|
الخلافة وولاية الفقهية.. نقاط مهمة
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2711 - 2009 / 7 / 18 - 08:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا البحث هو جزء من سلسلة بحوث متصلة فيرجى الانتباه. في حقبة القرون الثلاثة التي تلت قيام الدولة العباسية و تحول الأمم الإسلامية إلى نظم متعددة فكريا و سياسيا، فقد بدأت بوادر حركات فكرية و عقلية فظهرت فرق و مذاهب و فلسفات، و معروف لدى الباحثين أن المسلمين لم يختلفوا في شيء بقدر اختلافهم على الحكم و الخلافة و طبيعتها، و هو الأمر الذي جعل الشيخ علي عبد الرزاق يقرر رأيه فيرى أن مسألة الحكم ليست شأنا مقدسا و أن لا حق إلهي للحكام و أنه شأن شعبي يقوم على اختيار الناس، و هو في كتابه يفند المزاعم التي ساقها الفقهاء لفرض طاعة الحاكم على الناس و تحداهم أن يأتوا بآية قرآنية واحدة تكفل لهم هذا الاستنتاج، و حتى الآيتان اللتان طرحهما البعض و هما ـ {{ 4 ـ 62 يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله و أولي الأمر منكم}} و الآية ـ {{ 4 ـ 85 و لو ردّوه إلى الرّسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذّين يستنبطونه منهم}} لا تنهضان بالمعنى الّذي يسوقونه لأن تفاسير السنة كشرح البيضاوي و الزمخشري تنصان على أن المقصود بها هم علماء كانوا في زمن النبي كما أنها تنحصر في شأن الدين دون النظام السياسي. غير أن من يعتقد بالولاية و نص النبي على علي بن أبي طالب خليفة من بعده و هم بالخصوص الشيعة الإمامية الجعفرية و الشيعة الإسماعيلية و الزيدية يتم مناقشتهم من جهة أخرى، فخليفة النبي هنا معصوم و إمامة المعصوم تختلف في أن الإمام غائب في عصرنا الحالي و بالتالي انفصل عالم التشريع الإلهي عبر المعصوم إلى العالم الزمني النسبي الذي يتساوى فيه الفقيه و غير الفقيه، من هنا كان النظام العلماني في الوسط الشيعي أكثر إلحاحا و ضرورة منه في العالم السني الذي تبدو عقيدته كدين بلا هدف أو قضية، بينما العقيدة الشيعية كما المسيحية و اليهودية ذات عمق فلسفي آخروي تقوم على الفصل بين المطلق و النسبي لأن النسبي لا يمكن له أن يهيمن أو يدرك المطلق اللا نهائي. إن الحكم مسألة إدارة و سيطرة ذات بعد زمني لا يشبه البعد الديني للقضايا الروحية، و النبي لم يكن ملكا و لا جبارا و كذلك كان علي إمام هداية رغم وجوده خارج السلطة و طاعته اختيارية ـ دنيويا ـ إجبارية آخرويا، بمعنى أن على الناس اتباعه اختيارا لا جبرا أو قهرا، بينما تبقى الإشكالية الضبابية في الوسط السني الذي تهيمن عليه ثقافة الغلبة و حكم الأقوى أو بعبارة أدق تشريع قانونية و شرعية القوة الغاشمة و منها اشتهرت العبارة المعروفة لأحد الصحابة "نحن مع من غلب"، أي أن الناس يطيعون الأقوى و إن كان الأسوأ لهم بينما يقاتلون الأصلح و إن كان فيه خيرهم، بالتالي خرج الدين من طبيعته ليكون تابعا للسلطة يصلح بصلاحها و يفسد بفسادها، فكان رجل الدين السني موظف الحاكم و السلطة طوال تأريخه و هو يعكس رأي السلطة لا النصوص أو المنطق. و الشيخ عبد الرزاق ينكر زعم ابن خلدون من أن الأمة أجمعت على وجوب تنصيب الخليفة أو الإمام، و هو زعم يفتقر إلى الدليل، حيث لا النصوص و لا التاريخ يشهد به، و اعتراضه سليم من حيث أن لا آية تشير إلى وجوب تنصيب الحاكم و ما تجده من أدلة يستشهد بها الشيعة حول إمامة علي هو محط شأن مختلف بمعنى أن الإمامة هنا لا تشير إلى حكم إسلامي إلا بوجود المعصوم و هو غير موجود الآن، و البخاري في شأن ولاية أبي بكر ينقل عن عمر بن الخطاب بأنها كانت فلتة الحديث 6328 بمعنى أن الأمور لم تجري وفق تخطيط إلهي بل وفق عمل إنساني بحت و حديث عمر ذاته يتحدث مطولا عن الجدال الذي جرى بينه و أبي بكر و أبو عبيدة ـ و لم يكن هناك أي شخص آخر ممثلا