|
الإعتذار دليل شجاعة...السيد النزّال مثالا!!
وفاء سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 2719 - 2009 / 7 / 26 - 09:14
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
فاجأني أحد القراء بموقف لم أصدافه في حياتي، اعتذر عن تعليقه على مقالتي بتعليق آخر، وأرسل لي رسالة شخصية يعتذر من خلالها على تطاوله على حياتي الشخصية وحياتي ابنتي، والغريب في الأمر إنه يكتب باسمه الحقيقي. باختصار شديد جدا: لا يعتذر عن سوء تصرفه إلا الرجل القوي والواثق من نفسه، وهذا ما أثبته السيد اسامة نزال من خلال تعليقه الأخير على مقالتي السابقة. اعتذاره صعقني، فتجمدت في مكاني وقررت أن أتناول تصرفه باختصار من خلال مقالة صغيرة. لم أسمع في حياتي بأن رجلا مسلما اعتذر على الملأ، فالإعتذار ينبع من الإحساس بالمسؤولية، والرجل المسلم عموما لا يعترف بمسؤولية تتجاوز حدود شهادته! ليس الإعتذار مجرد ضرورة اجتماعية بقدر ما هو احترام وتعاطف مع الشخص المساء اليه. إنه طريقة للإعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليات ذلك الخطأ. الإعتذار يجرد الشخص المسيء من الإحساس بالذنب، ويجرّد الشخص المساء اليه من الإحساس بالغضب، وكلا الشعوريين كافيين لتدمير أي إنسان. ردي على السيد أسامة يثبت أنني شعرت بالغضب فلقد كان ردا قاسيا، ولا أشك لحظة بأنه هو الآخر شعر بالذنب عندما قرأ ذلك الرد. اعتذاره ساعدني على أن أفرّغ شحنات غضبي وساعده على أن يتخلى عن إحساسه بالذنب، فصار كل منّا نظيفا من مشاعره السلبية وجاهزا لأن يستمر في عطائه وإبداعه! لا يستطيع الإعتذار أن يغير الماضي ولكنه يستطيع أن يغيّر المستقبل. عندما نسمح للأذى الذي وقع في الماضي أن يستمر سيدمر أية علاقة مستقبلية بين المسيء والمساء اليه. عندما يعتذر الإنسان المسيء، يشعر المساء إليه بأن جرحه قد اندمل ولم يعد بحاجة أن يتألم. الإعتذار ضروري جدا من أجل سلامتنا الجسدية والعقلية. فلقد أثبتت البحوث في هذا المجال على أنه وعندما يتلقى الشخص المساء إليه اعتذار الشخص المسيء ينخفض ضغط دمه وتقل عدد ضربات قلبه ويصبح تنفسه أعمق وأكثر انتظاما. قام عالم النفس Michael McCullough, ph.D. مع مجموعة من زملائه بدراسة يتوخون من خلالها إيجاد السبب الذي من أجله يسهل على الشخص المساء له أن يسامح الشخص المسيء عندما يتعذر، فوجدوا أن الإعتذار يساعد الشخص الذي يتلقاه على أن يتعاطف مع الشخص الذي قدمه، والعطف بدوره يدفع الإنسان لأن يسامح. نشرت نتائج تلك الدراسة في Journal of Personality and social Psychology والذي بدوره يدعم تلك النتيجة. الإعتذار لا يعود بالفائدة على الشخص الذي يتلقى الإعتذار وحسب، بل يعود بالفائدة على صاحبه. فالإحساس بعقدة الذنب يستنزف الكثيرمن قوى الإنسان الداخلية، ويفرغه من عزيمته. يؤكد الدكتور Fred Luskin المدرس في قسم علم النفس في جامعة Palo Alto بكاليفورنيا في كتابه: Forgive for good أي "سامح من أجل وضع أفضل" بأن الإعتذار، ولكي يكون فعّالا، يجب أن يكون الشخص مخلصا وصادقا في اعتذاره، وليس مجرد أن يقول "آسف" ويتابع الدكتور لوسكين: يجب على المسيء أن يضمّن اعتذاره اعترافه بالفعل الذي اساء به إلى الآخر، كأن يقول: أنا فعلت كذا وكذا، وأعترف بأنني أسأت إليك، ولذلك أعتذر" فعندما يتضمن الإعتذار اعتراف الشخص بفعلته، هذا يؤكد على أنه أدرك خطورة فعله، واعترف بمسؤوليته عن القيام بذلك الفعل. عندما يسيء أحد الطرفين إلى الآخر تنعدم الثقة بين الطرفين، والإعتذار يساعد على إعادة تلك الثقة التي هي ضرورية من أجل استمرار العلاقة مستقبليا. ظهر ذلك جليا في اعتذار السيد اسامة، فلقد قال لي بالحرف الواحد في رسالة خاصة: "يبدو أنني تطاولت على حياتك الشخصيه وحياة أنجيلا التي أحترمها لأنها ابنة وفاء سلطان ارجوك أن تقبلي اعتذاري، فأنت بحاجة لأصدقائك وأنا واحد منهم" هذا صحيح، يعزّ علي جدا أن أخسر أحدا من قرائي، وبعبارته تلك، ساعدني السيد نزال على أن أستعيد ثقتي به وبالتالي أحافظ على صداقته. القدرة على الإعتذار هي دليل قاطع على ثقة الشخص بنفسه، فالإنسان الضعيف الذي لا يثق بنفسه لا يستطيع أن يعتذر، لأنه يرى في الإعتذار حطا من شأنه. عندما استولى قراصنة الإنترنيت على ايميلي وصلتني رسالة من كاتب معروف، وكنت حتى لحظة وصولها أعتبره من أعز أصدقائي، صعقتني