أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمد الرميحي - خطاب المؤامرة... وتغييب العقل















المزيد.....

خطاب المؤامرة... وتغييب العقل


محمد الرميحي

الحوار المتمدن-العدد: 164 - 2002 / 6 / 18 - 20:07
المحور: القضية الفلسطينية
    


"النهار"

الثلثاء 18 حزيران 2002

من الأوفق ان يصبح الجدل البيزنطي جدلاً عربياً في التاريخ الحديث، فان يقتل الانسان نفسه في سبيل وطنه لهو عمل عظيم وتضحية كبيرة، ولكن الشرط الاساسي في ذلك ان يكون وراء ذلك القتل او الاستشهاد نظرية سياسية تملك امكان الصمود والوصول الى النصر لتحقيق اهداف نبيلة - فالوسيلة جزء من الغاية، اما ان يقتل الانسان نفسه في سبيل وهم كبير فهو انتحار منهي عنه عقلاً.

اقول هذا بمناسبة تجدد الحديث في وسائل اعلامنا عمّن قام بفعلة الحادي عشر من ايلول ومن لم يقم بها. وليس مصادفة ان تقوم مجلة اسبوعية مهمة هي مجلة "تايم" في عددها الاخير بتخصيص بضع صفحات فيها لتشرح للعالم، بأسلوب لا يخلو من السخرية، "نظريات المؤامرة" التي يعتنقها بعضنا نحن العرب، وتنتشر في التفكير العربي انتشار النار في الهشيم، فترّوج لافكار مثل القول إن من قاموا بالهجوم ضحى الحادي عشر من ايلول الماضي، بالطائرات الانتحارية، ما هم الا مجموعة من عملاء "الموساد" (جهاز الاستخبارات الاسرائيلي)، وان الطالبة المتدربة مونيكا لوينسكي ما هي الا عميلة اسرائيلة، زرعت لخلق فضيحة جنسية للرئيس بيل كلينتون من اجل تعطيل جهوده الرامية لايجاد حل للقضية الفلسطينية!

وتذهب المجلة الى سرد مجموعة من القصص التي سمعناها في محيطنا العربي منذ فترة، ولا اريد ان اعيدها هنا، وربما وصلت هذه القصص الى المحرر اخيرا، والقائلة بنوع من المؤامرة ضد العرب، والعنوان الذي اختاره المحرر لذلك المقال هو "العقل المشكك" ان صحت الترجمة.

وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمعرفة دوافع الارهاب وكيفية مواجهته من اي مكان جاء، وتحت اي عباءة اختبأ، يبدو ان بعضنا لا يزال يحارب طواحين الهواء، محاولا ان ينشغل بشيء آخر، هو ان يكتشف جذور "مؤامرة" خفية تتقصد العرب وتلقي بالتهم عليهم، وهو امر تكرر ويتكرر في وسائل اعلامنا، وبلغ من  كثرة تكراره ان اعتقد به ليس العامة من الناس فقط، بل اعتنقته النخبة ايضا، كما حدث في برنامج تلفزيوني بثته قناة "الجزيرة" اخيرا.

يعتمد البعض لترويج مثل نظرية المؤامرة هذه على مصادر في معظمها غريبة، كأن يكون قد وقع تحت ايديهم مقال لكاتب (فرنسي او اميركي) يذهب ذلك المذهب من التفسير، والمفارقة ان الاستشهاد بمثل هذه الكتابات يكون قطعيا وغير قابل للنقاش، وهي اصلا في البدء والمجمل والنهاية كتابات هامشية، ولا يعتد بها لدى جمهور عريض من المراقبين. والاستشهاد بها - في حد ذاته - يحمل تناقضا منهجيا واضحا لكل ذي بصيرة. فكيف يتأتى الايمان بصحتها، وهي افكار آتية من الغرب، الذي يروّج - في نظر هؤلاء - لإلصاق التهم بالعرب، فهل كل شيء آت من الغرب "غير صحيح" إلا هذا؟!

مثل هذه الاستشهادات يقول بها قلة في الغرب لهم دوافعهم المختلفة، وأما ما يوقن به كثرة من المراقبين، وقد اصبح يقينا لدى كل لبيب، أن من قام بالفعلة النكراء في الحادي عشر من ايلول هم عرب اساسا، مُوّلوا ودُفعوا من تنظيم يحمل الكثير من الأفكار المشوّشة عن العالم المحيط به، وهذا التنظيم له - كما اصبح واضحا - اذرع يتاقسمها عدد كبير من الجنسيات، بما فيها الأميركية والبريطانية والباكستانية وغيرها. فهو تنظيم عبر دولي يتخذ من اعمال العنف مذهبا سياسيا له، ويلتقط الساخطين والغاضبين والرافضن ليقدم لهم برامجاً قرن اوسطيا، ويجندهم تحقيقا لاهدافه. اما قادة هذا التنظيم فهم عرب، ومنفذو الحادي عشر من ايلول هم عرب ايضا. تلك حقيقة علينا الاعتراف بها حتى يمكن مناقشتها بطريقة صحيحة وصحية، دون تضييع الوقت في محاولة اكتشاف ما هو ظاهر للعيان اصلا، وبذل الجهد في مناقشة امور فرعية.

ثم من جانب آخر كيف يمكن بلاداً ترسخ فيها عمل المؤسسات، معتمدا على الديموقراطية والشفافية والرقابة، ان تقوم بحملة للخداع على هذا المستوى، وبكل تلك الصلافة التي تدخلها حروبا قد تجرها الى ما لا تحمد عقباه، وتبني كل تلك الجهود التي تكلف بشرا ومالا على "اكذوبة" من هذا القبيل.

