جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2736 - 2009 / 8 / 12 - 08:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التقليد في أغلبه محاولة لإمتلاك السعادة فغالبية المقلدين يقلدون بعض الناس لإعتقادهم أنهم سيكونوا سعداء إذا هم إستطاعوا تقليد الناس, فالذي يتمنى أن يكون له خصر نحيل أو التي تتمنى أن يكون لها خصراً جميلاً تتمنى ذلك لإعتقادها ان التي تملك خصراً نحيلاً سعيدة جداً بحياتها , والتي تضع عدسات لاصقة خضراء علبى عيونها وتكون عيونها سوداء نجدها تفعل ذلك لإعتقادها أن التي عيناها خضراء سعيدة بحياتها .
قال أحد الفلاسفة يوماً لقد فعلتُ كل ما فعله المسيح وأكثر منه ولكنهم لم يصلبوني!
وقال برنادشو: الذي يشكو من ألم الأسنان يعتقدُ أن الذين لا يشكون من ألم الأسنان سعداء في حياتهم.
الاشياء التي تنقصنا في حياتنا أو في أجسامنا ليست سبباً كافياً لسعادة غيرنا إذا كانوا يمتلكونها أو متوفرة بهم بلا نقص, الإنسان حين يفقد بعض الأعضاء من جسمه يتألم لذلك ويحزن ولكنه لا يعني أن غيره سعيد جداً إذا كان متوفراً به ما ينقص الآخر.
وبعبارة أكثر دقة العازف الموسيقي الموهوب والمحترف ليس محترفاً فقط لأنه يملك آلة موسيقية ,فلن تصبح أنت عازفاً محترفاً إذا إمتلكتُ عود (منير البشير أو نصير شمّا) .
ولن تصبحٍ أنت ِامرأة جميلة ومحبوبة إذا مثلاً إرتديت ألبسة ملكات الجمال في العالم .
ولن تصبح سياسياً محترفاً ومشهوراً لمجرد دخولك السجن لمرة واحدة أو أكثر.
ويعتقد بعض الناس مثلاً أنهم إذا لبسوا ألبسة أحد النجوم أو ألبسة مشابهة لما يلبسه أحد النجوم يعتقدون وهم مخطأون أنهم سيصبحون نجوماً مميزة, وهذا الذي يجعل كبار المستثمرين يصنعون أحذية للمشاهير وألبسة يلبسها المشاهير فتزداد نسبة أرباحهم بناءً على عُقد النقص عن الآخرين, فتقبل الناس على شراء ألبسة وبناطيل وأحذية المشاهير إعتقاداً منهم أنهم سيكونوا بمثابة الذين يلبسون أحذيتهم وسراويلهم.
وهذا كله بسبب عُقد النقص المصاب بها بعض الناس فالسطو على مكتبتي واستعارة كتبي لا يمكن أن يجعل هذا من المُستعير كاتباً ساخراً أو جدياً في الطرح والإسلوب.
للإنسان العادي والطبيعي نكهة خاصة خارجة عن إطار التقليد الأعمى أو غير الأعمى تكون للإنسان الطبيعي شخصية مستقلة كما هي البصمة والقزحية التي في العين , للإنسان الطبيعي أرض وهواء وماءخاص به و بيئة خاصة يعيش بها هو ومملكة وقارة خاصة به.
كان يقول: أرنولد توينبي , التقليد هدمٌ للشخصية وليس فناً,إنه لا يمكن أن يصنع شخصية مستقلة برأيها فصاحبي كان وما زال يعتقد أنه إذا أخذ بعض مقتنياتي سيصبح مثلي , لذلك سطى على مكتبتي واستعار منها عدة كتب لإعتقاده أنه سيصبح كاتباً إذا هو إمتلكها.
قبل أكثر من خمسة أعوام (خمس سنين) زارني صديق في منزلي وطلب مني أن أشرح له كيف أكتب مقالاتي فقلت له أنا أقرأ كل يوم وأكتب كل يوم , فنظر في مكتبتي الضخمة وقال كل هذه الكتب قرأتها !!؟ فققلت له لا أكثر منها بل أضعافها , فقال ما هي أكثر الكتب التي تُعجب بها أو التي تؤثر بك ؟ فقلت : قصة الحضارة ل وَل ديورانت , وتاريخ البشرية لآرنولد توينبي , وكتب لويس عوض ومحمد عابد الجابري والمفكر العربي الكبير سمير أمين والطيب تيزيني وهشام غصيب ومحمد أركون وصادق جلال العظم ولينين وماركس وإنجلز وماكس فيبر وثيو ركلود جاكبسون وصموائيل كريمر..إلخ فطلب مني أن يستعير الكتب , وبصراحة أنا لا أعير أحداً من كتبي إطلاتقاً مهما كانمت شخصيته ولكنني لا أدري كيف أعرته أكثر من 15 كتاباً دفعة واحدة , ومرت الشهور والسنون وأنا أطالبه بإعادة ما أخذه مني ورفض , عندها تيقنت من الحكمة التي تقول : الغبي والمجنون هو الذي يعير صديقه كتاباً والأكثر غباءً وجنوناً هو من يعيد الكتب التي استعارها .
