|
عن الوقت الذي يمضي فاخراَ ودون انتباه
ماجد المذحجي
الحوار المتمدن-العدد: 831 - 2004 / 5 / 11 - 04:49
المحور:
الادب والفن
(ليكن لكل العيون لون ازرق كالبحر و لكل الشفاه ذات الطعم المحبب حمرة كالشفق و لكل الأيادي شكل واحد هل تشابه البشر ؟؟؟؟ ليكن للصمت آلاف الكلمات العمياء و للكلمات فراغ الصمت ليكن للرغبة لون أسود و رائحة كريهة وللحب زيف فنجاني قهوة متقابلان ولوجهك مسحة من ألق لا تريد أن تلمسها و لأكن هنا أو هناك هل ابتلع أحدنا الآخر ؟؟؟)*
هل يبدوا فاتراً هذا الحنين الملدوغ والذي يستطيع التهام رأسك رغم المسافة التي تظنها ممدودة بين طرفين لا يمتلكان سوى شهوة ناقصة أبداً ولم يحاولا إكمالها.. إنها فتنة الترويض. أن تروض هذا الجسد على التأقلم مع امرأة أدمنت الحضور كعود الثقاب.. تنطفئ قبل أن تفرح بحضورها.. والوقت الذي بيننا هو مالم نستطع ضبطه.. كان يتسرب ويتمدد في الفراغ الذي يكبر وفي المسافة التي تصر على الازدياد دون رحمه. . . . . كنت وحيداً وفي مساحة مخصصه لعزلتي فقط حين استلمت رسالتها المكونة من هذا المقطع الذي يشعر بالوحدة.. لم يكن قد مر زمن طويل منذ افتراقنا.. لكنه مر.. هكذا مر.. عنوة .. دون أن ادري.. دون أن اسأل:كيف مر؟؟!. لقد مر كما يمر كل شيء.. مر دون أن يودعك .. دون أن يسألك عن رغبه أخيره: هل تريد رؤيتها.. أن تتناولا قدحاً أخير.. وتلصقان شفاهكم بحب وشهوة لمرة أخيره؟؟!!. لم يجرب أن يفعل ذلك.. فقط مر. حاولت العبث بأشياء صغيره.. فتح نافذة حجرتي.. إشعال التلفاز ومشاهدة (Melody hits) و(روتانا).. التلصص على النساء الصاعدات إلى الشقق العلوية في هذه العمارة التي اقطن طابقها الأول من خلف شق صغير في الباب. حين مللت أشعلت جهاز الكمبيوتر ولعبت بـ(General) وكنت انتصر في كل موقعه ولا أستطيع الانتصار على الموقعة الساخنة التي تجري في داخل قفصي الصدري المصاب بعدد هائل من الأسئلة والالتهابات والضيق. مازالت مشغولاً بهذا الوقت الذي مضى دون أن أدركه.. الوقت الذي يأكل كل شيء دون أن ينتبه.. الوقت الذي يدهس كل شيء كشاحنه يقودها سكران وفقدت فراملها.كيف انتهى هذا الوقت.. و يا ترى كيف نحدد فداحة الوقت الذي يمضي منذ افتراق اثنين كانا يحبان بعضهما ويتبادلان الحب.. بماذا نحسبه.. يا ترى هل بعدد السجائر التي دخنها وهو متوتر.. بعدد الكؤوس التي كرعها إلى جوفه.. أم يا ترى بعدد اتصالاتها التي لا توجد بها سوى الزفرات والصمت.. بلون (الروج) الذي تزين به شفاهها وصار غامقاً منذ افترقا.. بامتناعها عن الكتابة وتحريضها الجميع على تركها لأنها مكتئبة. لاشيء واضح أو يصلح لكي يكون نموذجاً لطبيعة التغيرات التي تحدث لشخصين مر وقت ما منذ افتراقهما عن بعضهما. هكذا إذا يمر الوقت.. غير عابئ بالمرة.. يمر كما يريد.. كما لم نشتهي.. كما يليق به.. كما يمكن أن يكون عليه الفجور واللامبالاة.
