|
الحكمة يمنية والوحدة يمنية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2725 - 2009 / 8 / 1 - 08:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظلّت مطبوعة في ذاكرتي صورة اليمن “السعيد” منذ أول زيارة لجزء منه قبل ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمان، حين شاركت في عدن في ندوة لإلقاء محاضرة عن “ديمقراطية التعليم والإصلاح الجامعي” في مارس/ آذار 1974. وبقيت منذ ذلك التاريخ أتابع باهتمام كبير شؤون وشجون اليمن بشطريها.
قلت مع نفسي قد يعود الأمر إلى رمزية تتعلق بأصولي اليمانية، حيث تنتسب العائلة إلى بني الأشعوب وهم بطن من حمير القحطانية من جبل النبي شُعيب ومنها انتقلت إلى بلاد الشام، فاستقر قسم فيها، والآخر توزّع باتجاهين، الأول صوب فلسطين ومصر والمغرب وتونس، والثاني اتجه مع الفرات صوب العراق، حيث استقر قسم منه في الأنبار، والقسم الآخر وصل إلى النجف وعاش فيها وأصبح من سدنة الروضة الحيدرية لاحقاً، بفرامين سلطانية موغلة القدم.
ولعل حملي جوازات سفر يمنية خاصة وعادية طيلة أكثر من عقد من الزمان، جعلني أكثر تعلّقاً بهذا البلد الأمين بعد زيارات ثلاث سبقت الوحدة إلى عدن، وكنت بعد الوحدة العتيدة وعبر الصديق السفير شايع محسن الذي استقبلني في لندن، مثلما استقبلني قبل ذلك في عدن، قد استبدلت جوازات سفري، حيث أخطرني بضرورة ختم جواز سفري بختم الوحدة حسب التعليمات. وما زلت احتفظ بهذا الجواز العزيز الذي حماني فترة من الزمن ومكّنني من زيارة عدد من البلدان، وحافظت عليه مثل أي شيء عزيز، خصوصاً للثقة الممنوحة لي، وهو ما لن أنساه ما حييت.
قديماً قيل الحكمة يمنية، وحكمة اليمن وأهلها مستمرة، فلم تجد ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول التي فجرتها الجبهة القومية في ردفان العام ،1963 والتي انتصرت العام 1967 باضطرار البريطانيين إلى الانسحاب، ضالتها ألا بالالتحام بثورة 26 سبتمبر/ أيلول العام ،1961 ولعل الشطرين الشقيقين وهما ابنان شرعيان لليمن لم يشعرا بالانسجام والتواؤم حد الالتئام ليكونا واحداً، إلا بمقاربة حرية واستقلال الوطن بوحدته، التي تحققت في يوم 22 مايو/ أيار ،1990 حين تم انهاء التشطير الجغرافي والسياسي لنظامين ودولتين وحدودين ولكن بشعب واحد، الأمر الذي وضع استحقاقات جديدة أمام الوطن اليمني، لاسيما في ما يتعلق بالديمقراطية والتنمية وتوسيع دائرة الحريات والإقرار بالتعددية وإجراء انتخابات وغير ذلك.
وقد اقترن ذلك بخطوات بدأت إرهاصاتها الجنينية الأولى تنهض وتتقدم وتتعثر أحياناً، لكنها اكتسبت اعترافاً جديداً في ظل التوافق الوطني، خصوصاً بتطويق الانقسام السياسي بعد أحداث العام 1994 وإنهاء الاقتتال الداخلي، وإعلاء شأن الوحدة باعتبارها أحد الخطوط الحمر التي لا يمكن عبورها تحت أية مبررات أو مسوّغات.
لقد دخلت الوحدة في التفاصيل اليومية والبرامج السياسية لحركات وتيارات يمنية وعروبية، وأصبحت جزءاً من الهوية اليمنية المعاصرة، التي كانت ناقصة ومبتورة، فارتقت الوحدة بما فيها من رمزية إلى مصاف شعارات الاستقلال وحق تقرير المصير، لاسيما في ظل الموجة العروبية التي دفع عبدالناصر العالم العربي باتجاهها.
إن التاريخ اليمني المعاصر يسجل علامتين أساسيتين هما: العلامة الأولى النضال ضد الاستعمار البريطاني من أجل الاستقلال، والعلامة الثانية هو النضال من أجل الوحدة واستعادة واستكمال الهوية. وقد أدرك الاستعمار البريطاني هذا الترابط فحاول ربط عدن بالكومنولث وتوطين بعض مسلمي الكومنولث في عدن في أواخر الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، بهدف تعويم هوية الشطر الجنوبي العربية وصولاً إلى مشروع إمارات للجنوب العربي، في محاولة لإبقاء سلطنة حضرموت والمهرة وسقطرى خارج اتحاد الإمارات اليمنية، ولعل الهدف المحدد والواضح لذلك، لو تحقق، سيعني قطع الطريق أمام الحركة الوطنية اليمنية لتحقيق الاستقلال والوحدة.
وإذا كانت اليمن الجنوبية قد تشكلت فإنها ظلّت ترنو إلى الشمال، مثلما ظلّت ثورة 26 سبتمبر/ أيلول تتطلع إلى يوم الاتحاد العظيم الذي لقي مباركة الغالبية الساحقة من الجماهير العربية وقواها الوطنية في كل مكان.
