|
النقاب ، ورقة خاسرة أخرى يلعبها الإسلام السياسي
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2713 - 2009 / 7 / 20 - 10:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سبق وإن إختلق فقهاء الإسلام السياسي في أوربا محاور للإحتراب داخل المجتمعات الأوربية التي يعيش فيها المسلمون كمواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات المتعلقة برعاية القوانين واحترامها وتطبيقها على جميع هؤلاء المواطنين. فبالأمس إختلق هؤلاء المتأسلمون مشكلة النقاب في المجتمع البريطاني ، وتدور في أوساط معينة من المجتمع الفرنسي اليوم نقاشات حول القرار الذي إتخذته الحكومة الفرنسية بمنع إرتداء النقاب من قبل بعض النساء المسلمات اللواتي يعشن في فرنسا ويحمل البعض منهن الجنسية الفرنسية أيضاً . ومن الطبيعي في مثل هذه الأمور ان تكون الجهات التي تسعر هذا النقاش وتحاول جعله مادة المجتمع بكامله هي التجمعات التي تعتقد أنها تعبر في مثل هذه المواضيع عن هويتها التي تدعي أنها تعكس من خلالها إنتماءها الديني الإسلامي ، وما ظاهرة النقاب هذه إلا مكوناً أساسياَ من مكونات هذه الهوية الإسلامية ، حسب إدعاءات فقهاء السلاطين هؤلاء . فإلى أي مدى ينسجم هذا الطرح مع الحياة ألإجتماعية للمسلمين في هذا البلد ، ومع الإنتساب للدين الإسلامي ، وأخيراً مع تعاليم الدين الإسلامي نفسه ؟
من المعلوم ان النظام الفرنسي الحالي الذي طبعته الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 بكثير من مبادءها التي شكل الفصل الكامل بين الدين والدولة واحداً من أبرزها ومن أشدها فعالية بحيث أن الدولة الفرنسية التي تأسست على هذا الأساس اصبحت اليوم أقرب إلى وصفها بالدولة اللادينية من الدولة العلمانية . وهذا يعني ان كافة القوانين والأنظمة والتعليمات التي تتبناها الدولة تنطلق من هذا المبدأ الأساسي الذي أقرته البرلمانات الفرنسية المتعاقبة المنتخبة إنتخاباً ديمقراطياً منذ ذلك الوقت ولحد الآن . وبالرغم من التاريخ الإستعماري الذي طبع السياسة الفرنسية حتى منتصف القرن الماضي ولجوء هذا النظام الديمقراطي داخلياً ، الإستعماري خارجياً ، إلى مختلف أساليب القمع والإضطهاد والإستغلال لشعوب البلدان المستَعمَرَة ، ظلت مبادئ الثورة الفرنسية تطبع السياسة الداخلية الفرنسية حتى وإن بدى ذلك متناقضاً مع سياستها الخارجية. وهذا هو شأن السياسة الدولية آنذاك خاصة بالنسبة لبريطانيا وفرنسا اللتان مثلتا السياسة الإستعمارية أحسن تمثيل . وحينما اجبر نضال الشعوب المستعمَرَة السياسة الخارجية الفرنسية على الرضوخ لمبدأ حق الأمم والشعوب بتقرير مصيرها ، فأخذت هذه الشعوب إستقلالها وتشكلت حكوماتها التي سُميت بالحكومات الوطنية التي أصبحت تتعاون مع الدول