|
مرافعة ديمتروف أمام المحكمة
طريق الثورة
الحوار المتمدن-العدد: 2718 - 2009 / 7 / 25 - 08:30
المحور:
الارشيف الماركسي
إلى الرفيقة و الرفاق الشيوعيين المعتقلين بسجن بولمهارز سيء الذكر، و إلى كافة المعتقلين السياسيين بالمغرب ننشر إحدى الملاحم التي خاضها الشيوعيون ضد الرجعية و كيف حولوا محاكماتهم إلى محاكمة للرجعببن و منبرا للتحريض السياسي من أجل الثورة و من أجل الشيوعية
حريق الرايخستاغ
مرافعة ديمتروف أمام المحكمة (1)
ديمتروف : بموجب الفقرة 258 من قانون أصول المحاكمات الجنائية ، يحق لي أن أتكلم مدافع ، وكمتهم
الرئيس : يحق لك أن تكون آخر المتكلمين ، إنني أعطيك الكلمة ، الآن .
ديمتروف : و بموجب هذا القانون ، يحق لي أن أناقش النيابة العامة ، و إثر ذلك أن أدلي ببيان أخير.
أيها السادة القضاة ، أيها السادة المتهمين ( بكسر الهاء ) ، أيها السادة المدافعين ، لقد سبق لي عند بدء المحاكمة منذ ثلاثة أشهر ، أن وجهت بصفتي متهما ، رسالة إلى رئيس المحكمة . و قد أعربت فيها عن أسفي لأن مداخلاتي أدت الى منازعات مع القضاة . لكنني كنت أحتج بعزم و تصميم ضد تفسير سلوكي بصفته استغلال مقصود لحقي في طرح الأسئلة و القيام ببيانات ذات أغراض دعائية . و مفهوم أنه نظرا لكوني متهما رغم برائتي ، فإنني أسعى لأدافع عن نفسي ، بجميع ما أملك من وسائل ضد الاتهامات الكاذبة . و قد كتبت في رسالتي إلى رئيس المحكمة : إنني أقر بأن بعض المسائل لم تطرح من جانبي بصورة صحيحة من وجهة ملائمة و بالصيغة التي كنت أريدها . لكن هذا لا يفسر إلا بجهلي للقانون الألماني . و من جهة أخرى ، فهذه أول مرة في حياتي أدخل فيها مثل هذه المحاكمة القضائية . و لو كان لدي محام اخترته أنا ، إذن لكنت تلافيت بالتأكيد إشكالات مزعجة ، بالنسبة لدفاعي . و قد سميت عدة محامين . لكن المحكمة الإمبراطورية رفضت بحجج مختلفة ، جميع اقتراحاتي ، بعضها اثر البعض الآخر . إنني لا أكن ريبة شخصية إزاء السيد الدكتور تايشيرت ، لا كشخص ، و لا كمحام . لكنني ، و الأمور على ما هي عليه اليوم في ألمانيا ، لست استطيع أن أشعر بالثقة الضرورية نحو تايشيرت ، في دوره كمحام رسمي .لذلك أجهد لأدافع عن نفسي بنفسي ، و بديهي أنه يحدث لي أن ارتكب مخالفات من الوجهة الحقوقية .
و في صالح دفاعي أمام المحكمة ، و كذلك ، كما اعتقد ، في صالح السير الطبيعي للمحاكمة ، أتوجه مرة أخرى – و أخيرة – إلى المحكمة العليا ، طالبا إليها أن يأذن للمحامي مارسيل ويلار ، الذي خولته شقيقتي اليوم كامل الصلاحيات ، بأن يشترك في الدفاع عني . فإذا ما رفض هذا الاقتراح الأخير ، هو أيضا ، فلن يبقى أمامي سوى الدفاع عن نفسي بنفسي ، بأفضل شكل أستطيعه .
و نظرا لأن هذا الاقتراح قد رفض ، فقد قررت أن اضطلع بالدفاع عن نفسي . و لما لم تكن لي حاجة لا إلى عسل و إلى سم بلاغة المحامي الذي فرض علي ، فقد دافعت وحدي عن نفسي طوال وقائع المحكمة .
و واضح تماما أنني لا اشعر بأنني مرتبط بأي شكل بمرافعة الدكتور تايشيرت . و الشيء المهم الوحيد بالنسبة لدفاعي ، هو ذلك الذي أعلنته أنا نفسي أمام المحكمة ، و ما سأعلنه الآن . و لست أريد إهانة رفيقي في الحزب ، ( تورغلر) – ففي رأيي أن محاميه قد قسا عليه ، و أهانه ، كفاية – لكن علي أن أقول بكل صراحة : إنني أفضل أن يحكم علي بالموت ، بريئا ، من قبل المحكمة الألمانية ، أفضل ذلك على الحصول على تبرئتي بواسطة دفاع كدفاع الدكتور ساك لصالح تورغلر .
الرئيس ( مقاطعا ديمتروف ) ، لا يحق لك تقديم انتقادات من هذا النوع .
ديمتروف – أقر بأنني أتكلم بلغة خشنة و حادة ، لكن نضالي و حياتي كانا كذلك أيضا .
بيد أن كلامي مخلص و صريح . إنني أسعى لان اسمي الأشياء بأسمائها . و لست محاميا عليه هنا واجب الدفاع عن موكله . إنني أدافع عن نفسي بنفسي كشيوعي متهم . انني ادافع عن شرفي السياسي ، شرفي كثوري ادافع عن أفكاري ، و معتقداتي الشيوعية. ادافع عن معنى و مضمون حياتي .
لذلك فان كل كلمة أتلفظ بها أمام المحكمة ، لهي ، إذا صح التعبير دم دمي ولحم لحمي . و كل كلمة هنا هي التعبير عن عميق استيائي ضد الاتهام الظالم ، ضد واقع أن مثل هذه الجريمة المعادية للشيوعية تنسب إلى الشيوعيين .
كثيرا ما اخذ علي انني لا آخذ مأخذ الجد المحكمة العليا الألمانية . و هذا مأخذ لا يدعمه أي تبرير على الإطلاق . صحيح أنه بالنسبة لي ، أنا الشيوعي ، فان القانون الأعلى هو برنامج الأممية الشيوعية ، و محكمتي العليا هي لجنة الرقابة للأممية الشيوعية .
لكن المحكمة العليا هي بالنسبة لي ، بصفتي متهما ، هي سلطة يحسن النظر إليها بأقصى الجدية ، ليس فقط لأنها مؤلفة من قضاة ذوي كفاءة حقوقية عالية ، بل أيضا لان هذه المحكمة هي أهم هيئة حقوقية في الدولة الألمانية ، و النظام الاجتماعي السائد ، وهي سلطة تستطيع في النهاية أن تحكم بالعقوبة القصوى . انني استطيع أن أعلن ، بضمير مطمئن ، بأنني ، أمام المحكمة و بالتالي أمام الرأي العام أيضا ، لم أقل سوى الحقيقة حول جميع الأمور . و في صدد حزبي ، المجبر على العمل السري ، و اللاشرعية ، فقد رفضت تقديم أية شهادة مهما كانت . لقد تكلمت دائما بصورة جدية ، و بأعمق ما لدي من اقتناع و يقين .
الرئيس – انني لن اسمح بان تقوموا ، هنا ، في هذه القاعة بالدعاية الشيوعية . لقد فعلتم ذلك طوال الوقت . فإذا تابعتم في هذا الاتجاه ، فسوف أمنعكم من حق الكلام .
ديمتروف - علي أن احتج بحزم و تصميم ضد التأكيد بأنني استهدفت أغراضا دعائية . و يمكن اعتبار أن دفاعي أمام المحكمة كان له اثر دعائي معين . و أقر كذلك بان سلوكي امام المحكمة يمكن أن يخدم بمثابة مثال لكل متهم شيوعي ، و لكن لم يكن هذا هو هدف دفاعي . لقد كنت أهدف الى دحض الاتهام الهادف الى إقناع الناس بان ديمتروف و توغلر و بوبو ف و تانيف و الحزب الشيوعي الألماني و الاممية الشيوعية لهم علاقة معينة بالحريق .
أنا اعلم بانه ما من احد في بلغاريا يصدق اشتراكنا المزعوم في جريمة حريق الرايخستاع . و اعرف ايضا انه من غير المحتمل أن يكون ثمة اشخاص في الخارج ، يصدقون ذلك . لكن الظروف في المانيا مختلفة ، فهنا يمكن تصديق هذه التأكيدات الغريبة . لذلك أردت اثبات أن الحزب الشيوعي لم تكن له و ليست له أية علاقة بالاشتراك في هذه الجريمة .