ولأن الوحدة التي أنجزت على هامش مشكلات وتحديات كثيرة، فقد واجهتها عقبات كثيرة أيضاً، لعل أبرزها هو “عدول” بعض “أطرافها” أو من خرج عليهم عنها بعد اندفاعهم إليها. وإذا كانت ثمة أخطاء ونواقص ومحاولات تهميش سياسي أو إداري أو غير ذلك، فالحل يكمن في توسيع دائرة المشاركة وقاعدة الشراكة وقاعدة الحقوق، وقاعدة المواطنة المتساوية والكاملة، وليس التفتيش عن حلول أخرى خارج نطاق الوحدة، وإذا كان ثمة مبررات لتحرك جماهيري، للمطالبة في تعزيز المساواة ومنع التمييز لأي سبب كان وإشباع صلاحيات المحافظات وإشراك أهاليها في إدارتها عبر الحكم المحلي “الذاتي” أو الفيدرالي “الاتحادي”، فقد لعب الفقر وسوء الأوضاع المعاشية وانتشار الفساد واستفحال ظاهرة الإرهاب واستغلال بعض الأخطاء والنواقص في محاولة دفع الأمور باتجاه العودة إلى الوراء، في ظل رغبة البعض في تقديم الأوضاع الخاصة على حساب الأوضاع العامة وما هو حزبي ضيّق على ما هو وطني واسع، لكن المعتدلين من جميع الأطراف سعوا ويسعون لإيجاد حلول وتفاهمات للحراك الجنوبي، بعيداً عن التداخلات الخارجية.
إن التحديات التي تواجه اليمن تتطلب المزيد من التسامح لحل الإشكالات القائمة وتلبية المطالب والحقوق الشعبية والاستجابة إليها بروح الانفتاح والتفهّم، وحل الخلافات بالطرق السلمية في إطار الوحدة الوطنية، وبعيداً عن دائرة العنف، وهو ما أكده الرئيس علي عبدالله صالح لدى لقائه برئيس وأعضاء المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب في صنعاء مؤخراً، الأمر الذي يستوجب المزيد من الصبر وطول النفس والحرص على الوحدة الوطنية وإزالة العقبات أمام توسيع دائرة المشاركة واختيار الأشكال والصيغ الإدارية المناسبة لتوزيع الصلاحيات في إطار الوحدة التي ستكون متينة وراسخة وعميقة، بالمزيد من الخطوات والإجراءات الديمقراطية على طريق التنمية الشاملة والمستدامة واحترام حقوق الإنسان.
وإذا كان الأمر من مسؤولية الجميع، فإن دور ومسؤولية الحكومة كبيرة وفرصها واسعة لمبادرة وطنية لتلبية المطالب والحقوق وسد ثغرة خطيرة يحاول المتربصون النفاذ منها لوضع العصي أمام عجلة الوحدة، فالوحدة يمنية وصدق من قال: والحكمة يمنية.
باحث ومفكر عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!
-
جدار برلين!
-
مفارقة السيادة والتدخل الإنساني!
-
نفط العراق.. وجوهر الخلاف
-
النفط والاقتصاد الريعي
-
الابرتهايد..
-
يوم السيادة -العراقي- وشيء من المصارحة
-
هل هي هموم «شيوعية» أم وطنية؟!
-
استعصاء الديمقراطية؟
-
خصوصية الحالة الإيرانية!
-
هل القدس عاصمة للثقافة العربية؟
-
سوسيولوجية المدينة وسايكولوجية الجماهير!!
-
هل عادت أطياف ماركس أم أن نجمه قد أفل؟
-
المجتمع المدني العراقي: هواجس ومطارحات!
-
استراتيجيات المجتمع المدني
-
الانسحاب الأمريكي الشامل من العراق أمر مشكوك فيه
-
التنمية والمجتمع المدني العربي ..
-
الديمقراطية التوافقية والديمقراطية «التواقفية»!!
-
الجواهري نهر العراق الثالث!
-
عن الاستفتاء والإصلاح في العراق
المزيد.....
-
الإمارات تدين تصريحات إسرائيلية دعت إلى إقامة -دولة فلسطينية
...
-
حماس تسلم ثلاثة رهائن في غزة وإسرائيل تفرج عن 183 سجينا فلسط
...
-
فيديو: تصعيد إسرائيلي يجبر مئات الفلسطينيين على النزوح في ال
...
-
بعد أن طالبها الدبيبة بالرد.. المؤسسة الليبية للاستثمار ترفض
...
-
لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.. إعلامي مصري شهير يرد على تصر
...
-
عشرات العوائل العراقية تتحضر للخروج من مخيم الهول شمال شرقي
...
-
-الغارديان-: احتجاجات في لندن ضد بناء السفارة الصينية
-
رئيس مجلس الأعيان: الأردن قادر على مواجهة التحديات وحماية أم
...
-
حكومة جديدة بلبنان.. أولويات وتحديات
-
زعماء أفارقة يدعون أطراف الصراع في الكونغو إلى محادثات مباشر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|