|
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية: (4) هدفها تشويه التاريخ الحضاري لمصر
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 07:54
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ليس هو واحد من جهلة الشعب ولا من الدهماء الذي لم ينل حظا من المعرفة، ولا هو مختل العقل حتى يمكن أن تخلى مسئوليته عما يقول وعما يكتب وفيما يصدر عنه من تصريحات خطرة مخرِّبة للوطن ووحدته وسلامته، دون ان يحاسب. الكاتب يحمل درجة علمية، أهلته لأن يشغل واحد من أخطر مواقع المسئولية الثقافية المُوجِّهة للفكر في مصر. فهو المسئول عن قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية صاحبة الاسم الفاخر. عندما أصدر رواية عزازيل انبرى للدفاع عما فيها من تشويه للتاريخ كبار مثقفينا، تحت ادعاء الإبداع الأدبي، ليعطوا الكاتب حق إفساد تاريخ مصر الحضاري الشامخ. في مقالنا السابق ناقشنا مشكلة الإبداع في رواية عزازيل، فإذ بالرواية شوه وعبث يفتقر للحد الأدنى للعمل الأدبي الروائي، وبذلك أبطلنا الحجج لتشويه التاريخ. فخرج علينا الكاتب بتصريح جديد يتجنى فيه بشكل مخيف على التاريخ الحضاري لمصر في العصر القبطي فيقول.
[لن نفهم التراث العربى الإسلامى إلا إذا فهمنا التراث المسيحى ولا يمكن فصل النسيج عن بعضه لا بد لنا أن نفهم العقائد الأرثوذكسية والنسطورية، فالتاريخ كل لا ينفصل، أعجب من الحديث عن حكم الأقباط قبل الفتح الإسلامي لمصر، فلم يحدث أن حكم مصر حاكم قبطي واحد ولم تقم إدارة قبطية واحدة، إنما كان يحكم مصر الإسكندرانيون الذين هم اليونانيين وكان دخول الإسكندرية محرماً على الأقباط المهمشين فى قرى الصعيد يمارسون عقائدهم هناك، وكانوا يسمون باليعاقبة وكان يطلق على العرب من سكان مصر "مصريين"، وكان يحكم مصر "المقوقس" الرومى الأرثوذكسى وليس الأقباط، فالقبطية نفسها صناعة إسلامية، وما يروج له حالياً من أن المسلمين انتزعوا مصر من يد الأقباط.]
هذا التصريح الخطير ليس قصة أدبية تتيح له فرصة العبث التاريخي، لكنه تصريح إرهابي أراد أن يدافع به عن روايته الفاسدة. الكاتب يتعمد مغالطة مقصودة ليتبعها بعدة أكاذيب مخيفة فيقول [أعجب من الحديث عن حكم الأقباط قبل الفتح الإسلامي لمصر] من قال أن الأقباط لم يكونوا تحت الاستعمار المستمر لمدة استمرت لأكثر من 2500 عاما؟!!! بهذا التساؤل المغالط يتمادى الكاتب ليقدم مجموعة من الأفتراءات على تاريخنا القومي العملاق. الحقيقة التاريخية تقر أن الاستعمار البيزنطي لمصر امتد من حكم الإمبراطور قسطنطين الكبير حتى دخول العرب مصر، وهذا أمر لم ينكره أحد. الهدف من تلك المغالطة التي استهل بها حديثه أن يتبعها بسلسلة من الأكاذيب المخيفة، بهدف تشويه وإهالة التراب على تاريخ مصر القومي الشامخ. هل كان سكان مصر عربا قبل غزو العرب لمصر؟!!! ما هذا الافتراء المخيف الجديد على المسامع؟!!! انه تشويه جديد يفرضه العروبيون بهدف ألغاء الوجود المصري وتقنين الاستعمار الجديد لمصر!!! حاشا