المستعمِرة سابقاً والحليفة حالياً تعاملاً ينطلق من تبادل المصالح المشتركة بهذا الحد أو ذاك ، حيث إنعكس ذلك بشكل خاص على دول المغرب العربي التي كانت خاضعة للإستعمار الفرنسي والتي تحررت منه بالتعاقب في خمسينات القرن الماضي . وتمشياً مع الوضع الجديد الناشئ بعد التحرير بدأت موجات الهجرة البشرية من هذه الدول إلى فرنسا بحثاً عن العمل فيها ، ولم يشكل ذلك عبئاً على الدولة الفرنسية آنذاك ، إذ أنها قد حصلت بسبب هذه الهجرة على ايدي عاملة ، قد تكون رخيصة في بعض الأحيان وتساهم في نفس الوقت في دفع عجلة الإقتصاد الفرنسي والصناعة الفرنسية إلى ألأمام. وحينما قرر المهاجرون العرب الحصول على مصادر رزقهم ومعيشة عوائلهم في هذا البلد ، فإنهم كانوا يعلمون تماماً بالقوانين والأنظمة التي يسير عليها النظام الفرنسي ، خاصة تلك التي تتعلق بالدين وممارسته في الحياة العامة . وقد تقبل هؤلاء المهاجرون هذه القوانين وتعايشوا معها بكل سلام ، إذ أنها لم تمنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية ومعتقداتهم في محافلهم الخاصة ، سواءً كان ذلك في بيوتهم الخاصة أو في المساجد والجوامع التي أسسوها لهذا الغرض والتي حظيت أيضاً بمعاملة الدولة الفرنسية لها كمعاملتها لأية منظمة فرنسية دينية أو غير دينية وذلك من ناحية مسؤولية الدولة عن حمايتها ومراقبة شؤونها المالية ومدى إنسجام عملها مع القوانين والأنظمة السائدة في الدولة . وظلت حياة المهاجرين على هذا المنوال حتى ظهور موجة ما يسمى بالصحوة الإسلامية التي تبنتها بعض المنظمات السياسية التي إتخذت من الدين الإسلامي شعاراً لها للوصول إلى اهداف أقل ما يقال عنها بأنها غير دينية . فعملت هذه المنظمات على بث العداء بين المهاجرين ومجتمعهم من خلال إشاعة عقلية التمسك بمظاهر وشعارات جعلتها عنواناً للدين الإسلامي وممارسة طقوسه وعباداته . ومن هذه المظاهر إرتداء النساء للنقاب .
القوانين السائدة في المجتمعات الأوربية عامة ومن ضمنها المجتمع الفرنسي تعطي إهتماماً واسعاً للحرية الشخصية التي لا تتعارض مع حرية الآخرين ولا تسيئ إليها . ومن الأسس المهمة التي يجري التعامل بها مع هذه الحرية الشخصية هي إحتفاظ كل فرد من أفراد المجتمع بهويته الشخصية التي يستطيع من خلالها إثبات حق وجوده الرسمي في هذا المجتمع سواءً كان هذا الوجود عبر المواطنة أو عبر اي شكل آخر من أشكال هذا الوجود ، إذ أن حق الحرية الشخصية لا يفرق ، حسب قوانين معظم هذه الدول ، وفرنسا من ضمنها ، بين المواطن الحامل لجنسية البلد وبين المواطن الأجنبي ، المهم في الأمر ان يكون التواجد قانونياً . والهوية الشخصية هذه يمكن التأكد من عائديتها الفعلية إلى حاملها من خلال الصورة التي يجب ان تحملها هذه الهوية . وبما ان النقاب الذي