و إذا كان الحديث عن الدعاية ، فان مداخلات كثيرة هنا ، اتخذت هذا الطابع . إن خطب غوبلز و غورنغ قد مارست كذلك دعاية غير مباشرة لصالح للشيوعية . و لكن ما من احد يستطيع اعتبارهم مسؤولين عن كون كلماتهم كان لها الأثر الدعائي ( حركة و ضحكات في القاعة ) .
إن الأمر لم يقتصر على أن الصحافة قدحت في و ذمتني بجميع الأشكال – و هذا ما لا أبالي به مطلقا – و لكن عبر شخصي ، وصف الشعب البلغاري ب "المتوحش "و " البربري " ، و قد وصفت ب "الشخص البلقاني المشبوه " ، ب "البلغاري المتوحش " ، و لست استطيع أن ألزم الصمت إزاء هذا الأمر .
صحيح أن الفاشية البلغارية متوحشة و بربرية . لكن الطبقة العاملة و فلاحي بلغاريا ، و مثقفي الشعب البلغاري ليسوا برابرة و لا متوحشين . إن مستوى الشروط المادية في البلقان هو بالتأكيد ادنى منه في سائر البلدان الأوروبية ، و لكن من الخطأ ، من الوجهة الثقافية و السياسية ، القول أن جماهيرنا الشعبية هي على مستوى ادنى من مستوى جماهير البلدان الأوروبية الأخرى . إن شعبنا عاش طوال خمسمائة عام تحت النير الأجنبي دون أن يفقد لغته و لا قوميته ، شعبا من العمال و الفلاحين ناضل و مازال يناضل ضد الفاشية البلغارية ، ليس بربريا و لا متوحشا . إن البرابرة و المتوحشين في بلغاريا ، هم الفاشيون وحدهم ، لكنني اسالكم ، يا سيدي الرئيس ، في أي بلد ليس الفاشيون برابرة و لا متوحشين ؟
الرئيس ( مقاطعا ديمتروف ) الست تلمح بهذا الى الوضع في المانيا ؟
ديمتروف ( بابتسامة ساخرة ) – طبعا ، لا يا سيدي الرئيس ...
في العهد الذي كان فيه إمبراطور المانيا شارل كنت يقول انه لا يتحدث باللغة الألمانية إلا مع حصانه ، و حين لم يكن النبلاء الألمان و الرجال المثقفون يكتبون إلا باللاتينية و كانوا يخجلون بلغتهم الأم ، كان سيريل و ميتود في بلغاريا " البربرية " قد ابتكروا و نشروا الأبجدية البلغارية القديمة .
لقد ناضل الشعب البلغاري بجميع قواه و بكل صلابته ضد النير الأجنبي. لذلك فإنني احتج ضد الهجمات التي يتعرض لها الشعب البلغاري ، ولست اخجل من كوني بلغاريا ، بل أعتز بكوني ابنا للطبقة العاملة البلغارية .
قبل الوصول الى المسالة الأساسية ، علي أن أسجل ما يلي : لقد أخذ الدكتور تايشيرت علينا اننا نحن بانفسنا وضعنا انفسنا في وضع متهمين بحريق الرايخستاغ . على هذا اجيب بان زمنا طويلا قد مر منذ 9 آذار ، يوم اعتقالنا ، حتى بدء المحاكمة ، و خلال هذه الفترة كان يمكن جلاء جميع النقاط التي تستثير الشكوك .و اثناء التحقيق ، تحدثت الى موظفين في لجنة التحقيق حول حريق الرايخستاغ ، و قد أعلن لي هؤلاء الموظفون اننا ، نحن البلغار ، ليس لنا ضلع بالجريمة . هناك تهمة واحدة توجه الينا و هي جوازاتنا مزورة ، و تحمل اسماء مستعارة ، و اننا لم نسجل اسماءنا في الدوائر المختصة الخ ...
الرئيس – إن ما تتحدث عنه الآن لم تجر مناقشته في المحاكمة ، و بالتالي ، فلا يحق لك أن تتكلم عنه هنا .
ديمتروف – سيدي الرئيس ، لقد كان ينبغي خلال هذه المدة من الزمن التحقق من جميع المعطيات لدرء هذا الاتهام عنا ، في الوقت المناسب . إن القرار الاتهامي ينص على أن " ديمتروف و بوبوف و تانيف يؤكدون بانهم مهاجرون بلغار . ولكن ثبت انهم كانوا يقيمون في المانيا لاغراض العمل السياسي اللاشرعي " . كما جاء في القرار الاتهامي ان "موسكو ارسلتهم الى المانيا و كلفتهم باعداد ثورة مسلحة فيها ".
كما جاء في الصفحة 83 من القرار الاتهامي : " رغم ان ديمتروف قد صرح بانه كان غائبا عن برلين بين 25 و 28 شباط ، فهذا لايغير شيئا ، و لا يبرئه ، هو ديمتروف ، من تهمة الاشتراك في حريق الرايخستاغ ". و قد ورد ، اثر ذلك في القرار المذكور ، يظهر هذا بوضوح ، ليس فقط من افادات هيللمر بل ثمة وقائع اخرى تشهد كذلك بان ...
الرئيس – لا ينبغي لك ان تقرأ هنا قرار الاتهام بكامله ، فنحن نعرفه تمام المعرفة .
ديمتروف – لابد لي من القول بان ثلاثة أرباع كل ما قاله في المحاكمة النائب العام و المحامون ، يعرفه الجميع منذ زمن طويل ، و مع ذلك فقد رددوه هنا ( حركة و ضحكات بالقاعة ) . لقد شهد هيللمر بان ديمتروف و فان ديرلوب كانا موجودين في مطعم بايرنهوف . و بعد ذلك اقرأ في القرار الاتهامي : اذا كان ديمتروف لم يقبض عليه في مكان الجريمة ، فهذا لاينفي كونه قد اشترك في حريق الرايخستاغ . لقد ذهب الى ميونيخ لكي يؤمن لنفسه دفعا بالغيبة (3) . ان الكراريس التي عثر عليها عند ديمتروف تثبت بانه كان يشترك في الحركة الشيوعية الالمانية . هذا هو اساس هذه التهمة المتسرعة التي تبين انها عملية اجهاض .
الرئيس – ( مقاطعا ديمتروف ) لا ينبغي لك استخدام امثال هذه التعبيرات غير اللائقة لدى الحديث عن الاتهام .
ديمتروف – ساجهد للعثور على تعابير اخرى .
الرئيس – على ان لا تكون غير مقبولة كتلك .
ديمتروف – ساعود الى طرائق الاتهام ، و الى التهمة ، الى وجهة نظر أخرى.
لقد حدد طابع هذه المحاكمة بهذه الموضوعة و هي ان حريق الرايخستاغ هو من عمل الحزب الشيوعي الالماني ، و الاممية الشيوعية . هذا العمل المعادي للشيوعية – حريق الرايخستاغ – قد نسب الى الشيوعيين ، بصفته يجب ان يكون الاشارة للانتفاضة الشيوعية ، اشارة للاطاحة بالدستور الالماني الحالي . و بواسطة هذه الموضوعة طبعت المحاكمة كلها بطابع معاد للشيوعية :
ان الاتهام يتمسك بوجهة النظر القائلة بان هذه المؤامرة الاجرامية كان ينبغي ان تخدم كدعوة ،كاشارة لاعداء الدولة ، الذين كانوا يريدون اثر ذلك أن يشنوا الهجوم العام ضد الدولة الالمانية لابادتها تنفيذا لامر الاممية الثالثة و اقامة ديكتاتورية البروليتاريا مكانها . أي دولة سوفياتية .
ليست هذه هي اول مرة ينسب فيها مثل هذا الادعاء الى الشيوعيين . و لا استطيع ان اذكر هنا جميع ايها السادة القضاة ! الامثلة التي من هذا النوع . و انني اذكر بالجريمة التي ارتكبها ضد السكة الحديدية هنا ، في المانيا ، قرب جوتيربورغ ، و هي جريمة ارتكبها مغامر غير سوي ، واستفزازي ، في ذلك الحين ، ليس فقط في المانيا ، و لكن ايضا في البلدان الاخرى ، جرى طوال اسابيع الترويج للاشاعة بان الجريمة هي من فعل الحزب الشيوعي الالماني ، و انها عمل ارهابي قام به الشيوعيين . و قد تبين فيما بعد ان ذلك كان من عمل شخص مجنون ، هو المغامر ماتوشكا . و قد اعتقل هذا و حكم عليه .
و اليكم مثالا آخر ، و هو اغتيال غورغولوف لرئيس الجمهورية الفرنسية . و هنا ايضا ، كتبت الصحف في جميع البلدان ان يد الشيوعيين ظاهرة في هذه الجريمة . و كان يجري تصوير غورغولوف بصفته شيوعيا ، و عميلا سوفياتيا . فماذا كانت الحقيقة ؟ لقد تبين ان هذه الجريمة قد نظمها الحرس الابيض ، وثبت ان غورغولوف كان استفزازيا قصد من وراء عمله قطع العلاقات بين الاتحاد السوفياتي و فرنسا.