للأقباط أن يكونوا عربا، قبل أو بعد الغزو العربي لمصر!!! وهل كان الأقباط محصورين مهمشين في قرى الصعيد؟!!! ماذا نقول عن حضارة الصعيد في العصر القبطي والتي كانت مزارا لعظماء العالم، وكم كتب عنهم المؤرخون. وهل كان الإسكندريون من اليونانيين؟!!! لقد كان المصريون في ذلك الوقت هم عظماء التاريخ صناع الحضارة يتصدرون جامعات الإسكندرية الأربعة التي علمت العالم، حتى وهم تحت الاستعمار مما يزيدهم رفعة. لم يتوقف العطاء الحضاري لمصر إلا بعد الاحتلال العربي، فتوقف العطاء المصري بل توقف تاريخ كل الحضارات القديمة حيثما وطأت أقدام الغزاة العرب الأراضي. هل كان سكان مصر (العرب) محظور عليهم دخول الإسكندرية؟!!! ما هذا الهراء الذي يتعارض حتى مع ما جاء بالرواية الساقطة عزازيل؟!!! معنى ذلك أن كل ما جاء في رواية عزازيل من اتهاماته للأقباط كان مجرد أكاذيب!!! كيف يملك الكاتب تلك القدرة على المغالطة حتى يغالط نفسه وكتاباته دون خجل؟!!! البابا كيرلس القبطي كان في الإسكندرية، وهيباثيا عالمة الرياضة كانت مصرية اسكندرانية. كانت الجامعات الأربعة بالإسكندرية يقودها علماء مصريون، وكانت مصدرا للاستنارة والحضارة لكل سكان الأرض. كان حكام مصر بيزنطيون ولم يكن للمستعمر البيزنطي لا العلم ولا يرقأ للحضارة المصرية القبطية العريقة.
أفلوطين المصري أقام مدرسته الفكرية في روما بعد دراسته في الإسكندرية تحت إشراف الفيلسوف العملاق أمونيوس ساقاس، الذي تتلمذ على يديه أكبر عملاقين في تاريخ الحضارة والفلسفة هما أوريجانوس وأفلوطين. وبينما اتجه أوريجانوس للمسيحية فصار أعظم مفكرا وعالما وكاتبا مسيحيا ظهر على وجه الأرض حتى يومنا هذا، باعتراف كل المدارس الفكرية المعاصرة شرقا وغربا. في نفس الوقت تفوق صديقه الحميم وزميل الدراسة أفلوطين المصري الوثني فأقام المدرسة "الأفلاطونية الجديدة Neoplatonism" في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية. وتعتبر مدرسته الفلسفيه أساسا للفكر الأوربي بل والمنهج العلمي ولها الأثر العميق في عالمنا المعاصر، ومازالت تدرس في كل جامعات العالم كأساس للفلسفة الحديثة. وأكمل العمل في مدرسة أفلوطين تلميذه فورفيريوس المصري خريج الإسكندرية. إن عباقرة المصريين وهم تحت الاستعمار قادوا العلم والفكر على أعلى مستوى عالمي. هل كان كل هؤلاء العمالقة عربا مهمشين في قرى الصعيد أم كانوا يونانيين من سكان الإسكندرية كما يدعي الكاتب؟!!!! عجبي لهذا المستوى المتدني من الكذب. لقد تحرك المستعمر البيزنطي الشرقي مع الروماني الغربي يدفعهما الحسد من الإسكندرية وعلمائها الذين ساد علمهم الأرض بالحق والقيم الحضارية الرفيعة، فتآمرا معا ليسكتا صوت الإسكندرية الحضاري ويخمدا أنفاسها. ففي عام 451 اجتمع مجمع خلقيدونيا المعروف بالمجمع المسكوني الرابع حيث حشدوا فيه ما يقرب من ألف اسقف أو يزيد من كل الأرض وقاموا بحرم الأنبا ديسقورس بطريرك الإسكندرية. وكتب كثير من مؤرخيهم أن الإسكندرية انتهت وتوقفت عن العطاء