وتتداخل الحقائق لتختلط بالخرافة لدى المؤمنين بنظرية المؤامرة، حتى يبدو انهم فقط هم الذين يمكنهم رؤية عناصرها التي لا تظهر الا لهم وحدهم، بينما هي خافية على غيرهم!. وهي عناصر غائبة عن كل هذه المؤسسات التي يقف بعضها في خانة المعارضة السياسية، وكذلك الصحافة، التي إن لم تكن حرة، فهي شبه حرة، ومن ثم لا يمكنها السكوت عن مثل هذه "الاكذوبة" المدعاة.

ثم كيف يمكن ان نوازن - عقلا - بين الضجة التي تثور بين الفترة والاخرى حول ان معلومات وصلت للادارة الاميركية - لم تتحقق منها - تنذر بوقوع عمليات ارهابية وشيكة، وتتحول معركة سياسية، وفي الوقت نفسه تدّعي ان العملية كانت "داخلية" او "موسادية"، قصدها اخفاء الحقائق عن الجمهور العريض؟!

لا شك في ان البحث عن مؤامرة خفية وراء الاحداث وتصديق هذه المؤامرة يحملان على الاحساس المريح بامتلاك "ذكاء خاص"، كما انهما يرفعان عن الكاهل الاحساس الشديد بالمسؤولية عن الحدث (ولو جزئيا)، وازاحة هذه المسؤولية وتحميلها للـ"الآخر". فالادعاء بأن الذي قام بها ليس من جلدتنا، هو "ادعاء" يعني تبرئة الذات، وعدم بذل الجهد لمعرفة الاسباب الحقيقية، ولكن يفوت على من يقول بهذا الرأي انه يفقد في الوقت نفسه اسباب التبرم والشكوى من الوضع المزري الذي نحن فيه، وربما نفقد مبرر الاستعانة بالوضع الفلسطيني بالذات للتدليل على الاحتقان السياسي، بجانب احتقانات سياسية اخرى، فمن الطبيعي ان يقوم بعض الساخطين بما قاموا به من جراء ما شاهدوه ويشاهدونه من ظلم فادح يقع على الفلسطينيين.

ربما ما تم من تخريب لا يكون مبررا لدى العاقل الذي يختار طرقه في الرد بعناية، ولكنه يعطي العقل فسحة للمقارنة والفهم. فالفلسطينيون يعانون من الاضطهاد ما لم يعانه شعب على هذه الارض، ليس فقط بسبب هدم منازلهم وافقارهم وطردهم من ديارهم وقتلهم دون رحمة، بل الأهم أن أحداً في الفضاء الدولي والعالي الواسع (إلا ما ندر)، لا يقول للمعتدي: "لقد أسرفت فتمهل"(!).

بل إن الكثير من التعاطف والتبرير يقدم للمعتدي دون محاولة لفهم ظروف الضحية. ربما مثل هذا الأمر يبرر لآخرين أن يقوموا بما قاموا به، أو يستفيدوا من الوضع، ويقدم لهم نظرية متكاملة حول من هو خلف ذلك الصلف المجنون، والقول بأن ما حدث هو مؤامرة "موسادية" أو من غير "الموساد" يعطل النظرة الموضوعية للحدث، ويجعلنا - مرة أخرى فوق ما نحن فيه - قوما بعيدين عن تفهم الاحداث التي تدور من حولنا وتحليلها.

نظرية المؤامرة التي يعتنقها بعضنا بكل قوة - الى جانب انها غير موضوعية - هي معطلة لفهم الحقائق على الارض، فهناك أسباب اقتصادية وسياسية وثقافية وعولمية قادت بعضنا الى ما قام به، وهي أسباب معقدة، الحرص على اكتشافها وتحليلها وتقويمها هو الطريق الافضل لمعالجتها من الجذور، وليس فقط التعاطي مع منتجها النهائي (الارهاب). فما دامت هناك جذور، ربما تجددت الاحداث ولو في شكل آخر وفي أماكن أخرى.

لا أستطيع أن أتجاوز مدخلين فهم أحداث الحادي عشر من أيلول وما شابهها: "الغرب" في شكل عام، لأنه هيأ المناخ لكل ما تم، و"أنظمة عربية" انتهجت سياسات عشوائية لفترة طويلة، مما افضى الى انتاج ما يعانيه المجتمع الدولي اليوم. ولكن أيضاً بجانب كل ذلك، هناك ضخ ثقافي معاكس معطل عن فهم الظاهرة، وهو مكوّن "هروبي"، أن صح التعبير، يفسر الأشياء بغير أسبابها الحقيقية، نتيجة تنحية العقل جانباً.

لقد استفادت الصهيونية العالمية من التفسير الغيبي لما حدث في أيلول الماضي، الذي قال به بعضنا، لتشير بأصابع اتهام جديد إلينا بسبب هذا التفسير، كما ذهب المقال الذي أشرت اليه، في بداية هذه السطور في مجلة "تايم". فقد اتهمنا بأنننا "لا ساميون" وهو أيضاً يمثل جزءاً من غيبية غربية في التفسير، فكيف يكون الشيء ونقيضه في الوقت نفسه؟ كيف نكون "ساميين" كعرب، و"لا ساميين" إزاء اليهود؟!

المعركة الثقافية ليست النهاية، بل هي فقط "البداية"، ففهم الاشياء على حقيقتها هو مقدمة للحل الصحيح، أما التشخيص الأعوج فسوف يقود الى علاج أكثر اعوجاجاً، يعقد المشكلة بدلاً من أن يقدم لها الحلول.

 

(الكويت)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب في الكويت



#محمد_الرميحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ...
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا ...
- -غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
- بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال ...
- في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
- 5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
- قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا ...
- خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة ...
- اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال ...
- اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمد الرميحي - خطاب المؤامرة... وتغييب العقل