رسالته بما تحمل من شماتة وارتياح لما حدث لم أكن أتوقعه من أعدائي. تبادلت على أثرها عدة رسائل معه آملة بأن أسمع منه كلمة اعتذار دون جدوى. خسرته كصديق ولكنني لست آسفة، فإصراره على خطأه قد أثبت لي بأنه لا يستحق صداقتي! لا أستطيع أن أفسرّ تصرفه إلا على أساس أننا جميعا، وللأسف الشديد، ضحايا ثقافة إسلاميّة لم تزرع فينا الإحساس بالمسؤولية، ورغبتنا في الإعتذار تنبع من ذلك الإحساس. بعضنا استطاع أن يتجاوز قيود تلك الثقافة، والبعض الآخر مهما تظاهر سيظل ضحية لها. منذ حوالي أسابيع أصدر البيت الأبيض بيانا يعتذر به بشدة لسكان مدينة نيويورك لأنه سمح لطائرة البوينغ 747 أن تطير على ارتفاع منخفض في سماء نيويورك مما أثار الذعر في قلوب السكان وأعاد إلى ذاكرتهم حوادث كارثة الحادي عشر من سبتمبر. جاء في البيان: "في الإسبوع الماضي وافقنا على مهمة فوق مدينة نيويورك، ونتحمل مسؤولية ذلك القرار. في حقيقة الأمر لقد قامت السلطات الفيدرالية بكامل مسؤوليتها وأبلغت السلطات المحلية في ولاية نيويورك ونيوجرسي بالمهمة، ولكن السلطات المحلية فشلت في إبلاغ السكان الأمر الذي سبب ارتباكا وذعرا، نعتذر وسنحاول في المستقبل تلافي أية حادثة مشابهة" هل حدث في تاريخ الإسلام أن اعتذر حاكم مسلم على فعل مشين، وما أكثر أفعالهم المشينة؟!! منذ أكثر من عشر سنوات، وخلال الحملة الانتخابية للرئيس بيل كلينتون ومنافسه الجمهوري بوب دوول، أذكر بأن صحفيا كان قد وجه سؤالا لبوب دوول: لقد قلتم بأن القطة تفهم أكثر من بيل كلينتون وكان أثناءها يمشي في جنازة السيدة والدته، لماذا لم تقدر ظرفه في تلك اللحظة؟! غطى بوب دوول وجهه بيديه، وقال: بوب دوول لا يفعل ذلك، إني أعتذر...إني أعتذر!! .......................... أما تجربة أبي ذر الغفاري فتختلف عن تجربتنا مع السيد بوب دوول.
فقد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجلست اليه فقال: مامن عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زني وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة على رغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول رغم أنف أبي ذر.
كيف يستطيع رجل يؤمن بأن الشهادة وحدها، حتى ولو زنى وسرق، تكفي لإدخاله الجنة، كيف يستطيع ذلك الرجل أن يعتذر لجرح مشاعر إنسان؟!! مادام لا يملك ما يردعه عن الزنى والسرقة، ما الذي سيردعه عن الإساءة إلى الأخرين؟! مادام لا يشعر بعقدة الذنب إن زنى وسرق، كيف سيشعر بعقدة الذنب عندما يهين أحدا؟!
اعتذار السيد أسامة النزال موقف أقدّره حقّ التقدير لأنه ـ بالنسبة لي ـ حدثا فريدا من نوعه ولم أصادفه من قبل. لقد أساء إلي الكثيرون، ورسائلهم المقززة مازالت محفوظة في بريدي شاهدا حيا على ثقافة سلبية مريضة فشلت في خلق رجل عاقل وشجاع، ولذلك كرّست وقتي لأكتب تلك السطور وأبارك للسيد اسامة نزال موقفه الشجاع. الآن لا أشعر حياله بالغضب، ولا يشعر حيالي بعقدة الذنب، هذا هو الأثر الطيب الذي تركه اعتذاره، وهذا ما أشكره عليه.
#وفاء_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلتي إلى الدانمارك..! (الحلقة الثانية والأخيرة)
-
رحلتي إلى الدانمارك.....(1)
-
عندما يكون محمد اسوة لرجاله!!
-
نبيّك هو أنت.. لاتعش داخل جبّته! (الحلقة الأخيرة)
-
الإخوان المسلمون: بلغ نفاقهم حدّ إرهابهم!
-
نبيك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! ( 19)
-
نبيك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (18)
-
نبيك هو أنت.. لا تعش داخل جبته! (17)
-
نبيك هو أنت.. لا تعش داخل جبته! (16)
-
نبيك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (15)
-
نبيك هو أنت.. لاتعش داخل جبته! (14)
-
نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (13)
-
نبيّك هو أنت، لا تعش داخل جبّته..! (12)
-
المقابلة التي أجراها موقع -آفاق- مع وفاء سلطان.
-
أهلا بكم في تلفزيون دوري...!
-
نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (11)
-
هل من عدالة تنصف هؤلاء الضعفاء..؟!!
-
نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (10)
-
نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (9)
-
نبيّك هو أنت.. لا تعش داخل جبّته! (8)
المزيد.....
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|