أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - محمود درويش الأب الثاني














المزيد.....

محمود درويش الأب الثاني


عباس بيضون

الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 03:15
المحور: الادب والفن
    



في مجموعاته الأخيرة تراجع الموضوع الفلسطيني وغدا ضمنياً أو ضامراً في النسيج الشعري، لكن محمود درويش الذي استطاع أن يؤسس «زعامة» شعرية لا تتبع جمهورها بل توجهه ظل بهذا الموضوع وبدونه الرمز الأكبر للصراع الفلسطيني، والأرجح أن غيابه تكفل أكثر بتوطيد رمزيته فيما يأكل الصراع رموزاً كثيرة وأدى إلى كسوفها. يحتاج الشعب الفلسطيني الآن أكثر فأكثر إلى رمز كمحمود درويش، إلى شاعر لا إلى سياسي. السياسة في الانقسام والانسداد والاجترار والانتكاس الحالي، لا تفعل سوى دهورة التاريخ الفلسطيني وشرشحته وابتذاله، فيما يبدو في المثال الدرويشي على مستوى آخر هو مستوى المأساة الإغريقية والصراع الأنطولوجي والأسطورة الحديثة والسؤال الإشكالي.
رحل محمود درويش قبل مأساة غزة وقبل احتداد الصراع بين الإخوة الأعداء، أحداث كهذه لم تغط على ذكرى محمود درويش بل أضاءتها. الأرجح أنها استعارت رغم كل الاعتدادات، صوت محمود درويش الرثائي الذي يغني المهزومين والمعارك الخاسرة. صوت محمود درويش الذي يحمل عذابات الهوية ومفارقاتها والصراع شبه اليائس على الذاكرة وتيجان الخسارة والصمود والمصائر السيزيفية، فيما كانت فلسطين تتحول على أيدي السياسيين المتكالبين إلى لعبة وإلى تجارة يومية ظلت في شعر محمود درويش رمزاً. فلسطين الشتات الأوذيسي والهجرات والهوية الدامية والمصائر التراجيدية بقيت في شعر محمود درويش. إنها القصيدة لا المناكفات وفيها سيجد عشرات ألوف بل مئات ألوف الشهداء والمغلوبين والثكالى والأيتام بل والأماكن المسروقة والأشجار المقتلعة، كل هؤلاء سيجدون ذاكرة ومكاناً.
ينتصر الثقافي على السياسي في الظرف الفلسطيني الراهن ويغلب الشعر السياسة. السياسة في تدهورها تعجز عن الإحاطة بالواقع الفلسطيني وتمثل تاريخه، فهي الآن بلا تاريخ بقدر ما هي بعيدة عن الواقع. لكن الشعر يستطيع أن يحمل تاريخاً وأن يردد من جديد النبض الحقيقي للواقع، الشاعر المقيم على التلة يستطيع من وراء القبر أن يمنح هذا الشعب روحاً فيما يتناهب السياسيون أشلاءه.
كان المفترض مع الذكرى الأولى لرحيل محمود درويش أن يبدأ الفصل الصعب ما بين محمود درويش والصراع الفلسطيني، أن نتمكن من قراءة محمود درويش بدون الفضاء الفلسطيني الذي يشكل صفحة أخرى ونصا أوسع. كان مهما تخليص هذا الشعر من ظرفه وملابساته وقراءته شعراً فحسب. لا أعرف إذا كان هذا ممكناً لأي شاعر لكن في حال محمود درويش لا بد أن يتأجل وربما أعواما أخرى. هذا الشعر لا يزال يتفاعل في الظرف والصراع بل يبدو أنه يغدو مع الوقت، أكثر دينامية. شعر محمود درويش لا يتأثر بغيابه ما دام كله يتحدث عن غائب ومفقود وخسارة محمولة على الأعناق وعودة بلا طريق. ينضاف شعر محمود درويش إلى الفقدان الفسطيني ويغدو جزءاً من الغياب ومن الخسارة. وفي الصراع الفلسطيني يتساكن الموتى والأحياء ولا يبدو الأحياء في كثير من الأحوال أكثر حياة من الموتى. هكذا يمكن لساكن التلة ان يكون فاعلاً وحاضراً أكثر بكثير من أحياء لا يحملون على مناكبهم التاريخ ولا الحاضر.
يخدم شعر محمود درويش كجندي لكنه يخدم أكثر كمعزٍّ، انه يقدم لقارئه أكثر من الشعر، شيئاً من التعاطف والتطهير، معنى للخسارة والتضحية والفقدان. ويقدم له رغم كل شيء ومن داخل الألم نفسه ايجاباً، ونوعاً من الرجاء. هذه المساكنة مع الموتى والضحايا ومع الذاكرة والتيه العوليسي تحولت بفعل الشعر الى حاجة والى حقيقة، الى نوع من الحياة. سرت سريان الأغنية حاملة نوعاً من الوعد واسلوب حياة. كان شعر درويش في تواليه يفعل ما لم يستطعه المؤرخون (اذا وجدوا)، يلملم الشتات الفلسطيني المبعثر المتشظي في الزمان والمكان، يضيفه جزءاً الى جزء وصورة الى صورة، يرصه على جذع الذاكرة التي وحدها سلمت تقريباً. على هذا الجذع يضع الدائرة الأولى وتتوالى الدوائر صانعة ما يشبه الحكاية. مع البعد ومع الشتات القادم والأفق المسدود تعدو الحكاية حاجة بل تطلباً، يحتاج الفلسطيني اليوم الى هذه الحكاية ويجدها في الشعر لا في السياسة. لقد صنع محمود درويش لفلسطين اسطورتها الخاصة ويحصل اليوم ان يغدو الشعب بحاجة الى هذه الاسطورة. الى الرجاء غير الكاذب الذي تقدمه الى الجذور والآفاق التي تتضمنها. ربما لذلك يغدو الرجل المقيم لتلة أكثر حقيقية وأكثر استشرافا وفاعلية من الذين يخوضون في وحول الحاضر. يحتاجه الفلسطينيون اليوم أكثر وفي غيابه يغدو المؤسس الثاني والأب الجديد.




#عباس_بيضون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية «المخابرات»
- ليس قمرنا
- «المثقفون» الآن
- الشاهد، المستبطن الرائي
- العودة إلى الشيخ إمام
- التعذيب
- بين أدونيس وطرابلسي.. السياسة لا تكفي
- أنا شامت لأن الولايات المتحدة تهاجم حلفاءها فأميركا تتكلم في ...


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - محمود درويش الأب الثاني