|
قائد النعماني ..
محمود شاكر شبلي
الحوار المتمدن-العدد: 2722 - 2009 / 7 / 29 - 10:59
المحور:
الادب والفن
ارهقني الترحال بين المدائن والثغور وبين الموانيء كالطيور..
مساء 4 نيسان الفائت من عام 2009 الحالي هوت نخلة باسقة من نخيل العراق الهاويات بكثرة في ايامنا هذه , نخلة شامخة ولدت في العراق ووجدت لنفسها مكانا بين أجود نخيله ثم هاجرت ككثيرات غيرها وكما لكل شيء نهاية فقد هوت ولكنها تركت أثرا لاينمحي في بستان نخيل الفن العراقي الجميل . غادرنا الشاب الستيني الوسيم قائد فليفل حسن المولود عام 1946 في مدينة النعمانية الواقعة في محافظة واسط . كان الدون جوان (فائز) الذي ابدل اسمه الى ( قائد) قد دخل أكاديمية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية ببغداد عام 1965وتخرج منها عام 1969.
قائد النعماني ومظفر النواب..
يقول فقيدنا قائد النعماني في حديث لمراسل جريدة الصباح.. ولدت في مدينة النعمانية، ثم أنتقلنا بعدها الى الكاظمية في بغداد، حيث دخلت متوسطة الفجر في الكاظمية، وكان الشاعر الكبير مظفرالنواب يدرسنا العربية، والنشاط الفني، ومن حسن الصدف ان أول عمل مسرحي شاركت به كان مسرحية ( راس الشليلة ) تأليف الأستاذ يوسف العاني، وأخراج الأستاذ مظفر النواب، وقد تدربنا عليها كثيراً، ولم ازل اذكر حتى الآن الملاحظات القيمة التي وجهها لي الأستاذ النواب، ولكن للاسف الشديد فأن انقلاب 8 شباط، وما حدث للأستاذ مظفر النواب من ظروف بعدها، بما فيها سجنه، قد حرمتنا من عرض المسرحية، وهنا اذكر كيف ان احد الطلاب الأكراد (وقد كان في الصف المجاور لنا ) قد جاء راكضاً نحو صفنا، وهو يخبرالنواب عن أقتحام الحرس القومي، للمدرسة وهم يسألون عن الأستاذ النواب، وقد رأيت أبا عادل بأم عيني وهو يقفز من نافذة الصف الى الخارج، إذ يبدو ان الأستاذ النواب لم يهرب خائفاً منهم، بل كان قد مضى الى بيته ليحرق بعض الأوراق، والمستمسكات الحزبية، ومنذ تلك اللحظة لم نر أستاذنا النواب بعد.
البداية الحقيقية .. مسرحية الدبخانة ..
عمل الفقيد قائد النعماني في بداياته ممثلاً في الفرق المسرحية العراقية مثل : فرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح 14 تموز وفرقة المسرح الحر وفرقة مسرح الرسالة، ومن أوائل اعماله المسرحية وأشهرها دوره في مسرحية) الدبخانة) مع المخرج ( اسعد عبد الرزاق) عام 1967 تلك المسرحية الشعبية البغدادية العراقية الأصيلة تأليف الفنان المبدع ( علي حسن البياتي ) , ذلك العمل المسرحي الذي ظل خالدا في الذاكرة العراقية على مدى اكثر من اربعة عقود و الذي يحن له العراقيون جميعا . هي عروس المسرح العراقي بما تتضمنه من رؤية اجتماعية سادت في العراق في تلك الفترة تناصر ابن الشعب القوي الرزين الغيور(وجيه عبد الغني ) ابن العراق الذي يحمل على عاتقه أنجاز العمل وأعطائه حقه بما يمتلك من خبرة وشجاعة ضد الشاب الثري المدلل الراقص(قاسم الملاك) قليل الخبرة والمتكبر القادم من الخارج المنسلخ عن واقعه الأصيل والملتصق بواقع اخر لم يأخذ منه سوى قشوره والذي يسخر منه الجميع وخاصة المجنون الذي ينطق حكمة (قائد النعماني) الذي يردد (جيني... للموت لاتحاجيني) وقد برع النعماني في اداء دور المخبول رغم وسامته المفرطة التي رافقته طيلة فترة حياته . (كان شبابه وشخصيته الفارعة وملامحه الجميلة وذكاؤه وخفة دمه وسرعة أتقانه لأدواره أسبابا مقنعة دائما للمخرجين بان ينيطوا به الأدوار الأولى في اعمالهم , بل أحلى الأدوار وكان جديرا بها . وحتى الممثلات كن يشعرن بشبابهن وحيويتهن وهن يمثلن أدوارهن الى جانب الفتى الجميل قائد النعماني ). كان يجيد كل الأدوار وكان يهوى الأدوار الصعبة , كما انه ابدع في دور الشخصية الشعبية المدانة ( تنبل ابو رطبة ) الذي ينام تحت النخلة فاتحا فاه عسى ان تقع تمرة فيه في مسرحية (كان ياماكان) عام 1977 اخراج قاسم محمد. ملحمة افتح ياسمسم..
