وفق قانون إسرائيلي بهذا المعنى، والمتواجدون أو الحاضرون فيها، وقد صودرت وجرى الاستيلاء عليها قديما وحديثا. فأي تسوية ممكنة وفق هذه الكيفية الإسرائيلية – الأميركية التي يمكن أن تتوحد رؤيتيهما في النهاية، لتشكل رؤية واحدة لذات التسوية، هي التي يدفع الفلسطينيون وحدهم ثمنها غاليا وغاليا جدا، ليس من أرضهم فقط، بل ومن وحدتهم وحركتهم السياسية والوطنية ومشروعهم الوطني، بعد أن يصيب النجاح - كما بات يأمل البعض - جهود تحويل حركة تحررهم الوطني إلى مجرد جثة بلا روح.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بات نتانياهو على أعتاب سقوطه الثاني؟
-
بين -معركة استيطان القدس - والدولة المؤقتة!
-
الاستراتيجية الإسرائيلية لربط البحار ومخاطرها الآنية والمستق
...
-
الحركة الوطنية الفلسطينية وجدل التطوير والتبديد!
-
حكمة الغرب لبرتراند رسل
-
نحن والسياسة.. من القاتل ومن القتيل؟
-
اضطرابات شينغيانغ و-مشاع- القضايا الفسطاطية
-
وعود الخطابات في صياغة عالم تعددي
-
لحن الدواخل الطليقة
-
إرهاصات الثورة الثالثة وآفاقها
-
ست قضايا عالقة قبل لقاء ميدفيديف - أوباما
-
هل من حل وسط بين حلول التسويات التفاوضية؟
-
خطاب النوايا الأميركي والتسويات المتباعدة
-
خالد القشطيني في إقامته -على ضفاف بابل-
-
ماذا تبقى من فلسطين؟
-
خيار- الحل الشاروني- يسابق -حل الدولتين-
-
حق العودة الفلسطيني والتسوية الممكنة!
-
نتلنياهو وفحوى خياراته البديلة لحل الدولتين
-
الانسداد التفاوضي ومفاعيل فشل أو إفشال -الحوار- الفلسطيني
-
اسرائيل كذكرى مؤقتة
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|