المعرفي منذ ذلك اليوم. لكن التاريخ يُكذِّب ذلك، فالعبقرية المصرية لم تنضب أبدا ولم تستطع قوى الظلام أن تطفئ جزوتها المتأججة، فنري عباقرة مصريين حتى نهاية القرن السادس الميلادي، يتقدمهم العالم العملاق يؤنس فيلوبونوس. الذي عرف عند العرب باسم يحي النحوي، وعند الغرب باسم جون فيلوبونس أو جون جراماتيكس، وكان ذلك لقبه العلمي في جامعة الإسكندرية في القرن السادس (1). ذلك العالم الجبار الذي ظهرت أهميته مؤخرا، فظهر عنه في أمريكا مئات الكتاب العلمية العملاقة خلال العشر سنوات الأخيرة (2). ويعتبر انتاجه العلمي في الفزياء ودراسة الكون أهم ما أنتجه العقل البشري قبل إينشتاين، فاعتبره البعض اكثر تفوقا من اسحق نيوتن(3). وقد ترجمت كتبه الأصلية للإنجليزية وتباع بأسعر مرتفعة جدا(4). ولقد سجلت دراساته العلمية الجبارة كل الموسوعات العالمية بكل الإعجاب(5). لقد اعتمد جاليليو جاليلي على كتابات فيلوبونس في اكتشافاته العلمية الرائدة، فكتب جاليليو عنه كتابا أشاد بعظمة العالم المصري وفضله عليه(6). ومع كل تلك الشهرة العالمية لم نسمع عنه في مصر!!! ويؤكد أحد الكتب أن نظريات أينشتاين كانت في ثنايا دراست جون فيلوبونس المصري منذ القرن السادس، فلو تابع العلماء تلك الدراست لظهرت نظريات أينشتين قبل ألف سنة من ظهورها. وما عوق ظهور تلك النظريات هو التخلف الديني (المسيحي)، فالمجمع المسكوني السادس بين القسطنطسنية وروما حرم جون فيلوبونس وكتاباته واعتبره هرطوقيا. ورغم التعصب ضد السكندريين الذي بلغ لإضطهادات مروعة سالت فيها دماء ملايين الأقباط الا أنهم لم يكفوا عن العطاء الحضاري حتى الغزو العربي. ونلاحظ أن المجامع المسكونية الرابع والخامس والسادس قامت بحرم ثلاث من عمالقة الأقباط المصرين، فالمجمع الرابع حرم القديس ديسقورس بطريرك الإسكندرية، والخامس حرم أوريجانوس أعظم فلاسفة المسيحية في التاريخ، والمجمع السادس وقع الحرم على جون فيلوبونس أعظم العلماء. ومن قرارات تلك المجامع الثلاث يتضح مدى غيرة وحقد المستعمر على علماء الإسكندرية، فاستخدموا ضدهم السلطان الديني. ونتج عن ذلك، التخلف الحضاري الذي ساد العالم في الغرب خلال العصور المظلمة، وظهور الإسلام في الشرق، حتى أن مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية التي قادت مسيحي الشرق سياسيا، وشكلت المجامع المسكونية التي حرمت علماء الأقباط، صارت اسطمبول عاصمة الخلافة العثمانية!!!
رحم الله امرئ عرف قدر نفسه!!! أين كان العرب من ذلك الزخم الحضاري الخصب للمصرين؟!!! كيف كان ثقل العرب العلمي ووزنهم الحضاري عند غزوهم مصر؟!!! لكن العالم النابه الذي تصور أنه قادر على تشويه التاريخ يتجاسر ليقول في تصريحه المخيف "فالقبطية نفسها صناعة إسلامية" يا للهول على رأي يوسف وهبي!!! هل يمكن تصور أن يصدر ذلك العهر عن شخص مسئول يعمل في مكتبة الإسكندرية؟!!! من أقامه ليشغل منصبا ثقافيا رفيعا في مكتبة الإسكندرية؟!! لماذا وكيف يشغل ذلك المنصب متعصب ينشر الجهل الوهابي؟!!!