و اريد التذكير ايضا بمحاولة نسف كاتدرائية صوفيا . هذه الجريمة لم ينظمها الحزب الشيوعي البلغاري، و مع ذلك فقد كان هذا الحزب عرضة للملاحقات . لقد قامت العصابات الفاشية بتذبيح ألفين من العمال و الفلاحين و المثقفين بصورة وحشية بحجة ان الشيوعيين قد نسفوا الكاتدرائية . هذا الاستفزاز ، حيث جرى تفجير كاتدرائية صوفيا ، قد نظمته الشرطة البلغارية . و منذ عام 1920 ، نظم بروتكين ، قائد شرطة صوفيا ، جرائم بواسطة القنابل ، - أثناء اضرابات عمال السكك الحديدية – كوسيلة استفزازية ضد العمال البلغار.
الرئيس – هذا لا علاقة له البتة بهذه المحاكمة .
ديمتروف – لقد تحدث هنا موظف الشرطة هيللر عن الدعاية الشيوعية للحرائق ، الخ . و قد سألته اذا لم يكن يعرف حالات قام فيها مقاولون باشعال حرائق لقبض قيمة التامين . ثم نسبت هذه الحرائق الى الشيوعيين . لقد كتبت ال "فويلكشير بيوباختر " في 5 تشرين الاول ان شرطة ستيتن
الرئيس – هذا المقال لم يقدم بين وثائق المحاكمة ( ديمتروف يحاول متابعة الكلام حول نفس النقطة ).
الرئيس – انني امنعك من التحدث هنا عن هذا الموضوع ، نظرا لان هذه الواقعة لم يرد ذكرها في المحاكمة .
ديمتروف – ان سلسلة كبيرة من الحرائق ...
الرئيس ( يقاطع ديمتروف مجددا )
ديمتروف – لقد جرى الحديث عن ذلك اثناء التحقيق لان سلسلة من الحرائق قد نسبت الى الشيوعيين. و تبين اثر ذلك ان مالكي العمارات قد اشعلوا فيها النار " لتحريك عجلة العمل " . و انا اود كذلك ان اعالج ، لحظة ،مسالة الوثائق المزيفة . هناك عدد كبير من الوثائق المزيفة التي استخدمت ضد الطبقة العاملة .و امثلة ذلك كثيرة . و اريد ان اذكر ، مثلا، برسالة زينوفييف الشهيرة . فهذه الرسالة لم يكتبها زينوفييف ابدا. بل جرى تلفيقها . و قد استخدمها المحافظون الانكليز ضد الطبقة العاملة . و اود التذكير ايضا بمجموعة من الوثائق المزيفة التي لعبت دورا في السياسة الالمانية . الرئيس – هذا خارج عن اطار هذه المناقشات .
ديمتروف – جرى التاكيد هنا ان حريق الرايخستاغ كان القصد منه ان يستخدم كاشارة للبدء بانتفاضة مسلحة . و قد سعي لتاسيس هذا التاكيد كما يلي : لقد اعلن غورنغ ، هنا ،في المحاكمة ، ان الحزب الشيوعي ، حين وصل هتلر الى الحكم ، كان ملزما باستثارة هيجان الجماهير و القيام بعمل عنيف ما . و قال : " لقد كان الشيوعيين مجبرين على أن يفعلوا شيئا ما – و الا فقدوا فرصتهم الى الابد " . و قد أكد بان الحزب الشيوعي كان قد دعا منذ أعوام طوال الى النضال ضد الاشتراكية - الوطنية و انه لم يبق بالنسبة للحزب الشيوعي الألماني ، حين كان الاشتراكيون – الوطنيون يستولون على الحكم ، سوى شن الانتفاضة – الآن و إلا ضاعت الفرصة الى الأبد . و قد حاول المدعي العام هنا أن يصوغ نفس الموضوعة اكثر وضوحا و حذاقة .
الرئيس – لا اسمح بان تهين النائب العام .
ديمتروف – ان ما اكده غورنغ بصفته الرئيس الاتهامي الأعلى ، قام النائب العام بتوسيعه هنا . لقد قال النائب العام ، الدكتور ورنر : كان الحزب الشيوعي يعاني هذا الوضع و هو إما أن يضطر للاستسلام دون خوض المعركة أو أن يقبل القتال ، حتى و ان كانت الاستعدادت لذلك لم تنته بعد . كانت هي الفرصة الوحيدة الباقية للحزب الشيوعي في الشروط المعطاة . فاما ان يتخلى عن هدفه دون مقاومة ، و اما تقرير القيام بعمل مجازف ، و المقامرة بكل شيء ، مما كان يمكن ان يغير الوضع حينئذ ما كان له ان يصبح اكثر سوءا مما لو تراجع الحزب دون ان يقاتل . ان الموضوعة ، المصاغة هنا ، و المنسوبة الى الحزب الشيوعي ، ليست موضوعة شيوعية .و هذا الافتراض يبين ان اعداء الحزب الشيوعي الالماني يعرفونه معرفة سيئة . ان من يريد مقاتلة خصمه بصورة جيدة ، يجب ان يعرفه معرفة جيدة . ان حظر الحزب ، و حل المنظمات الجماهيرية ، و فقدان الشرعية ، هي ضربات جدية موجهة الى الحركة الثورية ، لكن هذا لا يعني بعد ، اطلاقا ، ان كل شيء قد ضاع بسبب ذلك .
في شباط 1933 ، كان الحزب مهددا بالحظر . و كانت الصحافة الشيوعية محظورة ، و كان منع الحزب الشيوعي وشيكا . و كان الحزب الشيوعي الالماني يتوقع ذلك ، و كان الحديث يجري عن ذلك في المنشورات ، و الجرائد ، و كان الحزب الشيوعي الألماني يعرف جيدا ان الاحزاب الشيوعية محظورة في العديد من البلدان ، لكنها ، رغم ذلك ،كانت تواصل العمل و الكفاح . ان الاحزاب الشيوعية محظورة في بولونيا ، و بلغاريا، و ايطاليا و في بعض البلدان الاخرى .
و اريد ان اتحدث عن ذلك ، بالاستناد الى تجربة الحزب الشيوعي البلغاري . هذا الحزب قد حظر عقب انتفاضة 1923 ، لكنه تابع العمل ، و مع ان ذلك قد كلفه العديد من الضحايا ، فقد اصبح اقوى منه قبل عام 1923 . ان كل شخص يتمتع بذهن انتقادي يدرك اهمية الظاهرة .
ان الحزب الشيوعي الالماني ، حتى و لو كان غير شرعي ، يستطيع ، حين يكون الوضع ملائما ، أن يحقق الثورة . و تثبت ذلك تجربة الحزب الشيوعي الروسي . لقد كان الحزب الشيوعي الروسي غير شرعي ، و كان يصاب باعمال اضطهاد دامية ، لكن الطبقة العاملة ، على راسها الحزب الشيوعي ، قد ظفرت بالسلطة . ان قادة الحزب الشيوعي الالماني ما كانوا ليفكروا على هذا النحو : عند حظر حزبهم يضيع كل شيء ، و كان الخيار يطرح هكذا : اما الانتفاضة ، او النهاية . لم يكن يمكن ان تكون لدى قيادة الحزب الشيوعي فكرة بلهاء الى هذا الحد . لقد كان الحزب الشيوعي يعرف ، بفطنة ، ان العمل اللاشرعي سيكلف تضحيات باهظة و سيتطلب نكران ذات و شجاعة ، لكنه كان يعرف ايضا ان قواه الثورية سوف تتوطد و انه سيكون قادرا على تحقيق المهمات المناضلة به . لذلك من المفترض بان الحزب الشيوعي الالماني قد اراد ان يقامر بكل شيء في هذه الفترة ، يجب استبعاده كليا . و لحسن الحظ ، فان نظر الشيوعيين ليس قصيرا كنظر خصومهم و هم لا يفقدون صوابهم في الشدائد .
و يحسن ان نضيف الى هذا ان الحزب الشيوعي الالماني و الأحزاب الشيوعية الاخرى هي فصائل من الاممية الشيوعية . ما هي الاممية الشيوعية ؟ انني اورد هنا مقطعا من نظامها الاساسي : هذا هو نص الفقرة الاولى : ان الاممية الشيوعية ، الرابطة الدولية للشغيلة ، هي تنظيم الاحزاب الشيوعية لمختلف البلدان في حزب شيوعي عالمي واحد . و الاممية الشيوعية ، المرشدة و المنظمة لحركة البروليتاريا ، الثورية العالمية ، ورائدة مبادئ الشيوعية و اهدافها ، تناضل لاجل كسب اكثرية الطبقة العاملة و الفئات الواسعة من الفلاحين الفقراء ، في سبيل مبادئ الشيوعية و اهدافها ، و لاجل اقامة الديكتاتورية العالمية للبروليتاريا ، و انشاء الاتحاد العالمي للجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، و لاجل الالغاء التام للطبقات و تحقيق الاشتراكية ، المرحلة الاولى للمجتمع الشيوعي .