يريد له البعض ان يكون رمزاً للتدين الإسلامي عند النساء لا يسمح برؤية كل وجه المراة ، وفي أكثر حالاته تطوراً رؤية عينيها فقط ، فإن ذلك يعتبر مخالفاً لقوانين هذه الدولة التي يريد هذا الإنسان المسلم العيش والعمل فيها وممارسة حريته الشخصية أسوة بباقي المواطنين. إن التأكد من شخصية الفرد ووضعه القانوني وبالتالي التمتع بكافة حقوق المواطنة وواجباتها ينطلق من ضمان حماية هذه الحقوق والواجبات لكل مواطن ، وهذا لا يتم بشكل تام إلا عبر إثبات الشخصية لهذا المواطن أو ذاك ، والهوية المثبتة فيها صورة هذا المواطن أو المواطِنة هي الطريق الوحيد الأكيد لتحقيق ذلك . فكيف سيتم تنفيذ هذا الإجراء القانوني إذا كانت صورة حاملة الهوية تتجلى على شكل بقعة سوداء أو عينين فقط في أحسن ألأحوال. وانسجامآ مع الدعوة التي توجهها كل الدول المسماة إسلامية إلى الزوار الأجانب الذين يزورون هذه الدول باحترام قوانينها وعدم السماح لهؤلاء الأجانب بتجاوزها الذي سيعرضهم للمساءلة القانونية، نرى ونسمع يومياً عن الإرشادات التي يوجهها كثير من رجال الدين المسلمين إلى المهاجرين الساكنين في بلدان غير إسلامية ، بأن يحترموا قوانين هذه البلدان ويعملوا على تطبيقها ، وبعكسه فإنهم قد يعرضون أنفسهم وعوائلهم لمشاكل هم في غنى عنها ، وهذ ليس من الدين بشيئ . فكيف تنسجم هذه التعليمات ، إن كان ما ينصح به رجال الدين هؤلاء يعبر عن حقيقة أفكارهم فعلاً ، مع ما يثيره بعض المسلمين في فرنسا من أن الحكومة الفرنسية تضطهد المسلمين بمنعها بعض النساء المسلمات من إرتداء النقاب..؟ هذا من الناحية القانونية التي يعيشها المهاجرون المسلمون في فرنسا . أما من الناحيتين الإجتماعية والإقتصادية فإن كثيراً من هؤلاء المهاجرين العاملين في فرنسا يخضعون إلى قوانين نفس هذه الدولة التي تنظم الأجور والضرائب وكل ما يتعلق بأمور العمل ، كما أنها تنظم قوانين المساعدات الإجتماعية التي يلجأ إليها كل المهاجرين غير العاملين ليحصلوا على تكاليف متطلبات الحياة في هذا البلد ، ولم نسمع في يوم من الأيام بأن أحد هؤلاء المسلمين أو إحدى المسلمات رفض إستلام هذه المساعدات بسبب عدم شرعيتها وعدم شرعية طرق جبايتها أو مصادر الحصول عليها من خلال الضرائب المفروضة على المشروبات الكحولية أو الربا الذي تجنيه المؤسسات المالية الحكومية او الضرائب المفروضة على النوادي الليلية وغير ذلك من مصادر أموال خزينة الدولة التي تتعارض بشكل واضح مع تعاليم الدين الإسلامي التي يحاول بعض المسلمين اللجوء إليها ليؤجج المواقف العدائية بين الدولة وبين بعض المسلمين الذين وقعوا تحت التأثير الفكري لهؤلاء ، في الوقت الذي يتقاضون فيه مساعدات هذه الدولة دون ان يوظفوا تعاليمهم الدينية للبحث عن مصادر هذه المساعدات.