الغباء يكون محرجاً في قصه كهذه حين يسألك أحدهم عن التفاصيل اللاحقة وهي التفاصيل ذاتها ولكنها تخص الوقت الذي مضى أيضاً..... فأنت لا تمتلك الكثير والذي يصلح لكي يكون مفيداً وصالحاً للاستخدام والتداول والعناية.. إن ما تمتلكه ليس سوى هذا الإعداد الجيد لمبادرات تتعلق بالحنين والسخط والرغبة .. أما ما يتعلق بالشرح والتبرير وتقديم إجابات فالفشل يبدوا جاهزاً لان يأكلك بسعادة ودون أن يتناول أي مشروب يساعده لكي يمررك بسهوله إلى أحشائه. ربما هناك الشيء القليل الذي يمكن تبريره فـ(الحدوته) ليست متعلقة بما صار بقدر ماهي متعلقة بما كنا نُضمر أن يصير.. إنها عبث ساخن ومعلق على شجرة راعفة وتوشك على البكاء والسخرية.. إنها أنانية أعضائنا التي ترغب بالاستيلاء على كل شيء وعلى منح القليل فقط من لذتها للاخرين الذين يعبرون على لحمنا كما البعوض. وهكذا نفكر دوماً، أن لاشيء سوانا يستحق أن نمنحه الأناقة والتدليل.. أن الأخريين مثل طوابع البريد.. نلحسهم ونرسلهم في الهواء إلى جهات كثيرة كي يستطيعوا الترويج بشكل جيد لما نفعله . الغريب أيضاً أن ما تظنه سعادتك يبدو متعلقاً بما يزعج الأخريين.. فتناول النبيذ مثلاً مسألة تزعج أمي وكل النساء المتحفظات اللواتي أحببتهن صدفةً.. أن تركض عارياً في الغرفة الوحيدة التي تمتلكها في العالم يعني أن يغمض ضيوفك وأصدقائك عيونهم ويبدون الامتعاض.. أن تقبل امرأة وهي سكرانة بجوار شقيقها-السكران أيضاً- يعني أن تخسرهما الاثنين صبيحة اليوم التالي.حتى الجدران التي كنت تظن أن وظيفتها متعلقة بان تمنحك الحرية لان تفعل ما تريد خلفها لم تعد صالحه لذلك. إذاً فالتسوية التي تبتغيها ستتعلق بما هو ممكن أن يتقبله الأخريين و إلا ستضطر لتقبل هذه العزلة الكثيرة التي ستُحاصرك في ركن لن يشبه غيره، والتأمل-ذلك الذي كنت تطمئن إليه- لن يكفي للتخفيف من وطأة الهواجس التي تداهمك كالخفافيش. حاولت أن انزع نفسي من هذه المواقع الثابتة التي ارزح فيها بكامل ثقلي ودون محاولة لنفض هذا الغبار الذي تراكم علي.. فكرت بضرورة مد جسور الكلام مع البشر.. التجول في الشارع دون أفكار مسبقة عن ما يجب أن يكون عليه العابرين.. التدخين دون الإحساس بفداحة أن ما يجعل السجائر تنتهي هو الوقت وليس أنت. ياااه، كثيرة من هذه الأشياء التي أعيشها متعلقة بهذا الوقت الذي مضى دون أن انتبه لمروره.. ودون أن اعد نفسي جيداً لتلافي أي ارتباكات ستنشأ في الهواء نتيجة لهذا المرور المباغت. أليس الوقت كذلك انه الوقت الذي يمر بأبهة الوقت الذي لا يجيد سوى التعالي والتحديق إلينا مطمئناً إلى سطوته الوقت الذي يمر بك ثقيلاً وواثقاً الوقت الذي يفرغك تماماً من الالتباسات والمراوغة ويضعك أمام الحدث مباشرة وهو أيضاً الوحيد الذي لا تستطيع التوسل إليه كي يعود.. فمثله لا يلتفت ولا يشاهد أي شيء قد خلفه حقيقي إذا هو الارتباك الحاصل أمام هذا الفعل الساخن واليومي والذي يتكرر ولا ينتهي ولا يفكر بالزوال أبداً. وحقيقته تعني عدم الاسترخاء بل التشبث بهذا الوقت قبل أن يمضي.. افتعال ما تريد دون التفكير طويلاً.. أن لا تمنح التفاصيل فرصةً كي تترهل أو تشعر بالاسترخاء. يعني تدارك اكبر قدر يمكن من اللذات.. الكلمات.. القبل.. الأقداح........ حسناً، هذا الذي مضى هنا على هذا البياض لم يجاور أي حقيقية بقدر ما هو عبث.. بقدر ما هو إرادتي وأشيائي التي أردت قولها.. وهي ليست مقيدة بالوقت.. ولا مربوطة بإرادته، إنها رسالة قد أوقعها الآن.. وقد أوقعها لاحقاً.. ربما بعد دقائق أو حتى قبل دقائق أو أيام.. فقط علي أن أذيلها بالتاريخ الذي يناسبني . انه عبث الموقع الذي يجيد انتقاء ما يريد .. عبث الأشياء الخارجة علينا.. والتي لا نراها سوى بهذه الحدقتين التي قد تكونان بأي لون. انه نحن، حيث كل شيء ذليل خارجنا وقادرين على إلغاءه فقط بإغماضه واحدة، حيث الأشياء مرهونة بنا والوقت تابع ذليل لاحتياجاتنا الكثيرة التي نتوارثها و نتبادلها ونزينها. ثم ماذا، أن توابع الحكاية ليست متعلقة إذا فقط بهذه الرسالة التي تركتها يتيمة في البداية، فهي كانت صالحه لاسترسال هاهو لا يجد كوابح ملائمة له.. انه استرسال غير واضح.. فقط يميل إلى خدش كل شيء.. وترك العلامات هنا وهناك كي استدل ذات مره إذا شعرت بالضياع. ربما الحكاية متعلقة بالتعب والتفكير بجدوى الوقت الذي مر والوقت الذي سيجيء والوقت الذي نمتلكه الان. الوقت كما هو .. كصيغه مفتوحة ورهينة بما ارغب تعليقه عليه والتحجج به............ لنفكر إذاً بالمتاعب التي قد يُعرضك الوقت لها أو قد يتقاطع معها. شخصياً، لم تنفع حتى الان كل الأساليب التي اعتمتدها للمراوغة والهرب من اكتظاظ هذا الأسمنت الذي يثقل على صدري و الذي يفزعني التشابه القاتل بيني وبينه.. مالذي قد ينجيك إذاً من إحساس عالي بالتشابه مع أشياء تشعر بمقت شديد لها. يبدوا الوقت هنا لاعباً سيئاً في غير صالحك.. انه يروج لهذا التشابه.. يُعلنه.. يعممه.. ولا يمنحك أي فرصة لأقامة تسوية والتفاوض معه باتجاه تغيير الأمر والانسحاب قبل التورط الكامل. تبدوا المسألة بعد أن تعلن استسلامك رهينة بالصدف.. والصدفة هي فتاة الوقت المدللة .. أن تقع تحت رحمة انتظار أزلي لها فهذا يعني أن تتعرض لنفس الإحساس بالسخط الذي يداهمك حين تكتشف أن اجمل النساء يذهبن دوماً مع أغبى الرجال. المعطيات المتوفرة كريهة.. والصدفة الجيدة لتعليقنا على خيط رفيع من الانتظار لا نستطيع قطعه ستظل رهينة بمزاج شيء ما لا تستطيع التحكم .والوعود بتحقيق الرفاهية والمساعدة التي يقطعها بشر جيدين ومتلونين كالحرباء لن تكفي للإنقاذ حين تكتشف أن الوقت قد استولى كل قرش خبأته ولم يعد لديك ما يكفي لكي تشعل سيجاره فقط. افففف، الملل هذا القرصان الوغد الذي يسطو على استرخائك لن يترك لك أي شيء.. ويجب أن تفكر بمواجهته بشكل جاد.. يجب أن تكف أيضاً عن التلصص على النساء وعن تربية أحلام صغيرة تخصهن في السرير.. وعليك بالكف أيضاً عن الاستماع إلى موسيقى لا تورث سوى الحزن وتملأ القلب بغيم اسود. اخرج إلى الخارج، تجاوز فكرة أن الهواء الكثير فاسد بالضرورة، انظر للبشر الذين يملكون أطراف تشبه أطرافك ويجيدون الضحك ومغازلة الأشجار والنساء المحجبات، والإسفلت الذي مازالت رائحته طرية سيكفي لتمد الخطوة تلو الخطوة عليه. ماذا إذاً.. هل تستطيع كل ذلك، أم انك وجدت ملاذك في هذه الدم الفاتر والمصاب بالكآبة.. هل تستطيع أم أن حنينك لاستدرار التعاطف من الجميع مازال عالياً وصارخاً ولا يمنحك فرصة للتخلص من أنيابه..... ثمة من يقول دوماً بأنك بائس وعميل سري للغباء الذي يتجول بأقدام مرنه وتجيد القفز فوق الأرواح المنهكة . . . .
لم يعد لدي شيء آخر ....................................................................................... * المقطع بين القوسين لـ(دارين احمد) كاتبه من سوريا
#ماجد_المذحجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حيث لا ننتبه •• مكايدات لعزله ماهرة
-
تذييل لخسارات قديمة .. ومتوقعة...
-
يمن خارج سياق المدنية.. وخارج سياق الفعل
-
تأملات سريعه في الحزب الاشتراكي اليمني .. والمؤتمر الخامس
-
هل بدأت الدولة اليمنية تتخلى عن وظيفتها؟؟....
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|