ان الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي هو اقوى حزب ، في هذه الرابطة الاممية العالمية ، التي تضم ملايين الشغيلة . انه الحزب القائد للاتحاد السوفياتي ، اعظم دولة في العالم . ان الاممية الشيوعية ، هذا الحزب الشيوعي العالمي ، تقوم بتحليل الوضع السياسي بصورة مشتركة مع قيادات الاحزاب الشيوعية لجميع البلدان .
ان الاممية الشيوعية ، المسؤولة امامها بصورة مباشرة جميع الفصائل ، ليست منظمة من المتآمرين ، بل هي حزب عالمي . و هذا الحزب العالمي لا يلعب بالانتفاضات و بالثورة . و هذا الحزب العالمي لا يستطيع ان يقول رسميا لملايين من الاعضاء شيئا ، و ان يفعل في الوقت نفسه ، بصورة سرية ، شيئا آخر . هذا الحزب ، يا صاحبي الممتاز الدكتور ساك ، لا يعرف المحاسبة ذات القيد المزدوج ( حسابات الدوبيا ) . ! الدكتور ساك – رائع ، تابع دعايتك الشيوعية
ديمترو ف- ان هذا الحزب ، حين يتوجه الى ملايين البروليتاريين ، وحين يتخذ قراراته حول التكتيك و المهمات المباشرة ، انما يقوم بذلك بصورة جدية ، مع الوعي التام بمسؤوليته . و اورد فيما يلي قرار الاجتماع العام الثاني عشر للجنة التنفيذية للاممية الشيوعية . ونظرا لان هذه القرارات قد ورد ذكرها في المحاكمة ، فان لي الحق بان اقرأ منها .
ان المهمة الاساسية للحزب الشيوعي الالماني ، طبقا لهذه القرارات كانت تتلخص فيما يلي : تعبئة ملايين الشغيلة للدفاع عن مصالحهم الحيوية ، ضد نهبهم المفترس من قبل الرأسمال الاحتكاري ، ضد الفاشية ، و ضد المراسيم الاشتراعية ، وضد النزعة القومية المتطرفة ، و الشوفينية ، بالنضال في سبيل الاممية البروليتارية ، بتنمية الاضرابات الاقتصادية و السياسية ، و التظاهرات ، مع قيادة الجماهير الى الاضراب السياسي العام ، كسب الجماهير الرئيسية للاشتراكية – الديمقراطية ، التصفية بحزم وتصميم لنواحي ضعف الحركة النقابية . إن الشعار الرئيسي الذي ينبغي للحزب الشيوعي الالماني ان يعارض به الشعار الرئيسي للديكتاتورية الفاشية ( " الرايخ الثالث ") و كذلك شعار الحزب الاشتراكي – الديمقراطي (" الجمهورية الثانية ") يجب أن يكون : جمهورية العمال و الفلاحين ، أي ألمانيا الاشتراكية ، السوفياتية ، التي تضمن أيضا امكان الارتباط الطوعي لشعوب النمسا و المناطق الألمانية الأخرى (2) .
العمل الجماهيري ، النضال الجماهيري ، المقاومة الجماهيرية ، الجبهة الموحدة تلك هي أسس التكتيك الشيوعية .!بدون أية مغامرة لقد عثر في بيتي ، على نداء من اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية . و أرى أن بالإمكان الاستشهاد به أيضا .إن في هذا النداء نقطتين تتصفان بأهمية خاصة . و هكذا ، يتحدث النداء عن مهمات الحزب الشيوعي في نضاله ضد الإرهاب القومي – الاشتراكي ، و كذلك لأجل الدفاع عن منظمات الطبقة العاملة و صحافتها . و من جملة ما جاء في هذا القرار ما يلي : إن العقبة الرئيسية في طريق تحقيق الجبهة لنضال العمال الشيوعيين و الاشتراكيين – الديمقراطيين كانت و ما زالت هي سياسة التعاون مع البورجوازية ، هذه السياسة التي تنتهجها الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية ، التي قادت حاليا و عرضت البروليتاريا العالمية لضربات العدو الطبقي . إن سياسة التعاون هذه مع البرجوازية ، المعروفة باسم سياسة " أهون الشرين " ، قد أدت ، في الواقع ، في ألمانيا إلى انتصار الرجعية الفاشية .
إن الأممية الشيوعية و الأحزاب الشيوعية لجميع البلدان قد أكدت أكثر من مرة إرادتها في النضال بصورة مشتركة مع العمال الاشتراكيين – الديمقراطيين ضد هجوم الرأسمال، و الرجعية السياسية و خطر الحرب . و قد كانت الأحزاب الشيوعية منظمة النضال المشترك للعمال الشيوعيين ضد الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية التي كانت تحطم بصورة منهجية الجبهة الموحدة للجماهير العمالية .
ففي 20 تموز من العام الماضي ، بعد انهيار حكومة فون بابن الاشتراكية – الديمقراطية البروسية ، وجه الحزب الشيوعي الألماني إلى الحزب الاشتراكي – الديمقراطي و إلى المنظمة المركزية لنقابات ألمانيا ، الاقتراح لتنظيم إضراب مشترك ضد الفاشية . لكن الحزب الاشتراكي – الديمقراطي و المنظمة النقابية المركزية ، بموافقة مجمل الأممية الثانية ، وصفت هذا الاقتراح لتنظيم الإضراب المشترك ، بأنه استفزاز .. و قد جدد الحزب الشيوعي الألماني اقتراحه للعمل المشترك حين كان هتلر يصل إلى السلطة ، داعيا – أي الحزب – اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي – الديمقراطي و قيادة المنظمة المركزية للنقابات الألمانية لتنظيم مقاومة الفاشية ، بصورة مشتركة . لكن اقتراحه رفض هذه المرة أيضا . بل و أكثر من ذلك ، فحين قام شغيلة النقليات في برلين ، في تشرين الثاني من العام الماضي ، بإضراب إجماعي ضد تخفيض الأجور ، نسفت الاشتراكية – الديمقراطية جبهة النضال الموحدة . إن ممارسة الحركة العمالية العالمية مليئة بأمثلة مشابهة .
بيد أن نداء مكتب الأممية العمالية الاشتراكية في 19 شباط من هذا العام ، يتضمن بيان الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المنتسبة إلى هذه الأممية ، و هو يؤكد إرادتها في إقامة الجبهة الموحدة مع الشيوعيين في سبيل النضال ضد الرجعية الفاشية في ألمانيا . و هذا البيان يتناقض تناقضا فاضحا مع جميع أعمال الأممية الاشتراكية و الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية حتى هذا اليوم .إن كل سياسة و نشاط الأممية الاشتراكية حتى الآن تعطي للأممية العمالية و للأحزاب الشيوعية الحق بان لا تصدق إخلاص بيان مكتب الأممية العمالية الاشتراكية ، الذي أصدر هذا البيان في الحين الذي بدأت الطبقة العاملة ، في مجموعة من البلدان ، و في ألمانيا قبل كل شيء ، تأخذ بيديها هي نفسها ، تنظيم الجبهة الموحدة للنضال .
و مع ذلك ، و بوجود الفاشية التي تهاجم الطبقة العاملة الألمانية ، و تطلق من عقالها جميع قوى الرجعية العالمية ، تدعو اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية جميع الأحزاب الشيوعية للقيام بمحاولة جديدة لبناء الديمقراطية بواسطة أحزاب اشتراكية – ديمقراطية . إن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية تقوم بهذه المحاولة مع اقتناعها الراسخ بأن الجبهة الموحدة للطبقة العاملة ضد البورجوازية ستصد هجوم الرأسمال و الفاشية و ستعجل إلى حد كبير النهاية الحتمية ، التي لا مرد لها ، لكل الاستثمار الرأسمالي .
و نظرا للشروط الخاصة لكل بلد و تنوع المهمات النضالية الملموسة المطروحة أمام الطبقة العاملة في كل منها ، فإن الاتفاق بين الأحزاب الشيوعية و الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية بغية القيام بأعمال و نضالات محددة ضد البورجوازية ، يمكن تحقيقه بأكبر النجاح في إطار كل بلد . لذلك فإن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية توصي الأحزاب الاشتراكية – الديمقراطية المنتسبة إلى الأممية الاشتراكية بالعمل المشترك ضد الفاشية وضد هجوم الرأسمال .و هذه المحادثات يجب أن تكون قاعدتها الشروط الأولية للنضال المشترك ضد هجوم الرأسمال و الفاشية . و بدون برنامج ملموس للعمل ضد البورجوازية ، فإن كل اتفاق بين الأحزاب سيكون موجها ضد مصالح الطبقة العاملة .