الحقيقة المؤسفة أن العصر القبطي الذي أثرى الحضارة الإنسانية في كل مجالات المعرفة من طب وعلم التشريح ورياضة وفلك وهندسة ورياضة وفلسفة وعلم الأحياء من نبات وحيوان، والذي بدأ بدخول المسيحية مصر قبل منتصف القرن الأول الميلادي، قد توقف عن العطاء الحضاري بدخول العرب مصر قبل منتصف القرن السابع!!! إن كل صور الاستعمار بكل ما فيها من شراسة ودموية لم تستطع أن تغلق رحم مصر لإنجاب عباقرة للعالم عبر الأجيال حتى الغزو العربي الذي شل مصر حضاريا. وفي ذلك دليل ما بعده دليل على المقدرة التدميرية العروبية للتحضر والخير. إن مصر قادرة على العطاء حتى اليوم حصرا في عبقرية إنسان الحضارة المصري، لكن العبقرية المصرية المحاصرة بالقيد العروبي المتخلف شلت قدرتها عن العطاء. الدكتور مجدي يعقوب والدكتور أحمد زويل برهان على ذلك، فهما امتداد طبيعي لنفس الشعلة النارية للعبقرية المصرية، فيتماثل عطائهما الحضاري مع أوريجانوس وأفلطين وجون فيلوبونس. كلا العملاقين أخرجا من مصر غدرا وقهرا، وكان ذلك لحسن حظ العطاء الحضاري الذي حقق كسبا جديدا للإنسانية من خلال العبقرية المصرية، فلولا إخراجهما مغصوبين من مصر لما كسبت البشرية بثراء عطائهما. ليت السيد يوسف زيدان يدرك كم الخسارة التي تخسرها البشرية بسبب مذلة المصري تحت عبودية عروبية وهابية جاهلية، حولت العبقري المصري لأطفال شوارع وسكان عشوائيات ومقابر. أطفال المصريين العباقرة تستخدم أجسادهم كقطع غيار لأثرياء المستعمر الوهابي. كل ذلك القهر يقتاده استعمار ثقافي إرهابي يقوده يوسف زيدان وأمثله. ماذا أعطى العرب لأقباط مصر أيها المدعي، سوى شل قدراتهم عن العطاء الحضاري الذي كان وفيرا قبل الغزو العربي؟!!! وماذا أعطى الأقباط للعرب؟!!! لقد أعطوهم كل شيء وكل مظهر حضاري يدَّعون أنه عربي إسلامي وهو أصلا مصري قبطي!!! ومع كل ذلك العطاء لم ينبغ منهم أحد له أثر يذكر!!!
هل كان العرب سكان الخيام يعرفون فن البناء وطرز العمارة قبل غزو مصر؟!!! إن الأحداث الخاصة ببناء جامع بن طولون تشهد أمام التاريخ!!!
اسألوا المهندس القبطي سعيد إبن كاتب الفرغاني عن جامع ابن طولون وكيف أخذ أجره. جامع ابن طولون مفخرة العمارة العربية الإسلامية بمإذنته الجميلة المتميزة بإمكانيات صوتية نادرة إلى جانب جمالها المعماري. المئذنة مصممة بطريقة هندسية علمية بحيث أنه من موقع المؤذن ينتشر الصوت بأقل جهد إلى مسافات بعيدة فيسمع بوضوح في كل جوانب الجامع الكبير. وفي يوم افتتاح الجامع بينما كان بن طولون يحتفل بتلك المناسبة، وقف المهندس القبطي العبقري فوق المئذنة وطلب من بن طولون أجرته عن هذا العمل العظيم. فوصل صوته إلى كل جوانب الجامع الضخم مما يثبت عبقريته. كان قد سبق لنفس المهندس أن بنى قصرا فاخرا لابن طولون وكانت مكافأته أن وضعه في السجن، ولم يُخرجه إلا ليبني له الجامع. وبعد أن بنى الجامع حاول أن يُذكِّر الخليفة بأجرته من فوق المئذنة، ليظهر براعته وعلمه، فأرسل بن طولون للمهندس رسولا يقول له تعالى لتأخذ أجرتك. وعندما حضر المهندس أمام الخليفة قام السياف بقطع رأسه بأمر بن طولون. وقيل في ذلك التصرف الدموي البشع أن ابن طولون كان معجبا جدا بالمبنى الجميل فقرر قتل المهندس المبدع حتى لا يقوم بعمل مثيل!!! هذا هو المنطق العروبي الدموي الغبي!!! وعندما حضر أوباما إلى لقاهرة أخذوه لجامع السلطان حسن مع وزيرة خارجيته هيلري كلينتون ليريا عظمة العمارة الإسلامية. لم يخبرهما أحد أن تلك العمارة الجميلة هي الفن القبطي الذي تألق في مصر لسبعة قرون قبل الإسلام، ولكن بعد الغزو العربي غيروا اسمه للفن الإسلامي والأربسك أي العربي. كان الخليفة العثماني يحضر إلي مصر بشكل منتظم ليأخذ صناعها المهرة إلي الأستانة وبذلك تفوقت الصنعة هناك وأطلقوا عليها الصنعة الاسطمبولي التي اشتهرت جدا، ولم يقل أحد أن صانعوها مصريون. يقول الكاتب، [لن نفهم التراث العربى الإسلامى إلا إذا فهمنا التراث المسيحى ولا يمكن فصل النسيج عن بعضه لا بد لنا أن نفهم العقائد الأرثوذكسية والنسطورية، فالتاريخ كل لا ينفصل].