أما ما يتعلق بالحجج التي يطلقها المتأسلمون والمتعلقة بربط إجراءات منع النقاب في فرنسا بالعداء إلى مقدسات ألإسلام واضعين النقاب كإحدى هذه المقدسات ، فإن مثل هذه الحجج التي يريد بها هؤلاء إثارة العداء والضغينة في المجتمع ليس إلا ، ليس لها اية علاقة بالدين الإسلامي وتعاليمه . إنها تقع ضمن المحاولات التي تريد بعض التجمعات السياسية تحقيق أهدافها من خلال تبنيها لطروحات دينية الشكل سياسية المحتوى . وإن كانوا يفهمون دينهم الذي يتمشدقون بالإنتماء إليه فهماً حقيقياً لما لجأوا إلى هذه الأساليب البدايئة التي تسيئ إلى الدين عموماً قبل أن تسيئ إلى شخوصهم . إلا أنهم جُبلوا على الكذب والإحتيال على بسطاء الناس ، وإن أكاذيبهم هذه تنطلي على الكثير من البسطاء الذين يجهلون تفاصيل دينهم ويعتبرون ما ينطق به هذا الشيخ أو ذاك الملا هو الدين بذاته . ولتوضيح اكاذيبهم هذه لابد لنا من العودة إلى المصدر الأساسي للتعاليم الدينية ألإسلامية التي ينص عليها القرآن باعتباره قد جاء بكل هذه التعاليم ، إستناداً إلى ما جاء في الآية القرآنية " ما فرطنا في الكتاب من شيئ " (الأنعام 38)
قبل كل شيئ ينبغي العلم أنه قدر ما يتعلق باللباس في منظقة الجزيرة العربية التي إنطلق منها الإسلام ، فإن العوامل المناخية فرضت نوعآ من أللباس على سكنة هذه المناطق , حيث خضع نوع أللباس وطريقة إرتداءه إلى محاكاة الظروف المناخية والتعامل معها من هذا المنطلق في هذا المجال . فمثلآ غطاء الرأس كان يشكل ، في مجتمعات قبل الإسلام في هذه المنطقة ، جزءً ضروريآ من أللباس الإعتيادي العام للرجال والنساء على حد سواء . وبالرغم من إختلاف طريقة وضع الغطاء على ألرأس بين الرجل والمرأة , وبالنظر لإختلاف ألون أغطية ألرأس بين ألرجال والنساء , كان غطاء الرأس هذا يشكل إحدى قطع الملابس التي لا يستغني عنها أي فرد في ذلك المجتمع . وإن نظرة بسيطة على التحف ألأثرية لذلك الوقت سواءً أللوحات الفنية أو التماثيل تظهر لنا هذه الحقيقة . وبعد ان دخل ألإسلام أرض شبه الجزيرة العربية سعى إلى إستعمال غطاء رأس النساء ، الذي كن يرتدينه مسبقآ ، لحماية النساء المسلمات من تعرضهن لإيذاء الرجال بهن , هذه العادة التي كانت شائعة بين الشباب من الرجال في ذلك الوقت . وحتى اليوم يمكننا ملاحظة الكثير من المجتمعات الشرقية التي يرتدي فيها الرجال والنساء غطاء الرأس كامتداد للتقليد القديم واستمرارآ للتجاوب مع الخصائص البيئية المناخية للشرق كحرارة الشمس والرياح الرملية العاصفة . وفيما يتعلق بالمرأة فمن الملاحظ في كثير من المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون سواءً في الشرق القديم أوخارجه أن هذا النوع من أللباس قد تنوع بأشكال وألوان وطرق مختلفة لا علاقة لها بالنص القرآني في هذا المجال . ففي بعض المجتمعات ألإسلامية تحول غطاء الرأس هذا إلى غطاء لكامل الجسم أو لمعظمه . وأصبحت ألألوان المختلفة أشبه ما تكون بالإلزام لدى هذا المجتمع أو ذاك , أو لدى هذه الفئة ألإسلامية أو تلك . كما سعت بعض منظمات ألإسلام السياسي إلى جعل إرتداء غطاء الرأس