والمشكلة ليست هنا أو أنها لا تكمن هنا بل أنها تكمن في أنه يحاول أن يضعها في خزانته لكي يستطيع الكتابة فهو متوهم ٌمن أن إمتلاكي للكتب في مكتبتي هي التي تجعلني كاتباً أو أن وجودها فقط في مكتبته هو سيصبح كاتباً بطلاً لا يشقُ له قلماً ولا رمحاً, تماماً كالذي فعل كل ما فعله المسيح ولكنهم لم يصلبوه وكالذي كتباً أشعارؤاً سياسية يسب فيها النظام ولم يسجنوه ولم يصبح بطلاً قومياً .
من هنا انبثقت عقيدة السحر البدائي, فقد كان الإنسان الأول يعتقد أنه إذا حصل على شيء من مقتنيات غيره فإنه سيسيطر عليه أو سيصبح مثله , ومن هنا انبثقت عقيدة (الَلقْ) أي أخذ شيء من ثوب شخص آخر وعمل سحر له لكي يسيطر عليه , لا بد أن تتوافر شروط العلق والعلق هو القطعة من الثوب الذي يلبسه الآخر المراد عمل سحر له .
وفي قصة إزيس وأوزريس وحورص الفرعونية تحاول الآلهة إزيس أن تبحث عن معنى إسم الإله (رع) لكي تسيطر عليه فهي إن عرفت إسمه فهذا يعنيب أنها ستتوصل إلى صفاته وتتوصل بعد ذلك إلى إسلوب تفكير الإله .
ومن هنا أيضاً إنطلقت عادة تقليد الناس فنجد بعض الناس يحاول أن يقلد إسلوب إنسان آخر في المشي أو في الأكل أو في الشرب أو في الإبتسام معتقداً أنه سيصبح محظوظاً أو محبوباً إذا هو قلد إسلوب شخص آخر محبوب بين الناس , ويتبين لغالبية المقلدين بعد فترة أنهم ليسوا على صواب.
و كان لي صديقٌ أيام الطفولة ينظر لشعر رأس صديقنا الثالث ويحسده عليه ويقول : لو عندي شعره أو شعر راس ناعم زي شَعره!!
وكان صديق الطفولة يعتقد أنه سيعيش سعيداً إذا هو إمتلك شعر رأس ناعم , أو أنه يعتقد أن صاحب شعر الرأس الناعم سعيداً,. فقط لأن شعره ناعم.
كذلك الذي به مرض قلب يعتقدُ واهماً أن الذين لا يعانون من أمراض القلب سعداء , وكذلك يعتقد الذي يمشي على قدم واحدة أن كل الذين يمشون على إثنتين سعداء في حياتهم.
وكذلك الذي يمشي على قدمين بدون سيارة فارهة يعتقد أن الذين يركبون سيارات فارهة وغالية الثمن سعداء .
الطفل الذي كان يتمنى شعر رأس أسود وناعم تقدم به العمر وتبين أن شعر رأسه لم يدخل له السعادة بل تفوقه العلمي حتى أصبح أستاذاً جامعياً وصاحب الشعر الناعم الآن تقريباً فقد أكثر من ثلثه بفضل عوامل تقدم العمر به , وهو سعيد جداً بحياته ليس لأن شعر رأسه ناعم , بل لأن عند أبيه مصالح كبيرة إقتصادية وتدر عليه أرباح هائلة .
إن الذي يشكو من ألم ما في جسمه يعتقد أن الذين لا يشكون من تلك الآلام سعداء جداً بحياتهم , فالذي يفتقد المال أيضاً يعتقد أنه لو كان صاحب رأس مال كبير لأصبح سعيداً , من هنا تنبثق جريمة سرقة الأموال والإختلاسات لكي تحقق للصوص السعادة وصدقوني أن هنالك لصوص بارعون ومحترفون بالسرقة وهم غير محتاجين للسرقة , ولكنهم هكذا يعتقدون أنهم سيصبحون سعداء إذا حصلوا على الأشياء التي بحوزة السعداء, صحيح أن صاحبنا الثاني سعيد بفضل المال والثروة ولكن هذا ليس ضرورياً لتحقيق السعادة لكل الناس, فهنالك أناس ٌسعداءَ جداً بحياتهم بسبب صحتهم الجيدة , ولكن ليس من الضروري أن تكون الصحة الجيدة سبب سعادة كل الناس .
أنا مثلاً سعيد جداً بحياتي أو أسعد جداً بحياتي حين أكتب مقالاً جيداً أو حين أكتب صفحة مهمة من كتابي الجديد وبهذا أطوي صفحة من عمري وأنا بها سعيد.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