أمام مجمل الطبقة العاملة العالمية ، تعلن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية هذه المقترحات و تدعو جميع الأحزاب الشيوعية ، و بالدرجة الأولى الحزب الشيوعي الألماني ، دون انتظار نتيجة المحادثات و الاتفاقات حول النضال المشترك مع الاشتراكية – الديمقراطية ، للقيام فورا بتنظيم لجان للنضال المشترك ، سواء مع العمال الاشتراكيين الديمقراطيين و مع العمال ذوي النزعات الأخرى جميعها .
لقد اثبت الشيوعيون بنضالهم طوال أعوام مديدة بأنهم كانوا و سيظلون دائما في الصفوف الأولى للنضال من أجل الجبهة الموحدة لا بالكلام بل بالعمل ، في الأعمال و النضالات الطبقية ضد البرجوازية .
إن اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية على اقتناع راسخ بان العمال الاشتراكيين – الديمقراطيين ، و اللاحزبيين ، بمعزل عن مواقف قادة الاشتراكية – الديمقراطية ، يدعمون إنشاء الجبهة الموحدة ، و أنهم سيتغلبون على جميع العقبات و يحققون ، بصورة مشتركة مع الشيوعيين ، الجبهة الموحدة لا بالكلام ، بل بالفعل . و الآن على الأخص ، و قد نظمت الفاشية الألمانية بغية سحق الحركة العمالية في ألمانيا ، استفزازا لم يسبق له مثيل ( حريق الرايخستاغ ، وثائق مزورة خاصة بالانتفاضة ، الخ ) فان على كل عامل أن يفهم واجبه الطبقي في النضال ضد هجوم الرأسمال و الرجعية الفاشية ".
إن ، هذا النداء لا يقول شيئا عن نضال فوري لاستلام الحكم . و هذه المهمة لم يضعها لا الحزب الشيوعي الألماني و لا الأممية الشيوعية . و من الصحيح طبعا أن نداء الأممية الشيوعية لا يستبعد إمكانية انتفاضة مسلحة .
لقد استنتجت المحكمة من ذلك بصورة خاطئة انه منذ اللحظة التي يضع الحزب الشيوعي لنفسه بمثابة هدف انتفاضة مسلحة ، فذلك يعني ، إذن ، أن هذه الانتفاضة قد أعدت فعليا و ينبغي أن تندلع فورا . و هذا شيء غير منطقي ، و غير مضبوط ، لكي لا نقول أكثر. نعم ، بالطبع ، إن النضال في سبيل ديكتاتورية البروليتاريا هو مهمة الأحزاب الشيوعية للعالم بأسره . و هذا هو مبدأنا ، و هدفنا . لكن هذا برنامج محدد بدقة ، تلزم لأجل تحقيقه ليس فقط قوى الطبقة العاملة ، بل أيضا الفئات الأخرى من الشغيلة .
أما أن الحزب الشيوعي الألماني قد قال بالثورة البروليتاريا ، فالجميع يعرفون ذلك . لكن هذه ليست ، البتة ، المسالة التي يجب حلها في هذه المحاكمة . إن المسالة هي معرفة ما إذا كانت انتفاضة مسلحة قد حددت فعليا في 27 شباط للاستيلاء على الحكم ، بارتباط مع حريق الرايخستاغ . ماذا نتج عن التحقيق القضائي ، أيها السادة القضاة ؟ إن الأسطورة الهادفة لإقناع الناس بان حريق الرايخستاغ كان من عمل الشيوعيين قد انهارت كليا .و لن أورد هنا الشهادات المقدمة ، على نحو ما فعل المدافعون الآخرون ، بمن فيهم المحامون. لكن هذه المسالة يمكن اعتبارها موضحة بجلاء تام بالنسبة لكل رجل طبيعي الإدراك . إن حريق الرايخستاغ ليست له أية علاقة بنشاط الحزب الشيوعي ، وليس فقط بانتفاضة ، بل و بتظاهرة أو إضراب أو أي عمل آخر من هذا النوع . و هذا ما أثبته تماما التحقيق . و حريق الرايخستاغ – و لا أتكلم عن تأكيدات الأشرار و الشاذين – يفهمه أي إنسان بصفته إشارة للانتفاضة . و لم يسمع أحد حينئذ شيئا في هذا الصدد . و جميع الثرثرات و الأقاويل حول هذه النقطة ترتبط بفترة أقرب زمنا بكثير .لقد كانت الطبقة العاملة حينئذ في حالة دفاعية ضد هجوم الفاشية . و كان الحزب الشيوعي الألماني يجهد لتنظيم مقاومة الجماهير ، و دفاعيتها . و لكن جرى الإثبات بأن حريق الرايخستاغ قد قدم الذريعة ، و كان التمهيد لحملة تدميرية مصممة على نطاق واسع ضد الطبقة العاملة و طليعتها الحزب الشيوعي . و قد أثبت بصورة لا تدحض بأن ممثلي الحكومة المسؤولين لم يفكروا حتى مجرد تفكير يومي 27 و 28 شباط بأن الانتفاضة الشيوعية كانت وشيكة .
لقد طرحت بهذا الصدد عددا من الأسئلة على الشهود الذين ورد ذكرهم في هذه المحاكمة . و قد سألت بادئ بدء هيللر ، و كارواهن ( ضحك في القاعة ) ، و فراي ، و الكونت هيلدروف و موظفي الشرطة . و رغم بعض الفروق البسيطة ، فقد أجابني الجميع بأنهم لم يسمعوا بان انتفاضة شيوعية كان مقدرا أن تندلع . و هذا يعني أن الأوساط الحاكمة لم تتخذ إطلاقا أي تدبير ضد إمكانية مثل هذه الانتفاضة .
الرئيس – و مع ذلك ، فقد تلقت المحكمة إفادة من رئيس الدائرة الغربية للشرطة حول هذه النقطة .
ديمتروف – إن رئيس الدائرة الغربية للشرطة قد أبلغ ، في إفادته ، بأن غورنغ قد استدعاه و أعطاه تعليمات شفهية بصدد مكافحة الاجتماعات الشيوعية ، و الإضرابات ، و التظاهرات ، و الحملة الانتخابية ، الخ . و لكن حتى هذه الإفادة ذاتها لا تقول أن تدابير قد اتخذت ضد الانتفاضة الشيوعية "الوشيكة " .
إن المحامي سايفرت قد تحدث أيضا عن هذا الأمر ، البارحة . و قد استخلص بأنه ما من احد في الأوساط الحاكمة كان يتوقع انتفاضة في تلك اللحظة . و كان سايفرت يستشهد بغوبلز ، مشيرا إلى أن هذا لم يصدق بادئ بدء نبأ حريق الرايخستاغ . فهل هذا صحيح ؟ تلك مسالة أخرى .
و في هذا الصدد ، نجد برهانا آخر في المرسوم التشريعي الصادر عن الحكومة الألمانية بتاريخ 28 شباط 1933 . لقد صدر هذا المرسوم بعد الحريق مباشرة . اقرؤوه ، فماذا يقول ؟ لقد جاء فيه أن هذه المواد أو تلك من مواد الدستور قد ألغيت ، و هي المواد الخاصة بحرية التنظيم ، و حرية الصحافة ، و حرمة الشخص ، و حرمة المنزل ، الخ . هذا هو أساس المرسوم التشريعي ، و فقرته الثانية الهجوم على الطبقة العاملة ..
الرئيس –ليس ضد العمال ، بل ضد الشيوعيين ..
ديمتروف – علي أن أقول أنه ، بموجب هذا القانون لم يعتقل شيوعيون فقط ، بل و عمال اشتراكيون – ديمقراطيون و مسيحيون ، و قد حظرت تنظيماتهم . وأود التأكيد على أن المرسوم الاشتراعي لم يكن موجها ، طبعا ، قبل كل شيء ، ضد هذا الحزب – بل أيضا ضد الأحزاب و الجماعات المعارضة الأخرى . و هذا القانون كان ضروريا لفرض حالة الطوارئ ، و هو مرتبط ارتباطا عضويا ، مباشرة بحريق الرايخستاغ .
الرئيس – إذا واصلت مهاجمة الحكومة الألمانية ، فسأمنعك من الكلام .
ديمتروف – هناك مسالة لم يجر إيضاحها مطلقا ، في هذه المحاكمة .
الرئيس – حين تتكلم ، عليك أن تتوجه إلى القضاة ، و ليس إلى الحضور في القاعة ، و إلا فيمكن أن يعتبر خطابك بمثابة دعاية .
ديمتروف – هناك مسالة لم يجر إيضاحها ، لا من قبل النيابة العامة ، و لا من قبل الدفاع . و لست أدهش لكونهم لم يعتبروا ذلك غير ضروري. إنهم يخشون كثيرا هذه المسالة . إنها مسالة معرفة كيف كان الوضع السياسي في ألمانيا في شباط 1933 . و سأتوقف عند هذه النقطة . في نهاية شباط ، كان الوضع السياسي بحيث أن الصراع كان يجري داخل معسكر الجبهة الوطنية...
الرئيس – أنت تسير في طريق منعتك أكثر من مرة ، من السير فيها .
ديمتروف – لابد لي من التذكير بالاقتراح الذي قدمته إلى المحكمة ، و هو استدعاء شهود أمثال شلايشر ، و بروننغ ، و بابن ، و دويستربرغ ، الخ .
الرئيس – يسوؤني أن أقاطعك بلا انقطاع في بيانك الختامي ، لكن عليك التقيد بأوامري الدقيقة .
ديمتروف – هذا الصراع الداخلي في المعسكر القومي استمر بارتباط مع الصراع الذي كان يجري في الكواليس بين قادة الاقتصاد الألماني . و كان الصراع مستمرا بين أوساط تيسين و كروب ( الصناعة الحربية ) التي مولت طوال أعوام الحركة الاشتراكية – الوطنية ، و بين مزاحميها الذين اجبروا على الرجوع إلى المرتبة الثانية .
و كان تيسين و كروب يريدان أن يقيما في البلاد ديكتاتورية سياسية ، و سيطرة مطلقة ، تحت قيادتهما الشخصية ، و لهذا الغرض كان ينبغي سحق البروليتاريا الثورية .و كان الحزب الشيوعي يجهد ، في تلك الفترة ، لإنشاء الجبهة الموحدة لتجميع كافة القوى بغية مقاومة محاولات الاشتراكيين – الوطنيين لإبادة الحركة العمالية . و كان قسم من العمال الاشتراكيين – الديمقراطيين يحسون بضرورة الجبهة الموحدة للطبقة العاملة ، و كانوا يدركون ذلك . و قد انضم آلاف من العمال الاشتراكيين – الديمقراطيين إلى صفوف الحزب الشيوعي . لكن المهمة القائمة في إنشاء الجبهة الموحدة لم تكن تعني إطلاقا ، في شهري شباط و آذار ، الانتفاضة و لا إعدادها ، و لكن فقط تعبئة الطبقة العاملة ضد حملة الرأسماليين الاغتصابية و ضد عنف القوميين – الاشتراكيين .
الرئيس ( مقاطعا ديمتروف ) – لقد أكدت دائما على أنك تهتم فقط بالوضع السياسي في بلغاريا ، و الحال، فان تحليلاتك التي تقوم بها الآن تثبت بأنك أظهرت اهتماما كبيرا جدا بالمسائل السياسية الألمانية .
ديمتروف – يا سيدي الرئيس ، انك توجه إلي تأنيبا .و لا أستطيع أن أرد عليك إلا بما يلي : إنني بصفتي ثوريا بلغاريا ، اهتم بالحركة الثورية لجميع البلدان . إنني أهتم ، مثلا ، بالمسائل السياسية لأمريكا الجنوبية ، و اعرفها جيدة تقريبا مثل معرفتي للمسائل الألمانية ، رغم أنني لم يسبق لي أبدا أن ذهبت إلى أمريكا . و على كل حال ، فهذا لا يعني البتة انه إذا ما احترق مقر برلمان ما ، في أمريكا الجنوبية ، فسيكون ذلك من فعلي . إنني اهتم بالسياسة الألمانية ، لكنني لا أتدخل في شؤون ألمانيا السياسية .
أثناء هذه المناقشات ، تعلمت أشياء كثيرة ، و بفضل حسي السياسي ، رأيت بوضوح كثيرا من التفاصيل . لقد كان الوضع السياسي لهذه الفترة يتضمن عاملين أساسيين : الأول ، هو جهد الاشتراكيين – الوطنيين للوصول إلى الحكم ، و العامل الثاني – يتعارض مع الأول – هو نشاط الحزب الشيوعي الهادف لإنشاء جبهة العمال الموحدة ضد الفاشية . و في رأيي أن هذا قد تبين كذلك أثناء هذه المناقشات .
لقد كان الاشتراكيون – الوطنيون ، بحاجة لمناورة الهائية ، لتحويل الانتباه عن الصعوبات التي كانت قائمة داخل المعسكر الوطني و لتحطيم جبهة العمال الموحدة .و كانت الحكومة الوطنية بحاجة لحجة صالحة لإصدار مرسومها الاشتراكي بتاريخ 28 شباط ، الذي ألغى حرية الصحافة ، و حرمة الشخص ، و دشن نظاما للقمع البوليسي ، و معسكرات الاعتقال ، و غيرها من التدابير لمكافحة الشيوعيين .
الرئيس- ها أنت وصلت إلى الحد الأقصى ، تقوم بالغمز و اللمز .
ديمتروف – أريد فقط أن أوضح الوضع السياسي في ألمانيا عشية حريق الرايخستاغ ، حسب فهمي لهذا الوضع .
الرئيس – لا مجال هنا للغمزات الموجهة ضد الحكومة ، و لا لتأكيدات دحضت منذ زمن طويل .
ديمتروف – لقد كان على الطبقة أن تدافع عن نفسها بجميع قواها ـ و لأجل هذا حاول الحزب الشيوعي تنظيم الجبهة الموحدة ، بالرغم من مقاومة ويلز و برايتشايد اللذين يطلقان الآن، في الخارج ، صيحات هستيرية .
الرئيس – عليك أن تنتقل إلى دفاعك ، إذا كنت تريد ذلك ، و إلا فلن يبقى لك وقت كاف للقيام بذلك .
ديمتروف – لقد سبق لي أن أعلنت بأنني متفق حول نقطة واحدة مع القرار الاتهامي . و علي الآن أن أكد هذا الاتفاق . و هي النقطة المتعلقة بمسالة معرفة ما إذا فان دير لوبه قد نظم الحريق وحده أو انه كان لديه شركاء . لقد أعلن ممثل الاتهام هنا ، باريزيوس بان الإجابة على السؤال لمعرفة ما إذا كان لدى فان دير لوبه شركاء أم لا ، إنما تتوقف على المتهمين ( بفتح الهاء ) . و أجيب على هذا : كلا ، و ألف كلا . إن هذا الاستنتاج من قبل النائب العام هو غير منطقي . و في رأيي أن فان دير لوبه لم يكن فعلا وحده في إحراق الرايخستاغ . إن تقارير الخبراء و المعطيات التي برزت من هذه المناقشات تحملني على الاستنتاج بان الحريق في قاعة اجتماعات الرايخستاغ كان من نمط يختلف عن نمط الحريق الذي أشعل في مطعم الطابق الأرضي ، الخ . إن النار التي أشعلت في قاعة الاجتماعات قد قام بها أشخاص آخرون ، و بطريقة أخرى . إن الحريق الذي أوقده فان دير لوبه و الحريق في قاعة الاجتماعات متطابقة زمنيا فقط ، و بالنسبة لسائر الأمور ، فهما مختلفان اختلافا جذريا . و الشيء الأكثر احتمالا ، هو أن فان دير لوبه كان أداة هؤلاء الأشخاص ، اللاواعية ، الأداة التي جرى استغلالها ، انه لا يقول كل الحقيقة هنا . و هو ما زال حتى الآن مصرا على الصمت . و رغم انه كان هناك شركاء في الجريمة ، فهذا الواقع لا يقرر مصير المتهمين الآخرين . إن فان دير لوبه لم يكن وحده ، هذا صحيح ، لكن الذين كانوا معه ليسوا هم توغلر ، و لا بوبوف ، و لا تانيف ، و لا ديمتروف .
أفلا يحتمل أن فان دير لوبه قد التقى في هوينغسدورف بشخص أقنعه بمشاركته في محاولاته لإحراق دار البلدية و القصر ؟ و أن هذا الشخص قد قال له بأن جميع هذه الحرائق ليست سوى ألعب أطفال ، أن العمل الجدي ، سيكون إحراق الرايخستاغ أثناء الانتخابات ؟ و أليس محتملا أن يكون حريق الرايخستاغ قد انبثق من الاتحاد السري بين الجنون السياسي و الاستفزاز السياسي ؟ إن حليف جانب الجنون السياسي هو على مقاعد المتهمين . أما حلفاء جانب الاستفزاز السياسي فإنهم مطلقو السراح . و في حين كان دير لوبه الساذج يقوم بمحاولاته غير البارعة لإشعال النار في المطعم ، و في الرواق و في الطابق الأسفل ، ألم يكن مجهولون يستخدمون ذلك السائل المحرق السري الذي تحدث عنه الدكتور ساك ،يرتكبون الحريق في قاعة الاجتماعات ؟ ( أخذ فان دير لوبه يضحك . كان جسمه كله يهتز بضحك صامت . و في هذه اللحظة تركزت أنظار القاعة كلها ، و القضاة و المتهمين ، على لوبه ) .