الكاتب يقر هنا في تعليقه أن الإسلام ما هو إلا امتداد طبيعي للهرطقات المسيحية التي ظهرت في القرن الرابع والخامس، وقد كرر ذلك في رواية عزازيل في دفاعه غير المنطقي وغير المبرر عن كل من الهرطقة الأريوسية والنسطورية. ومن أجل ذلك الدفاع الساذج عن الهراطقة شوه التاريخ القبطي في الرواية بأكاذيب مختلة غاية في الغباء لا تحتاج جهدا لإثبات انها مجرد خرافات بلا أساس. لكن كل ذلك يعود بالضرر الخطير والمؤكد على الإسلام نفسه، فذلك الهراء يعتبر إساءة بالغة للدين الإسلامي الأمر الذي يرفضه علماء ومفكري الإسلام النابهون. فيعتبر ذلك اعترافا خطيرا لوهابي، أراد أن يشوه المسيحية فشوه الإسلام، بالإقرار بأن الدين الإسلامي ما هوإلا امتداد لهرطقات مسيحية معروف تاريخها المذري بكل تفصيل!!!
كل ذلك يظهر الهدف الحقيقي من رواية عزازيل الذي حاول أن يخفيه تحت مسميات ملتوية وأحجيات تافهة فلم يفلح. وإذ به يفضح نفسه بذلك التصريح الغبي. فهدف عزازيل هو الدفاع عن النسطورية والأريوسية بمهاجمة التاريخ المسيحي بشكل عام وتشويه تاريخ الحضارة القبطية المصرية بصفة خاصة، كل ذلك دفاعا عن هرطقات مسيحية ظهرت في القرن الرابع والخامس ظانا منه أنه بذلك يدافع عن الإسلام!!! فرواية عزازيل تركز على الدفاع عن نسطور بطريرك القسطنطينية المعزول. الكاتب يصور نسطور بصورة القديس المظلوم والمفترى عليه، بهدف تشويه تاريخ الأقباط كله خاصة تاريخ البطاركة المعتبرين أعلام الفكر المسيحي. وقد ركز كل الكراهية على واحد من أعظم اللاهوتيين في التاريخ، هو البطريرك السكندري الأنبا كيرلس عامود الدين. كما لم يكف عن بث السموم ضد عملاق اللاهوت الأرثوذكسي البابا أثناسيوس السكندري. وحتى ندرك عمق الهوة السحيقة التي يتدنى إليها هذا العمل المفسد يلزم أن نعرف من هو نسطور وماذا سجل التاريخ الحقيقي عنه:
لا يُعرَف لنسطور تاريخ ميلاد أو موطن، لكن يظن أنه من أصل فارسي أو عربي سوري من مدينة مرعش. أول ظهوره في التاريخ عند تواجده كراهب في أحد أديرة إنطاكية، حيث تلقى ثقافته على معلمي المدرسة الإنطاكية المشهورين في ذلك الوقت. ولما أراد الإمبراطور الضعيف الشخصية ثيودوسيوس أن يختار بطريركا لعاصمته القسطنطينية، خلفا للبطريرك المتوفى، اختار شخصا غريبا عن القسطنطينية حتى يتسنى له التحكم فيه ضد الشعب، فاختار نسطور تحديا لرغبة الشعب وبالمخالفةً للقانون الكنسي.
