حسب الله يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 2723 - 2009 / 7 / 30 - 01:08
المحور:
كتابات ساخرة
لا نقف هنا حداداً على شهدائنا الذين يقطف العنف زهور اعمارهم كل يوم .. حسب ، فهؤلاء من نبت أرواحنا ونبض قلوبنا ، حتى أننا اعتدنا على ان حدائقنا لاتزهر إلا من دم الشهداء ؛ لكنننا اليوم نقف على غابة كلماتنا ، وعلى بوح حروفنا ، ذلك ان قاموس اللغة التي نصطف على تقديمها لقرائنا .. سكتت ، و (تعطلت لغة الكلام) بعد أن احرقت مطابع دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة .. في يوم أغر كنا ننشد فيه (موطني) لثورتنا الوطنية في 14 تموز 1958 .
فهل اختار العنف والجريمة المنظمة هذه المناسبة الوطنية تحديداً ، بهدف احراق تاريخ نقي جمع كل العراقيين على محبة العراق ؟
نقف حداداً على عجلة المطابع الثقافية التي طالما رعت حروفنا واحترمت مواقفنا وعملت على توزيع الحبر المفكر والمبدع علينا ، حتى تقاسمناه مع قرائنا .
نعم .. روح المطابع ، هويتنا التي تصلنا بقارات من الاذهان والرؤى ، مثلما هي وجوهنا التي نتقدم بها لمواجهة الآخرين .. وهي أصواتنا التي تعلو وتتنفس وجودها عبر صفحات نقاء الاوراق ..
من هنا .. عرف مشعلو الحرائق ، القتلة .. كيف يقتلوننا في المكان الصميمي منا .. في مطابعنا التي نفضح ونكشف ونعري فيها أولئك الذين يتخذون من العنف والجريمة مهنة يحترفونها ويضخون من خلالها سمومهم الى أنفسهم وعوائلهم وأطفالهم ويزعمون ان رسالتهم قد أدت مهمتها المرسومة لها .
أحرقت مطابع الثقافة ، ومعها احترق النبض الحي الذي اوقدته مشاعل النخبة الخيرة من مثقفينا الذين كانوا يجدون في هذه الدار الثقافية .. أهم منجز يأوون اليه ، كما الحمامة الى عشها ، والطفل الى أحضان امه ، والحبيب الى الكف المزهر لحبيبته ..
سكتت مطابع ثَقِفنا منها صقل قلائد كلماتنا ، فاذا القلائد تنفرط ، ومعها تنفرط أرواحنا وقلوبنا وكلنا .. كما لو اننا فقدنا اعز شيء فينا ..وبتنا بلا مأوى ولا تّنور يعطينا دفء رغيف السطور التي سطرنا .. ذلك ان الخوف في القاتل هو السبب الذي جعله يمارس عملية القتل ، وخوف التيار الكهربائي ، أخاف الجناة .. مصادفة تيار بآخر قد تشعل الحريق .. لا نعلم ، لكن في علمنا ان النتيجة الكارثية تعنينا ، ذلك اننا لاننشغل بالفاعل إن كان اسمر البشرة او اشقرها ، ولا بالمطابع ان كان التيار قد تسبب في الحريق ، ولا ان كانت قد إنطفئت بماء دجلة او بئر زمزم .. الذي يعنينا أن الحداد يليق بمطابع دار الشؤون الثقافية العامة .. يليق تماماً .
#حسب_الله_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