ديمتروف ( مشيرا إلى لوبه )
إن الشركاء المجهولين في الجريمة قد سهروا على جميع الاستعدادات للحريق . و هذا المفيوستوفيليس ( الشيطان ) قد استطاع الاختباء دون أن يترك أثرا . و ها نحن نرى هنا الأداة الحمقاء ، فوست المسكين ، ضحية الجريمة و أداتها الضعيفة ، في حين أن " الشيطان " قد اختفى . و الأمر الأكثر احتمالا ، هو أن جسرا قد مد ، في هوينغسدورف بين فان دير لوبه و ممثلي الاستفزاز السياسي ، عملاء أعداء الطبقة العاملة .
لقد أعلن النائب العام ورنر هنا بان فان دير لوبه هو شيوعي ، و قال اثر ذلك انه حتى و لو لم يكن شيوعيا ، فقد قام بعمله لمصلحة الحزب الشيوعي و بارتباط مع هذا الحزب . و هذا تأكيد خاطئ .
من هو فان دير لوبه ؟ هل هو شيوعي ؟ كلا ، إطلاقا ، هل هو فوضوي ؟ كلا . انه عامل خارج على طبقته ، انه شخص حطمه البؤس ، فأصبح متمردا على المجتمع ، و مخلوق خدع و استخدم ضد الطبقة العالمة . كلا ، انه ليس شيوعيا . و هو ليس فوضويا . فما من شيوعي واحد في العالم ، و ما من فوضوي يمكن أن يتصرف أمام المحكمة كما فعل فان دير لوبه . إن الفوضويين كثيرا ما يرتكبون أعمالا طائشة ، لكنهم دائما أمام القضاة يتحملون مسؤولياتهم و يشرحون أهدافهم . و لو كان شيوعي قد فعل شيئا مماثلا ، فما كان له أن يصمت أمام المحكمة ، في حين يجلس إلى جانبه على مقعد الاتهام أربعة أشخاص أبرياء . كلا ، إن فان دير لوبه ، ليس شيوعيا ، و لا فوضويا ن بل إنه أداة استخدمتها الفاشية .
مع هذا الشخص ، مع هذه الأداة البائسة التي جرى استعمالها للإضرار بالشيوعية ، لا يمكن أن يكون ثمة أي شيء مشترك ، لا يمكن أن يكون ثمة آية علاقة بينه و بين رئيس الكتلة الشيوعية في الرايخستاغ ، و لا بينه و بين الشيوعيين البلغار .
و ينبغي لي أن أذكر هنا بأن غورنغ قد اصدر بلاغا حول الحريق ، في صباح 28 شباط ، و قد أعلن هذا البلاغ أن تورغلر و كوينن قد فرا من مبنى الرايخستاغ في الساعة العاشرة مساء . و هذا النبأ أذيع بواسطة الراديو في جميع أنحاء البلاد . و قد قال البلاغ أن الشيوعيين هم الذين أشعلوا النار . و مع ذلك ، فان لم يجر تحقيق حول تصرفات فان دير لوبه في هوينغسدورف . إن الشخص الذي قضى الليل مع فان دير لوبه في مركز الشرطة لم يعثر عليه ...
الرئيس – ( مقاطعا ديمتروف ) متى تنوي إنهاء خطاباتك ؟
ديمتروف – سأتكلم أيضا لمدة نصف ساعة . علي أن أعرض نظرتي إلى هذه المسألة .
الرئيس –ليس بالإمكان على كل حال التكلم بلا نهاية .
ديمتروف – طوال الأشهر الثلاثة التي استغرقتها المحاكمة ، أجبرتني ، يا سيدي الرئيس ، على الصمت ، مرارا لا تحصى ، واعدا إياي بأنني سوف أتمكن من أن أتكلم بالتفصيل لدى نهاية المحاكمة . و هذه النهاية للمحاكمة قد حلت . لكنك ، خلافا لوعدك ، تحد مجددا من حقي في الكلام . إن مسالة معرفة ما حدث في هوينغسدورف هي مهمة إلى أقصى حد . إن واشنسكي الذي قضى الليل مع فان دير لوبه ، لم يعثر عليه . و قد اعتبر اقتراحي للبحث عنه بلا جدوى . إن التأكيد بأن فان دير لوبه قد التقى في هوينغسدورف بشيوعيين هو أكذوبة لفقها الشاهد الاشتراكي – الوطني ، الحلاق غراف . فلو أن فان دير لوبه التقى في هوينغسدورف مع شيوعيين ، لكان الأمر قد أوضح منذ زمن طويل ، سيدي الرئيس . و لكن ما من أحد اهتم بالعثور على واشنسكي .
Brand bourg إن الشاب الذي حضر إلى مفوضية الشرفة لبوابة للإبلاغ بأول نبأ عن حريق الرايخستاغ لم يتم البحث عنه ، و هو ما زال حتى الآن مجهولا . و قد ضل التحقيق السبيل . إن الدكتور ألبريخت ، النائب الاشتراكي الوطني ، الذي كان قد غادر الرايخستاغ فورا بعد الحريق ، لم يتم استجوابه . و لم يجر البحث عن فاعلي الحريق حيث هم موجودون، بل حيث لا يوجدون. كان يجري البحث عنهم بين صفوف الحزب الشيوعي، و كان ذلك خطأ . و قد أتاح ذلك لفاعلي الحريق الحقيقيين بأن يتواروا عن الأنظار . لذلك فقد تقرر ما يلي : أنه نظرا لأنه لم يقبض ، و لم تكن هناك الجرأة لقبض على آخرين ، على محرقين – بدائل " إذا صح التعبير ، للرايخستاغ " .
الرئيس – إنني أمنعك من أن تقول هذا ، أعطيك أيضا عشر دقائق .
ديمتروف – إن لي الحق بان أقدم و ابرر قضايا تتعلق بقرار الاتهام . لقد عالج النائب العام جميع إفادات الشيوعيين بصفتها غير جديرة بالتصديق . و لن أتخذ موقفا معاكسا . لن أؤكد ، مثلا ، أن جميع الشهود الاشتراكيين – الوطنيين هم كاذبون . إنني اعتقد بان بين ملايين الاشتراكيين- الوطنيين يوجد أيضا أشخاص شرفاء .
الرئيس – إنني أمنعك من الإدلاء بهذه الملاحظات السيئة النية ..
ديمتروف – أليس من الأمور ذات الدلالة أن جميع شهود الاتهام الرئيسيين هم نواب اشتراكيون – وطنيون ، و صحفيون و أنصار للاشتراكية – الوطنية ؟ أفلم يقل النائب الاشتراكي – الوطني كارواهن بأنه شاهد تورغلر برفقة فان دير لوبه في الرايخستاغ ؟ إن النائب الاشتراكي – الوطني فراي قد صرح بأنه شاهد بوبوف مع تورغلر في الرايخستاغ . و هيللمر ، نادل المطعم الاشتراكي – الوطني قد شهد بأنه رأى فان دير لوبه مع ديمتروف . كما أن الصحفي الاشتراكي – الوطني ويبرستيدت زعم أنه شاهد تانيف مع فان دير لوبه . فهل هذا من قبيل المصادفة ؟ إن الدكتور دروشر الذي تكلم هنا بصفته شاهدا و الذي هو في الوقت ذاته محررا في صحيفة فويلكشير بيوباختر ، و زيمرمان
الرئيس ( مقاطعا ديمتروف)
هذا لم يتم إثباته .
ديمتروف – قد أكد أن ديمتروف هو منظم الانفجار في كاتدرائية صوفيا ، و هذا ما جرى تكذيبه ، كما قال أنه رآني في الرايخستاغ مع تورغلر . إنني أعلن ، بيقين تبلغ درجته مئة بالمئة ، أن دروشر و زيمرمان ، ليسا سوى شخص واحد أحد ...
الرئيس – أنا أنفي ذلك ، إذا لم يقم عليه دليل أو إثبات .