واشتهر المرحوم قائد النعماني أيضا في دول الخليج العربي من خلال برنامج الاطفال الشهير (افتح ياسمسم) من اخراج فيصل الياسري و المأخوذ من البرنامج الأمريكي (شارع سمسم) الذي ادى فيه شخصية الميكانيكي الوسيم ( هشام ). كان نجما متألقا في ( افتح ياسمسم ), أحبه ملايين الأطفال انذاك و الذين كبروا الآن وأصبحوا رجالا لكنهم لم يستطيعوا نسيان صورة قائد النعماني بأناقته وضحكته المشرقة التي مازالت عالقة في ذاكراتهم بالأضافة الى شبهه بعبد الحليم حافظ والذي كان يمثل ظاهرة فنية انذاك .
تلفزيون وسينما.. .. في التلفزيون أيضا مثل قائد النعماني في أكثر من عمل فني لعل مسلسل (اللغز) لمعاذ يوسف وكارلو هارتيون هو الابرز بين اعماله كما ظهر في السينما العراقية في عدة افلام منها فيلم الجابي للرائد المرحوم جعفر علي و فيلم (الزورق) الذي عرض في 5/12/1977 بسينما النصر واسهم النعماني في كتابة حواره وبطولته واخرجه عدنان الامام , وفيلم (النهر) اخراج فيصل الياسري، عرض في 3 تموز 1978 بسينما بابل وفيلم (يوم آخر) اخراج صاحب حداد وعرض في سينما بابل في 9 نيسان 1979. ومثل ايضا في فيلم الرأس لفيصل الياسري و فيلم القادسية الذي اخرجه صلاح أبو سيف عام 1981 الى جانب سعاد حسني وعزت العلايلي ونخبة من الفنانين العرب المعروفين ومثل ايضا في فيلم ( المسألة الكبرى ) للمخرج محمد شكري جميل .. الهجرة الى امريكا والعمل في هوليود .. في بداية الثمانينات غادر العراق الى الولايات المتحدة الامريكية وحصل على شهادة الماجستير في الإخراج من جامعة كولورادو 1986، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفنون (مسرح، سينما، تلفزيون) من جامعة تكساس عام 1991 لكنه لم يعد وظل يواصل عمله الفني في الاستوديوهات الامريكية ويقال انه حاول العودة الى الوطن لكنه تعرض الى مشاكل في امريكا ادت الى الغاء فكرة العودة . ولطالما بدد هذا الفنان أوجاع غربته بعطائه الفني الإبداعي الثر بعد أن تخطت تجربته الفنية حواجز المحلية بفعل مثابرته وإصراره على تحقيق النجاح الذي كان العامل المهم في الحصول على تأشيرة دخوله في عالم الكبار ليشاركهم الإبداع في إستديوهات هوليوود الشهيرة حيث المحطة التي أكمل فيها مشواره الفني والحياتي . عمل كمساعد مخرج وممثل في فيلم (الملوك الثلاثة )بطولة جورج كلوني , ثم أنهى آخر أفلامه الذي يحمل عنوان { السيد الحزين } وهو من تأليف وإخراج الأمريكي{ باتريك آي بينو} و يذكر أنه كان قد أدى دور البطولة في هذا الفيلم ، كما أنه أدى من قبل بطولة فيلم { بغداد- تكساس } الذي لم يأخذ طريقه إلى العرض بعد ، ولم يأت إختيار النعماني لأداء عدد من الأدوار من قبل المخرجين الأمريكيين من دون سابق تقدير لفنه حيث شارك فقيدنا في جملة من الأعمال الفنية المتميزة في المهجرالأمريكي وكان إشتراكه ضمن طاقم عمل مسلسل تلفزيوني عرض على قنوات التلفزة الأمريكية وقصة المسلسل الدرامي تدور حول { صدام حسين } . ليس غريبا ً على الوسيم المجتهد هذا التميز والإبداع الذي حققه في بلده الأم العراق و في الولايات