تم رسامة نسطور بطريركا على عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية في عام 428 م. كان صغير السن، وصفه المؤرخ المعاصر له سقراط بالشراسة والغرور واحتقار الآخرين، مع أن سقراط نفسه كان نسطوريا تتلمذ على معلمه ثيؤودوريت الموبسستي. تميز نسطور بالتعصب الشديد والقسوة البالغة على الشعب، وكان يتهم كل من يختلف معه بالهرطقة. كان خطاب حفل تنصيبه عنيفا، هدد فيه الهراطقة وأعداء الإيمان بكل قسوة، ووجه حديثه للإمبراطور قائلا "هبني بلدا بدون هراطقة أمنحك الحياة الأبدية"!!! ولم يكد يستقر على كرسيه حتى استصدر قرارا من الإمبراطور يخول له حق القبض على الهراطقة ومعاقبتهم. وكان أول ضحاياه جماعة الأريوسيين (بعكس تماما أكاذيب رواية عزازيل) فأمر بحرق مقر اجتماعاتهم فامتدت النيران إلى منازل المدينة وأثارت الهلع. ومن بين من اتهمهم بالهرطقة فيلبس مرشح الشعب للبطريركية وكذلك بروكلس الأسقف وكان أيضا مرشحا حيث طردهم من الكهنوت وشردهم. ولم تمضي إلا فترة وجيزة حتى ظهرت انحرافات نسطور ضد السيدة العذراء فأحدثت انقساما شعبيا خطيرا في القسطنطينية، فقام ضده الكثيرون وهاجموه علنا ومن بينهم المحامي الشهير "أزبيوس" الذي أصدر منشورا اتهم فيه نسطور بالهرطقة. وبينما كان الإمبراطور ورجاله يؤيدون نسطور ضد الشعب وضد الأساقفة والإكليروس والرهبان الذين كانوا في حالة ثورة، فاندلعت المظاهرات في العاصمة. وفي مرة اعترض طريقه أحد الرهبان أراد منعه من عمل القداس كهرطوقي، فلطمه نسطور على وجهه وسلمه للشرطة. وحضر إليه الأرشمندريت باسيليوس رئيس أحد الأديرة مع بعض رهبانه لمحاولة محاورته، فأحضر لهم الشرطة وقبضوا عليهم وجلدوهم. وكان يتعامل مع المتظاهرين بمنتهى القسوة حيث كانوا يساقون للجلد ويتركهم لمدد طويلة في الحبس دون محاكمة، وكان نسطور يحضر بنفسه ويقوم بصفع رجال الإكليروس والرهبان على وجوههم. وبلغت الوقاحة بذلك الأسقف المغرورة أن تتطاول على الإمبراطورة نفسها التي طردها من الهيكل ليلة عيد الفصح!!!
ثلاث سنوات فقط هي زمن رئاسة نسطور على كنيسة القسطنطينية حيث كانت كلها ثورات وانقسامات مما اضطر الإكليروس والشعب لطلب مساعدة كنيسة روما والإسكندرية. وعندما فقد الإمبراطور السيطرة على الموقف المتدهور أمر بتشكيل المجمع المسكوني الثالث بمدينة أفسس والذي حضره وفود تمثل كل أساقفة العالم. واختار الإمبراطور الأنبا كيرلس بطريرك الإسكندرية ليترأس المجمع لما له من مكانة علمية عالمية، وكذلك أسقف كنيسة روما الذي حضر ومعه علماء لاهوتيين على أعلى مستوى. ولم يكن يؤيد نسطور إلا بعض الأصدقاء القدامى من إنطاكيا بينما كان الخصم الرئيسي له هو شعب القسطنطينية الذي عانى المرارة والإرهاب. وحاكم نسطور قضاة المجمع الثالث من أساقفة مختارين من كل العالم، تحت إشراف الإمبراطور ورجاله، برئاسة الأنبا كيرلس بطريرك الإسكندرية. فحكم على نسطور بالطرد من كرسيه والنفي خارج البلاد.
