ولدي علي

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2737 - 2009 / 8 / 13 - 08:18
المحور: كتابات ساخرة
    

في الخامسة مساءً كنتُ أجلسُ في المرجيحة الكبيرة تحت شجرة الزيتون جاءني صوت من بعيد قمتْ..نهضت ُ بسرعة وإذا به صوت ولدي علي :
-شو مالك خير إنشاالله؟

-بدي أشرب مي(ماء).

- طيب ليش ما إتقوم وتشرب ؟


-شو أنا كاين خدام عندك؟

- شوشو شو شو ولك..سمعني مش سامع ..شو خدام ما خدام ؟ إنت بدكاش إتغير هاي اللهجه , ولك من وين بتكتسب عقليتك الطفولية الذكورية , طفل بعمرك وتصوراته ذكوريه .

-آه يعني أسع بدك إياني أقوم على شان أشرب مي؟شو أنا (زلمه) رجل.

- لالا ..لاإتقومش حاضر يا باشا يا زلمه تؤمرني في إشي ثاني ؟

- لا بس بدي مي أشرب .

-حاضر على راسي من فوق..أي هسع عمرك 8 سنوات ومش قادرلك ..طيب بكره شو بدك إتساوي بي بس تكبر ؟ ليش أختك برديس بتقوم لحالها وبتشرب مي وبتسقيني وشو ما بطلب منها أنا أو جدتها بتجيبه ليش إنت مش زيها ولك إنت كاين على راسك ريشه؟ إنت مثل المثل اللي بقول (جوزي ما حكمنيش دار عشيقي ورايه بالعصاه)وإنت مثل عشيقي بتحبني وبتحب تحكم بي.

- أختي بنت.

-شو يعني بنت؟

-البنت زي أمها إبتشتغل بالدار وبتعمل كل إشي ..أنا زلمه زيك .

- لا والله إنك ما حزرتش ..إذا الرجوليه إنك تقعد وتضرب كوع وتقول هاتوا وحطوا وجيبوا ما بدناش هيك رجوليه , هاي أنا أبوك بقوم وبعمل كل شيء بدي إياه ..صحيح إنها أمك بتطبخ وبتشتغل بالبيت بس هذا عشانها ما بتشتغلش بوظيفه وأنا ما بساعدهاش على شاني باجي تعبان من الشغل.
أما صدقني لو باجي مرتاح كان اليوم الجلي عليّ والغسيل عليها ...بعدين عن جد إنت ولد فضيحه يعني لو زارني يساري وشاف تصرفاتك شو بده يحكي عني ؟ والله غير ننفضح.

- ههه ب بابا بده يصير زي النسوان ..ما إليش دخل أسع جيبلي مي واعطيني ربع دينار بدي أشتري فيهن .

- أحسسسسننن ...لويش الربع ما هو بعطيك 15 قرش ! لويش ال 25 قرش؟بعدين قلي إحكيلي مين بالحاره بوخذ مصروف زيك, بعدين أنا بعطيك وأمك ما إبتعطيكيش ومع لك بتصف معها في أي شيْ ليش؟

-ما إليش دخل إنت دايمن (دائماً) الحق عليك إمبارح ظل عليك 10 قروش من مصروفي.

-طيب ما هو إنت إمبارح أخذت مني تقريباً 50 قرش نص(نصف) دينار لويش البعزقه؟ (التبذير)

- لا ما إليش دخل يعني لويش أعطيت برديس كمان مره ؟أنا بدي زيها مرتين مصروف.
-طيب ما هي أختك زيك.
-زيي؟الا ما بديش زيي , أسع بدك تعطيني وإذا أعطيتها كمان بدك ترجع تعطيني.