المتحدة الأمريكية فهو فنان ينتمي لجيل متميز من الفنانين على صعيد الإخراج والتمثيل فأعمالهم لاتزال شاخصة في ذاكرة المتلقي حيث قدموا الكثير من الأعمال الدرامية وجسدوا العديد من الشخصيات المهمة على خشبة المسرح وأمام عدسة كاميرا السينما والتلفزيون ولأن موهبة فناننا معين لا ينضب فقد ظل يعمل في حقل الفن الدرامي والإعلامي حتى وفاته فحينما كان يقيم في ولاية ميشيغن ساهم في الكثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية كما أنه حقق نجاحا ً لافتا ً من خلال إطلالته في تلفزيون السلام وهو تلفزيون عربي كان يبث في ولاية ميشيغن لأبناء الجالية العربية والعراقية . أخر أعماله .. وتبقى خشبة المسرح العراقي التي إنطلق منها النعماني هي الرحم الذي ولد منه وتبلورت من خلاله موهبته الفنية عبر مسيرة فنية طويلة تنوعت بين مسرح وسينما وتلفزيون وتمكن فناننا من مد جسور إبداعاته بين العراق وأمريكا ليترك إثره الفني اينما حل أو أستوطن . اما اخر مشاركاته فكانت في المسلسل التلفزيوني العراقي ( الباشا) وبعده مسلسل (رسائل رجل ميت ) الذي تم تصويره في سورية مع المخرج حسن حسني والفنانة الشابة شذى حسون عام 2008. قائد النعماني كان أحد فناني العراق الممتازين وقد كسر طوق المحلية المفرطة التي فرضت نفسها ومازالت على فنانينا عدا بعض الحالات القليلة , ونتمنى أن يبدأ فنانينا من حيث انتهى ويكملوا المسيرة الى العالمية ويخرجوا الفن العراقي من قمقمه الذي حبس فيه طوال مسيرته الأبداعية . وعن أمنياته .. قال الفقيد أتمنى: ان أرى العراق، وأركض في شوارع بغداد، وأن أشم (سيان) شارع الكفاح، وان أزور أكاديمية الفنون الجميلة، وأحضر لأحدى مباريات ملعب الشعب، وأتناول (ماعون باجة) في مطعم الحاتي، وان امثل فيلماً عراقياً، ومعي كل الممثلين العراقيين، على ان يمثل نصفه في هوليوود، والنصف الثاني في بغداد، لكي يرى العالم الهوليودي قدرات الممثل العراقي، واخيراً أتمنى من كل قلبي: ان أرى ( كل اعزازنا) وهم احياء يرزقون، وليس شهداء، او قتلى!! وأخيراً أبعث بخالص محبتي، وتقديري للجمهور الفني العراقي، بل ولعموم الشعب العراقي العظيم، ولكل مبدعينا، وخاصة الطليعة الفنية والثقافية . الأستعداد للرحيل .. في أخر لقاء تلفزيوني معه ظهر بلباس ابيض في ابيض وكأنه يرتدي كفنه ولسان حاله يقول وداعا فقد ارهقني الترحال بين المدائن والثغور وبين الموانيء كالطيور.. وسألتحق بركب المبدعين المغادرين , فقد أشتقت الى عبد الخالق المختار وخليل الرفاعي وعبد الجبار كاظم و مطشر السوداني ومحسن العزاوي وفاروق فياض وفوزي مهدي وجعفر السعدي وزينب وخليل شوقي وسليم البصري وكامل القيسي, سأرحل لأنه موسم رحيل المبدعين . ورحل بطل (افتح يا سمسم ) العراقي الوسيم فجأة في بلاد الغربة بلاد العم ( سمسم ) ولم تتحقق أمنيته برؤية العراق لأننا وكما يبدو نعيش تفاصيل زمن الأماني الضائعة .
#محمود_شاكر_شبلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقامة الحزينة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|