هذا هو نسطور الذي يدافع عنه الكاتب ويعتبره المصدر الأول للإسلام مع عدو نسطور الأول آريوس الهرطوقي، وبذلك يسيئ جدا للإسلام بدلا من الدفاع عنه. لا يوجد شك أن الكاتب يعرف حقائق التاريخ، ولذلك لا يمكن أن تبرر أكاذيبه بأنه يكتب رواية لأنه يكتب عن تاريخ حقيقي وشخصيات حقيقية مشهورة. وبصفته المسئول عن المخطوطات في مكتبة الإسكندرية، بدلا من أن يقدم لنا عظماء الإسكندرية أمثال جون فيليبونس، ليلهم شبابنا اليائس، يعمل على طمس التاريخ المصري العملاق لحساب الفكر الوهابي السلفي، فيخفي عن المصريين تاريخهم الذي يتبارى العالم في الإعلان عنه والإشادة به!!! إنها جريمة قومية بكل المقاييس كان المفروض أن يقوم المسئولين بمحاكمته كمسئول يخون الوطن مستغلا لموقعه الثقافي الرسمي.
إن تثقيف الشعوب يعتبر من أهم المقومات التي تعطي للشعب قوته وثقته بالنفس خاصة الشباب، من خلال تاريخه. ومع أنه لا يوجد تاريخ حضاري لشعب مثيل للتاريخ المصري تقوم قوى الظلام بتشويه ذلك التاريخ العريق. التدمير الثقافي والمعرفي يبدأ بتشويه تاريخ الشعوب كوسيلة غاية في الخطورة يستخدمها المستعمر لكي يشل فريسته ويفقدها قيمتها، فببث الشعور بالتدني، ويهدم الشعور بالانتماء، حتى يستطيع أن يذل الشعب ويستعبده. تاريخ الاستعمار الطويل لمصر يشهد بمحاولات المستعمر المتكررة لتشويه تاريخ مصر العريق عبر العصور، وذلك موضوع يحتاج لدراسة علمية يلزم أن يتولاه شبابنا المجتهد، ليقدمه لمجتمعنا المصري، ليعطيه مناعة وتحصين من فتك جراثيم الاستعمار. إن أهم محاولات تشويه تاريخ مصرالرفيع قام بها المستعمر البيزنطي والعربي والبريطاني، ثم تأتي علينا تلك الهجمة الوهابية العروبية عنيفةُ وشرسةُُ تستهدف احتواء الثقافة المصرية. بدأ ذلك بعصر الرئيس انور السادات، حين دست السموم في برامج التعليم في المدارس مع بث التعصب عبر كل أجهزة الإعلام فحقق شللا كاملا للعمل الوطني المستنير. فمتى وكيف نبدأ معا العمل لأنقاذ مصر؟!!!! وقبل أن أختم حديث اليوم يلزم أن أشيد بالعمل الكبير الذي تقوم به الكاتبة العظيمة سلوى بكر في ترسيخ حقائق التاريخ القومي لمصر من خلال رواياتها وكتاباتها البديعة. قدمت الكاتبة روايتين عن الحقبة القبطية المنسية. الرواية الأولى البشمورى عرضت فيها صورة غاية في الدقة والعمق للمجتمع المصري في القرن التاسع تحت وطأة الاستعمار. أما الرواية الثانية فقدمت فيها تاريخ دقيق لأوريجانوس أعظم عباقرة الفكر المسيحي على مستوى التاريخ كله. ورغم أن كتابها حمل الشكل الروائي الدرامي البديع إلا أنه قدم أصدق وأدق تاريخ كتب عن العلامة أوريجانوس باللغة العربية. فمزجت الإبداع الأدبي الدرامي الرقيق بالفكر اللاهوتي الجاف، مع صياغة حقائق التاريخ بكل دقة لتقدم صورة حية للمجتمع المصري والعبقرية المصرية في القرن الثالث، تحت وطأة الاستعمار الروماني. وفي خيال خصب رائع مزجت بين عبقرية أوريجانوس وجون فيلوبونس عالم الإسكندرية العظيم في القرن السادس. وبذلك تكون الكاتبة هي أول من قدم اسم ذلك العالم المصري المنسي للمجتمع المصري. وأنا أتوقع من الكاتبة العظيمة المزيد في ذلك المجال المنسي والمحذوف من كتب التاريخ التي تقدم في مدارسنا. أتمنى لو أرى لها رواية جديدة عن حياة جون فيلوبونس لتقدم ذلك العالم العبقري لشبابنا اليائس لعلها تشعل فيهم نار الوطنية بشعور التفوق التاريخي المصري. تحيتي للكاتبة العظيمة سلوى بكر وإلى لقاء معها في رواياتها الجديدة؛ ومازال للحديث عن عزازيل بقية
------------------------------------------- المراجع:
1- مما يبطل الأكاذيب بعزازيل عن حرق البطريرك الأنبا توفيلوس لمكتبة الإسكندرية والجامعة