طبعاً ولدي علي الله يحفظه ويخليه ذخر لينا كلنا وللوطن , بجلس بالبيت مثل السي السيد وينادي بأهل الدار كالخليفة ليضعوا له الطعام فيوضع الطعام بأمره ويرفع من جنبه بأمره ثم ينادي ويطلب الماء والببسي أو الكولا أو أي مشروب ساخن أو بارد , وحين نضع الطعام يرفض أن يجلس معنا فهو يجلس في غرفته يشاهد برامج الأطفال ويأتيه كل ما يطلبه وكأنه هارون الرشيد في زماناته , وبنادي على أخته برديس وعمرها 7 سنوات على شان تخدمه , وبشوف إنه من الواجب على الجميع أن يخدمه لمجرد أنه ذكر , وكمان بمد إيده على خواته برديس ولميس التي تصغر برديس بثلاث سنوات فيضربهن جميعاً, طبعاً لهذه الأسباب أحيانا ً بضربه بالرغم من أنه مدلل أما رجال القبيلة فيعيبون علي لك ويقولون : خليه يضربهن , خلهن يخافن منه خليه يكسر روسهن , وولدي علي أيضاً مثل ذكر النحل كسول جداً بينما أخته برديس سريعة جداً في تلبية طلبات البيت والمنزل بمجرد ما أندهلها تأتيني على جناح السرعة مش بس لي , أيضاً تأت جدتها بسرعة وتلبي كل ما تطلبه منها أمها ,. بالرغم منه أنها لا تحصل على خدمات إضافية كتلك التي يحصل عليها علي , فمصروفها اليومي لا يتجاوز نصف مصروف علي, ومع ذلك تخدمنا جميعنا بلا إستثناء , والكمبيوتر من حق الجميع ولكن علي هو المسيطر فهو لا يسمح لها بمقاطعته أثناء اللعب , حتى وإن كان لا يريد أن يلعب على الكمبيوتر فإنه يرفض رفضاً باتاً أن تستخدمه شقيقته برديس حتى أنا يمنعني من مزاولة مهنة أو هواية الكتابة عليه , لذلك أنا بدون حاسوب , وأتمنى يوم القيامة حين أرى أبي في مملكة المعذبين أن يشتري لي كمبيوتر, حتى (الجلْ) الذي يضعه علي على رأسه يخبأه في مكان سري خشية أن أمد يدي إليه, فأنا أيضاً بدون جل أضعه على رأسي.

وليس الحاسوب هو الفرق الوحيد بيني وبين ولدي علي , فعلي إبني ألله يحفظه عنده (بابا-أب- أبو) بلبيله (يُلبي له) كل إحتياجاته مش مثلي أنا , انا يا حسرتي ما عندي أب يلبيلي كل رغباتي وإحتياجاتي أنا يتميم ومقطوع من شجرة , ما عندي أب أجلس وأضرب كوع وناديه يسقيني مي ,. الله يرحمه ويخفف إترابه عنه شو كان حنون , بس القدر أخذه والزمن أخذه والمرض أخذه , بس عظيم جداً إنّا عرفنا شو لازم أطفالنا وانا الآن بلبيه ليهم كما يقول المثل (إطعم إبنك واكرمه والله ما بتدري بكره مين يحرمه) إحنا إنحرمنا بطفولتنا من أشياء كثيرة واليوم على مبدأ الإنتقام لأنفسنا نقوم بتوفير ما كان ينقصنا لأبنائنا.

ولدي علي أيضاً محسود بالحارة شو ب ما بده بعطيه حتى جارنا تاجر جملة بحكيلي آه يا أبو علي لو إني علي ! فسألته مره : إنت ليش بتتمنى إتكون علي ؟ قال : بكيف بحول كل الشكات المستحقات عليّ للناس وللبنوك عليك وبرتاح جداً, فحكيتله : طيب إبني علي عنده أبو يدفع عنه , بس انا ما عندي أبو يدفع عني , إبني علي عنده أبو شو ما يطلب بعطيه بس أنا ما عندي أبو شو ما بدي يعطيني , أنا بختلف عن إبني علي , إبني علي أبوه معاه فلوس يعطيعه..بس أنا أبوي ما معاه فلوس يعطيني, إبني علي أبوه حي طيب , وأنا يتيم أبوي ميت , لو حكيت إنك إتحط الشكات على علي كان هيك بصير بدفعهن عنه .

إبني علي عنده كمان صديقه أو 3 ثلاث صديقات بالحارة بلعب معاهن , بس أنا ما عندي في الحارة ولا صديقه واحدة, إبني علي من هون ت (حتى) يكبر ويروح للجامعه بتكون الحياة إختلفت بعض الشيء وراح ينال حقوقه العاطفية مبكراً يعني حياته رايحه إتكون أحسن من حياتنا , هذا طبعاً إذا الأمور ضبطت معاي وهربت فيه لأي دولة لا تعرف اللغة العربية الفصحى , ففي الدول الفصيحة جداً يموت الإنسان العامل والإنسان الطفل والإنسان المرأة قهراً.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات