|
أسئلة الأستاذ أسعد – محاولة للتفكير
رمضان متولي
الحوار المتمدن-العدد: 2714 - 2009 / 7 / 21 - 10:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
علق الأستاذ أسعد أسعد على مقال كتبته يناقش ما طرحه الدكتور يحيي الجمل في برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة كمخرج من الأزمة السياسية في مصر. وتركز تعليقه على مجموعة من الأسئلة داعيا إياي إلى محاولة التفكير في إجابات عليها. ورغم أنني لا أزعم أنني أملك إجابة محددة وقاطعة على كل أسئلته، فأنا أشكره أولا على التعليق، وثانيا على طرح هذه الأسئلة، وأقدم هنا تصورا لما يمكن أن يقدم إجابة من وجهة نظري لها.
1) يسأل الأستاذ أسعد عما إذا كنت أعتقد أن الفوضى الخلاقة هي الحل لأزمة مصر السياسية. طبعا لا أعتقد ذلك. لأن مفهوم الفوضى الخلاقة مفهوم غامض، ولم أجده مستخدما إلا على لسان عصابة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، من أمثال كوندوليزا رايس، لترويج الأهداف الاستعمارية الأمريكية تحت هذا العنوان الذي تضمن أيضا الحروب الاستباقية، والحرب على ما تسميه أميركا "الإرهاب"، والتدخل "الإنساني"، ونشر الديمقراطية "الأمريكاني". هذا المفهوم كان مجرد عنوان لأهداف أمريكا الاستعمارية التي تحب أن تسميها بأسماء مختلفة مثلما ذكرت، وعلى أي حال فقد سقط هذا المشروع أو تعثر عثرة قوية وأغرق الولايات المتحدة في مستنقعات حروب بدأتها ولا تعرف كيف تنهيها، وإن كان الليبراليون الجدد عندنا مازالوا يستخدمون تلك المصطلحات فارغة المضمون. 2) الأستاذ أسعد يستفسر أيضا عن كيفية حساب ما قلته "بأن يعبر الرأي العام عن نفسه في حركة جماهيرية". وأحب أن أوضح أن المشكلة هنا ليست عندي في الحقيقة، إنما عند الدكتور يحيي الجمل الذي استخدم مصطلح الرأي العام، وهو مصطلح غامض وغير حقيقي من وجهة نظري. فلا يوجد ما يمكن أن نسميه رأيا عاما منفصلا عن الواقع الاجتماعي لمختلف طبقات وشرائح المجتمع، وإن كان يمكن أن نقول بوجود أفكار سائدة تسيطر في لحظات معينة على نطاق واسع، ولكنها لا تصمد كثيرا عندما تتحرك جماهير من طبقات مختلفة معبرة عن مصالحها ومطالبها ورؤيتها الخاصة لكيفية تحقيق هذه المصالح والمطالب. وهذا ما أقصده تحديدا من أن يعبر "الرأي العام" عن نفسه من خلال حركة جماهيرية، فهذا المجهول الغامض لا نستطيع أن نعرف فحواه وحقيقته إلا إذا تجسد في تحركات جماهيرية تعطيه شكلا ملموسا، أي مصالح ومطالب ورؤى واتجاهات وميول إلى غير ذلك. 3) أما فيما يتعلق بأهداف الحركة، فإنني أرى أنها مسألة مركبة، لا يمكن تحديدها بالانفصال عن قوة الحركة وتكوينها الاجتماعي، ولهذا لا أتفق مع الدكتور الجمل حين يقول أن المهمة هي إسقاط الدستور الحالي ووضع دستور جديد للبلاد. لأنه لا توجد حركة على الأرض تطالب بإسقاط الدستور أو وضع دستور جديد، ولا يمكن أن تفرض على حركة غير موجودة مطالب من خارجها. لأنك في هذه الحالة تكون غارقا في صراع وهمي لا طائل من ورائه. وعلى من يزعمون أنهم يملكون مفاتيح الحل للأزمة السياسية الراهنة أولا أن يتعرفوا على الحركات الجماهيرية الموجودة فعلا، ويتعرفوا على مطالبها وعلى قدراتها التنظيمية والسياسية وأن يحاولوا تطويرها وبلورتها وتوجيهيها في إطار ما يحقق مصالح هذه الحركة ويساعدها على الانتصار وصياغة مطالبها الجزئية في برنامج أشمل وأعم. 4) هنا أنتقل إلى الجزء الثاني من نفس السؤال وهو كيف يمكن للجماهير أن تتحرك دون برنامج "محدد" و "مدروس" "له نقطة بداية ونقطة نهاية"، لأؤكد لك أنك تضع العربة أمام الحصان. فالجماهير لا تتحرك لأن لديها برنامج من هذا النوع، وإنما تتحرك لأنها تتعرض لضغوط ولديها مطالب، والبرنامج مهما كان محددا وواضحا ومدروسا بعناية – خاصة من نوعية البرامج التي يقترحها هؤلاء المثقفون