من قبل النساء وطريقة إرتداءه كمؤشر للتدين ليس فقط من قبل المرأة التي ترتديه وإنما ينعكس ذلك على عائلتها جميعآ ، حسب تأويل منظري ألإسلام السياسي لذلك . من المهم هنا أن لا يجري عزل هذا التغيير في إستعمال غطاء الرأس بالطرق التي لم يأت بها القرآن عن دخول ألإسلام مجتمعات مختلفة بتراثها وتقاليدها المختلفة والتي صبغت كثيرآ من ألظواهر التي نراها اليوم في كثير من المجتمعات ألإسلامية بصبغتها. أما في المجتمعات التي لم تعش هذه الظاهرة ولم تتعامل معها فيجري تفسير غطاء الرأس على إعتباره إضطهادآ للمرأة واغتصابآ لحقوقها . من الممكن طبعآ أن يكون ذلك حقآ خاصة إذا جرى تطبيقه من جهة المتسلطين على شؤون المرأة وضد رغبتها الشخصية في إستعمال هذا النوع من أللباس , ومثل هذه الحالات منتشرة في كثير من المجتمعات ألإسلامية ولها أسبابها ألثقافية والإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية. وعلى الجانب ألآخر هناك الوجه الآخر من هذه الظاهرة الذي تتجلى فيه القناعة التامة من قبل الكثير من النساء أللواتي يرتدين غطاء ألرأس أو الحجاب أو النقاب والمرتبطة بالتربية العائلية والعلاقات ألإجتماعية . لذلك فإن التعامل مع هذا الموضوع يجب أن ينطلق من المعطيات التي تقرر هذا النوع من التصرف أو ذاك وعدم القفز على الواقع الموجود فعلآ حين التطرق إلى هذه الظاهرة التي يمكن تسميتها بالظاهرة ألإجتماعية الثقافية ألإقتصادية السياسية وليس الدينية فقط . ومن الملاحظ أيضآ في هذا المجال وجود هذه الظاهرة في المجتمعات الشرقية الحالية ليس بين المسلمين فقط , بل وبين المسيحيين أيضآ من الرجال والنساء الذين يفضلون إستعمال غطاء الرأس اً, خاصة إذا بلغوا عمرآ متقدمآ بعض الشيئ ، خاصة وإن الإنجيل يشير في كثير من فقراته إلى ذلك ايضاً . كما أن الديانة اليهودية تفرض غطاء الرأس على النساء ، خاصة عند ممارسة الطقوس الدينية .
واستناداً إلى ذلك فإننا ننطلق من مفهوم النص القرآني حول هذه الأنواع من الألبسة التي فرضتها الطبيعة على الناس قبل مجيئ الإسلام ، وإن كل ما عمله الإسلام هو توظيفها لصالحه. وعلى هذا الأساس نستطبع القول بأن الآية القراآنية التي تنص على " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفنَ فلا يُؤذَينَ وكان ألله غفورآ رحيما ." الأحزاب ـ59) بأن هذه الآية هي من الآيات القرآنية التي جاءت وسببها معها ، وذلك ما يؤكده علم اسباب النزول . فالآية تنص بشكل واضح وصريح لا يقبل التأويل على دعوة النساء المسلمات ليدنيين من جلابيبهن كي يُعرفن بأنهن مسلمات فلا يؤذين من قبل الشباب الذين كانوا يتعمدون مشاكسة النساء ، ولم يقل بان يسترن وجوههن. وإن هذا النص لم يجعل الجلباب رمزاً للتدين ، بل وسيلة للتفريق بين النساء المسلمات وغير المسلمات . كما أن الآية القرانية التي تنص " وليضربن بخمارهن على جيوبهن " ( النور ـ 31) تشير هي الأخرى بصراحة إلى ضرب الخمار على الصدور وليس على الوجوه ، اي تغطية الصدر .فماذا يعني ذلك كله...؟ إنه يعني أن الإسلام لم يفرض النقاب أصلآ وذلك لعدم وروده في النص القرآني الذي تطرق إلى الخمار والجلباب اللذان كانا موجودان أصلآ في الجاهلية ، فوظف الإسلام الخمار لتغطية الصدر بدلآ عن وضعه على الظهر خلف الكتفين لدى نساء الجاهلية ، وجعل من طريقة لبس الجلباب الوسيلة التي يتعرف بها الرجال على النساء المسلمات فلا يعملون على إيذائهن أو التحرش بهن . وبما أن المصدر الأساسي للدين الإسلامي لم يتطرق إلى مفردة النقاب ، فإنه والحالة هذه ليست من العبادات بشيء وما هو إلا جزءً من العادات التي تبادلتها المجتمعات الإسلامية كجزء من تراثها قبل دخولها الإسلام . كما ان كتب الفقه الإسلامي الأولى لم تتطرق له أو تشير إليه كجزء من السنة . لذلك تبقى مسألة الإلتزام به أو عدمه ضمن القناعات الشخصية التي لا يمكن إعتبارها جزءً من طقوس التعبد الخاضعة للثواب في تطبيقها وللعقاب في تركها , وكلاهما أُخروي وليس دنيوي ، كما تشير التعاليم الإسلامية إلى ذلك . كما يبقى الأمر به أو النهي عنه أو ترك الخيار للشخص نفسه مسألة إجتهاد بين الفقهاء على إختلاف مذاهبهم وإن تطبيقه أو عدم تطبيقه يصبح بالتالي تطبيقاً أو رفضاً لرأي فقيه وليس تطبيقاً أو رفضاً لتعاليم إلهية ، كما يحاول دهاقنة الإسلام السياسي ان يصوروا ذلك للناس . وقد تطرق بعض الفقهاء إلى ذلك فعلاً فمنهم مَن أيد العمل به وعلى رأسهم يوسف القرضاوي ، ومن إطلع على فتاوى هذا الرجل فإنه لا يعجب من إنتهازيته التي يداري بها مصادر رزقه في الخليج حيث يحرم مصافحة النساء مثلاً ، إلا أنه يقوم بمصافحة إمرأة لأن هذه الإمرأة هي الأميرة موزة . ومن الفقهاء مَن لم يقل بوجوب النقاب كالسيد السيستاني مثلآ في كتاب " الفقه الميسر " المسألة 620 ، حيث يقول " على النساء ستر البدن ما عدا الوجه والكفين " كما تطرق الشيخ محمد عاشور وكيل الأزهر سابقاً إلى موضوع النقاب قائلاً " ليس فرض ولا سنة " .
ومما يؤيد الرأي القائل بان النقاب من العادات وليس من العبادات الحقائق التالية : أولاً: هل عرف المجتمع الإسلامي المكي أو المدني النقاب كجزء من اللباس النسائي لتلك الحقبة من تاريخ الإسلام ، وهي الحقبة التي تميزت بتطبيق السنة النبوية مباشرة وليس عن طريق النقل ...؟ لا توجد هناك دلائل ثابتة تشير إلى ذلك ، اللهم إلا إذا جاء فقهاء السلاطين بأحاديث موضوعة ، وما أكثرها ، ليجعلوها سنداً لهرطقاتهم ، فهذا بحث آخر . ثانياً: إذا كان إرتداء النقاب يقع ضمن ضوابط العبادات التي لا يمكن ألإخلال بها باي حال من الأحوال ، فكيف يجري تفسير إختلاف الفقهاء في وجوبه او عدم وجوبه ، ألا يدل ذلك على إرجاع هذا الأمر إلى الإجتهادات الشخصية سواءً للفقهاء انفسهم او للنساء المعنيات به أنفسهن ، وليس إلى العبادات ...؟ ثالثاً: إذا كان النقاب ، بالشكل الذي يريده فقهاء الإسلام السياسي اليوم ، فلماذا لم تجر الإشارة إليه ولو تلميحاً ضمن التعاليم الدينية الأخرى المتعلقة بلباس الرجال والنساء ...؟ واجتناب تركه للإجتهاد الشخصي . رابعاً:هل يعقل ، من الناحية المنطقية والدينية ، أن تأمر التعاليم الدينية بالنقاب في الحياة العامة وتنهي عنه أثناء ممارسة طقوس الحج التي تعتبر واحدة من اركان الدين الإسلامي . إن جميع المعنيين بشؤون الدين الإسلامي متفقون على وجوب كشف المرأة لوجهها أثناء تأدية مراسيم الحج والعمرة ....؟ فأين هذا من ذاك...؟