ديمتروف – إن موظف الشرطة هيللر قد أورد هنا قصيدة شيوعية قبض عليها في كتاب صدر عام 1925 ، لكي يثبت أن الشيوعيين هم الذين أحرقوا الرايخستاغ عام 1933 . و سأسمح لنفسي كذلك بان أورد أبياتا لأكبر شاعر ألماني ، غوته :
تعلم أن تكون أكثر ذكاء إن إبرة ميزان السعادة الكبير نادرا ما تظل هادئة : عليك إما أن ترتفع أو أن تهبط . عليك أن تسيطر و تربح أو أن تخدم و تخسر . أن تتألم أو تنتصر أن تكون السندان أو المطرقة
اجل ، إن أيا كان ، لا يريد أن يكون السندان ،يجب إن يكون المطرقة ، إن الطبقة العاملة الألمانية ، في مجملها ، لم تفهم هذه الحقيقة لا في عام 1918 ، ولا في 1923 ، و لا في 20تموز 1932 ، و لا في كانون الثاني 1933 . و جريرة ذلك تقع على عاتق القادة الاشتراكيين – الديمقراطيين ، على عاتق أمثال ويلس ، و سيفيرنغ و براون ، و لايبارت ، و غراسيمان . !طبعا إن العمال الألمان سيتمكنون من فهم المسألة
لقد جرى الحديث كثيرا هنا عن القانون الألماني و الشرعية ، و لابد لي من إبداء رأيي أيضا في هذا الصدد . إن حكم محكمة ما ، يتأثر دائما ، بلا جدال ، بالتراكيب السياسية للساعة الحاضرة ، و بالاتجاهات السياسية السائدة . إن وزير العدل كيرل هو ، دون أي شك ، بالنسبة للمحكمة، سلطة صالحة . و قد عبر عن رأيه في مقابلة نشرتها الصحف .
لقد صرح قائلا : إن الوقاية التي يتخذها القانون الليبرالي الصريح ، تقوم في التأكيد بأنه يجب أن يكون لدى العدالة تقديس للموضوعية ، و قد توصلنا الآن إلى مصدر الابتعاد بين الشعب و العدالة و الذنب في هذا الابتعاد يقع دائما في خاتمة المطاف على العدالة . و ماذا تكون العدالة حين يقاتل الشعب من أجل وجوده ؟ و هل أن الجندي المقاتل ، و الجيش المقاتل ، يعرفان الموضوعية ؟ إن الجندي و الجيش لا يعرفان سوى سؤال واحد : ما العمل لإنقاذ الحرية و الشرف ؟ و كيف ننقذ الوطن ؟ و هكذا ، فمن البديهي أن عدالة شعب يكافح في نضال مستميت ، لا يمكن أن تكون لديها عبادة موضوعية ميتة ، إن تصرفات المحكمة ، والنيابة العامة ، و المحامين ، يجب أن يمليها فقط هذا الاعتبار ، وهو : ما المهم بالنسبة لحياة الأمة ؟ و ما الذي سينقذ الشعب ؟ ليس هو الموضوعية اللافقارية التي تعني الركود . و على هذا الأساس ذاته ، التحجر ، الابتعاد إزاء الشعب ، كلا ، بل إن جميع الأعمال ، و جميع التدابير المتخذة من قبل الجماعة في مجملها ، و من قبل كل فرد يجب أن تكون خاضعة للحاجات المباشرة للشعب ، للأمة . و هكذا ، فإن القانون هو مفهوم نسبي ...
الرئيس – لا علاقة لهذا بالموضوع ، عليك أن تقدم اقتراحاتك .
ديمتروف – لقد اقترح النائب العام تبرئة الاظناء البلغار ، لعدم توفر الأدلة المدنية. اقترح النائب العام تبرئة ساحة البلغار المتهمين ، لعدم توفير الأدلة . لكن هذا لا يمكن أن يرضيني البتة . فالمسالة ليست بسيطة إلى هذا الحد . إن هذا لن يبعد الشكوك كليا . فخلال المحاكمة ، اثبت بصورة قاطعة بأنه لا علاقة لنا بحريق الرايخستاغ و انه ، بالتالي ، لا يوجد أي أساس لتبرير-شكوك ضدنا .إننا ، نحن ، البلغار، و كذلك تورغلر ، يجب أن تبرأ ساحتنا لا لعدم وجود أدلة ، بل ، لأننا ، نحن الشيوعيين ، لا علاقة لنا ، و ما كان يمكن أن تكون لنا علاقة بعمل مناهض للشيوعية . إنني اقترح ، إذن ، إصدار الحكم التالي : 1 – تقر المحكمة العليا ببراءتنا في القضية ، و أن الاتهام ليس مبررا : و هذا صحيح بالنسبة لنا ، بالنسبة لي ، و تورغلر ، و بوبوف ، و تانين . 2- الإعلان بان فان دير لوبه كان أداة استخدمت ضد مصلحة الطبقة العاملة و للإضرار بها . 3 –التعويض علينا على حساب هؤلاء المذنبين ، عن الوقت المضاع ، و الصحة المصابة ، و الآلام المتحملة .
الرئيس – إن ما تسميه اقتراحاتك ، ستأخذها المحكمة بعين الاعتبار أثناء المداولات حول الحكم الواجب اتخاذه .
ديمتروف – سيأتي الوقت الذي ستسدد فيه هذه الحسابات مع الفوائد . إن الضوء الكامل على مسالة حريق الرايخستاغ و فاعلي الحريق الحقيقيين ، إنما سوف تتكفل به ، طبعا ، محكمة الشعب لدى ديكتاتورية البروليتاريا ، المقبلة . في القرن السابع عشر ، مثل مؤسس الفيزياء العلمي غاليلر غاليليه أمام محكمة التفتيش القاسية ، التي كان عليها أن تحكم بيقين عميق و تصميم : " و هذا المبدأ العلمي قد أصبح فيما بعد !" و مع ذلك فالأرض تدور تراث البشرية بأسرها .
( الرئيس يقاطع ديمتروف بفجاجة ، ينهض ، و يجمع أوراقه ، ويتأهب للخروج ) .
ديمتروف ( مكملا) – إننا ، نحن الشيوعيين ، نستطيع أن ننادي اليوم بتصميم لا يقل عن تصميم غاليليه الشيخ : " إن عجلة التاريخ تدور ، و تتقدم نحو أوروبا ! "و مع ذلك فهي تدور سوفياتية ، نحو الاتحاد العالمي للجمهوريات السوفياتية .
و هذه العجلة ، التي تدفعها البروليتاريا تحت قيادة الأممية الشيوعية ، لن يمكن وقفها لا بتدابير الإبادة ، و لا بالأحكام بالأشغال الشاقة ، و لا بعمليات الإعدام ، إنها تدور و ستظل تدور حتى الانتصار النهائي للشيوعية . ( رجال الشرطة يمسكون بديمتروف و يجبرونه على الجلوس على مقعد الاتهام ). الرئيس و هيئة المحكمة يبتعدون للمداولة في مسالة معرفة ما إذا كان يستطيع ديمتروف أن يتابع خطابه . و بعد المداولة ، تعود هيئة المحكمة و تعلن أن ديمتروف قد حرم نهائيا من حق الكلام !
----------------------------------
(1) كانون الأول 1933. (2) موضوعات ، و قرارات و احكام الجمعية العامة الثانية عشرة للجنة التنفيذية للاممية الشيوعية . مكتب المنشورات . باريس 1933 ، ص 15 ( ملاحظة من هيئة تحرير الطبعة الفرنسية ). (3) دفع بالغيبة: ادعاء المتهم انه كان في مكان آخر عند وقوع الجريمة . ( ملاحظة من المترجم ).
#طريق_الثورة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير عن محاكمة مجموعة زهرة بودكور
-
حول بناء الحزب
-
نقد تمهيدي لأطروحة الحزب لدى الحركة الماركسية-اللينينية المغ
...
-
محاكمة مجموعة زهور بودكور - محاكمة داخل محاكمة -
-
“حرب على القصور، سلام في الأكواخ” (ضد دغمائية العمل الغير ال
...
-
المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني
-
حوار مع المعتقل السياسي الرفيق توفيق الشويني
-
تقرير عن أوضاع المعتقلين السياسيين بسجن بولمهارز -مجموعة زهو
...
-
حوار مع المعتقل السياسي توفيق الشويني
-
اللينينية و التحريفية المعاصرة
-
الماوية سلاحنا في القتال 3- الثورة الثقافية الكبرى: ثورة داخ
...
-
حول الجريدة المركزية - تراث الحركة الماركسية اللينينية المغر
...
-
الماوية سلاحنا في القتال 2: أسس الماوية
-
خط بناء أدوات الثورة الثلاث - الحزب الشيوعي للبيرو
-
الماوية سلاحنا في القتال 1 -المراحل الكبرى للثورة الصينية:
-
بصدد الماركسية –اللينينية- الماوية (الحزب الشيوعي للبيرو)
-
الصراع الأيديولوجي و مسألة وحدة الحركة الشيوعية
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|