عن المهاجرين ـ و الأنصار الأوس و الخزرج من جهة أخرى، من هنا تدل القرائن أن الخلافة شأن ابتدعه الناس و أظفى عليه وعاظ السلطان الكثير من التقديس و الاحترام. و الجدير بالملاحظة أن الشيخ علي عبد الرزاق استند إلى أحاديث طاعة البغاة و الظالمين على أن هذه الأحاديث لا تعني شرعية الظلم أو البغي و رغم أننا نعتقد أن أغلب هذه الأحاديث موضوعات من الأمويين و العباسيين إلا أن استنتاج الشيخ هنا مفيد من حيث قطع طرق التبرير التي تجيز لكل أحد الخروج على القانون و النظام تحت شعار المظلومية مع العلم لو رفضوا الظلم سلميا و تعاونوا على إيقافه بالوسائل السلمية لأمكنهم ذلك، يقول الشيخ علي عبد الرزاق: أولسنا شرعا مأمورين بطاعة البغاة و العاصين، و تنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا و كان في مخالفتهم فتنة تخشى، من غير أن يكون ذلك مستلزما لمشروعية البغي، و لا لجواز الخروج على الحكومة. أولسنا أمرنا شرعا بإكرام السائلين، و احترام الفقراء، و الإحسان إليهم، و الرحمة بهم، فهل يستطيع ذو عقل أن يقول أن ذلك يوجب علينا شرعا أن نوجد بيننا الفقراء و المساكين. و لقد حدثنا الله تعالى عن الرق، و أمرنا أن نفك رقاب الأرقاء، و أمرنا أن نعاملهم بالحسنى، و أمرنا بكثير غير ذلك في شأن الأرقاء، فما دل ذلك على أن الرق مأمور به في الدين، و لا على أنه مرغوب فيه. و كثيرا ما ذكر الله تعالى الطلاق، و الاستدانة، و البيع و الرهن، و غيرها، و شرع لها أحكاما فما دل ذلك بمجرده على أن شيئا منها واجب في الدين، و لا على أن لها عند الله شيئا خاصا. فإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم قد ذكر البيعة و الحكم و الحكومة و تكلم عن طاعة الأمراء، و شرع لنا الأحكام في ذلك فوجه ذلك ما عرفت و فهمت. (الإسلام و أصول الحكم ص 125 ـ 126 ) إن هذه الإلتفاتة دقيقة بمكان و هي تكشف لنا بوضوح أن كل مزاعم الأحزاب الإسلامية حول شرعية الحكم الديني لا أساس ديني لها و أن مواقفهم التي خلطوا فيها بين الدّيني و السياسي أساءت إلى الدين أولا من حيث جعلته شأنا للنفاق السياسي و المراءات و المساومات كما أن السياسة فسدت هي الأخرى بفعل اختلاطها بالمقدس و بالتالي خلق هالة من التقديس حول الحكومة و أرباب السلطة و ما إلى ذلك، من هنا فإن الشأن السياسي و هو ذلك المنطق المتعلق بمتغيرات الواقع و المصالح جعلت من الدين و هو ذو الارتباط بالمطلق الذي لا يمكن نيله إلا عبر التجربة الفردية، إذا به شأنا نسبيا و محدودا و ناقصا، لكن حينما يتم فصل الدين عن المحدود فإن الواقع يتغير لصالح التجربة الدينية الناجحة.
Email: [email protected] Web: http://www.sohel-writer.i8.com
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخلافة -البابوية الإسلامية-
-
مدخل إلى إشكاليات العلاقة بين العلمانية و الإسلام
-
الأزمة العراقية... و النافخون في النار
-
انتخاب نجاد... إعلان حرب
-
نظام رئاسي برلماني و لعنة -التوافقات-
-
من أجل ائتلاف عراقي ديمقراطي إنساني
-
التوافق... خطوات لإلغاء هذا المصطلح النفاقي
-
الرئيس المتوافق عليه... ليس منتخبا
-
رسالة إلى أخي العباسي.. حول -قصور الملالي-
-
العراق و المواجهة الحتمية بين إيران و الولايات المتحدة
-
سايكوباثية -السياسي- العراقي و علاجات -الفقيه-!!
-
حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!
-
9 نيسان... يوم إسقاط هبل
-
هوية العراق (إنسانه رخيص)!!
-
مجتمعات القسوة و -أعمى العمادية-!!
-
المقاومة القذرة بين سقوطين
-
عمرو بن العاص و الاستراتيجية العراقية
-
بين جدّي و صدّام حسين
-
معايير الإنسحاب من العراق بقلم دانييل بليتكا*
-
أدباء و مثقفوا -هارون الرّشيد- في عراقنا الجديد
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|