فما هي الأهداف التي يتبناها إذن الإسلام السياسي بتوظيفه هذه الورقة اللادينية في أمور يربطها بالدين محاولاً بذلك تركيز نظرية العداء للدين في الدول التي تضم المسلمين كلاجئين ومهاجرين من بلدانهم الأصلية إليها وهم يشكلون من الناحية العددية أكثر بكثير مما هو موجود من اللاجئين المسلمين في كل الدول الإسلامية مجتمعة ، التي يتعامل الكثير منها مع المسلمين الوافدين إليها بشتى أساليب الرفض والحقد والكراهية والبغضاء . إن جل ما يريد دهاقنة الإسلام السياسي الوصول إليه هو وضع المسلمين القاطنين في أوربا في حالة دائمة من الصراع مع مجتمعاتهم ليبرروا نظريتهم في المؤامرة على الإسلام والمسلمين ، هذه النظرية التي تفتقر يوماً بعد يوم إلى أي سند علمي أو حقيقة ملموسة تُقنع مَن يعيش في هذه المجتمعات فعلاً . إنهم يريدون من وراء ذلك تثبيت مواقعهم التي أصبحت تتهاوى يوماً بعد يوم في المجتمعات الأوربية مما إظطرهم إلى تبني الأعمال الإرهابية للإشارة إلى وجودهم . وما أعمال الإرهاب وقتل الأبرياء التي قاموا بها في إسبانيا وبريطانيا ومحاولاتهم الفاشلة في ألمانيا إلا بعض الأمثلة على هذه التصرفات الإجرامية التي أصبحت في الواقع ديدنهم في كل مكان والذي أبتلي بها وطننا العراق أيضاً .
فما العمل إذن...؟ إن واقع الحياة يفرض على كل مَن إطلع على تفاصيل حياة المسلمين في أوربا أن يدلو بدلوه في هذا النقاش شريطة ان يحكم ضميره أولاً قبل عواطفه ، وعدم ترك الساحة التثقيفية في هذا الموضوع لذوي الرؤوس التي تشرنقت داخل الفكر المتخلف ولا تجد لها سبيلاً إلى الإفلات منه . إنها عقول تسعى إلى أن يحكم الأموات الأحياء ، لتبعد المجتمعات عن الإبداع ، حيث يعتبر فقهاء السلاطين أن كل إبداع بدعة وإن كل تفكير تكفير .
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِن هالمال....حَمل إجمال
-
تخبط ملالي ولاية الفقيه
-
أولُ غيث أكاذيب ولاية الفقيه
-
مآزق منظري ولاية الفقيه القسم الثالث
-
مآزق منظري ولاية الفقيه القسم الثاني
-
مآزق منظري ولاية الفقيه القسم الأول
-
ديمقراطية الإختيار بين الأرنب والغزال في ولاية الفقيه
-
- أشو ياهو التكضه صار صدام.......وأكو صدام بس لابس إعمامه -
-
خطابان في الميزان
-
الدولة الوهابية وولاية الفقيه نظامان لدكتاتورية واحدة
-
حذاري من تشويه جوهر القضية الكوردية من خلال تصرفات بعض الكور
...
-
تحقيق السلام في الشرق ألأوسط رهين بوحدة قوى السلام العالمية
-
إبداوا بإصلاح أنفسكم أولاً....يا فرسان الحملة الإيمانية الجد
...
-
شرف آخر للشيوعين العراقيين
-
مفهوم الثابت والمتغير في خطاب الإسلام السياسي
-
تعريف الأطفال بالأول من آيار في ألمانيا
-
رجوع الشيوخ إلى صِباهم
-
التاسع من نيسان......ما له وما عليه القسم الثاني
-
التاسع من نيسان......ما له وما عليه القسم الأول
-
بطاقة حب إلى الحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|