2- Amazon s John Philoponus Page Showing 700 Results Showing 501 Results http://www.amazon.com/John-Philoponus/e/B001HPPMI2/ref=ep_sprkl_at_B001HPPMI2?pf_rd_p=479564851&pf_rd_s=auto-sparkle&pf_rd_t=301&pf_rd_i=john%20philoponus&pf_rd_m=ATVPDKIKX0DER&pf_rd_r=1BEEJZN63K57SN0Q6NF4
3- CHRISTIAN INFLUENCES IN THE SCIENCES - ... on whose shoulders Newton stood was the theologian *John Philoponus* (fl. ... In the face of furious contradiction, *John Philoponus,* a Christian ... http://www.rae.org/influsci.html [More results from http://www.rae.org]
4- أمثلة لكتب جون فيلوبونس التي تباع اليوم على موقع أمازون وأسعارها كالآتي: John Philoponus Criticism of Aristotle s Theory of Aether (Peripatoi) by Christian Wildberg: (Hardcover - Dec 1988), Buy new: $143.10 John Philoponus New Definition of Prime Matter: Aspects of Its Background in Neoplatonism and the Ancient Commentary Tradition (Philosophia Antiqua) by F. A. J. De Haas and Frans A. J. De Haas (Hardcover - Jun 1997), Buy new: $181.00. Corollaries on Place and Void (Ancient Commentators on Aristotle Series) by John Philoponus Philoponus and the Rejection of Aristotelian Science by Richard Sorabji , Used & New from: $90.00 Philoponus": On Aristotle s "on the Soul 3.1-8" (Ancient Commentators on Aristotle Series) by Philoponus $78.95 Used & New
5- http://en.wikipedia.org/wiki/John_Philoponus, Stanford Encyclopedia of Philosophy http://plato.stanford.edu/entries/philoponus/ Quodlibet Online Journal: John Philoponus, Sixth Century , Christian Theologian and Scientific ... http://www.quodlibet.net/mckenna-philoponus.shtml http://www.science.uva.nl/~seop/entries/philoponus/ 6- His works were widely printed in Latin translations in Europe from the 15th century on wards. His critique of Aristote in the Physics commentary was a major influence on Giovanni Pico della Mirandola and Galileo Galilei, who cited Philoponus substantially in his works. http://en.wikipedia.org/wiki/John_Philoponus B. Mitrovic: Leon Batista Alberti and the Homogenity of Space,in The Journal of the Society of Architectural Historians, vol 63, No 4,(2004),p.424-439).
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (3) وتشوه أدبي يفتقر للحد الأد
...
-
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (2) تُسقِط الطبيعة الدموية الع
...
-
رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (1) أهم أهدافها بث روح الكراهي
...
-
أوباما والأقباط بين حق السيادة والمواثيق الدولية لحقوق الإنس
...
-
الدكتوراه الخامسة في النفاق... وبطريرك
-
حرب إبادة الخنازير جريمة قومية
-
غيبة العقل القبطي وعودة الأقباط إلى الساحة
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة
-
أربعون عاما على استشهاد البطل عبد المنعم رياض
-
«أقباط المهجر»... 2- والوطنية المصرية
-
«أقباط المهجر» 1- ووائل الأبراشي!!!
-
خسرت إسرائيل هذه المعركة
-
حسنين هيكل يؤيد حماس في قناة الجزيرة
-
معبر رفح ومخلب القط
-
قطنة بزيت
-
الاستعمار - وأخلاق العبيد - والنقاء الوطني -1
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل - 2
-
صراع على الساحة القبطية بين الحق والباطل
-
الفوضى الخلاقة هل تجتاح مصر اليوم للخراب كما اجتاحت العراق؟
-
النكسة 1- بكاء على النكسة بعد 41 عاما
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|