المنمقون – لا يستطيع أن يقنع عاملا بالإضراب عن العمل من أجل تحقيق وعوده، ولا أن يدفع فلاحا إلى قطع السكة الحديد، ولا أن يقنع الموظفين وجنود الشرطة بمخالفة أوامر رؤسائهم. والصحيح أن الحركة تطرح مطالبها وفق مصالح المشاركين فيها، ويكون دور القيادات في هذه الحركة بلورة هذه المطالب وتعميمها في صورة برنامج يتسم بالمرونة حتى يتواءم مع مدى قوة الحركة الجماهيرية وانتشارها والاستقطاب الناتح عن ذلك. ودون ذلك يصبح أي برنامج مثل الأيقونة أو مثل "دستور" الدكتور يحيي الجمل معلقا في الهواء. ولم يحدث في تاريخ الثورات أو الحركات الجماهيرية على حد علمي أن اندلعت ثورة أو خرجت حركة جماهيرية بإيعاز من برنامج وضع مسبقا، وسواء كان البرنامج موجودا أم لا، تتحرك الجماهير وفق مطالبها ومصالحها هي، وأحيانا تتجاوز البرنامج – مثلما حدث في ثورات كثيرة – وأحيانا تفشل في تحقيق أي من أهدافها، ويعود الاستبداد أقوى مما كان عليه. 5) سؤالك الأخير فيما يتعلق بغياب القيادات، "لأن الجرائد ليس لها تأثير و الأحزاب مجرد ديكور فكيف يمكن وضع حل ثم تطبيق هذا الحل؟" يتضمن مشكلة من وجهة نظري. لأن القيادات لا تصنعها الجرائد، ولا تغيب تماما حتى في عدم وجود أحزاب حقيقية. القيادات تولد في المعارك وفي أكثر الحركات عفوية. وقد حدثت تجارب كثيرة في دول أوروبا الشرقية مثلا تحت النفوذ السوفييتي والتي شهدت تحركات عفوية كبيرة، مثل المجر 1956، وبولندا الثمانينيات (نقابة تضامن)، وغيرها، برزت فيها قيادات عفوية استطاعت تنظيم حركات هائلة الحجم وبلورة برامج ناجحة لهذه الحركات. طبعا العفوية – حتى بهذا المعنى – تتضمن مخاطر عديدة على الحركة، لكن وجود برامج أو دساتير أو مساعي إصلاحية لا يجنبها هذه المخاطر، خاصة في دولة مثل مصر حيث تصر الطبقة الحاكمة على عدم التراجع عن استبدادها مستفيدة من ضعف الإصلاحيين وتواطؤ وتخاذل الإخوان المسلمين. وعلى أي حال، فإن نجاح الحركة الجماهيرية في تحقيق أهدافها ليس أمرا حتميا، لأن هناك دائما احتمال قدرة الطبقة الحاكمة وأعوانها وأجهزة دولتها على إحباط هذه الحركة، لكن زيادة فرصة الحركة الجماهيرية في تحقيق أهدافها مرهون بتحرك من نوع آخر غير وضع الدساتير أو البرامج سابقة التجهيز، أي بتحرك من يحملون تصورا (تصور وليس برنامجا) وفكرا ثوريا نحو الارتباط بالحركات الجماهيرية في المصانع ووسط الفلاحين وفقراء المدن من أجل تنظيم هذه الحركات وربطها بعضها ببعض وتعميم مطالبها وتوجيه حركتها – أي بلورة برنامج ثوري من داخل الحركة ومرتبط بها ومعبر عن أهدافها ومصالح المشاركين فيها.
ومع ذلك، لا أعتقد أن ما تقدم يمثل أي نوع من الإجابة الوافية على أسئلة الأزمة السياسية في مصر، ولكنني أتصور أنه البداية الصحيحة للحصول على هذه الإجابة، وتظل المشاركة الفعلية في الحركة الجماهيرية والجهود الحقيقية من أجل تطويرها هي المحدد الأساسي لملامح وفرص تحقيق أي برنامج أو حل للأزمة القائمة.
#رمضان_متولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دستور يا دكتور!
-
البشر قبل الأرباح
-
من أجل العدالة والحرية في إيران
-
زيارة أوباما ولي النعم
-
عندما ترقص الأفيال
-
نكبة 1948 ونكبة أوسلو
-
صفقة القمح والجريمة الكاملة
-
حكومة رجال الأعمال تكشف أنيابها في زمن الأزمة
-
إنها دعوة وأمل أو أمنية
-
دفاعا عن -إبداع-
-
المشروع والممنوع في دعم المقاومة
-
هكذا يفكر دون كيشوت
-
الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
-
سيكولوجية القطيع
-
عفة زائفة ودعارة مقدسة
-
تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
-
أمامنا مستقبل لنكسبه
-
الخروج من الأسر
-
واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
-
آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|